عنوان الموضوع : العالم المشارك الأصولي ابو علي منصور بن علي بن عبد الله الزواوي - شخصيات تاريخية
كاتب الموضوع : madiha
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

هذه ترجمة عالم من علماء زواوة ، و من تلاميذ العلامة منصور ناصر الدين المشدالي ، الذي جاب حواضر العالم الاسلامي طالبا للعلم ثانيا الركب في مجالس العلم و المعرفة ، فعرف العلماء قدره و فضله ، ووصل به الأمر الى تعيينه استاذا في ارقى جامعة اندلسية هي الجامعة النصرية بغرناطة.

كنيته و مولده و نشأته:

ابو علي منصور بن علي بن عبد الله الزواوي البجائي التلمساني، نسبة الى احدى قرى زواوة بناحية بجاية التي ولد بها حوالي سنة 710 هـ ، و قد اختار له والديه اسم منصور تيمنا باسم علامة بجاية في عصره منصور ناصر الدين المشدالي، حتى يكون وارثه في العلم و الشهرة العلمية.
كان والده أول أساتذته ، فحفظ على يديه القرآن الكريم ، و علمه ما كان ملما به من العلوم الدينية و الآداب العربية .

طلبه العلم و شيوخه:

ذكر مترجمنا شيوخه و من بينهم والده في البيان الذي قدمه لصديقه لسان الدين الخطيب الذي أورده بنصه في كتابه " الإحاطة في أخبار غرناطة " ج 1 ص 458 – 459 ، و الذي سنستفيد منه في ترجمتنا هذه ، قال متحدثا عن شيوخه : " فمنهم، مولاى الوالد علي بن عبد الله - لقاه الله، الروح والريحان، وأوسعه الرضا والغفران- قرأت عليه القرآن، وبعض ما يتعلق به من الإعراب والضبط " ثم ينتقل ساردا بقية الشيوخ فيقول :
" ثم بعثني [ يقصد والده ] إلى شيخنا المجتهد الإمام، علم العلماء، وقطب الفقها، قدوة النظار، وإمام الأمصار، منصور بن أحمد المشدالي رحمه الله وقدس روحه، فوجدته قد بلغ السن به غاية أوجبت جلوسه في داره، إلا أنه يفيد بفوايده بعض زواره. فقرأت من أوائل ابن الحاجب عليه لإشارة والدي بذلك إله، وذلك أول محرم عام سبعة وعشرين وسبعماية [ 721 هـ ]. واشتد الحصار ببجاية لسماعنا أن السلطان العبد الوادي ينزل علينا بنفسه، فأمرني بالخروج رحمه الله، فعاقني عايق عن الرجوع إله لأتمم قراءة ابن الحاجب عليه. ثم مات رحمه الله عام أحد وثلاثين وسبعماية، فخص مصابه البلاد وعم، ولف ساير الطلبة وضم، إلا أنه ملأ بجاية وأنظارها بالعلوم النظرية وقساها، وأنظارها بالفهوم النقلية والعقلية "
و أنا هنا افتح قوسا لأعلق على هذا الكلام فأقول ، أنظروا يرحمكم الله الى هذا العالم المجاهد منصور بن أحمد المشدالي الذي يعتبر أول من استحضر معه من المشرق كتاب أستاذه الفقيه المالكي ابن الحاجب المسمى بمختصر ابن الحاجب ، و قد اثبت له هذه المزية المؤرخ الكبير ابن خلدون هذا أولا ، أما ثانيا فهو أن هذا العالم بقي في خدمة الدين الإسلامي و رسالة التدريس و نشر العلم حتى حين قعد به العجز في شيخوخته عن التصدير في حلق الدرس و العلم في المساجد و المعاهد اذ كان يبلغ من العمر نحوا من ست و تسعين سنة ( 96 سنة ) حسب الجملة التي أوردها مترجمنا " واشتد الحصار ببجاية لسماعنا أن السلطان العبد الوادي ينزل علينا بنفسه، فأمرني بالخروج رحمه الله" حيث أن حصار بجاية كان سنة 727 هـ.
إضافة إلى هذا فان كلمات هذا العالم و نصيحته لتلميذه بمغادرة المدينة أثناء الحصار، تشعرنا بأنه كانت بينهما علاقة لا تفرق فيها بين الوالد البيولوجي ( إن صح التعبير ) ، و الوالد المربي رغم تفاوت السن الذي يبلغ الثمانين أو يكاد.
و لنعود الى بقية شيوخه، الاستاذ الثاني الذي أخذ عنه هو و محمد بن يحي الباهلي ( ت 743 هـ ): من اكبر تلامذة المشدالي في الفقه و الاصول و فنون العربية و غير ذلك ، الا انه فاق استاذه في البيان و الاسلوب و الشاعرية و الانشغال بالتأليف، ذكره مترجمنا فقال عنه : " شيخنا المعظم، ومفيدنا المقدم أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي المعروف بالمفسر رحمه الله، بالطريقة الحاجبية، والكتابة الشرعية والأدبية، مع فضل السن وتقرير حسن، إلى معارف تحلاها، ومحاسن اشتمل حلاها، أخذت عنه جمله من العلوم، وافردني بقراءة الإرشاد "

و من شيوخه أيضا ببجاية :
- محمد بن يعقوب بن يوسف - ابو عبد الله المنجلاتي الزواوي البجائي (ت سنة 730 هـ ): قاضي الجماعة ببجاية، من العلماء العاملين المشاركين، تصدر للإفادة و التدريس ، ثم تولى السفارة لأمير بجاية الحفصي إلى صاحب المرية بالأندلس ، فينال الحظوة لدى أهلها و طلبتها ، و يكتبون عنه منوهين به و بعلمه.
- أبو العباس أحمد بن عمران الساوي اليانيول ( لم أعثر على تاريخ وفاته): الإمام الفقيه، محدث بجاية و خطيبها.
بعد وفاة الشيخ المشدالي و الاضطرابات التي حدثت في مدينة بجاية شد مترجمنا الرحال الى مدينة تلمسان ليتلقى العلم و يتتلمذ على نخبة من رجالاتها و قد ذكر رحلته وشيوخه بتلمسان في البيان الذي ذكرناه سابقا
- أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي السبتي (ت سنة 747 هـ) بتونس : إمام المحدثين وعلم المسندين وسيد النحاة ، وعنه أخذ ابن خلدون وحلاه في تاريخه ج 7 ص 385 قائلا : " امام المحدثين أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي لازمته وأخذت عنه سماعا واجازة الامهات وكتاب الموطا والسير لابن اسحق وكتاب ابن الصلاح في الحديث وكتبا كثيرة سرت عن حفظى ، وكانت بضاعته في الحديث والفقه والعربية والادب والمعقول وسائر الفنون مضبوطة كلها مقابلة ولا يخلو ديوان منها عن ضبط بخط بعض شيوخه المعروفين في سنده إلى مؤلفة حتى الفقه والعربية الغريبة الاسناد إلى مؤلفها في هذه العصور "
و غيرهم من الشيوخ الذين ذكرهم مترجمنا في البيان المذكور سابقا قال: "... ثم ثنيت العنان بتوجهي إلى تلمسان، راغباً في علوم العربية، والفهوم الهندسية والحسابية، فأول من لقيت شيخنا الذي علمت في الدنيا جلالته وإمامته، وعرفت في أقاصي البلاد سيادته وزعامته رئيس الكتاب العالم الفاضل أبا محمد عبد المهيمن الحضرمي ، والمحدث البقية أبا العباس بن يربوع، والقاضي أبا إسحق بن أبي يحيى، وقرأت شيئاً من مبادئ العربية على الأستاذ أبي عبد الله الرندي"
انبقل بعدها الى غرناطة بالاندلس اين التقى بذي الوزارتين لسان الدين بن الخطيب الذي نشأت بيهما صداقة ، و قد خلدها ابن الخطيب بترجمة لصاحبنا ابا علي منصور الزواوي في كتابه الاحاطة من خلال البيان الذي كتبه له صاحب الترجمة و الذي ننقل منه ، كما استفاد من علماء الاندلس قال ابن الخطيب : " ولقى بالأندلس جلة. فممن قرأ عليه إمام الصنعة العربية شيخنا أبو عبد الله بن الفخار الشيهر بالبيري، ولازمه إلى حين وفاته، وكتب له بالإجازة والإذن له في التحليق بوضع قعوده من المدرسة بعده. وقاضى الجماعة الشريف أبو القاسم محمد بن أحمد الحسيني، نسيج وحده، ولازمه، وأخذ عنه تواليفه، وقرأ عليه تسهيل الفوايد لابن مالك، وقيد عليه وروى عن شيخنا إمام البقية أبي البركات بن الحاج، وعن الخطيب المحدث أبي جعفر الطنجالي. "

تدريسه بالجامعة النصرية بغرناطة:

لقد استنتج الدكتور عبد الله عنان – رحمه الله – من كلمة الخطيب " قعوده من المدرسة بعده " ان المدرسة المرادة هي المدرسة النصرية او جامعة غرناطة الشهيرة التي أنشأها يوسف أبو الحجاج سنة 750 هـ / 1349 م ، و على هذا فان علماء الاندلس قد اعترفوا لمترجمنا بالفضل و اقروا له بوفرة التحصيل و رفعوا من قيمته حين شرفوه بهذه الاستاذية في الجامعة النصرية ، فكان له فيها شأن و اعظم به من شأن في خدمة العلم و المعرفة ، حيث اختاره العلامة الموسوعي الالبيري ( ت 754 هـ ) ليحل محله و يشغل كرسيه في الجامعة ، اعترافا و امتيازا له ، و قد درس كما قال ابن الخطيب " الفروع الفقهية و التفسير كما تصدر للفتيا " لكن هناك علوما أخرى درسها و لم يذكرها ابن الخطيب و لست ادري كيف غفل عنها و هي الحديث الشريف و النحو و الصرف و البلاغة و المنطق و حتى الرياضيات و غيرها .
محنته في الاندلس:

إن أهم حدث صادمه في حياته أثناء تأديته لرسالة التعليم و نشر المعرفة بالجامعة النصرية بغرناطة في عهد ملوك بني الأحمر ، هو تكالب مجموعة من الحساد و الطامعين في المناصب لأغراض دنيوية حيث انه أفتى في رجل سب الرسول صلى الله عليه وسلم بفتوى لم تعجب هؤلاء المتربصين المغرضين فألبوا عليه السلطان و العامة ، فلم يغير من فتواه و استمسك برأيه و لم يتنازل قيد أنملة عما رآه الحق ، فتقرر نفيه بعد قضائه لاثني عشرة سنة في التدريس و الفتيا معززا مكرما ، ظل يؤدي فيها رسالته العلمية و ينشر الدعوة، ويقوم بالوعظ و الارشاد، و كان ذلك سنة 765 هـ ، فعاد الى موطنه الجزائر ليختار الاقامة في تلمسان مواصلا مسيرة التعليم و نشر المعرفة حتى وفاته رحمه الله.
و قد ذكر هذه المحنة بالتفصيل صديقه ابن الخطيب في الاحاطة ، مع العلم أن هذا الأخير ذكر انه ظلم في هذه المحنة ، و قد شهد انه على الحق كما اعترف بأنه استفاد منه و من علمه كثيرا ، و انه طلب منه ان يجيزه بما لديه من مرويات و كتب ، فكتب له مترجمنا اجازة جاء في آخرها : " ... في رابطة العقاب في [ كذا] ، أجزت صاحبنا الفقيه المعظم، أبا عبد الله بن الخطيب وأولاده الثلاثة عبد الله، ومحمداً، وعلياً، أسعدهم الله، جميع ما يجوز لي وعني روايته، و كتب الشيخ الأستاذ أبو علي منصور بن علي الزواوي".أ.هـ.

وفاته :
يذكر مترجموه انه بعد عودته من أداء فريضة الحج و زيارة البقاع المقدسة في سنة 770 هـ ، توفي بعدها بقليل في مدينة تلمسان و دفن بها- رحمه الله رحمة واسعة- .

اقوال العلماء و معاصريه فيه :

يقول عنه ابن الخطيب في كتابه " الاحاطة في اخبار غرناطة ج 1 ص 458 " : هذا الرجل طرف في الخير والسلامة، وحسن العهد، والصون والطهارة والعفة، قليل التصنع، مؤثرر للاقتصاد، منقبض عن الناس، مكفوف اللسان واليد، مشتغل بشأنه، عاكف على ما يعنيه، مستقيم الظاهر، ساذج الباطن، منصف في المذاكرة، موجب لحق الخصم، حريص على الإفادة والاستفادة، مثار على تعلم العلم وتعليمه غير أنف عن حمله عمن دونهن جملة من جمل السذاجة والرجولة وحسن المعاملة، صدر من صدور الطلبة، له مشاركة حسنة في كثير من العلوم العقلية والنقلة، واطلاع تقييد، ونظر في الأصول والمنطق وعلم الكلام، ودعوى في الحساب والهندسة والآلات. يكتب الشعر فلا يعدو الإجادة والسداد.
قدم الأندلس في عام ثلاثة وخمسين وسبعماية، فلقى رحباً، وعرف قدره، فتقدم مقرئا بالمدرسة تحت جراية نبيهة، وحلق للناس متكلماً على الفروع الفقهية والتفسير. وتصدر للفتيا، وحضر بالدار السلطانية مع مثله. جربت وصحبته، فبلوت منه ديناً ونصفة، وحسن عشرة."

يقول عنه تلميذه الشيخ يحي السراج في فهرسته كتاب البستان: " شيخنا الفقيه الجليل المقرئ المدرس الأصولي النحوي، أبو علي منصور كان شيخا فاضلا فقيها نظارا معدودا في أهل الشورى، له مشاركة في كثير من العلوم العقلية و النقلية و اطلاع و تقييد و نظر في الأصول و المنطق و علم الكلام حريصا على الافادة و الاستفادة مثابرا على تعلم العلم و تعليمه ، و عنه أخذ الامام ابو الحسن الشاطبي المتوفي سنة 790 هـ "
يكفي مترجمنا فخرا ان يكون الامام الشاطبي صاحب الكتاب الشهير " الإعتصام و الموافقات " من تلاميذه.
آثاره :
مع الأسف الشديد لم تذكر كتب التراجم أي أثر لهذا العالم المشارك ،رغم أن الونشريسي في موسوعته المعيار المعرب قد أحتفظ لنا ببعضا من فتاويه، التي تدل على سعة علمه ، و كثره اطلاعه و حسن استباطاته، كما ان بعض كتب التراجم قد أحتفظت لنا بنماذج من نثره و شعره ، و هي تبين عن مدى تمكنه في علوم اللغة و بيانها ، و بلاغته و فصاحته ، و منها البيان الذي نقله لنا لسان الدين بن الخطيب في الاحاطة ، و من أشعاره :
لما رأيناك بعد الشيب يا رجل ... لا تستقيم وأمر النفس تمتثل
زدنا يقينا بما كنا نصدقه ... عند المشيب يشب الحرص والأمل
و قوله ايضا :
يحييك عن بعض المنازل صاحب ... صديق غدت تهدى إليك رسائله
مقدمة حفظ الوداد وسيلة ... ولا ود إلا أن تصح وسائله
يسايل عنك الدارين ولم يكن ... تغيب لبعد الدار عنك مسائله

المصادر و المراجع :

- لسان الدين الخطيب - " الإحاطة في أخبار غرناطة ".
- ابن مريم – " البستان في ذكر العلماء و الأولياء بتلمسان".
- مجلة الثقافة الجزائرية العدد 107 / 108 ، مارس / أفريل 1995 م . السنة العشرون.



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©