عنوان الموضوع : فكر الحركة السنوسية : السنوسية - شخصيات تاريخية
كاتب الموضوع : madiha
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

فكر الحركة السنوسية :
السنوسية






حركة دعوة إسلامية إصلاحية تجديدية تعتمد في معظم أمورها علىالكتاب
والسُّنة مع تأثر بالتصوف ، وقد ظهرت في ليبيا في القرن الثالث عشرالهجري ،
ومنها انتشرت إلى شمال أفريقيا والسودان والصومال وبعض البلاد العربية.
وقد تأثرت هذه الحركة بالإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وأبي
حامد الغزالي والشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركته السلفية في مجال العقيدة.
كما تأثرت هذه الحركة بالتصوف الخالي من الشركيات والخرافات كالتوسل
بالأموات والصالحين ولها منهج متكامل للارتقاء بالمسلم .

ومؤسس
هذه الحركة هو محمد بن علي السنوسي 1787-1859م الذي تأثر بالمذهب المالكي
إلا أنه يخالفه إن جاء الحق مع غيره . وتعتمد الحركة في الدعوة إلى الله على
أسس الحكمة والموعظة الحسنةوالابتعاد عن العنف . وهي تهتم بالعمل اليدوي
الجاد والجهاد الدائم في سبيلالله ضد المستعمرين والصليبيين وغيرهم .


ـ الشيخ محمد بن علي السنوسي 1202-1276هـ (1787-1859م)
وهو المؤسس للدعوة السنوسية ، وتنسب السنوسية لجده الرابع .
وُلد في مستغانم في الجزائر ، ونشأ في بيت علم وتُقىً . وعندما بلغ سن
الرشد تابعدراسته في جامعة مسجد القرويين بالمغرب ، ثم أخذ يجول في البلاد
العربية يزدادعلمًا فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن ثم رجع إلى مكة
وأسس فيها أولزاوية لما عُرِف فيما بعد بالحركة السنوسية .
وله نحو أربعين كتابًا ورسالة منها : « الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية » و « إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن

علاقة السنوسية بالصوفية :في كتاب الحركة السنوسية
الصوفية التي تعمق
السنوسي في دراستها وساعدته الظروف على ذلك حيث كانت فاس مركزًا نشطًا
للطرق الصوفية ، وميدانًا خصبًا لنشاطها ، ومعلوم لدى الباحثين أن الشمال
الأفريقي على وجه خاص حافل بالحركات الصوفية ولدى أهلها اهتمام كبير بها .
وكان من الطبيعي أن يتأثر ابن السنوسي بالنظام المغربي للصوفية . ولقد
استمر اهتمامه بالصوفية حتى آخر حياته وبقى خطها واضحًا في شخصيته حتى أنه
نظم طريقة خاصة عرفت باسمه وكتب كتابًا سماه ( السلسبيل المعين في الطرائق
الأربعين ) تحدث فيه عن الطرق الصوفية عامة ووصف الطريق المثلى التي رضي
بها والتي عرفت بنسبتها إليه ( انظر : إمام التوحيد محمد بن عبد الوهاب
للقطان ، ص109 ) .

وكانت تجربته في الصوفية قد أعطته خبرة في
التعامل معها فهو لم يقبل الصوفية على إطلاقها ، ولم يرفضها بالجملة ، بل
قيدها بالكتاب والسنة وجعل طريقته مبنية على ( متابعة السنة في الأقوال
والأحوال والاشتغال بالصلاة على النبي في عموم الأوقات ) ( انظر : السلسبيل
، ص7 ) وقد اهتم بالصوفية اهتمامًا كبيرًا وظهرت هذه النزعة في منهجه
التربوي الذي جعله لأتباعه »


« كما قامت الحركة السنوسية
بمحاربة عقائد الصوفية المنحرفة ، كالاتحاد ، ووحدة الوجود ، والحلول ؛ إن
عقيدة الاتحاد من عقائد الصوفية الفاسدة المتأثرة بالنصرانية المنحرفة ،
والديانة الهندية القديمة ، ومعنى ذلك أن المخلوق يتحد بالخالق تعالى الله
عن قولهم علوًا عظيمًا »

« إن السنوسي كان يؤمن بالصوفية الموافقة
للكتاب والسنة والصوفي الحقيقي في رأيه من يتقيد بالكتاب والسنة ، وقد قال
في ذلك : « فاعلم أن سبيل القوم اتباع النبي غ في الجليل والحقير وأعمالهم
موزونة بميزان الشريعة » ( انظر : الحركة السنوسية ) ، وقد فصل رحمه الله
تعالى في تدريج المريد في مراتب السلوك قال بعون الله وتوفيقه .

(
يتعين على المريد أن يصحح عقيدته بميزان اعتدال أهل السنة والجماعة كثر
الله سوادهم وأدام إمدادهم ) ( انظر : السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين
، ص8 ) »

تعامل الحركة السنوسية مع الطرق الصوفية:
الحركة
السنوسية :« تميز زعماء الحركة السنوسية بحنكة سياسية من حيث تجنب الاصطدام
مع الطرق الصوفية في ليبيا ، والحجاز ، ومصر ، وغيرها ، فبدلًا من كسب
عدائهم ، عملوا على احتوائهم ، وشيئًا فشيئًا ذابت بعض الطرق في ليبيا في
بوتقة الحركة السنوسية ، وبقيت الطريقة الصوفية المدنية تتمتع بنفوذ محدود
لدى قسم القبائل البدوية ( تاريخ ليبيا المعاصر ، محمود عامر ، ص32 )

وكانت معاملة السنوسية لباقي الطرق فيها رفق وتسامح ونصح ، واستطاعت أن
تبين لأتباع الطرق الأخرى الأخطاء التي وقعت فيها ، كالغناء ، وهز وضرب
الدفوف ، وسارت بمنهجية حكيمة حتى استطاعت أن تهيمن على البوادي ، والواحات
، والمناطق الداخلية ، وأصبح ولاء تلك الأماكن لفكر الحركة السنوسية ،
وأصبح نشاط الطرق الأخرى محصورًا في المدن ، كبنغازي ، وطرابلس وغيرها ،
بعيدة عن الصراع السياسي العالمي ، بعكس السنوسية التي استطاعت أن تصبح
حركة سياسية مؤثرة ، ومن أشهر الطرق الصوفية في ليبيا ، العروسية ،
العيساوية ، القادرية ، المدنية ، السعدية والطيبية ، والعزوزية ( انظر :
المجتمع الليبي ، ص325 ) .

علاقة السنوسية بالدعوة السلفية :
ي الحركة السنوسية :
دخل
السنوسي الحجاز عام 1240هـ/1825م ، ونزل بمكة المكرمة وكانت تلك الزيارة
لمكة ذات أثر كبير في قيام الدعوة السنوسية وظهور شأنها ، و ساعد على هذا
جملة أسباب :
1- استطاع السنوسي أن يتحصل على أنباء عظيمة عن أحوال وأخلاق المسلمين الوافدين إلى مكة .
2-
أتيحت له فرصة طيبة للاحتكاك بعلماء وفقهاء ومفكري الأمة ، وتبادل معهم
الآراء ، والأفكار في كيفية النهوض وإعادة مجد الأمة .3- كانت مكة منبرًا
مهمًا للدعوة ولذلك اشتغل ابن السنوسي بنشر العلوم وتحصيلها و المناظرة
فيها واجتهد في دراسة المذاهب الإسلامية حتى حذق مخاطبة جميع العالم
الإسلامي .
4- أتيحت له دراية بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن قرب
وعاشر اتباع الدعوة السلفية ومريديها وتتلمذ على علمائها وشيوخها ودرس
الحركة السلفية دراسة واعية في مواقفها السياسية واجتهاداتها العملية .

شيوخه في مكة :
أقبل
السنوسي في مكة على العلماء يتعرف عليهم ويأخذ عنهم ، لقد كان تشوقه للعلم
وتواضعه في أخذه يبدوا جليًّا في أي مكان حل فيه وكانت مكة تضم عددًا من
العلماء المسلمين يمثلوا المذاهب والاتجاهات الفكرية المختلفة ، ففيهم
الصوفي وفيهم المالكي وفيهم السلفي ، وهذا جعله يطلع على معظم الاتجاهات في
عصره ».
........................

قامت الحركة السنوسية بمحاربة عقائد الصوفية المنحرفة، كالاتحاد، ووحدة الوجود، والحلول؛ إن عقيدة الاتحاد من عقائد الصوفية الفاسدة المتأثرة بالنصرانية المنحرفة، والديانة الهندية القديمة، ومعنى ذلك أن المخلوق يتحد بالخالق تعالى الله عن قولهم علواً عظيماً قال تعالى: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير} (سورة الانعام، آية 102،103).

أما وحدة الوجود، فإنهم يعتقدون أن كل شيء في الوجود هوالاله سواء كان حيواناً أو جماداً، أو انساناً أو غير ذلك ، وهي عقيدة فاسدة مضمحلة لا أساس لها من عقل ولا شرع ولكنها من وحي الشيطان، إن الحركة السنوسية حاربت هذا المعتقد الفاسد الباطل، وسارت على مذهب أهل السنة والجماعة الذي يقول بأن الله سبحانه بائن من خلقه لايشبهه شيء من مخلوقاته متصف بصفات الكمال فله الأسماء الحسنى والصفات العلى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فهو المتفرد بالجلال المتصف بصفات الكمال المنزه عن النقائص والعيوب فمن اعتقد أن الله سبحانه تعالى متحد بمخلوقاته وأن العبد عين الرب، والرب عين العبد فقد كفر بما أنزل على محمد وخالف الفطر والشرائع وقد كفّر الله تعالى النصارى الذين قالوا: إن الله اتحد بعيسى عليه السلام فقال سبحانه : {لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح ابن مريم}، فكيف بمن يقول إن الله متحد مع جميع مخلوقاته فهو أولى بأن يكون كافراً لأنه يعتقد إن الله متحد بجميع ما في هذا الكون( ).

إن عقيدة وحدة الوجود عقيدة إلحادية بحته ليست من الاسلام في شيء، وأن علماء الحركة السنوسية، وقفوا ضدها بكل حزم وعزم قال تعالى:{قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} (سورة الاخلاص، آية 3).

وحاربت الحركة السنوسية عقيدة الحلول التي تقول بأن الله يحل في الاشخاص تعالى الله عن قول الحلوليين علواً كبيراً.
(والحقيقة أن القول بالاتحاد بين الخالق والمخلوق يأباه العقل الذي سلم من الشبهات ويدل دلالة واضحة على أنها باطلة لأن أي إنسان تسمح له نفسه أن يدعي بأنه دخل به الإله وصار مع الله وحدة واحدة ولايمكن أن يخرج مثل هذا الادعاء الباطل من انسان له عقل سليم أو به ذرة من ايمان)

لقد حاربت الحركة السنوسية العقائد الفاسدة، ودعت الى العقائد الصحيحة، لتجتمع القبائل والشعوب الاسلامية عليها ، كما حرصت على تحكيم كتاب الله وسنة رسوله على نفسها، ودعت غيرها بالالتزام بذلك.

.....................
صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الأفريقي....الحركة السنوسية _الإمام محمد بن علي السنوسي ومنهجه في التأسيس التعليمي والحركي والتربوي والدعوي والسياسي

يقول الدكتور علي الصلابي
أصيبت الدولة العثمانية في القرنيين الماضيين بداء الأمم كالحسد والبغضاء، واستبداد الملوك، وخيانة الأمراء، وغشهم للأمة وإخلاد الشعب الى الراحة، والدعة، وكان شر ماأصيبت به الدولة الجمود في العلم، وفي صناعة الحرب، وفي تنظيم الجيوش.

كانت الاحزاب العلمانية، والجمعيات السرية، والعصبيات القومية تنخر في كيان الدولة ، فظهرت الدعوة الى القومية الطورانية، والعربية، والكردية.... وبدأت الثورات تتفجر في البلدان، والحركات الإنفصالية تتكاثر، والدول الأوروبية تدعمها وتسعتد لتقسيم تركة الرجل المريض.

أصبحت الامة تعاني من الآثار التي ترتبت عن ابتعادها عن شرع الله، واصيبت الناحية الاجتماعية، بتفشي الجهل، والمظالم بين الناس، وصراع الأمراء، والولاة على حطام الدنيا الزائل، وأصبحت الأمة في ليل حالك، وظلام دامس.
جمد المسلمون في علوم دينهم فليس لديهم إلا ترديد بعض الكتب الفقهية، والنحوية، والصرفية، ونحوها، وجمدوا على فقه المذاهب، وجل همهم التعمق في الحواشي، وحفظ المتون، دون القدرة على الاجتهاد.
أصبح لكل مذهب من المذاهب الفقهية مفتياً وإماماً، وتعددت الجماعات في المسجد الواحد، كل ينتصر لمذهبه، وكل يصلي خلف إمام مذهبه، وبذلك يقف المسلمون لصلاة الجماعة وراء أكثر من إمام حسب المذاهب المتواجدة في ذلك المسجد.

انتشر التصوف المنحرف في ارجاء البلاد الاسلامية، شرقها، وغربها، عربيها، وعجميها، وضاع مفهوم العبادة الصحيح، ومفهوم الولاء والبراء، وانحرفت الأمة عن كتاب ربها وسنة رسولها .

بدأت الدول الأوروبية تستقطع من العالم الاسلامي بلداناً كلما اتيحت لها الفرصة.

اهتـز العالم الاسلامي لاحتلال الصليبيين لأجزاء من الوطن الاسلامي اهتزازاً عنيفاً، كما تأثر باحتكاكه بالغرب، واطلاعه على تقدمه، من هذا التحدي نبعت حركات الاصلاح.

تتابعت حركات الاصلاح في العالم الاسلامي منذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر، بتأثير عوامل عديدة منها؛ إحساس بعض العلماء الربانيين بسوء الأوضاع في العالم الاسلامي واحتلال أجزاء منه.

قامت حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في نجد، وكان الدافع لها إحساس مؤسسها بإنحطاط المسلمين ، وتأخرهم.
تعد حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب البداية الحقيقية لما حدث في العالم الاسلامي من يقظة جاءت بعد سبات طويل، وما تمخض عنها من صحوة مباركة، ورجعة الى الدين.

ظهر الإمام محمد بن علي السنوسي بدعوته الاسلامية بعد وفاة محمد بن عبدالوهاب بعشرات السنين.
رأى ابن السنوسي أن الايمان هو القضية الأولى والأساسية، لهذه الأمة، فإذا تخلف المسلمون عن غيرهم في وسائل الحياة الحرة الكريمة؛ فمرد ذلك الى انحرافهم عن فهم الاسلام فهماً سليماً.
ولا سبيل الى إصلاح حالهم ومآلهم إلا بالايمان على الوجه الذي بينه الله في كتابه، ورسوله  في سنته. وهو أن يكون طاقة دافعة الى العمل، وقوة محركة للبناء، وحافزاً طبيعياً للتفوق.
رأى أهمية العلم في نهوض الأفراد والجماعات والأمم، لأن العلم ظهير الإيمان، وأساس العمل الصالح، ودليل العبادة .
سافر الى فاس ليزداد في طلب العلم وبقي في المغرب الأقصى سبع سنين متتالية، وكانت تجربته في فاس ثرية.
وبعد ذلك ترك المغرب الأقصى وتوجه نحو المشرق، فمر بتونس وليبيا ثم دخل القاهرة وكان ذلك عام 1239هـ/1824م.
كانت زيارته لمصر قد رسخت في نفسه ضعف دولة الخلافة من جهة، وزاد ضعفها بظهور حكومة محمد علي باشا على مسرح الأحداث في مصر وقد وصل الى قناعة مهمة في الاصلاح والنهوض.

لقد خبر ابن السنوسي اوضاع الدولة العثمانية في وطنه الأول الجزائر حيث تسلط الولاة الأتراك وحكمهم الاستبدادي، وعجز الدولة عن منعهم من الظلم ، وجاء الى القاهرة فرأى حكم محمد علي باشا وانفراده بشؤون مصر ، فزاد اقتناعاً بعجز الدولة وضعفها .

دخل ابن السنوسي الحجاز عام 1240هـ/1825م، ونزل مكة وكانت تلك الزيارة لمكة ذات أثر كبير في قيام الدعوة السنوسية وظهور شأنها.

اهتم ابن السنوسي بالقضية الجزائرية، وعمل على اذكاء جذوة الجهاد في نفوس ابناء الجزائر ضد فرنسا، وحرص على المشاركة فيه بنفسه وأعد لذلك العدة إلا أن الظروف، والعوائق التي كانت في طريقه منعته من ذلك، وعمل على امداد تلاميذه بالأسلحة والمال، وحرض اتباعه على القتال، واستمر اتباع السنوسية، والشعب الليبي في دعم حركة الجهاد حتى تم دحر الاحتلال الفرنسي.

إن المفتاح الكبير لقبائل برقة، هو قناعتها بأن ابن السنوسي ولي من أولياء الله الصالحين، ولذلك سمعت لنصائحه، واطاعت أوامره، فأرشدهم الى كتاب الله وسنة رسوله.

كانت زاوية البيضاء في الجبل الأخضر أول الزوايا التي أسسها ابن السنوسي، وشرع يعلم الناس فيها، ويذكرهم بالله ويرشدهم الى طريق النجاة في الدنيا والآخرة، وبدأت القبائل تتوافد إليه تطلب زيارته لها تبركاً به، وتطلب اقامة الزوايا لها اسوة بالزاوية البيضاء، فكان يتوجه بنفسه الى القبيلة أو المكان المطلوب الزاوية فيه ، وأحياناً ينتدب بعض الاخوان لذلك وهكذا بدأت القبائل تتسابق والزوايا تنتشر.

توفرت في قبائل برقة ظروف ملائمة لظهور الحركات السنوسية بوصفها حركة اسلامية شاملة منها؛ انفصالها عن الاقطار المجاورة بالصحارى والفيافي التي تحيط بها، تتألف تلك القبائل من قبائل عربية بدوية تربطها أنماط حياة اجتماعية متجانسة، ويقوم ذلك النظام على عصبيات دموية مشتركة، وتقاليد وأعراف متشابهة، كانت بعيدة عن سيطرة المدن، كانت القبضة العثمانية عليها ضعيفة...الخ.

ظل ابن السنوسي خمس سنين ينشئ الزوايا وينظمها، ويرسم مناهج الدعوة ومبادئها ، ويبث دعوته الاصلاحية عن طريق الزوايا.

عاد بعد هذه السنوات الخمس الى الحجاز، المركز الأول لدعوته، ومنذ ذلك الوقت كانت للدعوة مركزان رئيسيان؛ شرقي في الحجاز وغربي في برقة، وعن هذين المركزين أخذت الدعوة السنوسية تنتشر بواسطة الزوايا هنا وهناك.

طالت مدة غياب ابن السنوسي في الحجاز واشتد القلق في لييا لطول غيبته، وسافر الى الحجاز أكثر من وفد ليبي ليلتمس منه ان يعود وكانوا يسافرون غالباً في موسم الحج.

رجع ابن السنوسي الى ليبيا واختار الجغبوب كمقر لقيادة الحركة السنوسية.

استطاع ابن السنوسي أن يختار من بين المسلمين مجموعة خيرة من العلماء، والفقهاء، والدعاة ممن اتصفوا ، بالتميز الايماني، والتفوق الروحي، والرصيد العلمي، والزاد الثقافي، ورجاحة العقل ، وقوة الحجة، ورحابة الصدر، وسماحة النفس، واصبحوا من أعمدة الحركة السنوسية أثناء حياته وبعد وفاته.

قام عدد كبير بنصرة وتأييد الحركة السنوسية من العلماء والفقهاء والقادة والشيوخ ومن أشهر هؤلاء الاخوان الذين ساندوا ووقفوا مع ابن السنوسي في حركته الواسعة؛ محمد عبدالله التواتي ، احمد ابوالقاسم التواتي ، علي بن عبد المولى، احمد بن فرج الله، محمد بن الشفيع، احمد المقرحي، وعمران بن بركة الفيتوري وغيرهم كثير .

استطاع ابن السنوسي بتوفيق الله تعالى أن يجعل من الاخوان والقبائل في الصحراء الكبرى مجتمعاً متماسكاً، متوحداً في عقيدته وتصوراته ومنهجه، فانعكس ذلك في توادهم وتراحمهم فيما بينعم، وأصبحوا كالجسد الواحد الذي يخفق فيه قلب واحد، وتسري فيه روح واحدة، ويتأثر كل عضو فيه بما يصيب بقية الأعضاء.

إن الأصول التي تساهم في توحيد المجتمع هي؛ وحدة العقيدة، وتحكيم الكتاب والسنة، وصدق الانتماء الى الاسلام، طلب الحق والتحري في ذلك، وتحقيق الاخوة بين أفراد المجتمع.

يظهر البعد التنظيمي في شخصية ابن السنوسي في بناء الزوايا التي يتربى فيها اتباعه والمنهج التربوي الذي ساروا عليه.
كان نظام الزوايا معروفاً في العالم الاسلامي، والشمال الأفريقي واستطاع ابن السنوسي بعقليته التنظيمية أن يطور مفهوم الزوايا بحيث أصبحت تمثل النواة الأولى لمجتمع تحكمه سلطة وعليه واجبات؛ اجتماعية، واقتصادية ، وسياسية، ودعوية، وجهادية.
انتهج ابن السنوسي منهجاً تربوياً استمده من كتاب الله وسنة رسوله ومن خبرته بالطرق الصوفية التي درس جلها، وانتقد اخطائها، وعمل على طريقة خاصة يسلكها اتباعه.

إن الصوفي الحقيقي في رايه من يتقيد بالكتاب والسنة وقد جعل للمريدين مراتب في السلوك يتدربون عليهاأولهما؛ تصحيح العقيدة بميزان أهل السنة والجماعة، أن يتعلم المريد مايحتاج إليه من المسائل الفقهية المتعلقة بظاهر البدن على مذهب من المذاهب الأربعة، أن يتوجه المريد الى تزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، وتصفية القلب وتنقية السر...الخ.

يظهر البعد السياسي عند ابن السنوسي في تعامله الحكيم مع الدولة العثمانية، حيث رأى في الدولة العثمانية دولة الخلافة، ضرورة لازمة لوحدة الأمة، والدفاع عن كيانها، وأنه لابد من معاضدتها والوقوف بجانبها، ويظهر أيضاً في حملة التوعية التي قام بها ضد الغزو القادم للأمة من قبل الأوروبيين وتنظيمه للزوايا، وتعبئة الأنصار؛ بغرس الثقة في دينهم وعقيدتهم، والثقة بقيادتهم ، وتأخير الصدام مع الأوروبيين حتى يكتمل.

كان أسلوب ابن السنوسي في الدعوة الى الله مستمداً من كتاب الله وسنة رسوله وقد نجح في ارشاد الطرق الصوفية المنحرفة، وتعامل مع الرقيق من الأفارقة بأسلوب رفيع، فاشتراهم واعتقهم، وعلمهم ثم ارسلهم دعاة الى قبائلهم، واهتم بدعوة القبائل وزعمائها، واستطاع ان يجعل منهم دعاة الى الله تعالى واعتمد في اسلوبه ضرب الأمثال، واستخدم القصة، واستعمل الشدة في محلها.

إن فهم أفكار ابن السنوسي يمكننا الوصول إليها من خلال كتبه، ومن أهمها؛ كتاب المسائل العشر، السلسبيل المعين، إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن، رسالة مقدمة موطأ الامام مالك وغيرها...

كانت كتب ابن السنوسي في أكثرها تتناول المباحث الفقهية ، والصوفية وفيها كتاباً، أو كتابين يتناولان مواضيع تاريخية ...
إن ابن السنوسي في دراسته الطويلة لم يهمل الجانب التاريخي لقناعته الراسخة، بأهمية هذا العلم في تحقيق الفوائد التربوية، وادراك السنن الربانية، ومعرفة معالم تاريخ الانسانية، ومعرفة تاريخ الأنبياء، ومعرفة سيرة النبي ومعرفة تاريخ الخلفاء الراشدين، وسير العلماء والمجاهدين والدعاة... وكانت ثقافته التاريخية تمتاز بغزارة المعلومات، ويعتز بتاريخ اجداده، ويؤمن بضرورة حصر الامامة في قريش، وكان اسلوبه في كتابة التاريخ على نمط مؤرخي المسلمين ، ويقتصر على سرد الحوادث.

كان ابن السنوسي فقيهاً متصوفاً، اهتم بالعلوم الفقهية، وغاص في معرفة حقائق النفوس البشرية، واستنبط منهجاً تربوياً لعلاج الأمراض النفسية، والرقي بها نحو الكملات الانسانية.

اتصف ابن السنوسي بصفات الدعاة الربانيين؛ من الصدق، والإخلاص، والدعوة على بصيرة ، والصبر، والرحمة، والعفو، والعزيمة، والتواضع، والارادة القوية التي تشمل قوة العزيمة ، والهمة العالية، والنظام والدقة، والزهد، والورع، والاستقامة...الخ.












©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©