عنوان الموضوع : خنقة سيدي ناجي ماضيا وحاضرا في مرآة شعريّة
كاتب الموضوع : chichaki
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

خنقة سيدي ناجي ماضيا وحاضرا في مرآة شعريّة
هي ورقة وجدتها عَرَضا مُلقاة تبدو أنّها سقطت من صاحبها، أو أنّه نسِيَها حيث وجدتها، تناولتها فقرأتها فاستهوتني فعاودت قرءاتها فازددت بها إعجابا لما وجدت في صياغة بِنائها، ودلالة مضمونها ومعانيها.
ورقة احتوت أبياتا شعريّة، تأمّلتها فتبينتها من قصيدة طويلة- هكذا بدا لي- تحدّثت عن خنقة....؟ فتساءلت عن أيّة خنقة تحدّث صاحبُها (عبيد الله الحسينيّ) - كما كُتب أسفلها- فرحت أركّز جيّدا حتّى أدركت أنّه يخصّ خنقة سيدي ناجي، وأنّ هذه الأبيات، بل القصيدة كلّها في الحقيقة مرآة لها في ماضيها وحاضرها، تعكس مجدها التّليد، وترثي حالها الحاضر الجديد، وكم تأسّفت، بل تحسّرت أنّها أبيات مقتطفة من قصيدة لا شكّ أنّها أروع من رائعة، فقد تحدّث مؤرِّخاَ سَبَبَ تأسيسها في نظمه بقوله:
بأمرِ حِبِّ الإلَهِّ المصطفى شُرِعَت
لولاَ منامُـه ما قامـت ولم تَكُنِ
وكيف تُبنى و تُعلى في وجيزِ مدًى
حتَّى غَدَت مَثَلا قد شاع في اللّسن
إلاّ بفضل رسـول اللهِ مَكْرُمَـةً
لِمُخلِصِي الدّينِ فِي الإسرارِ وَالعَلَنِ
إنّها إشارة إلى تلك الرؤيا الّتي رأها مؤسّسها الشّيخ المبارك بن قاسم بن ناجي حيث أمره رسول الله - ص- بعمارتها، كما تحدّث عن وصف حالها زمن رقيّها وازدهارها، فقال:
آثـار علم وآداب يتـوق لهـا
طلاّب نور غدّوا في أشرف المِهَـن
ودُورُ بحـرٍ، وأبراجٌ روت شرفاً
فأبهرت بشـرا إلّا ذوي الحقــنِ
وكم نضيـرا له العيون ناظـرة
حتّى يتيـه مشـاهِـدٌ عن الأَذَنِ
و الصّالحون تدفّقت بهم زُمُـرا
لولا التَغوّط قلت : الحال في عدن
وهذا يوافق في حالهـا حينهـا وصف (المكـيّ العزّوزيّ) لها في قصيـدة لـه حيث قـال :
عرائس العِلم تُجلى في منصّتهـا
حُفّت بأخلاق مسك جلّ بارِيه
ما شِئت من حكمة غرّا ومحمدة
زهراء من خلُق تزكو مُوَاليهِ
بين الرّياض وماء سلسلٍ شبِيـم
على حصى فضّةٍ يزدان جاريه

ثَّمَّ المناظر في الآكـام ترمقهـا
للصّدر تشرح تجلو الغمّ تُقْصِيه
و للبلابـل ألحـان مذكّــرة

دار السّـلام لمن حقّت أمانِيه
كما أشار (الحُسينيّ) إلى فضل صانعي مجدها، وحالهـا بعدهم ، فقال :
المنشؤون لهــا أنـواء تربتهـا
كانوا فغابوا فجفّ الضرع باللّبن
و سمّى بعضهم في بيت هو :
كأحمد الّناصريّ و الحسين أبـي
محمّد نبعةِ الأنوارِ في الدُّجَـنِ
و هذا ما يصدّقهُ نظم الشّيخ (المكيّ بن عزّوز) حيث قال :
يابن الأكارم يا من في الفؤاد له
مكان وُدٍّ عزيز لستُ أخفيـه
بلّغ سلامي إلى آل الحسين فهم
قُطب الرّحى زينة النّادي ومُعلِيه
و للبنين تحيّـات و إخوتكُـم
و الوالدِ المستقيم فِي مساعِيـه
لكنْ ما تضيق به النّفس، و يعتصر له الفُؤَاد سوء حالها وتردّيها بعد رخائها ونمائها، فقد كانت كما قيل، وصارت حقّا وواقعا كما عبّرت تلك الأبيات حيث كانت مرآة تعكس واقعها المرير فقد جاء في بيت :
كم من ألـوف أُنفقت ذَهَبـاً
أضحت ضحيّةَ جِيلٍ غيرِ مؤتَمَنِ
وعن وصف سوء حالها - في حاضرها - قال متسائلا مستفهِما :
أم رُملّت ثمّ ثكّلـت فلم تُصَبِ
مصابها بنت أنثى سالف الزّمنِ ؟ !
أم أنّه الهجـرُ من أهل تكابده
حتّى بدَت للعيانِ اليوم في غَبنِ ؟ !
أم أنتِ بعد مدًى ضحيّةُ العبثِ
فـآل أمـرك خُربةً ولم تُصَنِ ؟ !
أم صرتِ كالظّالميـن أهلها فَهُمُ
كالحِجْرِ أو إرم ، الكلّ في الدّفنِ ؟ !
إلّا أنّ بصيصا من الأمل يحدو الشاعر الحسيني فراح على ضوئه موجّها نداءه لأهلها يستحثهم و يستنهضهم فقال :
يا أهلَ حاضرةٍ- كانت- أمِنْ فِطَنٍ
بعد السُّبات تـمدّ الجسم بالدُّهن
كم من ربوع قفارٍ أزْهَرَتْ مَدُناً
فَهل يخيب أناسٌ طيّبو السّكَنِ
فاشحن شباب البلاد عاليَ الهِمَمِ
تحي البلاد بُعَيد الطّمي بالشّحَن
واجهد دؤوبا لها تَكُنْ بها بَطلاً
واركب كؤودا وقُل: هانت ولا تهن
إنها أبيات عكست ببيان صورة خنقة سيدي ناجي ماضيا وحاضرا، و لو كتبت قصّتها نثرا ما احتوتها عشرات الأوراق، فكانت مرآة رأيت فيها صورا لا صورة، وقرأت فيها تاريخا مجيدا عرفني حضارة متكاملة الجوانب يحقّ لأهلها أن يفتخروا، وأن يستجيبوا للنّداء وأن يسرعوا ولا يبطئوا فإنّي أخشى قول من قال :
لقد أسمعـتَ لو ناديت حيّـا
و لكن لا حيـاة لمن تنـادي
عبيد الله عبد الغنيّ بن حسين




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©