خامسا : عليك بالصاحب الذي يساعدك على ذكر الله، فإن بعض الأصحاب إذا دعوته لتلاوة
القرآن أخبرك بأنه يريد الانصراف لأمر ما ، ولو أنك استرسلت معه في حديث غيره ما
أخبرك بالانصراف ، فاظفر بالصديق الذي يعينك على تلاوة القرآن فإنه كنز نفيس .
سادسا : إذا صليت وراء إمام ، وكنت تحفظ الآيات التي يتلوها في الصلاة ، فقف مستمعا
لا مصححا ، فإذا التبست عليه بعض الآيات لتكن نيتك عند التصحيح إجلال كلام الله
تعالى وحفظه ، وإلا كما جاء في سنن ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من تعلم العلم ليباهي به العلماء ، أو
يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، أدخله الله جهنم ))
سابعا :اعلم أن بداية العلم هو حفظ القرآن، وكل آية تحفظها باب مفتوح إلى الله
تعالى ، وكل آية لا تحفظها أو أنسيتها باب مغلق ، حال بينك وبين ربك ، واعلم أن
المسلم لو عرض عليه ملء الأرض ذهبا لا يساوي نسيانه أقصر سورة في القرآن ، بل لا
يساوي حرفا واحدا من كتاب الله تعالى ، فينبغي أن يكون حرصك على ما لا تحفظه من
القرآن أكثر من حرصك على أقصر سورة في القرآن(*) .
تنبيه : كره بعض العلماء أن يقال أصغر سورة ، حيث لا صغير في القرآن ، وإنما
يقال أقصر سورة .
ثامنا : حافظ على الوضوء عند قراءة القرآن مع إحسانه، ومعنى إحسانه هنا اتباع هدي
النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء .
تاسعا : المحافظة على الاستغفار والإكثار منه، فإن نسيان القرآن من الذنوب . قال
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : إني لأحتسب أن الرجل ينسى العلم قد عَلِمَه بالذنب
يعمله .وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى ورضي عنه : إذا أشكلت عليه مسألة قال
لأصحابه : ما هذا إلا لذنب أحدثته ! وكان يستغفر، وربما قام وصلى ، فتنكشف له
المسألة . ويقول: رجوت أني تيب عليّ . فبلغ ذلك الفضيل بن عياض ، فبكى بكاء شديدا
ثم قال : ذلك لقلة ذنبه ، فأما غيره فلا ينتبه لهذا ) . وجاء في تهذيب التهذيب
للحافظ ابن حجر في ترجمة وكيع بن الجراح الكوفي[11/129] : (وهو أحد الأئمة الأعلام
الحفاظ ، وقد كان الناس يحفظون تكلفا ، ويحفظ هو طبعا ، قال علي بن خثرم : رأيت
وكيعا وما رأيت بيده كتابا قط، إنما هو يحفظ ، فسألته عن دواء الحفظ؟ فقال : ترك
المعاصي ، ما جربت مثله للحفظ ) . وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد : (
الذنوب جراحات ، ورب جرح وقع في مقتل !! وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب
والبعد عن الله ، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي! وإذا ق!
سا القلب قحطت العين، وقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل
والنوم ، والكلام والمخالطة). ومن آثار المعاصي كما ذكر ابن القيم في الجواب الكافي
: ( حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تطفىء ذلك النور ) ،
ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ،
وتوقد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا ، فلا تطفئه
بظلمة المعصية ،
وقال الشافعي :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
وذكر ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى في سورة الشورى { وما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } عن الضحاك قال : ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه
إلا بذنب ثم قرأ { وما أصابكم من مصيبة ..} الآية ثم قال الضحاك : وأي مصيبة أكبر
من نسيان القرآن .
عاشرا :احذر من الغرور بما تحفظه من كتاب الله وتعلم القرآن ، وليكن تعلمك للقرآن
ابتغاء ما عند الله واكتساب الخشية والسكينة والوقار لا الاستكبار . قال العلامة
المناوي في فيض القدير : ( فإن العلم لا ينال إلا بالتواضع ، وإلقاء السمع ، وتواضع
الطالب لشيخ رفعة، وذلُّه له عز ، وخضوعه له فخر . وقال السليمي : ما كان إنسان
يجترىء على ابن المسيب ليسأله حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير . وقال الشافعي : كنت
أتصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها . وقال الربيع -تلميذ الإمام
الشافعي (والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر) انتهى
فانظر رحمني الله وإياك في أحوال السلف وكيف كان تواضعهم في العلم وشتى أمورهم
، واحذر ثم احذر أن تنظر إلى الناس بعين الاحتقار والتقليل من شأن بعضهم لأنك تحفظ
القرآن وهم لا يحفظون فإنها مصيبة أيما مصيبة !!.
حادي عشر : اعلم أخي أن حفظ القرآن نعمة عظيمة على الحافظ لكتاب الله تستحق الشكر
حيث يكون القلب عامرا فاحمد الله أيها الحافظ واشكره على هذه النعمة ، ق