عنوان الموضوع : الحاج دحمان - الجزء الأول -
كاتب الموضوع : hamida
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

مرت بسرعة تلك الأيام ،و سرعان ما كبرت شجرة الزيتون لتصبح أكثر من البيت ارتفاعا ، وصار الأولاد شبانا و عربدت بعض الفاتنات في الحي متباهيات بجمالهن و خصوبتهن ، و ليس اليوم في الحي غير ذكريات متوارية خلف النسيان ، و بعض العصابات من المراهقين . زمن ولى كان سرا دفينا عسير الكتمان !! و ها هو يعود متحديا سكون الحي و رياحه المحملة بالأتربة . عاد بالقميص المفتوح فوق الصدر و السروال العريض و الشعر الكثيف . و كانت الشمس الحارة تقف وسط السماء معلنة حضر التجوال.. و لكنه رغم ذلك سار مستأنسا بظله و عبر الطرقات الضيقة في حذر حتى وصل إلى بيت أمه . دخل من غير طرق و هتف باسما في حذر :
- أمي.... لقد عدت أيتها العجوز الطيبة !
ارتعد جسمها الهزيل. و لمعت حبات العرق فوق جبينها و نحرها و قالت في لهجة تشي بالسعادة و الخوف :
- ولدي جمال لقد عدت أخيرا أيها الشقي ! و لكنك بعد في خطر.
- لن أعيش بعد اليوم مستخفيا كالفأر . قرار كالقدر .
- و لكن الجميع يطاردك و أتباع "الحاج دحمان " في كل مكان و هم يتمنون لك الموت في اليوم ألف مرة
- فليفعل ما يشاء هو و أتباعه و لكني بريء بحق .
- يا ولدي إنهم يريدون قتلك.... و من يبحث عن الانتقام لا يؤمن بالبراءة .
و قبل ذلك بكثير كان جمال يمقت الحاج دحمان ، و تمنى له الموت مرارا. و لكن أمنيته لم تتحقق . لأنه من السلالات المعمرة .... و تذكر اليوم الذي أقبل فيه الحاج دحمان و أتباعه لهدم كوخهم الهرئ و كان جمال يومها طفلا بريئا لا يعرف من الحياة سوى اللعب و الجري و الابتسام !!
- أخرجي أيتها العجوز من أرضي .
- حرام عليك يا حاج !! . . . . إرحم هذا الطفل .
- قلت اخرجي من أرضي قبل أن أهدم عليك البيت ...... و حديث العواطف ما أبعدني عنه .
و في الأثناء تجمع أبناء الحي . و كلهم يخفون في القلب حصرة لا تحتمل ، من يمنع الحاج دحمان ؟ و من يوقفه ؟ إنه من الأثرياء و الوثائق تثبت أنه مالك الأرض .
- العجوز المسكينة، إنها تصرخ يائسة .
- و ذلك ابنها الصغير يتشبث في ردائها من غير حول !
- فليكن الله في العون .
- ما أقسى الحاج دحمان !!
- اهتز عرش السماء يوم وقع الظلم
و أقبل أتباع الحاج دحمان يهدمون الكوخ ، و أثارت معاولهم و فؤوسهم الغبار في الأجواء ، و على كثب وقف الحاج دحمان مستمتعا بالنصر المبين ،و اختلط غبار الهدم بدموع العجوز و الصبي . و قال الظلم كلمته الأخيرة .... و بعد برهة انصرف الحاج و أتباعه و أقبل جمال يبحث بين الطوب عن أغراضه !!
* * * * * * * * * * * * *
نظرت خالتي محجوبة إلى جمال و كان واقفا عند النافذة فوجدت أن ملامحه تقول شيئا و أن قلبه يخفي أشياء كثيرة و قالت متوسلة :
- جمال . عندي مليون أمنية . ازهدني في جميعها و حقق لي واحدة منها فقط .. أرجوك عد إلى سطاوالي و اختبئ ريثما تستقيم الأوضاع .
نظر إليها بعطف و قال مازحا :
- دعينا من المخاوف و احكي لي قصة الغول و الأرنب .
و لكن الأم عادت لتوسلاتها من غير توقف :
- جمال . لقد أقسم الحاج دحمان على قتلك بيده أو بأيدي رجالاته لو رآك في الحي ثانية ... عد و اختبئ حتى لا أفجع فيك فجيعة والدك ..
تذكر الطوب ، و الأغراض ، و الدموع ، و على الفور رفض توسلاتها .
* * * * * * * * * * * * * *
شب الحريق بسرعة و انتشر ليشمل مزروعات الحاج دحمان و محاصيله ..و سيطر على جو السماء دخان أسود نكد . أما رائحة الحريق فكانت كالزفت أو أمقت ، و جرى رجال الحاج من غير وجهة محددة ،خطوات هلعة متسارعة و دلاء الماء تأتي تباعا من بئر الحي ،ما أهول هذا الحريق . إنه كالبركان.... ساعدت الريح في تذكية النار و امتدت في كل الجهات. و ساعدت حرارتها في تضعضع جهود الرجالات و ذهابها سدى . و مع نهاية النهار أتت النار على كل شيئ .
جلس الحاج دحمان فوق التلة غير مصدق لما حدث ، و استند إلى صخرة و وضع رأسه بين يديه !!
***يتبع****



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©