عنوان الموضوع : الحاج محمد جعمات في ذمة الله - شخضيات
كاتب الموضوع : amira
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

هجرة الحاج محمد جعمات ( أبو درهم )
من دار الغرور إلى دار السرور
من مواليد 1917 م
الحمد لله الحي الذي لا يموت ، وصلى الله على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله ، أشرف مخلوق ، خاطبه ربه بأشرف كلام ، فقال عز من قائل : (( إنك ميت وإنهم ميتون ))
في ثالث أيام محرم من السنة الهجرية الجديدة 1431 وقبيل شروق الشمس غابت شمس عالم من علماء الأغواط ، فهاجر الحاج محمد جعمات إلى ربه ، وخرجت مدينة الأغواط شيبا وشبانا تشيع جثمانه الطاهر ، وغادر بيته وزغاريد النساء يتردد صداها في الأفق العالي كأنها توافق فرحة ملائكية بروحه الطاهرة .
وراحت مواكب المشيعين تتدافع فوجا بعد فوج بخطى متسارعة ، وصمت مهيب يكاد يصرخ في كل نفس برهبة الانتقال من دار الغرور إلى دار السرور ، كان الجميع منبهرا من جلال الموقف ورهبة الجنازة و فجاءة الموت التي خطفت هذا الشيخ العزيز دون سابق إنذار .
ولعل مشهد الجنازة وحده كاف للتعبير عن مكانة الرجل في قلوب الناس ، فلقد كان حبيبا للبعيد قبل القريب ، بشوشا تظهر ملامح الابتسام على وجهه وإن كان عبوسا ، وفي صوته حشرجة تزيد من فصاحته حسنا وجمالا ، فقد كان فصيحا صحيحا صريحا ، يحب اللغة العربية حبا جما ، ويحفظ من الشعر ما يحفظ ، فله في كل مقام شاهد من الشعر أو الحكمة ، و له لكل اسم بيتا من الشعر يبادر به صاحبه كلما لقيه ، فقد كنت كلما زرته خاطبني ببيت من الشعر محلى بروحه الخفيفة وابتسامته الحانية محورا شعر عمرو بن كلثوم قائلا : أبا بكر فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا ، وسمعت عن الدكتور سليمان بن علي أنه كان يخاطبه ببيت من الشعر أيضا ..
إن الكلام عن تاريخ الرجل بحاجة إلى جمع و ضبط وتأريخ وتحقيق ، وما أورده في هذا المقال ما هو إلا نزر قليل مما تناهى إلى أسماعنا عنه بحكم الجيرة وملازمة الوالد له ، وما هو إلا فيض مشاعر جادت بها نفوسنا الحزينة على فراق الشيخ ، ولمّا نستفد منه علما وأدبا بعدُ بما يكفي للسير في هذه الحياة .
بعد يوم واحد من وفاته – رحمه الله – ذهب صاحبه الملازم له ( الحاج الجنيدي ) لمواساة أولاده والاطمئنان عليهم ، وعندما دخل الحجرة التي كان يجالسه فيها صدم لهول ما رأى من فراغ يلف تلك الحجرة – رغم أنها كانت تضيق بالمعزين – ولم يصرف نظره عن المكان الذي كان الشيخ يجلس فيه حتى انهمرت عيناه بالدموع ، ثم انصرف عن المكان وكأنه لم يصدق بوفاة صاحبه إلا في تلك اللحظة .
نعم لقد كان فراغا كبيرا تركه الشيخ .. فراغا في المكان وفراغا في الزمان ، بعد أن عمّر القلوب بالحب ، والعقول بالعلم ، فلا يخلو قلب من حبه ، ولا عقل من فائدة جليلة حصلها منه .
ومما يعرف عنه – رحمه الله – أنه كان عضوا في هيئة التدريس بجمعية العلماء المسلمين بالأغواط ، فهو رجل من رجال التربية الأوائل الذين تربى على أيديهم أجيال وأجيال من أبناء الأغواط ، وكان صحفيا كاتبا بجريدة البصائر أيام الاستعمار ، فكان لسانه سيفا قاطعا ، وقلمه سهما مصوبا نحو صدور الكافرين ، وكانت تتقفى آثاره أيادي الاستعمار الخفية وتسأل عن صاحب الاسم المستعار في الجريدة التي كانت تقض مضجع المستدمر الغاشم .
كما أنه أسس جريدة الشط ، اللسان الناطق باسم جمعية العلماء في الأغواط لتثبيت القيم الإسلامية والثوابت الوطنية في نفوس أهل الأغواط وضواحيها .
وقد كانت له علاقة خاصة مع أعلام جمعية العلماء ومنهم أبو بكر الحاج عيسى الأغواطي والشيخ بن عزوز رحمهم الله جميعا ، ومما سمعته عن والدي أنه سمع عن الشيخ الحاج محمد جعمات رحلته مع الشيخ الحاج عيسى أبوبكر الأغواطي على الدراجات الهوائية إلى منطقة آفلو لزيارة الشيخ الإبراهيمي في منفاه .
فرحم الله هذا الرمز الشامخ من رموز الأغواط الولودة بالعلماء في كل جيل ووقت ،
وإنه والله لم يمت في قلوبنا فذكراه حية ما بقي في هذا الجسد روح .
و والله إن هذه الكلمات القليلة والمعلومات الشحيحة لا تستطيع أن تقدم بعض الوفاء لهذا الرجل ، غير أنها محاولة لتعريف الناس ببعض ما له من فضل .
والله أسأل أن يتغمد فقيدنا برحمته الواسعة وأن يجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر رفقة سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ملاحظة :
أرجو من كل من قرأ هذا المقال وله ملاحظات أو إضافات عن حياة الشيخ أن يفيدنا بها مأجورا مشكورا بإذن الله .
أبوبكر الأغواطي
الأغواط في : 05 محرم 1431 هـ




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©