عنوان الموضوع : شبح المحطة- قصص
كاتب الموضوع : مريم
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

شبح المحطة


قطار البضائع قادم من الاسكندرية
في مدينة (طوخ) المصرية بمحافظة (الدقهلية)..حدثت واقعة أنقل في السطور التالية وقائعها كما سجلها القائم مقام (عقيد) (حسن إبراهيم الجارحي) في دفتر مذكراته وكان رحمة الله عليه قبل إحالته الي التقاعد عام 1948 من أكفأ رجال الشرطة المصرية..وقضي بقية عمره يروي ذكرياته ويكتب مذكراته حتى مات في يناير1965..
يقول القائم مقام (الجارحي):
(عندما تخرجت من (مدرسة البوليس) (كلية الشرطة) برتبة (ملازم ثاني) عينت في مركز (طوخ)..
وبعد أيام من تعييني..وفي عصر يوم من أيام الشتاء الباردة تعطل وابور (قطار) بضاعة قادم من (الإسكندرية) فتوقف علي الخط الرئيسي قبل محطة (طوخ) بحوالي ثلاثة كيلو مترات ولم يكن قد بقي علي مرور القطار السريع (الإكسبريس) المتجه إلى (القاهرة) سوى نصف ساعة..
إلا أن سائق قطار البضاعة تمكن من تنبيه سائق القطار السريع فخفف من سرعته حتى توقف..
ثم دفع قطار البضاعة أمامه حتى أدخله علي خط فرعي..ثم عاد ليواصل سيره بعد ذلك الي (القاهرة) بسلام..
وتقرر تخزين قطار البضاعة حتى الصباح انتظارا لمجيء قاطرة لجره..
كانت أول مشكلة تواجهني منذ تسلمت عملي كضابط.. فقد كلفني المأمور بحراسة القطار الذي تحمل عرباته آلاف الأجولة من القمح..
فقررت المبيت في غرفة ناظر المحطة لأتولى الإشراف علي الحراسة بنفسي..واصطحبت معي أربعة عساكر..
ووزعتهم على نقاط حراسة في المنطقة حول القطار..
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تقريبا دوت صرخة استغاثة..
سمعت بعدها وقع أقدام تهرول علي رصيف المحطة..
على الفور انطلقت خارج حجرة الناظر مستقصيا الأمر..فلم أجد شيئا..
فتشت الرصيف ذهابا وإيابا وأنا أحمل مسدسي متحفزا..
ولكن لا شيء سوء الظلام والسكون..فازداد توتري..
جمعت العساكر الأربعة..وحذرتهم من مغبة أن يكون أحدهم قد أطلق الصرخة علي سبيل المزاح السخيف.. وهددت بسجن من يثبت أنه فعل ذلك فأقسموا جميعا ببراءتهم..
بل إن أحدهم قال إنه سمع مثل ذلك في ليال سابقة عندما كان يتواجد للخدمة في المحطة في بعض المناسبات.. ولكنه خشي أن يتكلم سابقا حتى لا يتم اتهامه بالجنون ويفصل من الخدمة..
ولكنني نهرته وطلبت من العساكر العودة إلي أماكنهم التي كنت قد حددتها لهم..وتوجهت إلي غرفة الناظر وأنا أعاني من إحساس حقيقي بالاضطراب المختلط بالخوف وجلست خلف المكتب متحفزا..
وبعد حوالي نصف ساعة حدث ما يلي..

بدا كأنه انسان من ضباب بدون رأس
انفتح باب الغرفة ببطء ليدخل منه ما بدا لي أنه جسد إنسان من ضباب ولكنه بغير رأس.. وتقدم نحوي بخطوات ثابتة، حتي توقف أمامي لا يفصله عني سوي المكتب..
ثم تناول القلم، وكتب علي ورقة بسرعة رهيبة وبخط مضطرب:
(أنا (عبد التواب مصيلحي).. ذبحني اثنين حرامية (لصان ملثمان) من 3 شهور..وسرقوا 3000 جنيه كنت واخدها من الحاج (أحمد عبد الغفار) اللي أنا شغال عنده عشان أحطها في حسابه في فرع (بنك مصر) ببنها.. ودفنوا رأسي علي بعد 6متر من رصيف المحطة من الجهة القبلية.. وحطوا جسمي على سكة القطر من غير ما حد يشوفهم.. عايز رأسي تندفن مع جسمي عشان أرتاح)
ويستمر كاتب المذكرات في روايته الغريبة فيقول:
سقط القلم فوق الورقة.. واختفى الجسد من الغرفة..كل هذا وأنا متجمد من الرعب لم أحرك ساكنا..
وإن كنت أقاوم بصعوبة بالغة شعوري بالغثيان والدوار الذي يكتنفني حتى لا أسقط مغميا علي ويفتضح أمري بين العساكر..
وبعد ثوان دوت الصرخة من جديد وتبعها صوت الأقدام تهرول بعنف علي الرصيف وأنا في مكاني فوق الكرسي لا اقوي علي الحركة..
ومع أول خيوط الفجر..أفقت من ذهولي وأحسست أن قلبي قد عاد ينبض من جديد..
كنت أتمنى أن يكون ما حدث مجرد حلم..ولكن الورقة التي أمامي تنفي ذلك نفيا قاطعا..
أمسكت الورقة بأصابع مرتجفة وقرأتها عدة مرات.. وبدأت أستعيد نفسي وأفكر بعمق..
كان من المستحيل بطبيعة الحال أن أرفض تصديق ما حدث بعد أن رأيته بعيني وسمعته بأذني..
وكان من المستحيل كذلك إبلاغ المأمور بما جاء في الورقة التي كتبها (عفريت)..
وبقيت أياما أعاني من التوتر والحيرة..قبل أن اهتدي الي الحل..
فكتبت علي الآلة الكاتبة بلاغا للنائب العام بتوقيع فاعل خير..
ذكرت فيه تفاصيل واقعة القتل والسرقة ومكان دفن الرأس..
وبالطبع دارت الأمور في دورتها الطبيعية..
وحضر رجال المباحث والنيابة لجمع التحريات وإجراء التحقيقات مع بعض الأشقياء المشتبه فيهم..
كنت حريصا علي مرافقتهم أثناء بحثهم عن الرأس المدفون بالقرب من رصيف المحطة..
وكانت المفاجأة مذهلة لي دون الجميع عندما تم العثور علي جمجمة في نفس المكان الذي حدده (العفريت)..
أما المفاجأة الثانية فكانت ما جاء في تقرير الطبيب الشرعي بعد ذلك..
فقد أفاد بأن الجمجمة هي لجثة القتيل (عبد التواب مصيلحي) التي تم العثور عليها ملقاة علي قضبان السكة الحديد منذ ثلاثة أشهر وقد مزقها القطار..
وتم التعرف عليها يومئذ بواسطة أسرته عن طريق الوشم المكتوب علي الساعد الأيمن
ويختتم القائم مقام الجارحي روايته بقوله:
أذنت النيابة بعد انتهاء التحقيق بتسليم الجمجمة إلي أسرة القتيل لدفنها مع جثته في قبره..
ومنذ ذلك اليوم اختفى تماما صوت صرخات الاستغاثة والأقدام المهرولة علي رصيف محطة (طوخ)..
أما الورقة التي كتبها (العفريت) فمازلت احتفظ بها معي..

.................................................. ..............................


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً:





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©