عنوان الموضوع : أنا أوّل من قال "كل الجزائريين أمازيغ عرّبهم الإسلام" - من تاريخ الجزائر
كاتب الموضوع : khouloud
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

زهور ونيسي تتحدث لـ"الشروق" عن مسائل الهوية / الجزء الثالث

أنا أوّل من قال "كل الجزائريين أمازيغ عرّبهم الإسلام"



أنا مع كتابة الأمازيغية بالحرف العربي أسوة بالأجداد

الأفافاس والأرسيدي لم يقدما شيئا للأمازيغية بل غذيا الصراع




تتحدث زهور ونيسي في الحلقة الثالثة من حوارها مع "الشروق اليومي" عن مختلف المعارك السياسية والثقافية التي خاضتها في البرلمان، وصفها مساعدية _رحمه الله- بالصخرة وفضيلة مرابط وصفتها "بالرجعية" رفقة مولود قاسم. تقارن بين أداء البرلماني في عهد الحزب الواحد وتراجع أدائه اليوم رغم تحسن ظروفه المادية.

وصفت نفسك بأنك كنت صوتا نشازا في جبهة التحرير الوطني، لماذا وكيف؟
هناك من الناس من كانوا ولا يزالون يعيشون على وقع الكواليس، السهرات الليلية والحديث الهامشي، وعلى وقع التعليقات وأسرار البعض.
أما أنا فاهتماماتي كانت العمل والمنزل لا أكثر، مشاغلي كثيرة بحيث لم أكن أملك أو أدرك تلك الخلفيات عندما أطلق آرائي في جبهة التحرير أو في أي مؤسسة أخرى من منظمة المرأة إلى اتحاد الكتاب الجزائريين أو حتى شبيبة جبهة التحرير الوطني سابقا.
كنت أقدِّم آرائي حسب قناعاتي الشخصية التي أرافع فيها لمصلحة الوطن بالدرجة الأولى. لم يكن يمنعني عن إبداء رأيي كاملا دون مضاربة ما كان يحصل مع آخرين، عندما يعرفون آراء فلان وعلان ويحاولون أن يكسبوا من خلال المناورات رضا هذا أو الآخر.

ألم تواجهي مشاكل بسبب مواقفك الجريئة التي لم تكن تعجب الكثيرين؟
هذه النقطة كانت مصدر راحتي من جهة، ومن جهة أخرى حتمت على الآخرين احترامي، وخصوصا المسؤولين منهم، كانوا لا ينزعجون أبدا من كلامي. وأذكر ما جرى عندما قلت في اجتماع حول التعريب، حضره رئيس الحكومة آنذاك محمد عبد الغني وأخي عبد القادر حجار الذي هدّد من على المنصة كل من لا يحضر اجتماعات لجنة التعريب، قائلا إن من يتغيب مرتين سيفصل نهائيا.
وانطلاقا من تسليمي بأن لجنة التعريب هي لجنة عمل تطوعية، خالفته الرأي ورددت عليه منتقدة تهديداته وقلت له "لا حقّ لك في إجبارنا على الحضور ولا في معاقبتنا، ليس لك حق في ذلك"، فضغط عبد القادر حجار على الملف الذي كان بين يديه مجيبا "بلى لي كل الحق". وقعت هذه الحادثة في مقر الحزب آنذاك في شارع زيغود يوسف.
مسؤولو الأمس كانوا يعتذرون إذا تحدثوا بالفرنسية قسراً ومسؤولو اليوم يفتخرون بذلك.
وتكررت مواقفي الصريحة والعفوية التي عبّرت من خلالها عن وجهة نظري دون خوف، مثل حادثة وقعت سنة 1986 عندما تكلمت عن قضية الأمازيغية وضرورة حماية الأمازيغية وجعلها ثابتاً من الثوابت الوطنية، الكلام أزعج أخي عثمان سعدي يومها رغم أن ما حركني هو جزائريتي ولم يكن وراء وجهة نظري لا جماعة القبائل ولا جماعة الشاوية. وأذكر أني قلت يومها "المصريون عندما يحافظون على فرعونيتهم حتى في بيوتهم حيث تُجسد صور كليوباترا أو نيفرتيتي على الأفرشة والأغطية، هذا لا يعني أنهم يتنكرون لانتمائهم العربي الإسلامي".

آنذاك قدمت طرحا بريئا للهوية الجزائرية ومكوّناتها: الأمازيغية والعربية، ربما لم تفكري آنذاك أنه سيأتي وقت تحملها الأحزاب وتقود البلد بها إلى صراعات؟
هذا طبيعي.. وحتى الإسلام أصبح موضوعا للصراعات، لكن نحن كمفكرين وسياسيين ندرك جيدا كيف تبنى الأمم والهويات، وعلينا ألا نهمل أي طرف من هذا التاريخ من خلال إعطائه حقه وبهذا ننهي الغموض.
مثل هذه المسائل ومنها الأمازيغية كانت طابوهات في يوم من الأيام في وقت كل الناس تعرف أن شمال إفريقيا هويته أمازيغية وأتذكر أنه في بداية التسعينيات وفي زمن الإرهاب جاءني للبيت صحفيٌ فلسطيني الأصل وهو من الأردن اسمه صالح قلاب والذي أصبح فيما بعد وزيرا للثقافة في الأردن.
وطرح الموضوع بخوف شديد متسائلا عن خلفية مطالب منطقة القبائل؟ فقلت له "كل الجزائريين أمازيغ عرَّبهم الإسلام" وهذه الكلمة أنا أول من قالها، وهذا شرف لي ثم قالها الكثير بعدي، وهذه هي الحقيقة. أنظري الى الطرح الأخير للدكتور أبو القاسم سعد الله رحمه الله في قضية الأمازيغية في الجزائر، هو لا يطرح فقط الموضوع بل يطالب بأن يكون إحياء الأمازيغية بالحرف العربي كما كان يفعل أجدادنا الأمازيغ سابقا.

ولكن فرنسا استثمرت في هذه الهوية بما يخدم مصالحها ويفرق الصف الجزائري؟
ألدّ أعدائي اليوم -وأنا من لم يكن لي أعداء في حياتي إلا الاستعمار الفرنسي- هم أولئك الخونة الذين يدعون إلى تقسيم الجزائر. هؤلاء الانفصاليون الذين لو كنت شابة للبست اللباس العسكري ورفعت "الكلاشينكوف" ضدهم. هم صناعة استعمارية يستخدمها لمصالحه مثلما أسس الأكاديمية البربرية في فرنسا، هل كانت أكاديمية للبحث والدراسات؟ أبدا.. لقد كانت غطاء للدعاية ضد اللغة العربية.

وماذا أضاف الأفافاس أو الأرسيدي للغة الأمازيغية؟
الأحزاب التي تغذي الصراع العربي- الأمازيغي لم تقدم شيئا للأمازيغية، عدا المحافظة السامية للغة الأمازيغية والمجلس الأعلى للغة العربية. وهما مؤسستان بدأتا التحرك ولمّ شمل المؤرخين. أنا ضد من يقول بكتابة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، إذا كنتم وطنيين فعلا فاكتبوها بالحرف العربي مثلما كان يفعل أجدادُنا الأمازيغ.

ماهو السبب الحقيقي لرفضك طلب حسين آيت أحمد الذي اقترحك مع مجاهدات أخريات للمجلس التأسيسي؟
لم أفكر تماما في الأمر، في عام 1977 كنت على رأس القائمة التي وضعتها جبهة التحرير الوطني ووضعها رئيس الجمهورية آنذاك هواري بومدين والأمر يتعلق بأعضاء المجلس الشعبي الوطني وكانت بنسبة 99 بالمئة من المجاهدين برئاسة الأخ رابح بيطاط. وكانت التركيبة تتكون من مجاهدين تاريخيين (أعادت عبارة مجاهدين تاريخيين ثلاث مرات) وكان هناك بعض الشباب كعبد العزيز بلخادم وغيره. كان هناك السي حميمي والسي قنز والكوموندو عثمان سعيد علالو، عمار بن عودة والبقية وكلهم مجاهدون، أقول هذا لأصل إلى أن الأيام برهنت لي أنني لم أندم على قرار اتخذته.

ماذا تقصدين؟
الفكرة كانت فكرة آيت أحمد بصفته مسؤولا عن المنظمات الجماهيرية وقتها، فكان يختار من كل تنظيم جماهيري "العمال والشبيبة والنساء والفلاحين"، يعني ما كان يسمى بـ"القوة الحيّة" في ذلك الوقت، رفضت وواصلت دراستي وتحصيلي العلمي، وقبل عام 1977 كنت قد حصلت على ليسانس في الأدب العربي، وكنت أيضا في طريقي للحصول على ليسانس في الفلسفة. بمعنى أنني امتلكت نوعا ما القدرة على التحليل والفهم والنظر العميق وتحليل القوانين واستيعاب ما يطرح من أفكار ومشاريع.

إلى أي درجة تأثرت مختلف التنظيمات وعلى رأسها المجلس التأسيسي بالاختلافات الفكرية والثقافية والسياسية للأعضاء الذين تكوّنوا في مدارس بن باديس أو في الحزب الشيوعي أو في حزب الشعب؟
بالعكس، لقد كان الهدف الأساسي لجميع هؤلاء هو الجزائر ومصلحتها وبناؤها، ما كان يهمنا هو بناء الدولة الجزائرية بعد الاستقلال.

إذن بماذا تفسرين الصراعات الحادة التي تغذت بعد الاستقلال كتحصيل حاصل للاختلافات أيام الثورة التحريرية؟
أبدا، الصراع انتهى مع نهاية الثورة رغم أن البعض يتحدث عن صراع بعد الاستقلال بين ما يسمى المدرسة العربية والمدرسة الفرنسية. وهذا بالنسبة لي نحن من تسبّب فيه، لو لم نعمقه نحن بسياساتنا وممارساتنا الخاطئة لما كان ليتعمق.

تحمّلين السياسة المسؤولية؟
بطبيعة الحال، السياسة جعلت المثقف بالثقافة العربية عدوا للمثقف بالثقافة الفرنسية. الوطنية واحدة، والفرنسية فُرضت بمنطق المستعمر، أما الآن فالصراع حقيقي ويشكل خطراً، لأن التبريرات والعوامل التي كانت سائدة في فجر الثورة انتهت.
الصراعات انتهت بنهاية الثورة والسياسة سبب أزمة الاستقلال
أن يكون هذا أو ذاك الشخص لا يحسن الحديث باللغة العربية وقتها، لأن ثقافته الأساسية في زمن الاستعمار كانت باللغة الفرنسية ولا يقدر على التعبير بدقة عن أفكاره إلا بالفرنسية، ومع ذلك كان الوزراء أو المسؤولون يعتذرون. أما اليوم فنحن نتباهى بها وبالحديث بها وهذا معناه أن الرواسب الحضارية التي تركها الاستعمار الفرنسي بقيت عاملاً أقوى مما صنعناه نحن في هذه البلاد.

بماذا تفسِّرين تراجع أداء البرلمان في زمن التعددية ومن يسمون أحزابهم "معارضة" في الوقت الذي تمكنتم في أكثر من مناسبة من التأثير في التشريعات وانتقاد سياسة النظام جهاراً؟
الأحزاب في حد ذاتها تراجع مردودُها السياسي ودخلت في صراعات بعيدة كل البعد عن الأهداف التي وُجدت من أجلها. ومنها حتى الأحزاب الكبيرة وعلى رأسها جبهة التحرير، ولذلك تنتج هذه الأحزاب ما نراه الآن. هدف البرلماني اليوم ليس الدفاع عن وجهة النظر الحزبية لخدمة الجزائر، بل أصبح هذا آخر الأهداف والأولوية هي المناصب والسلطة، وهذا انحراف كامل.

كم كنت تتقاضين آنذاك؟
كان راتب النائب في عهد جبهة التحرير 12 ألف دينار وطبعا هو راتبٌ مهم مقارنة براتب أستاذة في الثانوية؛ إذ كنت أتقاضى أقل من ألفيْ دينار. ولكننا أبدا لم نحتج حتى تُرفع رواتبنا لأننا كنا ننظر إلى وجودنا في المجلس الشعبي الوطني على أنه شرف ومسؤولية.

بعد تجربة التعددية هناك من يقول إن الحرية والديمقراطية كانتا أفضل في عهد الحزب الواحد، هل أنت مع هذا الطرح؟
أكيد، ولذلك قلت لك سابقا أنني كنت أدافع عن مواقفي وقناعاتي بكل حرية، وهذا ما كررته عندما قمت بتشريح النظام كاملا بكل عيوبه في المؤتمر عام 1988، شرّحته وقمت بتحليله كاملا لكن لم يقف أيٌّ كان ليوقفني عن النقد. وأنا من جانبي كنت موضوعية ولم أقم بالتشهير أو الإساءة للناس بل كنت منهجية واستعنت بأدلة، كان معنا في الجبهة إخوانٌ من عدة تيارات من التقدميين إلى الإسلاميين فكنا خليطا من الأفكار السياسية، ولكن كانت جبهة التحرير عندما كانت جبهة التحرير تحترم كل الآراء، وكل الأفكار، بل كانت بوتقة من الأفكار التي من شأنها أن تضيف للجزائر لا أن تُنقص منها.

هل نفهم من كلامك أن الجبهة تتحمّل مسؤولية فشل التعددية لأنها ظلت تمارس الأبوية وتسيطر على الحكم؟
الأزمة كبيرة ولكن مسؤوليتها تتحملها أطرافٌ عديدة، لأن التعددية كانت نتاج ثورة شارع وغضب وانتفاضة هدفها النيل من جبهة التحرير ورموزها من أجل التعددية.. وهذا خطأ، لأنه من المفروض النظر إلى جبهة التحرير على أنها حزب تاريخي مستمر لديه مبادئه وتقاليده وأدبياته السياسية، لكن عليه أن يتوسع إلى نواحي وأفكار أخرى، بطرح الراهن والمستقبل ومواكبة الحيثيات والمطالب الجديدة، من جغرافيا وديموغرافيا وسياسة واجتماع وثقافة...

ربما كنت محظوظة لأنك عايشت شخصيات مهمة في تاريخ الجزائر ومنها الشريف مساعدية رحمه الله الذي وصفك بـ"الصخرة"، أإلى هذا الحد كان يعرف شخصيتك؟
النائب كان يتقاضى 12 ألف دينار والأستاذ الثانوي ألفيْ دينار
كنا نلتقي أسبوعيا ليعطينا التعليمات، يعني عشنا معا مرحلة مهمة، كان يقدم لنا التعليمات في عالم الصحافة وكان متواضعا ويردد "أنا دائما أستفيد منكم، أنا مثل طه حسين أعمى لكني أستفيد منكم في حديث الأربعاء" وهو اليوم الذي كنا نعقد فيه الاجتماع وكان معنا إعلاميون كبار أمثال محمد الصالح حرز الله، محمد فضيل، أحمد حمدي، عبد العالي رزاقي، صالح شكيري، زبير سويسي، كمال بلقاسم وزهرة سلامي في "الثورة والعمل" وهي زوجة بن بلة، كانت شبيبة نابغة طامحة وقادمة بقوة وتخدم سياسة البلاد على أساس اقتناع لا على أساس تطبيق أوامر بشكل أعمى.

ما الذي دفع الرئيس بومدين إلى إبداء مخاوفه؟
كان خائفا لأنه بعد الانتخابات حصل الرئيس بومدين على نسبة ضعيفة لم تتعدّ الأربعين بالمئة، كان يخاف على قلمي ووجودي وقلمي في المجلة، فقال له إنه خائف عليّ ورد مساعدية مخففا واصفا إياي بالصخرة. وأنا أعتز بها لأني في الحقيقة من الهشاشة ومن الرقة كرطون ولست صخرة، ولكن هذا نوع من أنواع التشجيع، كما تكلم الرئيس الراحل مع زوجته أنيسة التي روت لي الحادثة وقالت إنه كان محتارا كثيرا، بحيث أن القوائم التي أعطيت للجيش للانتخاب وكان اسمي موجودا داخل القوائم. ربما جاءت بعدها عيّنة رائعة من النساء والإطارات وذوات الكفاءة، ولكن كل مرحلة وكل زمن وله نساؤه ورجاله نعتمد عليهن وعليهم فيه.

فضيلة مرابط وصفتك ومولود قاسم بـ"الرجعيين والمنغلقين" بسبب موضوع الزواج من الأجنبيات؟
كنت أتحمّل مسؤولية مواقفي التي طالما عبّرت عنها بشجاعة، وكذلك فعلت يوم طُلب مني تقديم موضوع تأثير الزواج بالأجنبيات على الأسرة، لأن مولود قاسم خصص ملتقى الفكر الإسلامي لسنة 1972 لهذا الموضوع. وتم اختياري لأنني سبق وكتبت في الموضوع في مجلة "الجيش" وبعض الصحف. وقام أحد الأساقفة بترجمة المقال ونُشر في جريدة "لوموند". وهو ما أثار حفيظة الكاتبة الجزائرية الفرنسية فضيلة مرابط التي وصفتنا بأننا "رجعيون وحاملو حقد وكره أسود".



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©