عنوان الموضوع : أحد مجاهدي منطقة جانت
كاتب الموضوع : chichaki
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن


بحث قصير حول حياة العلامة القاضي
( عبدو بن الصالحين )






أكتوبر:1996 إعداد : بوجمعة فوندو
إمام مسجد الرحمة
زلواز جانت



بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وبعد: لما كان علم التاريخ ومعرفة الأئمة من علماء الدين من الأمور المهمة والتي ينبغي أن يعتني كل لبيب ، إذ هم حملة الشريعة المحمدية ونقلة الدين ، و به يتميز الصالح من الطالح ، ويعرف ذو العدل منهم ، ومن هو مجهول ، ويعطي كل ذي حق حقه .
وبتكليف من السيد ناظر الشؤون الدينية وبتشجيع منه أيضا ، أضع بين أيديكم هذا البحث المتواضع عن حياة الشيخ القاضي عبدو ، لإثرائه ومناقشته علما بأنني لست من أهل الاختصاص وليست لي تجربة في هذا الميدان ، لكنه جهد المقل لذا أعتذر لكل لبيب يجد نقصا في هذا الموضوع ، وهذا لانعدام المصادر التي يجب أن يرجع إليها اللهم إلا ما تحمله قريحة كبار السن من الذين عاشوا عصر هذا الرجل الفذ ، ممن منهم مازالوا على قيد الحياة ، أو قليل من المخطوطات التي تدل على أثار الشيخ ، ولقد قسمت هذا البحث القصير إلى ثلاث فقرات يستخلصها القارئ من خلال قراءته لهذا البحث ، أذكر في الأولى نسب الشيخ وطفولته وفي الثانية تلقيه للعلم وجلوسه للتدريس وفي الثالثة توليه القضاء إلى حين وفاته .









01
من هو القاضي عبدو ؟ (1)
عبدو بن هو الصالحين بن أبه بن اعدال بن ادني بن إبراهيم بن داود بن اكني من عرش بري ، ولد بجانت سنة 1862 بحي جاهيل من أبوين فقيرين حسب ما أدلى لنا به ولده( السنوسي رحمة الله عليه )، والذي رزق به بعد طول انتظار وبعد ما عزما على الفراق ، وبمشورة من احد الأصدقاء .
والد الشيخ أمسك زوجته حتى رزقهما الله بعبدو ، ومن حسن حظه أنه كان الأول والأخير عند أبويه ، أحاطوه بعناية فائقة وبعد بلوغه السن السادسة أو السابعة من عمره ادخلاه كتاب الشيخ أبو بكر ( توكة ) وهذا بمسقط رأسه جاهيل ، وبعد ما حفظ القرآن الكريم انتقل لدراسة مبادئ الفقه والعلوم الإسلامية على يد الشيخ (السنوسي ) بالزاوية الكائنة آنذاك بحي الميهان ، ونظرا لقلة العلماء البارزين في المنطقة في ذلك الوقت انتقل الشيخ عبدو إلى بلدة غات بالجماهيرية العربية الليبية رفقة احد أصدقائه وهو السيد مرموري اخموك ، والذي أصبح فيما بغد مقدما مندوبا للطريقة السنوسية بجانت .
وللعلم فإن الشيخ عبدو لما غادر جانت كان متزوجا زواجه الأول ، لكن حبه للعلم جعله يترك أهله وعائلته وراء ظهره ، من اجل أن يسد ذلك الفراغ الروحي الذي كان يحس به ، وعملا بقول الله عز وجل (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعو إليهم لعلهم يحذرون ) صدق الله العظيم (من سورة التوبة ) .
ومن بلدة غات انتقل إلى مدينة (واو) حيث كانت آنذاك من عواصم الإشعاع الفكري والعلمي .
تتلمذ الشيخ هناك على يد علماء بارزين أمثال الشيخ عبد الرحمن احداد والعلوي الشنقيظي والشيخ محمد علي حفش ، ومن مدينة (واو) انتقل الشيخ عبد والى (الكفرة) ومنها إلى (مرزق) .







02
وحسب شهادة أدلى بها احد كبار السن في بلدة غات للسيد دجيدار محمد وهذا السيد يسمى مصطفى بن عبد الرحمن الساكن بحي (تونين) يقول شاهدنا الشيخ عبدو يتلقى العلم على يد الشيخ اده المعروف بعبد السلام بن الحاج احمد الأنصاري ، كما كان يتلقى العلم عن الشيخ التبيني من منطقة (تساوت) ، والشيخ محمد علي حفش .
وكذا الشيخ مصطفى الشنقيظي والشيخ مولاي الزين الشنقيظي أيضا ، وكان الشيخ عبدو يسكن وقتها عند زعيم ازقر المسمى ابوبكر بن اللقوي ، وكان هذا الأخير كما يقول صاحب هذه الشهادة يجمع عنده العلماء والطلبة لمناظرة ومناقشة الشيخ عبدو
وبعد سبع أو عشرة سنين على اختلاف الأقوال وبعد نبوغه قي شتى مجالات العلم والمعرفة رجع الشيخ عبدو إلى مسقط رأسه جانت ليفتح مدرسة قي بيته حيث اقبل عليه أهل المنطقة صغارا وكبارا .
وبعد وفاة الزوجة الأولى للشيخ والتي كان الله قد رزقه منها بأربعة أبناء ، تزوج مرة أخرى امرأة من قبيلته ورزقه الله منها بتسعة أولاد فكان مجموع أولاده ثلاثة عشرة ذكورا وإناث ولم يبقى منهم الآن سوى اثنان (الحسن ، والسنوسي) .
نشط الشيخ في ميدان التعليم والتدريس الشيء الذي اكسبه شهرة واسعة ، حيث كانت تفد إليه المسائل من شتى أنحاء المنطقة ، كما كان قبلة لأهالي المنطقة في فض النزاعات والخصومات وغيرها .
ولما ذهب الأمام (الطاهر بن طلحة) إمام المسجد العتيق بجاهيل آنذاك لأداء فريضة الحج ، وافته المنية هناك .
بعدها لم يكن احد ليتقدم قبل الشيخ عبدو لإمامة الناس بالمسجد ومن يومها أصبح يجمع بين الإمامة والتدريس .






03
كان الشيخ عبدو يجلس مرتين في اليوم للتدريس ، مرة في الصباح ومرة في المساء ، جلسة الصباح تكون ببيته وجلسة المساء تكون بالمسجد ، كما كان يدرس لطلبته مختلف العلوم الإسلامية والفقهية ابتداء من مختصر الشيخ الاخضري للمبتدئين ثم متن ابن عاشر ، والرسالة لابن أبي زيد الفيروائي ، وابن رشد ، ومختصر خليل .
هذا فيما يخص الفقه ، أما فيما يخص اللغة والنحو ، (متن الرحبية) أما فيما يخص الحديث : فكان الطلبة يتلقون منه صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك ومما تجدر الإشارة إليه أن التدريس لكل المواد كان باللغة المحلية (التارقية) ما عدا النحو فبالعربية هذا ما صرح لنا به ولده السنوسي رحمة الله عليه .
ولما دخلت القوات الاستعمارية الفرنسية منطقة جانت سنة 1911 كان الشيخ عبدو كغيره من العلماء الذين يؤمنون بأن حب الوطن من الإيمان فحارب فكرة الاستعمار بقلمه ولسانه ، كما تفيد بعض الأخبار انه كان يراسل المجاهدين المتمركزين بليبيا ليطلعهم غلى كل تحركات الجيش الفرنسي بالمنطقة ، وبسبب العيون التي تبثها فرنسا هنا وهناك ، لتتبع أخبار وتحركات المناهضين للاستعمار ، وبعد ما القي القبض على القائد الحسن والحكم عليه بالإعدام ، جاء دور الشيخ عبدو فهوجم بيته منتصف الليل والقي القبض عليه لينفذ فيه حكم الإعدام هو الأخر.
لكن شاء الله أن يفلت من قبضة العدو ليفر الى الجماهيرية الليبية مشيا على الأقدام ، حيت كان مستقره في واحة (الكفرة) أين التحق بالمجاهدين الجزائريين حيت كان الشيخ أمود .








04

وبعد الهدنة التي أعلنت بين المجاهدين والقوات الفرنسية بالمنطقة سنة 1920م ، رجع الشيخ إلى وطنه ومسقط رأسه ليستأنف نشاطه من جديد بعد انقطاع دام عدة سنوات ..
ولما تولى الحاكم الفرنسي (فريمو) حكم المنطقة وبعد وفاة القاضي الشرعي للمسلمين بزلواز المسمى الحاج محمد كوسو رأى أن ينصب الشيخ عبدو قاضيا خلفا له .
رغم رفضه لهذا المنصب الحساس ولمكانته وشهرته في المجتمع وللتقدير الذي يحظى به عند كل الأهالي أرغم عليه حتى قبل على مضض ، ليزيده حملا على حمله ، التدريس والإمامة والقضاء .
فبقي الشيخ يشغل كل هذه الوظائف ، وحسب تصريح ابنه ( الحسن رحمة الله عليه) انه وبعد ما تولى القضاء أصبح يتقاضى أجرا زهيدا عن كل قضية يفصل فيها ، قدره دينارا ونصف يدفعه المتحاكمان .
قام الشيخ عبدو بمهامه ، الإمامة ، القضاء ، والتدريس ، على أكمل وجه ومن اشهر تلاميذه .
1) مرموري اخان
2) حودي الحسن
3) الحاج منصور
4) جيدار العابد
5) متيتة الحاج اسوف
6) قاسو محمد بن المصطفى وغيرهم ممن على قيد الحياة .
أما فيما يخص تاليفاته ومخطوطاته ، فإننا لم نعثر له على تأليف غير إننا وجدنا له وعند بحثنا عن حياة هذا الرجل شرحا مختصرا لقصيدة البردة للإمام البصري رحمه الله ، وشرحا على متن الهمزية لنفس الإمام ، دون أن يضع لهذين الشرحين عنوانا ، لان الشرح على هامش المطبوع كما وجدنا له شرحا مختصرا كذلك على متن المرشد المعين .
أما المخطوطات : فوجدنا له مخطوط مختصر خليل ، وبعض المدائح الدينية ، وهذه الشروح والمخطوطات كلها الآن بين ابنه السنوسي .







05
أما فيما يخص القضاء والأحكام التي كان يحكم بها : وجدنا سجلا للقضاء يحوي بعض القضايا المتنازع بين أهل المنطقة والتي كانوا يرجعون في حلها للشيخ عبدو بصفته قاضيا للبلد .
وللإشارة فإن هذا السجل لم يتحصل عليه إلا في المدة الأخيرة من حياته حسب ما أدلى لنا ولده ، أن يرجع تاريخ القضية الأولى المسجلة فيه إلى سنة 1948م وهي متعلقة بنخلة بين رجل وامرأة ، ومما تجدر الإشارة إليه أيضا أن القاضي عبدو كان يفضل في القضايا بحضور كل الطاقم الحكومي في وقته كما هو ثابت في القضية الأولى التي ذكرناها ، إذ حضر الفصل في القضية كما وجدنا بخط الشيخ عبدو كل من : الفسيان (كما كانوا يسمونه) آنذاك والقائد عبدا لله بن كاظة ، والطبيب ، ولشاف ، والخوخة ، والشيخ بن عامر ، وبديدي بن يونس ، والقاضي عبدو بن الصالحين وذلك يوم 21 ماي 1948م .
وبعد الفصل في كل قضية ينقل السجل إلى مكتب الحاكم الفرنسي لترجمة القضية باللغة الفرنسية وتأثيرها وهكذا بالنسبة لسجل الوفيات الذي وجدناه كذلك ، والذي يرجع تسجيل اول حالة وفاة فيه بخط القاضي عبدو إلى يوم 05 من شهر أوت سنة 1946م .
والسجلان الان بين يدي ابنه الحسن .
وهكذا عاش الشيخ عبدو حياته بين العلم والإمامة والقضاء ، كما عاش يحظى بتقدير وإحترام كل أهالي منطقته وكل الذين عرفوه حتى الأجانب منهم ، إلى ان حضره اجله بعد مرض الزمه الفراش بضعة أيام .
وبعد وفاته والفراغ من تجهيزه ودفنه بمقبرة (جاهيل) مسقط رأس الشيخ قام الحاكم الفرنسي آنذاك المدعو (الكمندو لولياف) والذي حضر مراسيم تشيع جنازته ، ألقى خطابا أثنى عليه فيه ، وشهد له فيه بالمكانة والعدالة طول المدة التي عرفه فيها ، كما دعا لأبنائه بالبركة .
وكان ذلك يوم 07 ماي 1953 م ، رحم الله الشيخ عبدو ورحم الله كل الشهداء والعلماء واسكنهم فسيح جناته .
وفي الختام أتقدم بالشكر الجزيل لكل من مد لنا يد المساعدة في إعداد هذا البحث المتواضع.

إعداد السيد : بوجمعة فوندو
إمام مسجد الرحمة



06




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©