عنوان الموضوع : الحلقة الثانية :: سودة بنت زمعة الكريمة المباركة...صاحبة الهجرتين - شقائق الرجال
كاتب الموضوع : hamida
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



والصلاة والسلام على سيد المرسلين النبي الأمي المرسل رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،،

أما بعد أعضاء وعضوات عالمنا الحبيب ،،

فكل عام وأنتم بخير بمناسبة قدوم أفضل الشهور وأكثرها بركة ،، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ،،

شهر نزول الرحمات من عند الحنان المنان ،، شهر العتق من النيران والفوز بالجنان ،، فلنكن سباقون فيه إلى كل خير وفضيلة مبتعدون عن كل شر ورذيلة ..

أعزاءنا .. أحببنا أن نقدم أنا وأختي الحبيبة ومشرفتنا القديرة


في رمضان من هذا العام موضوع خاص بالصحابيات رضوان الله عليهن ،،

كل يوم حلقة نتناول فيها صحابية وأم من أمهاتنا الطاهرات ..

صحابيات عشن مع الحبيب لحظة بلحظة ،، وكن قدوة لنا تحتذي بهن جميع نساء العالمين ،،

أحببنا أن نعيش معكم أعضاءنا وعضواتنا الحبيبات من خلال هذه الرحلة المباركة ومع كوكبة أولئك الصحابيات رضي الله عنهن وأرضاهن رحلة تحمل بين طياتها نفحات هؤلاء الكريمات اللواتي عطرن كتب السير بسيرتهن الذهبية المباركة ..

لقد كانت كل صحابية بمثابة زهرة تنبت في حقل الإسلام ،، فلما جاءت سحابة الإيمان وسكبت ماءها في هذا الحقل ؛ وإذا بتلكم الزهرة النقية التقية تتغذى من خلال النبعين الصافيين :: كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم :: وإذا بها تنشر عطرها وعبيرها ليملأ الكون كله بعطر الإيمان والتوحيد ..

إن المرأة المسلمة في صدر الإسلام لم تكن أقل ثباتا في دينها من الرجال ،، ولا أقل تضحية وبذلا في سبيل عقيدتها ،، فقد ضربت أروع الأمثلة في هذا المجال ،، فضحت من أجل إسلامها بكل ما تملك ،، مستهينة بكل ما يصيبها من ظلم وتعذيب وموت في سبيل عقيدتها ..

والمرأة سلاح ذو حدين ،، فإذا صلحت وأدت وظيفتها الأصلية وهدفها المرسوم ،، كانت لبنة صالحة في مجتمع إسلامي متماسك قوي الأخلاق ،، متين الدعائم ..

ولهذا نجد أن الإسلام قد اهتم بالمرأة اهتماما بالغا ،، وأحاطها بالتربية والرعاية ،، وشرع لها من الحقوق ما يلائم تكوينها وفطرتها ما لم تعهده أمة من الأمم على مر العصور ..

وبهذا الاهتمام العظيم صاغ الإسلام تلك المرأة المسلمة التي كانت وراء هؤلاء العظام الأفذاذ الذين ملأوا الأرض بالحكمة والعدل ..

فأولئك هن الأمهات اللواتي انبلج عنهن فجر الإسلام ،، وسمت بهن عظمته ،، وصدعت بقوتهن قوته ،، وعنهن ذاعت مكارمه ،، ورسخت قوائمه ،، وهكذا كانت الأم في عصور الإسلام الزاهية ،، وأيامه الخالية مهبط الشرف الحر ،، والعز المؤثل ،، والمجد المكين ..

وصدق الشاعر حين قال ::

الأم مــدرســة إذا أعـــددتــــها ,,,,,,,,,, أعــددت شعبــا طيــب الأعــراقِ
الأم روض إن تعــهــده الحـيــا ,,,,,,,,,, بــالـــري أورق أيـــمـا إيــــراقِ
الأم أستــاذ الأســاتـــذة الأُلــى ,,,,,,,,,, شغــلت مــآثرهــم مــدى الآفــاقِ

فإلى كل أخواتنا في الله ،، نقدم هذه الباقة العطرة من حياة هذا الجيل الفريد لنتعايش بقلوبنا مع هذه السيرة العطرة ونتعرف على القدوات اللواتي فاح عبيرهن وانتشر أريجهن ..

فهن مثال يحتذى ونبراس يقتدى ،، بالوقوف على أخبارهن تحيا القلوب ،، وباقتفاء آثارهن تحصل السعادة ،، وبمعرفة سيرتهن ومناقبهن تكون القدوة بجميل الخصال ونبيل المآثر والفعال ..

فهيا إلى هذه الواحة اليانعة لنعيش في رحاب الصادقات ،، ولنستنشق عبير الصدق ،، عسى الله أن يرزقنا الصدق والإخلاص في الدنيا ،، والنعيم والرضوان في الآخرة ..

ونسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم ،، وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم نلقاه وأن ينفعنا وإياكم به ..

الحلقة الثانية :: سودة بنت زمعة الكريمة المباركة...صاحبة الهجرتين




و ما زلنا نعيش في بستان الخير و البركة و العفاف و التقى ففي كل يوم نرى زهرة جديدة فاح عبيرها على الكون كله

و نحن اليوم على موعد مع صحابية جليلة مباركة كانت تبذل كل ما تستطيع لتدخل السرور و السعادة و البهجة على قلب النبي صلى الله عليه و سلم

إنها من السابقات الى الإسلام ..إنها صاحبة الهجرتين إلى الحبشة و إلى المدينة المنورة ..إنها التي آثرت رضى رسول الله صلى الله عليه و سلم على حظوظ نفسها

إنها التي قالت عنها أم المؤمنين عائشة : ((ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة))

إنها أم المؤمنين سودة بنت زمعة _رضي الله عنها_

فتعالوا بنا لنتعايش بقلوبنا مع سيرتها المعطرة التي تطيب بسماعها القلوب


فهيا إلى تلك الواحة المباركة

:: من ظلمات الشرك و الكفران إلى أنوار التوحيد و الإيمان ::


لقد كانت البشرية تعيش في جاهلية و شر فجاء الحبيب صلى الله عليه و سلم بهذا الدين العظيم لينقل البشرية من أوحال الشرك و الكفران الى أنوار التوحيد و الإيمان فاستجاب لدعوته أصحاب الفطر و القلوب النقية التقية

و كان من السابقين الذين استجابوا لدعوة الحق من أول وهلة _السكران بن عمرو أخو الصحابي الجليل سهيل بن عمرو _ فلقد أسلم السكران رضي الله عنه و لامس الإيمان شغاف قلبه .بل و أسلمت معه زوجه و ابنة عمه سودة بنت زمعة رضي الله عنها و عاشا سويا في رحاب التوحيد و الإيمان أجمل لحظات العمر

و ما هي إلا ساعات معدودة وحتى شاع خبر إسلامه وإذا بهؤلاء الذين نفخ الشيطان في عقولهم فظنوا أنهم هم السادة مع أنهم عبيد لشهوات بطونهم و فروجهم.. يعرفون خبر إسلام السكران بن عمرو رضي الله عنه فيصبون عليه العذاب صبا و لا يرقبون فيه إلا و لا ذمة

فلما رأى الرسول صلى الله عليه و سلم ما بصيب اصحابه من البلاء و ما هو فيه من العافية لمكانه من الله و من عمه ابي طالب و أنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: ((لو خرجتم إلى أرض الحبشة , فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد, و هي أرض صدق, حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه))

فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة و فرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام

و هاجرت سودة مع زوجها _رضي الله عنهما_ و عاشا في رحاب النجاشي ملك الحبشة العادل أطيب حياة في ظل الإيمان و التوحيد

و بعد ذلك عادوا إلى مكة المكرمة لينعما بصحبة الحبيب عليه الصلاة و السلام فإن المؤمن يستعذب العذاب في جوار رسول الله عن الراحة و النعيم بعيدا عن الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و التسليم


:: فراق مؤلم ::

و تمر الأيام و ما زال الزوجان يتعايشان في كل لحظة مع كتاب الله و سنة رسول الله إلى أن جاءت اللحظة التي نام فيها السكران على فراش الموت و فاضت روحه إلى بارئها جل و علا فمات في مكة فحزنت عليه سودة حزنا شديدا

و أصبحت سودة _رضي الله عنها_ وحيدة في هذه الدنيا و لكنها صبرت صبرا جميلاو رضيت بقضاء الله لأنها تعلم يقينا أن الله_جل و علا_ أرحم بعباده من رحمة الأم بطفلها الرضيع

و أن العبد إذا صبر و احتسب فإن الله يعوضه خيرا و لكنها لم يكن يخطر ببالها أبدا أنها ستكون في يوم من الأيام أما للمؤمنين و زوجة لسيد الخلق و الأولين و الآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم.


:: موعد مع السعادة ::

و كان النبي صلى الله عليه و سلم في تلك الأيام حزينا لموت السيدة خديجة _رضي الله عنها_ التي كانت أحب الناس إلى قلب الحبيب

لقد أذلت خديجة الدنيا بإدبارها عنها و أعزت الآخرة بإقبالها عليها و لما توفيت بكاها رسول الله و أولادها و صحبه بدمع هتون لقد رحلت الطاهرة سيدة نساء قريش و حاضنة الإسلام و أم المؤمنين و حبيبة رسول رب العالمين فكان ذلك العام العاشر من البعثة عاما مفعما بالأسى و الحزن حتى سمي عام الحزن.

و في هذه الظروف الصعبة لسير الرسالة المحمدية من المرأة التي تستطيع أن تملأ الفراغ الذي تركته صديقة المؤمنات الأولى خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها؟؟

أعتقد أن مكان خديجة لا يملؤه إلا خديجة

و لكن سودة _رضي الله عنها_ كانت على موعد مع سعادة الدنيا و الآخرة فلقد شاء الملك _جل و علا_ أن يتزوجها الحبيب صلى الله عليه و سلم و لكن كيف ذلك؟؟

تعالوا بنا لنتعايش بقلوبنا مع هذا الحدث المهيب

:: هكذا أصبحت أما للمؤمنين و زوجة لسيد الأولين و الآخرين ::

لقد كان أصحاب النبي الحبيب يعرفون قدر خديجة _رضي الله عنها_ عند ه صلى الله عليه و سلم فعندما ماتت كانوا يرجون أن يرزقه الله عز و جل بما يخفف عنه آلامه و أحزانه ... و لكن لم يكن أي واحد منهم يجرؤ أبدا أن يكلم النبي في أمر الزواج فشاء الحق _جل و علا_ أن تتجرأ واحدة من فضليات نساء الصحابة ألا و هي خولة بنت حكيم لتعرض هذا الأمر على رسول الله صلى الله عليه و سلم من أجل إدخال الفرح و السرور على قلبه المحزون.

•و ها هي أمنا عائشة _رضي الله عنها_ تحكي لنا كيف استطاعت خولة _رضي الله عنها_ أن تعرض هذا الأمر على رسول الله


عن عائشة قالت: لما توفيت خديجة, قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون و ذلك بمكة: يا رسول الله ألا تتزوج؟ قال : ((من)) قالت: إن شئت بكرا و إن شئت ثيبا؟ قال (( فمن البكر؟)) قالت : ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر.قال : ((فمن الثيب )) قالت : سودة بنت زمعة , آمنت بك , و اتبعتك على ما أنت عليه.

قال : ((فاذهبي فاذكريهما على))

و في رواية أحمد_بشيء من التصرف_ قالت فذهبت إلى سودة و أبيها زمعة_ و كان شيخا كبيرا قد جلس عن المواسم _ فقلت: ماذا أدخل الله عليكم من الخير و البركة؟

فقالت سودة في دهشة: و ما ذلك يا خولة؟

قلت : أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم إليك لأخطبك عليه.

غمر سودة سرور عميق, و استشعرت دموع الفرح تبلل وجهها و روحها و تذكرت ما رأت في نومها منذ فترة , و ها هي رؤياها قد جعلها ربي حقا , و ما كانت تطمع في أن تكون زوجا لرسول الله صلى الله عليه و سلم بعد أن نالت منها السنون و إنه لشرف عظيم لا يدانيه شرف أن تصبح أم المؤمنين ....

ثم توجهت الى خولة و قالت لها و البشر يملأ وجهها : وددت ذلك و لكن ادخلي على أبي فاذكري له ذلك.

قالت خولة: فدخلت على أبي سودة و حييته بتحية أهل الجاهلية و قلت : أنعم صباحا.

فقال: من أنت يا هذه؟

فقلت: أنا خولة بنت حكيم بن أمية السلمي روج عثمان بن مظعون الجمحي.

قالت خولة: فرحب بي والد سودة و قال ما شاء الله أن يقول فقد كان على علم بأني خرجت عن آلهة قومي و آمنت و هاجرت الى الحبشة ثم عدت مكة , و سألني عن حاجتي و قال: ما شأنك؟

فقلت: إن محمدا بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر ابنتك سودة أم الأسود.

قال : إن محمدا كفء كريم , و لكن ما تقول صاحبتك سودة؟

قلت: هي تحب ذلك.

قال: إذن ادعيها إلي.

فذهبت و دعوتها فقال لسودة : أي بنية إن خولة بنت حكيم تزعم أن محمد ابن عبد الله قد أرسل يخطبك و هو كفء كريم أتحبين أن أزوجك منه ؟

فقالت سودة في صوت يفصح عن رغبتها: نعم إن أحببت.

فالتفت زمعة إلى خولة و قال لها : قولي لمحمد فليأتنا.

قالت خولة : فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم و عقد عليها و ملكها فزوجه إياها بعد أن أصدقها أربعمائة درهم.

و كان لأم المؤمنين سودة أخ يدعي عبد الله بن زمعة لا يزال على دين قريش و كان خارج مكة فلما قدمها وجد أخته سودة قد تزوجا محمد عليه الصلاة و السلام فتملكه الغيظ و ركبته حمى الجاهلية و حثا بالتراب على رأسه أسفا و حزنا على هذا الزواج و دخل على أبيه يرغي و يزبد و يتوعد و يهدد.

و لما فتح الله عز و جل بصيرته و بصره على محاسن نور الإسلام و آمن بالله و بمحمدا رسولا و نبيا قال محدثا نفسه: إني لسفيه يوم أحثو التراب على رأسي أن تزوج النبي سودة.

:: في رحاب بيت النبوة ::

لقد كانت سودة رضي الله عنها أول من تزوج بها النبي بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها و مكثت عنده وحدها نحوا من الثلاث سنوات حتى تزوج عائشة رضي الله عنها

و ظلت سودة ملازمة للحبيب عليه الصلاة و السلام تقتبس من هديه و أخلاقه و علمه و حلمه حتى أصبحت السعادة لا تفارق قلبها لحظة واحدة و حق لها أن تسعد بجوار رسول الله صلى الله عليه و سلم و والله إن الواحد منا يتمنى أن يرى النبي في منامه و لو مرة واحدة فكيف بمن يعيش معه و يكلمه في يقظته؟

و لم يكن يخطر ببال سودة أن تصبح في يوم من الأيام أما للمؤمنين و زوجة لسيد الأولين و الآخرين و لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.

:: و استيقظت الذكريات ::

و في البيت النبوي كان لسودة رضي الله عنها مواقف وضيئة فقد قدمت مكة رقية ابنة رسول الله و زوجها عثمان بن عفان من هجرتهم من الحبشة و وقعت عيناها على الدار الغالية دار أمها الطاهرة خديجة تلك الدار التي شهدت رقية فيها أحلى أيام عمرها ..فانبجست في جوفها مشاعر متباينة كانت مزيجا من اللهفة و الرهبة و الفرح و الحزن و القلق و الهدوء.

و طرقت الباب فانتشر الخبر أن قدمت رقية و عثمان و راحت أم كلثوم و فاطمة و من كان هناك يستبقون إليها و تعانقت الأخوات و سالت العبرات و استيقظت الذكريات و أحس جميعهم غياب الأم الحنون فانفجرن باكيات.

و جاءت سودة بنت زمعة ثقيلة في خطواتها و راحت ترحب هي الأخرى برقية و عثمان رضي الله عنهما و في مثل لمح البصر هبت ذكريات سودة عن هجرتها الى الحبشة مع المهاجرين و أخذت تسأل رقية و عثمان عمن تركا خلفهما في الحبشة فقد كانت سودة تقضي أغلب أوقاتها مع رقية و خولة بنت حكيم و بعض النسوة يتذاكرن أمر الإسلام و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم.

و بلغ الرسول المصطفى أن رقية و عثمان قد رجعا من الحبشة فإذا بوجهه الشريف مسفر ضاحك مستبشر و إذا بالحنان يتدفق من قلبه الشريف و ضم رسول الله ابنته رقية رضي الله عنها إليه و غمرها بعطفه و أخذ عثمان بين ذراعيه ثم جلسوا يصغون إلى رقية و عثمان و هما يرويان حديث الهجرة و الحبشة و المسلمين و النجاشي .


:: الهجرة إلى المدينة المنورة ::

و لما اشتد إيذاء المشركين بأصحاب الحبيب صلى الله عليه و سلم أذن لهم بالهجرة الى المدينة حيث نزلوا في رحاب الأنصار رضي الله عنهم و أرضاهم.

ثم هاجر النبي بعد ذلك الى المدينة ليقيم للإسلام دولة تكون منارة للكون كله ..
و لما استقر عليه الصلاة و السلام بالمدينة بعث زيدا و بعث معه أبا رافع مولاه

و أعطاهما بعيرين و خمس مائة درهم فخرجوا جميعا و خرج زيد و ابو رافع بفاطمة و أم كلثوم و بسودة بنت زمعة و بأم أيمن و أسامة .

:: و توالت البركات ::

و استقرت سودة في بيت النبي صلى الله عليه و سلم و بعد ذلك بفترة يسيرة دخل النبي عليه الصلاة و السلام بعائشة رضي الله عنها و كانت تحب سودة حبا شديدا و كان لها معها أخبار مشرقة

و لقد كانت سودة تجتهد قدر طاقتها لإرضاء الحبيب عليه الصلاة و السلام حتى و لو كان ذلك على حساب سعادتها .. و كانت تعلم يقينا أن أحب نسائه إليه هي عائشة فأرادت أن تدخل السعادة على قلب الحبيب فوهبت يومها لعائشة تبتغي بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه و سلم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت(( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه و كان يقسم لكل إمرأة منهن يومها و ليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت ليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم تبتغي بذلك رضا رسول الله ))

و لقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت و فرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله منها قالت : تقول في ذلك أنزل اله تعالى _و في أشباهها_ أراه قال: ( و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا)

:: موقف طريف::

و لقد كانت الألفة و المحبة التي بين سودة و عائشة رضي الله عنهما سببا في حدوث بعض المواقف الطريفة...ففي إحدى الجلسات كان هذا الموقف الطريف

فعن عائشة رضي الله عنها قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة قد طبختها له فقلت لسودة و النبي عليه الصلاة و السلام بيني و بينها : كلي فأبت فقلت: لتأكلن او لألطخن وجهك, فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فطليت وجهها , فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فوضع بيده لها و قال لها : ألطخي وجهها فضحك النبي فمر عمر فقال: يا عبد الله يا عبد الله فظن أنه سيدخل فقال : قوما فاغسلا وجوهكما فقالت عائشة : فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله .

و لقد كانت سودة رضي الله عنها تمازحه كثيرا و تضحكه و تدخل عليه البهجة و السعادة و السرور.

قالت سودة يا رسول الله صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم فضحك و كانت تضحكه الأحيان بالشئ.

و كانت ايضا رضي الله عنها تسارع دائما الى كل طاعة..بل و حريصة كل الحرص على طاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم في حياته و بعد وفاته.

فعن صالح مولى التوأمة , عن ابي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع ((هذه ثم ظهور الحُصر)) _و المراد أن يلزمن بيوتهن و لا يخرجن منه_ا...قال صالح فكانت سودة تقول : لا أحج بعدها.

فهكذا كانت تحرص على طاعته حيا أو ميتا

:: كرم و سخاء ::

و لقد كانت رضي الله عنها كريمة و سخية لا تميل نفسها إلى حطام الدنيا و متاعها الزائل بل كلما جاءها مال تؤثر به من حولها رغبة فيما عند الله من نعيم لا يفني و لا يزول

عن ابن سيرين : أن عمر بعث إلى سودة بغرارة دراهم فقالت : ما هذه؟ قالوا : دراهم . قالت : في الغرارة مثل التمر , يا جارية بلغيني القنع , ففرقتها _القُنع :هو الطبق_.


:: يأتيها الإذن من فوق سبع سماوات ::

و ها هي رضي الله عنها تقع في موقف يسبب لها حرجا فترجع الى النبي لتخبره و إذا بالوحي يتنزل على النبي صلى الله عليه و سلم من فوق سبع سماوات ليرفع عنها ن عن غيرها الحرج بعد هذا اليوم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت سودة بنت زمعة ليلا فرآها عمر فعرفها فقال إنك و الله يا سودة ما تخفين علينا فرجعت الى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له و هو في حجرتي يتعشى و إن في يده لعرقا, فأنزل الله عليه فرفع عنه و هو يقول ((قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن)).


:: و حان وقت الرحيل ::

و ظلت سودة تتعايش مع كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بقلبها و جوارحها فكانت السعادة ترفرف على سمائها و السكينة تتنزل على قلبها _ و لكن دوام الحال من المحال.

فقد جاء اليوم الذي دخل فيه الحزن قلبها و سكن فيه.. فلقد مات رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو صاحب القلب الرحيم الذي غمرها برحمته و مودته و حنانه و عطفه و علمه و أخلاقه فها هي تفقد كل ذلك في لحظة واحدة.

فحزنت لموته حزنا كاد أن يمزق قلبها و لكنها احتسبته عند الله لتنال ثواب الصابرين.

و حسبها أن النبي مات و هو راض عنها بل و حسبها أنها ستكون زوجته أيضا في جنة الرحمن التي فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

و ظلت سودة على العهد الذي تركها عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم عابدة صائمة قائمة لله جل و علا و امتدت بها الحياة الى خلافة عمر رضي الله عنه فكان ابو بكر و عمر و سائر الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون قدرها و مكانتها و يحسنون إليها غاية الإحسان.

و في آخر خلافة عمر نامت أمنا سودة على فراش الموت و فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها جل و علا


و إن كانت سيرتها العطرة قد انتهت عند هذا اليوم إلا أن عبير سيرتها ما زال يملأ الدنيا كلها فهي قدوة لنسائنا و بناتنا و أخواتنا عبر العصور و الأزمان

فرضي الله عنها و أرضاها و جعل الفردوس مثواها.. .

و موعدكم مع صحابية جليلة و اما من امهات المؤمنين

موعدنا مع حبيبة رسول الله و ابنة حبيب رسول الله عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها و ارضاها...

فانتظرونا.....




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©