عنوان الموضوع : قضية أغتيال وطن - من تاريخ الجزائر
كاتب الموضوع : hanan
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

في خطابه الذي ألقاه أمام نواب مجلس الأمة يوم الأربعاء 29 ديسمبر/ كانون الأول 2015 قال السيد الوزير الأول " أحمد أويحيى" وبالحرف الواحد:

" كي نتكلم لشبابنا نحكيلهم غلطاتنا اللي في ما يخصهم هوما تاريخ "

" نحكيلهم ونقوللهم بأن من جراء فقدان صوابنا لقينا نفسنا في مأساة وطنية مازالنا لليوم نداويو في جراحها "

" دخلنا الإستقلال نجمة للعالم ،الشعب الجزائري وثورة المليون ونصف مليون شهيد، مشى بنا الزمان أصبحنا معزولين"

كلمات جعلتني أفكر مطولا ولأيام بعد هذا الخطاب ، ذكرتني بمقولة للكاتب الفرنسي الرومانتيكو ــ واقعي Honoré De Balzac:

"يوجد نوعان من التاريخ ,تاريخ رسمي كاذب وهو التاريخ الذي لُقنا إياه في المدارس، وتاريخ سري، يتعين علينا البحث عنه وفيه تكمن الأسباب الحقيقية للأحداث، وهو تاريخ مخجل حقا"



خطأ ما حدث في شريط تاريخ الجزائر لن يحكيه لي السيد الوزير الأول ولكن يجب عليّ أن أبحث عنه بنفسي أسئلة كثيرة طرحتها:

ـ كيف ضاع ميراث الثورة ؟؟ وكيف لم يحل مفجروها دون ذلك؟؟

وللإجابة يجب أن أعود إلى نقطة الصفر 5 جويلية 1962 في ذلك اليوم كانت الجزائر تحتفل باستقلالها في لحظة كانت سترسم مستقبل الأجيال القادمة



وكانت الصورة التالية عادية للغاية ،أول رئيس للجزائر أحمد بن بلة يدا بيد مع وزير دفاعه هواري بو مدين لبناء جزائر الغد ،الجزائر كان من المفروض أن نتسلمها...



لكننا اليوم ندرك أن هذه الصورة ليست عادية بما أن علاقة الرجلين ببعضهما انتهت فيما بعد كما بدأت بمأساة ،حاولت أن أفهم كيف وصل الرجلين إلى السلطة في ظل وجود ثلاثة ممن فجروا الثورة على قيد الحياة

[IMG]http://www.algerie-defense.org/wp-*******/uploads/2015/10/BOUDIAF.jpg[/IMG]
وهم " محمد بوضياف"، "كريم بلقاسم" و "رابح بيطاط"
ثم كيف تم تجاوز رئيس الحكومة المؤقتة "بن يوسف بن خدة " ومن قبله " فرحات عباس"



غداة الإستقلال دب الخلاف بين قادة جبهة و جيش التحرير الوطنيين حول من يحظى بالسلطة وهكذا انقسموا إلى قسمين رئيسيين واحد بزعامة بن بلة والآخر بزعامة بوضياف وبلقاسم على الصعيد الشخصي فإن ثقل هذين الأخيرين أكبر من ثقل بن بلة بكثير ولكنه أي بن بلة كان يلقى الدعم من الرجل الذي أصبح أقوى من الجميع "هواري بومدين" ذلك أن جيش التحرير لم يعد يطيع أحدا غيره وكل محاولات الحكومة المؤقتة لعزله عن قيادة الأركان باءت بالفشل

وضع شائك للغاية فالجبهة ممثلة في الحكومة المؤقتة فقدت السيطرة على الجيش ممثلا بقيادة الأركان وكل واحد منهما لا يعترف بسلطة الآخر



الولاية الثالثة و الرابعة ظلتا خاضعتين للحكومة المؤقتة بينما أعلنت الأولى والثانية والخامسة والسادسة ومعهم جيش الحدود المرابط على الحدود التونسية الجزائرية انضواءها تحت راية قيادة الأركان .
قيادة الأركان كانت تريد العاصمة التابعة للحكومة وبذلك زحفت بقواتها من الشرق ومن الغرب لتدخل في صدام مع الوحدات التي بقيت تابعة للحكومة وأدت المواجهات إلى سقوط 1000 قتيل وسميت الحادثة "أزمة الولايات"







ودخل بومدين إلى العاصمة ونصب بن بلة رئيسا للجمهورية الجزائرية لم يكن هو يستطيع أن يقوم بالمهمة آنذاك لأن الشعب لم يكن يعرفه ولأنه لا يملك الشرعية التي يمنحنها 1 نوفمبر لبن بلة ولأنه كان عسكريا بالدرجة الأولى
أمام الخيار بين بن بلة وبوضياف وبدرجة أقل كريم بلقاسم لأنه عكس بوضياف لم يحضر إجتماع 22 التاريخي المحضر للثورة
اختار بومدين بن بلة رئيسا للجزائر لم يكن اختيارا اعتباطيا ولكن كان خيارا يحفظ السلطة بيده
وبمجرد تولي بن بلة مهامه حكم بوضياف بالسجن ثم الإعدام ففر وإستقر بالمغرب
كما فر أيضا كريم بلقاسم هو الآخر
أمر لا يعقل ولا يصدق بوضياف محمد وكريم بلقاسم الذين إجتمعا مع أربعة آخرين وقرروا أن يكون الفاتح من نوفمبر ميلاد الثورة يفران من الجزائر بعد أن أسسوا لميلاد دولتها ..




3 سنوات من بعدإنتخاب أو بالأحرى تنصيب بن بلة رئيسا للبلاد كان على بومدين أن يأخذ مكانه الحقيقي ،أسباب عديدة بررت انقلابه العسكري على بن بلة ولكن النتيجة كانت واحدة

لن أتكلم عن فترة حكم بومدين الرجل الذي سحر عقول الجزائريين آنذاك فمثلما لها مساوئها لها أيضا محاسنها الكثيرة ولكنها أيضا كانت آخر عهدة هدوء قبل العاصفة

إلا أن سنة 1967 سجلت محاولة إنقلاب عليه بقيادة قائد أركان جيشه وآخر قادة الأوراس "الطاهر زبيري" لأنه حسب هذا الأخير بومدين كان يرتكب أخطاء بن بلة

وحكم كل من شكك في ضلوعهم في هذه المحاولة بالإعدام..
ومنهم كريم بلقاسم الذي وجد مشنوقا في ألمانيا ..لم يكن بلقاسم يشكل أي تهديد حقيقي لنظام بومدين ولكن تصفيته تمت لكي لا تمنحه الشرعية الثورية يوما أي سلطة عليا في البلاد
بل حدث أكثر من ذلك ،تحريف صارخ للتاريخ وحذف لأسماء الشهداء والمجاهدين وتضليل متعمد للأجيال
لن أفهم أبدا دوافع هذه الأعمال ومبرراتها إن وجدت ولا أؤمن بمقولة الغاية تبرر الوسيلة

هي الجزائر التي كانت تفقد رجالها الذين لم تستطع فرنسا النيل منهم وسارت بخطى ثابتة نحو الهاوية
جوابا لكتاب كتبه بوضياف في منفاه وسماه "الجزائر إلى أين؟"






عندما خرج الفرنسيون من الجزائر سنة 1962 قال رئيسهم الجنرال شارل ديغول :"سنعمل على أن تنتهي الجزائر بعد ثلاثين سنة بالضربة القاضية"



وفعلا وقفت الجزائر سنة 1992 على شفا حفرة من نار منتظرة للشخص الذي سينقدها
لم يعد هنالك بومدين أو بن بلة أو بلقاسم أو بن بو العيد أو بن مهيدي أو عبّان أوغيرهم..
إتفق الجميع أن هذا الشخص لن يكون إلا محمد بوضياف المحكوم عليه بالإعدام

مسؤول المنظمة الخاصة لحركة إنتصار الحريات الديمقراطية..
أحد القادة 22 التاريخيين..
أحد القادة الستة الأسطوريين الذين فجروا الثورة..
المنسق العام ما بين الولايات..
نائب رئيس الحكومة المؤقتة..
أحد القادة الخمسة أسرى عملية إختطاف طائرة..
هو "السي الطيب الوطني".




بعد ثلاثين سنة عين أخيرا رئيسا للدولة الجزائرية التي لم يعد لها وجود لعل وعسى يعيد لها الحياة كما فعل ذات فاتح من نوفمبر
ولكن هيهات...



فيد الغدر خرجت من وراء الستار وإغتالت الوطن بإغتيالها بوضياف آخر من كان بإمكان الشعب الجزائري أن يثق به وهو مغمض العينين
ربما نادته الجزائر ليلتحق برفاقه الذين إستشهدوا لأن ذلك فعلا ما كان يستحق
رحل ورحل بعده مائتا ألف جزائري ذهبوا ضحية بين الفساد والتطرف



عندما تصبح جزائر اليوم جزائر أخرى تلك التي أحلم بها والتي أرادها القادة الستة الأسطوريون و استشهدوا أو اغتيلوا من أجلها
عندما تروى لي الثورة بكل تفاصيلها ايجابية كانت أو سلبية لأنها الشيء الوحيد في تاريخنا الذي لا يمكن أن يزول مجده
عندما يأخذ كل ذي حق حقه ويأخذ السفلة جزاءهم من رموا الجزائر في بركة من الدماء وأضلوا أبناءها
سينال الشعب الجزائري حقيقة حريته
[IMG]http://www.lequotidienalgerie.org/wp-*******/uploads/2015/05/BOUTEF1.jpg[/IMG]

يقول رئيس الجمهورية السيد "عبد العزيز بوتفليقة" :
"إذ ليس من حقنا أن نخفي الحقائق عن أجيالنا القادمة"

"ولا أن تاخذنا ريبة ببعض المزالق والأخطاء التي حصلت أثناء الثورة فنعمد إلى إخفائها أو تحريفها أو القفز عليها بحجة أو بأخرى"

بعدما أكد على إنهائه لما كان يسمى الشرعية الثورية والتي كانت تمنح حقوقا لغير مستحقيها وأنه لا يوجد شرعية غير الشرعية الدستورية
إن كانت الثورة الجزائرية عملية ناجحة فإن الإستقلال أو إنتقال السلطة ليد الجزائرين كان في رأيي عملية فاشلة بكل المقاييس دفعنا ثمنها غاليا
تعلمت من قراءة التاريخ أن لا أحكم على أحد وأن أبقي لنفسي هامشا للتفكير والنقد فلا أجعل من شخص بطلا معصوما ولا من آخر خائنا مذموما

يا دزاير الغلطة ماشي منك ،أنتِ بأولادك آمنتِ
يا بلادي وقت الشدّة بعد الله ما نلقاوك غي انت







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©