عنوان الموضوع : القران الكريم حقوق القران الكريم- القرآن العظيم
كاتب الموضوع : amira
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن




مروان محمد أبو بكر


إنّ أعظمَ نعمة امتنّ الله بها على أمة الإسلام إنزال القرآن؛ ذلك الكتاب الذي لا غموض فيه ولا التباس، قال الله تعالى ممتناً: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون} [الأنبياء: 10]
وقال الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} [الزخرف: 44].


فإنزال الكتاب على هذه الأمة هو أكبر النعم، والنعمُ بعده موازنةً به مزيدُ فضل وإحسان من الغني الكريم.


ولا أدلَّ علي ذلك من حسد الأمم السابقة هذه الأمةَ على تلك النعمة العظيمة، فقد جاء عمرَ بن الخطاب رجلٌ من اليهود فقال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشرَ اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟
قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3]، قال عمر: "قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم جمعة"[1].


والقرآن هو حبل الله المتين الذي من تمسك به نجا وأفلح في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا} [آل عمران: 103]
وفي الطبري وابن كثير والقرطبي، "حبل الله: القرآن"[2].


ورحم الله الإمام الشاطبي إذ يقول في حرز الأماني:

وبعدُ فحَبلُ الله فينا كتابُه فجاهِد به حِبلَ العِدا مُتحبِّلا
وأخلِق به إذ ليس يخلُق جِدّة جديدًا مُوالِيه على الجِد مُقبلا



وما مثلنا إلا كقوم في أرض تعج بالسباع، ولا سبيل للأمان فيها إلا بالدخول في حصن وحيد بها، فالحصن كتاب الله، والسباع ما نرى من الفتن التي تدع الحليم حيراناً، فعن الحارث قال: "دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث، فدخلت على علي فقلت: ألا ترى أن أناسًا يخوضون في الأحاديث في المسجد؟
فقال: قد فعلوها؟
قلت: نعم قال: أما إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها؟
قال: كتاب الله، كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل، ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: {إنا سمعنا قرآناً عجباً}، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"[3].


وأنَّى لهذه الأمة التي أعزها الله بالإسلام والقرآن أن تجد عزة في سواه، وأن تتبوأ ذرى المجد بغيره.


ولهذا الحصن الحصين والدرع المتين، وكلام رب العالمين، حقوقٌ يجب أداؤها، وواجباتٌ لا بد من القيام بها، وفي ما يلي بيانُ بعضها:


حق الإيمان والتصديق:

وهذا الحق لا يكون العبد مسلماً إلا بأدائه، وهو الذي من أجله قام سوقُ الجنة والنار، وجردت سيوف الجهاد، وسالت دماء الأطهار والكفار، وقد تكررت الأوامر الإلهية به، مبينة أنه من أوجب الواجبات؛ قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً} [النساء: 170]
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدًا} [النساء: 136]
قال القرطبي والبغوي والشوكاني والواحدي وغيرهم: "الكتاب الذي نزل على رسوله هو القرآن"[4].


وقد قال الله تعالى في صفة عباده المؤمنين: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} [القصص: 52]، وقال مادحًا لهم أيضًا: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فكتبنا مع الشاهدين} [المائدة: 83]، وقد ذم الله المكذبين بهذا الكتاب العظيم فقال: {ومن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين} [الزمر: 32].

وأنكر الله تعالى على المكذبين تكذيبَهم بالقرآن إذ لا مسوغ له مع ظهور بركة هذا الكتاب العزيز فقال: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} [الأنبياء: 50]
وما كذَّب المكذبون بهذا الكتاب إلا جحودًا وعناداً، وهم في أنفسهم يعلمون أنه الحق، وكم استخفى المشركون ليلاً ليستمعوا إلى النبي صلي الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن في تهجده، ولقد سجدوا مع النبي صلي الله عليه وسلم يوم قرأ سورة النجم لما أخذ القرآنُ منهم كلَّ مأخذ.

قال الأستاذ سيد قطب رحمة الله: "كنت بين رفقة نسمر حينما طرق أسماعَنا صوتُ قارئ للقرآن من قريب يتلو سورة النجم، فانقطع بيننا الحديث لنستمع وننصت للقرآن الكريم، وكان صوت القارئ مؤثرًا وهو يرتل القرآن ترتيلاً حسناً، وشيئاً فشيئاً عشت معه فيما يتلوه، عشت مع قلب محمد صلي الله عليه وسلم في رحلته إلى الملأ الأعلى، عشت معه وهو يشهد جبريل عليه السلام في صورته الملائكية التي خلقه الله عليها، ذلك الحادث العجيب المدهش حين يتدبره الإنسان ويحاول تخيله.

وعشت معه وهو في رحلته العلوية الطليقة عند سدرة المنتهى وجنة المأوى، عشت معه بقدر ما يسعفني خيالي وتحلق بي رؤاي، وبقدر ما تطيق مشاعري، وتابعته في الإحساس بتهافت أساطير المشركين حول الملائكة وعبادتها وبنوتها وأنوثتها... إلى آخر هذه الأوهام النخرة المضحكة التي تهاوت عند اللمسة الأولى، ووقفت أمام الكائن البشري ينشأ من الأرض، وأمام الأجنة في بطون أمهاتها وعلم الله يتابعها ويحيط بها، والعمل المكتوب لا يغيب عن الحساب والجزاء، والمنتهى إلى الله في نهاية كل طريق يسلكه العبيد، والحشود الضاحكة والحشود الباكية، وحشود الموتى وحشود الأحياء، والنطفة تهتدي في الظلمات إلى طريقها وتخطو خطواتها وتبرز أسرارها فإذا هي ذكر أو أنثى، والنشأة الأخرى، ومصارع الغابرين والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى، واستمعت إلي صوت النذير الأخير قبل الكارثة الداهمة، {هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة} [النجم: 56].

ث
1/3


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً:





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©