عنوان الموضوع : البحث عن السعادة المفقودة ؟ - عالم المرأة
كاتب الموضوع : chichaki
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

البحث عن السعادة المفقودة سالم العجمي ° انتقاها لكم عاشق العفة °
بعض المذنبين يظن أنه بارتكابه للذنوب سيتوصل إلى السعادة المفقودة والتي طالما بحث عنها في جوانب قلبه فأعياه البحث والتنقيب دون أن يصل إلى نتيجة ،لقد اختلفت نظرة الناس لمعنى السعادة والسبل التي توصل إليها وكم من إنسان يحسد آخرا على شيئ يظنّه مصدرا للسعادة ولا يعلم أن ذلك الشخص يعيش في قمة الشقاء والبؤس فهل السعادة في الشهرة أم هي في المال أم في الملك أم في الزوجة والأبناء أم في السفر والرحلات هذه هي السعادة في تصور الكثير ولكن هل هذا صحيح؟ اسمعوا سأذكر لكم مثالا واحدا يبين لكم خطأ هذا التصور يقول الملك حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الراحل في كتابه-مهنتي كمَلِك-في كلمة له حول السعادة يقول:إنني أعتقد بأن من العسير جدا إدراك السعادة في هذه الدنيا سواء كان المرء ملكا أم إنسانا عاديا ما هي السعادة بالنسبة للأغلبية العظمى من الناس؟ إنها الحصول على عمل مُغرٍ ممتع وعلى راتب جيد وأسرة لطيفة تستعذبها النفس والقيام بالرحلات من وقت لآخر وأن يكون للمرء بعض الأصدقاء وأن يساعد الناس ويساعدوه –يقول-:لقد نلت كل هذا ومازال كل ذلك في متناول يدي ولكن هل يعني هذا حقا أنني سعيد ؟ لا أعتقد ذلك؟ نعم لقد كانت حياتي خصبة مليئة ولربما لم يعرف مثلها إلا القليل من الناس لقد عرفت السراء والضراء ولعل الضراء رجحت على السراء وعاينت لحظات في غاية الشدة ومرت بي فترات في أقصى درجات الضيق ومرت بي أوقات كنت أشعر فيها بأنني في منتهى العزلة وعرفت الحداد والأحزان والنادر من الفرح والقليل من السعادة-انظروا هذا ملك من ملوك الدنيا؟ يقول-: لقد عرفت كل ما يمكن أن يعرفه كائن بشري الجوع والعطش والإذلال والهزيمة والنادر من اليسار والبحبوحة والقليل من السلام والراحة والابتهاج..إن حياتي الخاصة والعائلية غير منظمة فأعباء الدولة تحول بيني وبين أن أكون لهذه الكائنات الإنسانية العزيزة الغالية بالقدر الذي أرغب وأتوق إليه ،ولطالما اضطررت أن أخيب آمالهم في الوقت الذي ينتظرونني فيه لتناول طعام الغداء معي فأحتبس نفسي مع زائر أجنبي أو سياسي أردني ثم في حوالي الساعة الرابعة أو الخامسة بعد الظهر أطلب بعض الشطائر لآكلها وأنا منهمك في عملي أما في المساء فإنني أغادر مائدة العمل في الساعة الثامنة أو التاسعة ويكون أولادي عندها قد استسلموا إلى الرقاد وتبقى في انتظاري زوجتي وأولادي ليمنحوني الحرارة التي افتقدتها والتي أشعر أنني في مسيس الحاجة إليها.إنتهى كلامه.
إنها كلمات في منتهى الصدق مع الذات وكم من إنسان يحسد الحكام والملوك وأرباب الأموال على ما عندهم فهل علمت حالهم؟ إن السعادة الحقيقية هي في الإقبال على الله ولزوم طاعته مع أخذ نصيب من الدنيا وجعلها بلاغا للآخرة إن أصحاب الإستقامة هم السعداء حقا وهم الملوك حقا ,قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله –وهو من عباد التابعين وعلمائهم-: نحن والله الملوك الأغنياء,نحن الذين قد تعجلنا الراحة في الدنيا لا نبالي على أي حال أصبحنا أوأمسينا إذا أطعنا الله عزّ وجلّ.ا.ه وتأملوا هذا الكلام النفيس للإمام ابن القيم والذي يذكر فيه حقيقة السعادة ويصف فيه حال أحد السعداء بما لامزيد عليه في الوصف يقول رحمه الله تعالى : والإقبال على الله والإنابة إليه والرضى به وعنه وامتلاء القلب بمحبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة وسمعت شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه يقول :إن في الدنيا جنة ًمن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة ,وقال لي مرة ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني إنّ حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة،وكان يقول في محبسه في القلعة:لو بذلت ملئ هذه القلعة ذهبا ماعدلت شكر هذه النعمة أو قال ماجزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير.ا.ه
أنظر إنسان مسجون ولكن لأنه لما حبس تفرغ للعلم والعبادة وتواصل في قلبه مع ربه سبحانه وتعالى فبلغ منتهى السعادة. قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية: وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك,ما شاء الله أن يقول, وقال لي مرة:المحبوس من حُبِسَ قلبه عن ربه والمأسور من أسره هواه ,ولما دخل القلعة-التي سجن فيها- وصار داخل سورها نظر إليها وقالَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ )[الحديد : 13] باطنه العلم والتفرغ للعبادة وظاهره الإشتغال بالدنيا والإنهماك بملذاتها. ويقول ابن القيم:وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط،مع ماكان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا إذا اشتدّ بنا الخوف وساءت منّا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلاّ أن نسمع كلامه حتى يذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح له أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها .إنتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.
وكان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.وقال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟قيل وما أطيب ما فيها؟: قال: محبّة الله ومعرفته وذكره. وقال آخر :إنّه لتمرُّ بالقلب أوقات يرقص فيها طربا.وقال آخر:إنّه لتمرُّ بي أوقات أقول:إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنّهم لفي عيش طيّب.
- فكلما زاد إيمان الانسان أحسّ بهذا الإحساس العظيم،أنظر إذا عملت في يوم بعض الأعمال الصالحة من صلاة خاشعة وصلة لرحم وصدقة لإنسان ومساعدة ضعيف تجد في نهاية الوقت لذّة تجد حلاوتها على لسانك ، يقول ابن القيّم: فمحبّة الله ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه وإفراده بالحبّ والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو همُّ العبد هو جنّة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قرّة عين المُحبّين وحياة العارفين وإنّما تقرُّ عيون النّاس به على حسب قَرّة عينه بالله فمن قرّت عينه بالله قرّت به كلّ عين ومن لم تقرّ عينه بالله تقطّعت نفسه على الدّنيا حسرات. فيا أيها الأخ الحبيب أقبل على السعادة الحقيقية لا تعيي نفسك بالبحث وهي أمام عينيك لا تفوّت على نفسك الفرصة وهي بين يديك أقبل إليها وخذها قبل فوات الأجل وانصرام الليالي والأيام.إنتهت محاضرة الشيخ سالم العجمي.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©