عنوان الموضوع : الجزائريون صوتوا على استقلال مشروط في جويلية 62 - الجزائر
كاتب الموضوع : mira
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

تطرح ورقة الاستفتاء على تقرير مصير الجزائر (الاستقلال) في الفاتح جويلية 1962، بالحرف الواحد السؤال التالي: "هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة، متعاونة مع فرنسا، حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962؟".


وعُرض على الجزائريين وغيرهم من الأوروبيين والفرنسيين المقيمين على التراب الوطني يومها، ورقتان لونهما برتقالي تحملان العبارات ذاتها، وتختلفان فقط في "نعم" و "لا"، اللتين كتبتا باللغتين العربية والفرنسية .

وكان يمكن أن يكون النص عاديا لو توقف سؤال الاستفتاء عند: "هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة؟، غير أن امتداد الجملة لعبارة مشروطة.. متعاونة مع فرنسا، حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962"، عزّز من مشروعية التساؤلات حول طبيعة هذا التعاون، الذي كان يتعيّن التنصيص عليه بشكل واضح، لا يفتح المجال أمام أي تأويل أو تشكيك.

التعاون بين الجزائر وفرنسا الذي تحدثت عنه الوثيقة، يمكن أن يحصره المتابع البسيط للعلاقات الثنائية المتشعّبة بحسب اتفاقيات إيفيان، في استغلال الطرف الفرنسي لميناء المرسى الكبير بوهران، لمدة 15 سنة (غير أن الرئيس الراحل هواري بومدين، طرد آخر جندي فرنسي من المرسى الكبير في 1967)، إضافة إلى مواصلة فرنسا تجاربها النووية والكيميائية في الجنوب والجنوب الغربي.

لكن ماذا سيقول أحد أبرز صانعي اتفاقيات إيفيان، التي رسمت حدود العلاقة بين الجزائر وباريس بعد الاستقلال، بشأن هذه الإشكالية؟

يقول رضا مالك، وهو رئيس حكومة سابق وآخر من لا يزال على قيد الحياة ممن شاركوا في مفاوضات إيفيان، معلقا على "التعاون المشروط بتصريحات 19 مارس 1962"، كما جاء في الوثيقة أعلاه: "حاول الطرف الفرنسي المفاوض في إيفيان، فرض كلمة "الشراكة" رغبة من الجنرال ديغول في إرساء علاقات خاصة مع الجزائر، غير أننا رفضنا ذلك وطالبنا باعتماد كلمة "التعاون"، لأن التعاون موجود في العلاقات بين الدول ذات السيادة"، وهذه المعلومات موجودة في البيان العام لاتفاقيات إيفيان، يضيف المتحدث.

ولاحظ وزير الخارجية الأسبق، في تصريح لـ"الشروق": "لقد حرص الوفد الجزائري المفاوض، على اقتطاف اعتراف من الطرف الفرنسي، يضمن قيام دولة حرة ومستقلة في قراراتها الداخلية والخارجية، حرة في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. حرة في دبلوماسيتها وفي شؤونها الدفاعية".

وحصر رضا مالك، التعاون الذي أشارت إليه وثيقة التصويت في الاستفتاء في "التعاون الاقتصادي والثقافي والتقني"، وهي الأمور التي لم تحترمها فرنسا بشكل كامل، على حد تعبير رضا مالك، الذي أشار إلى أن ما كان في مقدمة اهتمامات الوفد المفاوض، هو إنهاء الحرب وتكريس السلم، وذلك من خلال اعتراف الطرف الفرنسي بـوحدة التراب الوطني واعتبار الصحراء جزء لا يتجزأ من البلاد، ووحدة الشعب الجزائري، لأن فرنسا كانت تتحدث عن أقليات وعرقيات مختلفة، فضلا عن الاستقلال التام في الدبلوماسية وشؤون الدفاع.

وكشف سفير الجزائر الأسبق بباريس، أن الطرف الفرنسي كان يخفي من وراء كلمة "متعاونة" رغباته في الحفاظ على امتيازات بعد خروجه من الجزائر، وهو ما تجسد من خلال مناورات وفدها لتحويل المرسى الكبير بوهران، إلى قطعة فرنسية في قلب التراب الوطني، على غرار جبل طارق التابع للسيادة البريطانية.. وهنا أشار إلى أن الفرنسيين طرحوا في البداية الاحتفاظ بالمرسى الكبير لمدة 99 سنة، ثم خفضوها أما رفض المفاوضين الجزائريين، إلى 30 سنة ثم 15 سنة، لكن في النهاية لم يبق الفرنسيون في وهران سوى خمس سنوات، جراء الضغط الذي سلط عليهم، حيث اضطر ديغول إلى إصدار قرار مكتوب يعترف فيه بأن المرسى الكبير لم يعد يكتسي أية أهمية استراتيجية بالنسبة لفرنسا، وكان ذلك تمهيدا لترسيم الخروج من المرسى الكبير، ووضعه حيز التنفيذ في الجريدة الرسمية.

وبشأن الصحراء يقول رضا مالك: "فرنسا أرست استثمارات كبيرة في الجنوب، ولذلك ساومتنا في البداية عندما أصرت على الاحتفاظ بها، وهو ما تسبب في مقاطعة الوفد الجزائري للمفاوضات في لوغران، إلى أن تراجعت فرنسا عن ضم الصحراء".

ويضيف سفير الجزائر الأسبق بواشنطن: "عندها طرحت فرنسا شرط التعاون، وكانت تهدف هنا إلى مواصلة تجاربها النووية، لأنها كانت تحضر لصناعة أول قنبلة نووية فرنسية.. ولذلك وافق الوفد الجزائري على خمس سنوات كمهلة قبل مغادرة الصحراء.. وقد أحدثت إحدى التجارب النووية التي قامت بها في الجنوب، ما يشبه الأزمة، إلى درجة أن نيجيريا انتقدت فرنسا بشدة وهددت بقطع علاقاتها الدبلوماسية معها، وكان ذلك من أسباب تعجيل فرنسا بخروجها من الجزائر".





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©