عنوان الموضوع : مغاربة قطعوا رؤوس وأصابع جزائريين طمعا في أسنان الذهب والخواتم - من التاريخ
كاتب الموضوع : مريم
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

في رحلتنا المستمرة لجمع شهادات عن حرب الرمال الجزائرية المغربية، تنقلت الشروق إلى منزل أحد المجاهدين الذين ساهموا في دحر الاجتياح المغربي وخاطروا بأرواحهم لتحرير أراض جزائرية أغرت ثرواتها الطبيعية الجارة المغرب، وحاولت هذه الأخيرة الحصول عليهما بشن حرب مباغتة لم ينتظرها الجزائريون الذين كانوا لايزالون ضعفاء من حيث العدة والعتاد، بعد ما أنهكتهم حرب التحرير التي دامت أزيد من 07 سنوات ضد الاستعمار الفرنسي.



البلديات فتحت أبوابها ليلا للمتطوعين

من هنا انطلقت رحلة أحد الشهود الذين عايشوا أحداث حرب الرمال، أين فتح لنا أبواب مسكنه الكائن بقرية قارة مصطفى ببلدية أولاد موسى غرب ولاية بومرداس، حيث استذكر تفاصيل وأحداث قرابة 03 أشهر من التمركز بالحدود الجزائرية المغربية، ويتعلق الأمر بالمدعو "حوشين أحمد" المعروف باسم "سي بلحاج"، وهو من مواليد شهر سبتمبر من سنة 1940 بأولاد موسى، هذا المجاهد لبى مثله مثل آلاف الشباب الجزائريين نداء رئيس الدولة الجزائرية أحمد بن بلة خلال شهر أكتوبر من سنة 1963، وهب إلى العاصمة عقب سماعه عبر المذياع باحتلال مركز حدودي بمنطقة حاسي بيضة على الحدود الجزائرية المغربية، حيث تجندت على إثر ذلك جميع الثكنات والمؤسسات الحكومية لاستقبال الراغبين في الالتحاق بالحدود الغربية للوطن، فكانت البلديات والثكنات مفتوحة في وجه المتطوعين ليلا نهارا، حتى يتم تسجيل أسماء وهويات المجندين الذين تطوعوا للجهاد، فيما لم يتم تسجيل المئات الذين تنقلوا من تلقاء أنفسهم من منطقة إلى أخرى، مستعينين بأصحاب السيارات والمركبات، غير أن ندرة ونقص السلاح حال دون تمكن جميع المتطوعين من دخول معترك حرب الرمال، حيث أكد مستضيفنا أنه لولا النقص في السلاح لبلغ عدد المجندين المليونين.



التحق بالجهاد خفية عن أهله

وصل السي بلحاج الذي لم يخبر أحدا من عائلته وحتى والديه عن نيته وعزمه الجهاد، رفقة المئات من أمثاله إلى ثكنة علي خوجة بالعاصمة، عندها تم تسجيلهم، أين قدموا لهم الخبز الذي تبرع به خبازو العاصمة وكذا علب جبن وبدلات عسكرية، وهناك أيضا تلقى هؤلاء الذين كونوا الفيلق رقم 04 شروحات عن كيفية استعمال السلاح، ثم حمّلوا في نفس الليلة على متن طائرة الخطوط الجوية الجزائرية إلى مطار قريب من منطقة حاسي بيضة التي كانت المعارك دائرة بها، وهناك يضيف عمي أحمد بدأت خطواتهم تتثاقل بفعل الرمال التي غاصت فيها أرجلهم في درجة حرارة لا تقل عن 45 درجة مئوية كانت كافية بأن تلفح جلودهم وتشعرهم بالعطش الشديد، غير أن هذه العوامل كلها لم تثن المجاهدين الجزائريين الذين كانوا مفعمين بالحماس على الدخول في معركة دامت 03 أيام، تمكنوا بعدها من تحرير مركز حاسي بيضة واسترجاعه.

خلال المعارك التي كانت تدور بين الجيشين الجزائري والمغربي، استعمل هذا الأخير خطة لتضليل الجنود الجزائريين، وذلك عن طريق وضع الخوذ العسكرية على عمود، يخيل من خلالها أن الجندي المغربي متموقع بمكان وجود الخوذة، في الوقت الذي يكون هو غير بعيد عنها يتربص بأي جزائري يقترب منه، غير أن الجزائريين اكتشفوا الأمر، وتلقى الجنود أوامر بعدم تصويب طلقات نارية على الخوذ غير المتحركة، حتى لا تذهب ذخيرتهم هباء. كان فيلق المشاة رقم 04 الذي يضم أزيد من 400 جندي من بينهم عمي أحمد تحت قيادة الملازم المدعو "سي منور" وهو أحد المجاهدين الكبار الذين ساهموا بشكل كبير خلال حرب التحرير الجزائرية، ولكن هذا الأخير خسر خلال معاركه مع المغرب العشرات من المقاتلين بين شهداء، مصابين وأسرى.



حجارة بالأفواه لترطيبها ونسيان العطش

في هذه الفترة التي كانت الحرب دائرة بين الجبهتين، كان المجاهدون الجزائريون يجتازون مرحلة مأساوية دون أكل أو شرب، ومن شدة العطش كان هؤلاء يقومون بوضع حجر صغير داخل أفواههم حتى يسيل به اللعاب ويحسونه رطبا، كما تسبب جفاف أفواههم وحلوقهم في منعهم من التحدث، فكانوا يجدون صعوبة في الكلام نتيجة العطش الشديد ما جعلهم يتحدثون إلا للضرورة، حيث كانوا يجبرون على البقاء دون شربة ماء لأزيد من 03 أيام، كانت كافية لتجفف أجسامهم من جميع السوائل.



بعض الشهداء دفنوا من دون تحديد هوياتهم

بقي المقاتلون الجزائريون على هذا الحال المؤلم لمدة 29 يوما لم يكف خلالها الجانبان عن إطلاق النار، استشهد خلالها المئات من الجنود الجزائريين، حيث أكد محدثنا أن حوالي 10 جنود كانوا مكلفين فقط بدفن الشهداء، فكانوا يدفنون يوميا شهداء جزائريين، البعض منهم لم تكن هوياتهم العائلية معروفة، كونهم تنقلوا تلقائيا للجهاد على الحدود دون تسجيل أسمائهم.

في نهاية شهر نوفمبر من ذات السنة تلقى سي بلحاج وغيره أمرا من الكوموندون سليمان لكحل بالتوجه إلى تندوف، رحلة حاسي البيضة - تندوف دامت حوالي نصف يوم، دخل المقاتلون إلى ثكنة عبان رمضان، كانت أنذاك الحرب قد وضعت أوزارها، ماعدا بعض المناوشات التي تحصل بين الجانبين يتم خلالها تبادل إطلاق النار، تمركز عمي أحمد وزملائه كل بخندقه الذي حفره لنفسه، ولسوء حظهم أنه لا حياة بتلك المنطقة لا لإنس أو حيوان أو نبات، مجرد صحراء قاحلة، ولم يكن يسمح لأحد منهم بمغادرة مكانه، وشربة الماء الوحيدة التي كانوا ينالونها كانت كلها مختلطة بمادة المازوت أو الزيت بفعل تأثره بالمادة التي كانت بالبرميل التي يخزن فيها الماء.



أطباء يخلعون المآزر ويحملون السلاح

أزمة الجنود الجزائريون لم تطل العدة والعتاد فقط، ولا الأكل والماء وإنما الدواء هو الآخر كان حلما صعب المنال بالنسبة لكل من يصاب أو يحس بألم ما، الطبيب والممرض تحولا إلى مقاتلين شأنهما شأن باقي الجنود، ارتدوا البدلات العسكرية وحملوا السلاح ووقفوا إلى جانب إخوانهم، وتركوا مهنة التطبيب والتمريض بعد ما استعصى عليهما الحصول على مواد طبية أو أدوية، لا مسكن للألم، لا شاش لتضميد الجروح ولا أية وسيلة يمكن أن يساعدوا من خلالها المرضى والجرحى، فيصارع الموت من كانت إصابته بليغة، فيما يبقى ذوو الإصابات الطفيفة يكابدون آلامهم بساحات المعارك حتى تهدأ الأمور وتتنقل إليهم الشاحنات لتحولهم إلى الثكنات لتلقي الإسعافات اللازمة. هكذا كان حال المجاهدين الجزائريين في جبهة القتال بكل من مراكز حاسي بيضة، مولعشر، وبرج لطفي، تلك المناطق الصحراوية الحدودية التي حاولت الجارة المغرب احتلالها وضمها إلى خريطتها، غير أن الجزائريين واجهوا المحتل بكل بسالة، وكانت حصيلتها آلاف الشهداء والجرحى، حيث أكد محدثنا أن الأخبار المتناقلة أنذاك كانت تقول أن عدد شهداء حرب الرمال هو حوالي 20 ألف شهيد.



العقيد شعباني يحث الجنود على الصمود

بعد الإعلان عن توقيع معاهدة وقف إطلاق النار بين الطرفين، عاد عمي أحمد وآخرين إلى ثكنة عبان رمضان بتندوف والتي كان بها عدد كبير من المقاتلين الذين دخلوا من مختلف جبهات القتال وبالتالي لم يكفهم الطعام الموجود، فقرر بعض الأفراد شن إضراب للمطالبة بحقهم في الطعام، فيما رفض الأغلبية الفكرة، فتسربت الأخبار إلى العقيد شعباني الذي كان بالثكنة وأمر بجمع الموجودين وخطب فيهم وحثهم على الصبر والصمود، وأن احتمال معاودة العدو لهجوم آخر وارد، ولهذا عليهم دائما أن يكونوا على أهبة الاستعداد لحماية الحدود، وعندها كذلك أمر العقيد بنحر جمل حتى يتمكن الجميع من الأكل لاسترداد جزء من قواهم التي أنهكها الجوع والتعب والعطش.



مغاربة قطعوا رؤوس شهداء طمعا في سن من ذهب

من بين الذكريات التي لم يستطع عمي أحمد محوها من ذاكرته، وبدا حجم تأثره على محياه وهو يسترجع لنا شريط ذكريات حرب الرمال، هي بشاعة تعامل الجيش المغربي مع الشهداء الجزائريين الذين ماتوا بميدان الشرف، حيث قام بعض العناصر من جيش العدو بقطع رؤوس وأصابع شهداء جزائريين بهدف الاستيلاء على سن ذهبي من فك أحدهم أو قطع إصبع جندي آخر للحصول على خاتمه، وذلك باستعمال أسلحة بيضاء حادة كانت بحوزتهم بعد ما سلمها لهم قادتهم لاستعمالها ضد الجزائريين، مضيفا أن أفراد جيش المحتل كانوا يسبون الجزائريون بـ"يا ولاد فاطمة الحفيانة"، قاصدين بذلك المجاهدة والقائدة الجزائرية فاطمة نسومر، وبدل استعمال اسمها كرمز من رموز الثورة الجزائرية الذين وقفوا في وجه الاستعمار الفرنسي الغاشم، حاولوا جعلها اسما يستهان به أو يخجل الجنود الجزائريون من الانتساب له، حيث قاموا بذلك بهدف التأثير نفسيا عليهم.



ضباط وجنود رفضوا وقف إطلاق النار

أكد سي بلحاج في معرض حديثه عن حرب الرمال أن ضباطا وجنودا خاضوا هذه الحرب، رفضوا فكرة وقف إطلاق النار ولم يكونوا أبدا راضين عن وقف القتال الموقع بين البلدين، حيث اعتبروا الأمر -حسبه- انتقاما، وعليهم الثأر من الجيش المغربي الذي فكر في غزو الجزائر ورد اعتبار من استشهدوا في هذه الحرب المفاجئة التي لم يحسب لها حساب لا الجيش ولا الشعب الجزائري، خاصة وأن المغرب لم ترحم الأسرى الجزائريين الذين تمكنوا من أسرهم وعذبوهم بأبشع الطرق، ناهيك عن مباغتتهم لمركز حدودي دون سابق إنذار واستغلال حالة الضعف الذي كانت تمر به البلاد عقب الاستقلال، وهذا ما أدى بالكثير من أفراد الجيش الجزائري بالرغبة في مواصلة القتال لدحر المحتل المغربي وإجباره على الاستسلام مثلما فعلوا مع فرنسا.

هكذا قضى عمي أحمد يومياته على الحدود الجزائرية المغربية، ليعود بعد أن خير بين الانضمام إلى صفوف جيش التحرير أو العودة للديار، إلى أحضان عائلته بأولاد موسى



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©