عنوان الموضوع : شخصية (مالكوم ليتل ,او مالكوم إكس)
كاتب الموضوع : admin
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن
مالكوم إكس (19 مايو 1925 - 21 فبراير 1965)، واسمه عند مولده: مالكوم ليتل، ويُعرف أيضاً باسم الحاج مالك الشباز، هو داعية إسلامي ومدافع عن حقوق الإنسان، وهو أمريكي من أصل إفريقي (إفريقي أمريكي). بالنسبة لمحبيه: كان مالكوم إكس رجلاً شجاعاً يدافع عن حقوق السود، ويوجِّه الاتهامات لأمريكا والأمريكيين البيض بأنهم قد ارتكبوا أفظعَ الجرائم بحق الأمريكيين السود. وأما أعداؤه ومبغضوه فهم يتهمونه بأنه داعيةٌ للعنصرية وسيادة السود والعنف. وقد وُصف مالكوم إكس بأنه واحدٌ من أعظم الإفريقيين الأمريكيين وأكثرهم تأثيراً على مر التاريخ.
قُتل والد مالكوم إكس على يد مجموعة من العنصريين البيض عندما كان مالكوم إكس صغيراً، كما أن واحداً على الأقل من أعمامه قد أُعدم دون محاكمة، وأما أمه فقد وضعت في مستشفى للأمراض العقلية عندما كان في الثالثة عشر من عمره، فنُقل مالكوم إكس إلى دار للرعاية. وفي عام 1946م، أي عندما كان عمره عشرين سنة، سُجن بتهمة السطو والسرقة.
في السجن، انضم مالكوم إكس إلى حركة أمة الإسلام، وعندما أُطلق سراحه عام 1952م ذاع صيته واشتهر بسرعة، حتى صار واحداً من قادة الحركة. وبعد عقد من الزمان تقريباً، صار مالكوم إكس المتحدث الإعلامي لهذه الحركة. ولكن بسبب وقوع خلاف بينه وبين رئيس الحركة إلايجا محمد، ترك مالكوم إكس الحركة في مارس 1964م. سافر مالكوم إكس بعد ذلك في رحلة إلى إفريقيا والشرق الأوسط، أدى خلالها مناسك الحج، ثم عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فأنشأ المسجد الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية الأمريكية. وفي شهر فبراير سنة 1965م، أي بعد أقل من سنة من تركه لحركة أمة الإسلام، قام باغتياله ثلاثةٌ من أعضاء الحركة.تحولت أفكار مالكوم إكس ومعتقداته تحولاً جذرياً خلال حياته، فعندما كان متحدثاً باسم حركة أمة الإسلام كان ينشر أفكار التفرقة بين الأمريكيين البيض والسود، ويُحرض السود على البيض ويغذي أفكار العنصرية لديهم، وأما بعدما ترك الحركة عام 1964م، فإنه يقول في ذلك: «لقد قمتُ بالعديد من الأمور التي آسَفُ عليها إلى الآن، لقد كنتُ شخصاً متبلد الإحساس آنذاك، أُوجَّه نحو طريق معين وأسير فيه». تحول مالكوم إكس إلى المذهب السني، فابتعد عن العنصرية والتفرقة، وأعرب عن رغبته بالعمل مع دعاة الحقوق المدنية، مع أنه كان لا يزال يُشدد على ضرورة إعطاء السود حق تقرير المصير والدفاع عن النفس.
مالكوم ليتل أو مالكوم إكس - لاحقاً - في طفولته.
النشأة
الأسرة والدي مالكوم هما إيرل ليتل ولويز ليتل. كان والده من أتباع ماركوس غارفي الذي أنشأ جمعية بنيويورك ونادى بصفاء الجنس الأسود وعودته إلى أرض أجداده في أفريقيا. أما أمه فكانت من جزر الهند الغربية لكن لم تكن لها لهجة الزنوج، وضعته وعمرها ثمانية وعشرون عاماً، كانت العنصرية في ذلك الوقت في الولايات المتحدة ما زالت على أشدها، وكان الزنجي الناجح في المدينة التي يعيشون فيها هو ماسح الأحذية أو البواب.[1] ولد مالكوم في 9 مايو 1925 في مدينة اوماها في ولاية نبراسكا وكان الرابع بين ثمانية أبناء. كان أبوه اير ليتل قسيساً معمدانياً وناشطاً سياسياً في أكبر منظمة للسود آنذاك وهي الجمعية العالمية لتقدم الزنوج. كانت حياة عائلة مالكوم عبارة عن سلسلة من النكبات فقد شهد الأب مقتل أربعة من أخواته الستة على يد العنصريين البيض، وتعرض لمضايقات وتهديدات من قبل العنصرين البيض بسبب نشاطاته السياسية، فرحل إلى مدينة لانسنغ في ولاية ميشيغان في العام 1928م. وبعد عدة شهور أحرق منزل العائلة من قبل منظمة كوكلوكس كلان العنصرية فرحلت العائلة من جديد إلي ضواحي مدينة لانسنغ وفي العام 1931 قتل والد مالكوم بصورة وحشية علي يد العنصريين البيض ولكن السلطات ادعت أنه مات دهساً فرعت الأم أطفالها الثمانية دون مورد للرزق ولاسيما أن السلطات حجبت عنها كل الإعانات أو الحقوق المالية وفي العام 1939 أصيبت بانهيار عصبي فأدخلت مصحة للأمراض العقلية.[2] وقبل هذا كان والده حريصاً على اصطحابه معه إلى الكنيسة في مدينة لانسينغ حيث كانت تعيش أسرته على ما يجمعه الأب من الكنائس، وكان يحضر مع أبيه اجتماعاته السياسية في الجمعية العالمية لتقدم الزنوج التي تكثر خلالها الشعارات المعادية للبيض وكان الأب يختم هذه الاجتماعات بقوله:« إلى الأمام أيها الجنس الجبار، بوسعك أن تحقق المعجزات.» وكان والده يحبه للون بشرته الفاتح قليلاً عنه أما أمه فكانت تقسو عليه لذات السبب وتقول له:«اخرج إلى الشمس ودعها تمسح عنك هذا الشحوب.» وعندما بلغ مالكوم سن السادسة قتلت والده جماعة عنصرية بيضاء عام 1931م وهشمت رأسه [1] ووضعوه في طريق حافلة كهربائية دهسته حتى فارق الحياة [3] وتم اتهام والده لاحقاً بالانتحار [4] فكانت صدمة كبيرة للأسرة وبخاصة الأم التي أصبحت أرملة وهي في الرابعة والثلاثين من عمرها وتعول ثمانية أطفال فترك بعض الأبناء دراستهم وعملت الأم خادمة في بعض بيوت البيض لكنها كانت تطرد بعد فترة قصيرة لأسباب عنصرية.[1] وقبل فقد والده فقد مالكوم أربعة من أعمامه على يد العنصريين البيض أيضاً.[5]
بدأت أحوال أسرة مالكوم أكس تتردى بسرعة مادياً ومعنوياً وباتوا يعيشون على المساعدات الاجتماعية من البيض والتي كانوا يماطلون في إعطائها.[6] فقد حاولت الأم أن تحصل على أي معونة اجتماعية لكي تستطيع أن تستمر في تربية الأولاد لكن لم توافق الهيئات الاجتماعية على اعطائها أي معونة لتربية الأطفال.[7] وكانت الأم ترفض وتأبى أن تأخذ الصدقات حتى تحافظ على الشيء الوحيد الذي يمتلكونه وهو كرامتهم، غير أن قسوة الفقر سنة 1934م جعلت مكتب المساعدة يتدخل في حياتهم، وقبلها كان الموظف الأبيض فيه يحرض الأبناء على أمهم. وأصبح الأطفال السود أطفال الدولة البيضاء، وتحكم الأبيض في الأسود بمقتضى القانون.[1]
ومع هذه الظروف القاسية عانت والدة مالكوم أكس من صدمة نفسية تطورت حتى أدخلت مستشفى للأمراض العقلية قضت فيه نصف حياتها، فتجرع مالكوم أكس وأخوته الثمانية مرارة فقد الأب والأم معاً، وأصبحوا أطفالاً تحت رعاية الدولة التي قامت بتوزيعهم على بيوت مختلفة.[6] أودعت الأم في المستشفى سنة 1939 وأنفصل مالكولم وأشقائه وأرسلو إلى منازل تبني مختلفة، وقد بقيت الأم في مستشفى الأمراض العقلية حتى قام مالكوم وإخوته إخراجها بعد 26 سنة.[7]
المدرسة
التحق مالكوم بالمدرسة وهو في الخامسة من عمره وكانت تبعد عن مدينته ثمانية أميال. كان هو وعائلته الزنوج الوحيدين بالمدينة؛ لذا كان البيض يطلقون عليه الزنجي أو الأسود، حتى ظن مالكوم أن هذه الصفات جزء من اسمه، وكان الفتى الصغير عندما يعود من مدرسته يصرخ مطالباً بالطعام ويصرخ ليحصل على ما يريد ويقول في [1] ذلك: «لقد تعلمت باكراً أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد.» وتردت أخلاق مالكوم وعاش حياة التسكع والتطفل والسرقة وتم طرده من المدرسة وهو في السادسة عشرة من العمر وأودع سجن الأحداث. واستكمل تعليمه الثانوي في السجن،[8] فقد كان مالكوم شاباً يافعاً قوي البنية وكانت نظرات البيض المعجبة بقوته تشعره بأنه ليس إنساناً بل حيوان كالخنزير لا شعور له ولا إدراك، وكان بعض البيض يعاملونه معاملة حسنة، غير أن ذلك لم يكن كافياً للقضاء على بذور الكراهية والعنصرية في نفس الشاب الصغير؛ لذلك يقول: «إن حسن المعاملة لا تعني شيئاً ما دام الرجل الأبيض لن ينظر إلي كما ينظر لنفسه، وعندما تتوغل في أعماق نفسه تجد أنه ما زال مقتنعاً بأنه أفضل مني.» وتردد مالكوم على المدرسة الثانوية وهو في سجن الإصلاح، وكانت صفة الزنجي تلاحقه كظله، وشارك في الأنشطة الثقافية والرياضية بالمدرسة، وكانت صيحات الجمهور في الملعب له: يا زنجي يا صدئ تلاحقه في الأنشطة المختلفة وأظهر مالكوم إكس الشاب تفوقاً في التاريخ واللغة الإنجليزية.[1]
كان مالكوم إكس ذكياً نابهاً تفوق على جميع أقرانه فشعر أساتذته بالخوف منه مما حدا بهم إلى تحطيمه نفسياً ومعنوياً والسخرية منه.[6] فقد تخرج مالكوم من الثانوية بتفوق وحصل على أعلى الدرجات بين زملائه وكان يطمح أن يصبح محامياً غير أنه لم يكمل تعليمه وترك الدراسة بعد أن أخبره أحد المدرسين الذين كان يربطه به علاقة احترام وتقدير متبادل أن حلمه بالذهاب إلى كلية الحقوق بعيد كل البعد عن الواقع كونه زنجياً.[7] ففي نهاية المرحلة الثانوية طلب مستر ستراوسكي - معلم في المدرسة - من طلابه أن يتحدثوا عن أمنياتهم في المستقبل وتمنى مالكوم أن يصبح محامياً غير أن ستراوسكي نصحه ألا يفكر في المحاماة لأنه زنجي وألا يحلم بالمستحيل لأن المحاماة مهنة غير واقعية له وأن عليه أن يعمل نجاراً. كانت كلمات الأستاذ ذات مرارة وقسوة على وجدان الشاب لأن الأستاذ شجع جميع الطلاب على ما تمنوه إلا صاحب اللون الأسود لأنه في نظره لم يكن مؤهلاً لما يريد. فكانت هذه هي نقطة التحول في حياته. فقد ترك بعدها المدرسة وتنقل بين الأعمال المختلفة المهينة التي تليق بالزنوج.[6]
وبعد خروجه من الثانوية وبعد معاناته المتكررة في العديد من منازل التبني أرسل إلى سجن الأحداث في عام 1940 وعند خروجه انتقل مالكوم إلى بوسطن للعيش مع أخته الغير شقيقة إيلا ليتل كولينز وعمل كماسح أحذية [7] وفيها أخذته الحياة في مجرى جديد، وأصيب بنوع من الانبهار في المدينة الجميلة، وهناك انغمس في حياة اللهو والمجون، وسعى للتخلص من مظهره القوي، وتحمل آلام تغيير تسريحة شعره حتى يصبح ناعماً، وأدرك أن السود لو أنفقوا من الوقت في تنمية عقولهم ما ينفقونه في تليين شعورهم لتغير حالهم إلى الأفضل. ثم انتقل إلى نيويورك للعمل بها في السكك الحديدية، وكان عمره واحداً وعشرين عاماً وكانت نيويورك بالنسبة له جنة [1] لعيشه في حي هارلم تحديداً ومارس هناك شتى أنواع الإجرام من سرقة وقوادة وتجارة المخدرات بل وتظاهر بالجنون ليتجنب التجنيد الإجباري إبان الحرب العالمية الثانية.[7] وتعرف هناك على مجتمعات السود ورأى أحوالهم الجيدة نسبياً هناك وبعد عودته إلى بوسطن لاحظ الجميع التغير الذي طرأ عليه غير أنه احتفظ بتفوقه الدراسي.
العمل
ترك مالكوم المدرسة بعد أن حبطه معلمه المقرب - معلم التاريخ - فتنقل بين الأعمال المختلفة المهينة التي تليق بالزنوج من نادل في مطعم فعامل في قطار إلى ماسح أحذية في المراقص حتى أصبح راقصاً مشهوراً يشار إليه بالبنان، وعندها استهوته حياة الطيش والضياع فبدأ يشرب الخمر وتدخين السجائر، وكان يجد في لعبة القمار المصدر الرئيسي لتوفير أمواله إلى أن وصل به الأمر لتعاطي المخدرات بل والاتجار فيها، ومن ثم سرقة المنازل والسيارات. كل هذا وهو لم يبلغ الواحدة والعشرين من عمره بعد حتى وقع هو ورفاقه في قبضة الشرطة.[6]
ففي عام 1941 رحل مالكوم إلي مدينة بوسطن في ولاية ماساشوسيتس حيث عمل في مسح الأحذية هناك وغسل الصحون، ثم عمل في السكة الحديد، وأنخرط في عالم الإجرام. ثم انتقل في العام 1943 إلى نيويورك للعمل بها في السكك الحديدية أيضاً وكان عمره واحداً وعشرين عاماً.[1] وعمل عليه في بيع السندوتشات ثم فصله من عمله بسبب تعاطيه الكحول والمخدرات فعاد الي بوسطن عام 1945 وفي السنة التالية اعتقل عدة مرات بتهمة حمل السلاح والسرقة.[2] بعد هذا تنقل بين عدة أعمال منها أن يعمل بائعاً متجولاً وتعلم البند الأول في هذه المهنة وهو ألا يثق بأحد إلا بعد التأكد الشديد منه. وعاش فترة الحرب العالمية الثانية وشاهد ما ولدته الحرب من خراب ودمار وغاص في أنواع الجرائم المختلفة وعاش خمس سنوات في ظلام دامس وغفلة شديدة، وفي أثناء تلك الفترة أعفي من الخدمة العسكرية لأنه صرح من قبيل الخديعة أنه يريد إنشاء جيش زنجي.[1]
فقد بدأ مالكوم إكس حياته العملية بمسح أحذية الرجل الأبيض، ثم صار تاجر حشيش. بعدها صار يبيع ما خف وزنه وغلا ثمنه الهيروين. ومن ثم عمل بائعاً في خطوط القطار ثم انتقل للعمل في القمار. مما عرض حياته للموت أكثر من مرة. وقبل هذا كانت الجماهير تصفق له في قاعات الرقص حين يضع يده في يد احدى الفتيات ويبهر الحضور برقصه البارع وصادق العديد من الموسيقيين المعروفين من السود. وبسبب ادمانه وخسارته للأموال اضطر للتحول لعمليات السطو على منازل الأثرياء البيض.[9] والمسرح الأساسي لهذا كله هو حي هارلم في مدينة نيويورك حتى وقع هو ورفاقه في قبضة الشرطة فأصدروا بحقه حكماً مبالغاً فيه بالسجن لمدة عشر سنوات بينما لم تتجاوز فترة السجن بالنسبة للبيض خمس سنوات وذلك لإشراكه فتاتين من البيض في عملياته [10] ولأنه كان صديقاً لفتاة بيضاء وهي جريمة منكرة في ذلك الوقت من تاريخ العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية.[9]
السجن
بالرغم مما تنطوي عليه حياة السجون عادة من مظاهر للفساد إلا أنها ربما أتاحت للإنسان أن يراجع موقفه لا سيما وقد فقد حريته، من هذا المنطلق جعل مالكوم حياته داخل السجن امتداداً لحياته خارجه من تعاطي للمخدرات وممارسة للرهونات إلا أن بعضاً من المناقشات بين السجناء بدأت تلفت انتباهه، ثم ما لبث أن وصله عدة رسائل من أخوته يبلغونه فيها اعتناقهم لدين جديد دين للسود قادر على إنقاذهم وعلى إنهاء عصر سيطرة الشيطان الأبيض. لم يكن هذا الدين سوى أجزاء مبعثرة من دين الله الإسلام قام رجل ادعى النبوة يدعى إليجاه محمد بالدعوة إليه مؤسساً بذلك جماعة أمة الإسلام في أمريكا حيث كان مبنياً بالأساس للجنس الأسود من البشر معتبراً أن البيض ليسوا إلا شياطين تحكم الأرض وأن الله هو إله للسود وحسب،[10] فقد كانت - وما زالت - تنادي بأفكار عنصرية منها أن الإسلام دين للسود، وأن الشيطان أبيض والملاك أسود، وأن المسيحية هي دين للبيض، وأن الزنجي تعلم من المسيحية أن يكره نفسه لأنه تعلم منها أن يكره كل ما هو أسود.[1] فكان لديها مفاهيم مغلوطة وأسس عنصرية منافية للإسلام رغم اتخاذها له كشعار براق. فقد كانت تتعصب للعرق الأسود وتجعل الإسلام حكراً عليه فقط دون بقية الأجناس، في الوقت الذي كانوا يتحلون فيه بأخلاق الإسلام الفاضلة وقيمه السامية. أي أنهم أخذوا من الإسلام مظهره وتركوا جوهره ومخبره.[6] ورغم ما حوته هذه الدعوة من انحرافات وشذوذ إلا أن نوراً للإسلام ما زال يلمع في إحدى جوانبها أضاء قلب مالكوم وأخذ عليه عقله، فهي الدعوة التي جاءت لإنقاذ السود وهو أحدهم وقد عانى ما عانى في حياته من فقدٍ لأبويه وضياعٍ لأخوته وبني جنسه.[10]فبعد ما ألقت الشرطة القبض عليه وحكم عليه سنة 1946 بالسجن عشر سنوات زجَّ به إلى سجن "تشارلز تاون" العتيق فكانت قضبان السجن ذات ألم رهيب على نفس مالكوم لذا كان عنيداًَ يسب حراسه حتى يحبس حبساً انفرادياً، وتعلم من الحبس الانفرادي أن يكون ذا إرادة قوية يستطيع من خلالها التخلي عن كثير من عاداته، وفي عام 1947 تأثر بأحد السجناء ويدعى "بيمبي" الذي كان يتكلم عن الدين والعدل فزعزع بكلامه ذلك الكفر والشك من نفس مالكوم، وكان بيمبي يقول للسجناء: «إن من خارج السجن ليسوا بأفضل منكم، وإن الفارق بينكم وبين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالة بعد».
وفي عام 1948 انتقل مالكوم إلى سجن كونكورد وكتب إليه أخوه "فيلبيرت" أنه اهتدى إلى الدين الطبيعي للرجل الأسود، ونصحه ألا يدخن وألا يأكل لحم الخنزير، وامتثل مالكوم لنصح أخيه ثم علم أن إخوته جميعاً في دترويت وشيكاغو قد أعتنقوا الإسلام، وأنهم يتمنون أن يسلم مثلهم. وقد اعتنق جميع إخوة مالكوم أكس الدين الإسلامي على يد محمد إلايجا فسعوا لإقناع مالكوم بالدخول في الإسلام بشتى الوسائل والسبل حتى أسلم. فتحسنت أخلاقه وسمت شخصيته وأصبح يشارك في الخطب والمناظرات داخل السجن للدعوة إلى الإسلام.[6] بعد أن هجا مالكوم أخيه فيلبيرت لأنه التحق بتنظيم أمة الإسلام وشتمه في رده على الرسالة لأن له موقف شديد تجاه الدين مما حدا بالسجناء تسميته باسم الشيطان. فأخذ جميع إخوان مالكوم يدعون له بالهداية ويرسلون الرسائل التي تأمل أحداها وأعلن إسلامه وتقول بأن ليس للرجل الأبيض أن يستعبد الأسود فكلهم خلقوا سواسية.[11] ثم انتقل مالكوم إلى سجن "ينورفولك" الذي تميز بأنه مخفف في عقوباته يقع في الريف ويحاضر فيه بعض أساتذة الجامعة من هارفارد وبوسطن وبه مكتبة ضخمة تحوي عشرة آلاف مجلد قديم ونادر وفيه زاره أخوه "ويجالند" الذي انضم إلى حركة "أمة الإسلام" هو الآخر.[1]
القراءة
أسلم مالكوم على أفكار أمة الإسلام واتجه في سجنه إلى القراءة الشديدة والمتعمقة فقرأ مواضيع كثيرة خاصة في تاريخ الرجل الأسود، وبعض الأمور التي كونت تفكيره مثل قراءة عن الجينات وكيف أن الرجل الأسود قد ينتج أبيضًا ولا يمكن لرجل أبيض أن ينتج أسودًا وزاد قاموسه من الكلمات الإنجليزية أكثر من استطاعة أي رجل عادي، وانقطعت شهيته عن الطعام والشراب وحاول أن يصل إلى الحقيقة وكان سبيله الأول هو الاعتراف بالذنب، ورأى أنه على قدر زلته تكون توبته. فلم يقاطع المراسلة مع إليجاه محمد طوال فترة إسلامه في السجن إلى أن خرج.[1] وقبل هذا نصحه زميله في السجن بيمبي أن يتعلم، فتردد مالكوم على مكتبة السجن وتعلم اللغة اللاتينية. وانقطع عن التدخين وأكل لحوم الخنزير وعكف على القراءة والإطلاع إلى درجة أنه التهم آلاف الكتب في شتى صنوف المعرفة فأسس لنفسه ثقافة عالية مكنته من استكمال جوانب النقص في شخصيته.[6] فبدأ يحاكي صديقه "بيمبي" في تثقيف نفسه ثم حفظ المعجم فتحسنت ثقافته وبدا السجن له كأنه واحة أو مرحلة اعتكاف علمي وانفتحت بصيرته على عالم جديد فكان يقرأ في اليوم خمس عشرة ساعة وعندما تطفأ أنوار السجن في العاشرة مساء كان يقرأ على ضوء المصباح الذي في الممر حتى الصباح.[10] وشرع بنسخ كلمات القاموس كلمة إثر كلمة.[2]
وقرأ قصة الحضارة وتاريخ العالم، وما كتبه النمساوي مندل في علم الوراثة، وتأثر بكلامه في أن أصل لون الإنسان كان أسود، وقرأ عن معاناة السود والعبيد والهنود من الرجل الأبيض وتجارة الرقيق، وقرأ أيضاً لمعظم فلاسفة الشرق والغرب، وأعجب بسبينوزا لأنه فيلسوف أسود، وغيرت القراءة مجرى حياته، وكان هدفه منها أن يحيا فكرياً لأنه أدرك أن الأسود في أمريكا يعيش أصم أبكم أعمى ودخل في السجن في مناظرات أكسبته خبرة في مخاطبة الجماهير والقدرة على الجدل، وبدأ يدعو غيره من السجناء السود إلى حركة أمة الإسلام فاشتهر أمره بين السجناء. فكانت هذه اللمناظرات العديدة التي كان له فيها الباع الأطول ملكته قوة الحجة وفصاحة اللسان.[10]
فخرج بآراء تتفق مع آراء إليجاه محمد في أن البيض عاملوا غيرهم من الشعوب معاملة الشيطان.[1] ثم عمل في صفوف أمة الإسلام يدعو إلى الانخراط فيها بخطبه البليغة وشخصيته القوية فكان ساعداً لا يمل وذراعاً لا تكل من القوة والنشاط والعنفوان حتى استطاع جذب الكثيرين للانضمام إلى هذه الحركة. ثم صدر بحقه عفو وأطلق سراحه [6] لأن الحكم عليه كان بالسجن لمدة 10 سنوات فتم إطلاق سراحه بعد أن قضى بالسجن 7 سنوات فقط.[7]
إنضمامه إلى أمة الإسلام
منظمة أمة الإسلامظهرت في أوائل القرن العشرين حركة بين السود في أمريكا تبنت الإسلام بمفاهيم خاصة غلبت عليها الروح العنصرية عرفت باسم أمة الإسلام، وذلك على يد رجل أسود غامض الأصل اسمه والاس فارد ظهر فجأة في ولاية ديترويت داعيًا إلى مذهبه بين السود وقد اختفى بصورة غامضة بعد ذلك بأربع سنوات، فحمل لواء الدعوة بعده إليجا محمد وصار رئيسًا لأمة الإسلام.
كانت هذه الحركة تدعو إلى تفوق الجنس الأسود وسيادته على الأبيض ووصف البيض بأنهم شياطين وأن الملاك أسود والشيطان أبيض، وكانت عقيدة هذه الجماعة منحرفة باطلة أشبه بالحركات الباطنية فلقد أعلن زعيم الحركة إليجا محمد بأنه رسول من الله وأن الإله ليس شيئاً غيبياً بل يجب أن يكون متجسدًا في شخص وهذا الشخص هو فاراد الذي حل فيه الإله وهو جدير بالدعاء والعبادة لذلك فالصلاة عندهم عبارة عن قراءة الفاتحة مع دعاء مأثور والتوجه نحو مكة واستحضار صورة فارد في الأذهان. ولا يؤمن إليجا محمد إلا بما يخضع للحس لذلك فهو لا يؤمن بالملائكة والغيبيات والبعث عنده عقليًا للسود الأمريكيين فقط، والصوم عندهم في شهر ديسمبر من كل عام مع إلزام كل عضو بالحركة أن يدفع عشر دخله لصالح الحركة، ونستطيع أن نقول أن هذه الحركة كانت تنظر للإسلام على أنه إرث روحي سوف ينقذ السود من سيطرة البيض عليهم.[12]
راسل مالكوم إليجا محمد الذي كان يعتبر نفسه رسولاً، وتأثر بأفكارهِ وبدأ يراسل كل أصدقائه القدامى في الإجرام وهو في السجن ليدعوهم إلى الإسلام. ثم خرج مالكوم من السجن سنة 1952 وهو ينوي أن يعمق معرفته بإليجا محمد، فذهب إلى أخيه بعد ست سنوات من السجن في دترويت وهناك تعلم قراءة الفاتحة [1] واشترى لنفسه حقيبة وساعة يد ونظارة بعد إطلاق سراحه من السجن مباشرة ويقول إن الأشياء التي اشتراها بعد خروجه من السجن هي أكثر الأشياء التي استعملها في حياته.[7] وعمل مع أخيه في دترويت في محل لبيع الأثاث وبعد عدة أشهر حضر أحد نشاطات أمة الإسلام حيث خطب إليجا محمد، وانضم رسمياً إلى منظمته، وتحول إلى حياة الزهد والتعلم.[2] وذهب إلى المسجد، وتأثر بأخلاق المسلمين، وفي المسجد استرعت انتباهه عبارتان: الأولى تقول: إسلام = حرية، عدالة، مساواة والأخرى مكتوبة على العلم الأمريكي وهي: عبودية, ألم، موت. ثم استطاع أن يلتقى بإليجا محمد، وبدأ يدعو الشاب الأسود في البارات والأماكن الفاحشة إلى هذه الحركة فتأثر به كثيرون لأنه كان خطيباً مفوهًا ذا حماس شديد فذاع صيته حتى أصبح في فترة وجيزة إماماً ثابتاً في مسجد دترويت [1] بعد أن كان مساعد إمام من ثم تفرغه للدعوة.[11]
المصدر: منتديات ايمازيغن
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©