عنوان الموضوع : مقال فلسفي - ثانوي
كاتب الموضوع : amira
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

نص الموضوع :
"
فند بالبرهان الأطروحة القائلة بأن المنطق الصوري هو الضامنالوحيد لسلامة وصحة التفكير "
مرحلة فهم السؤال:
المنطق الصوري: آلة قانونيةتعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر
الضامن الوحيد: دون غيره من الاستدلالاتمن الاستدلال الاستقرائي والاستدلال الرياضي
لسلامة وصحة التفكير : من التناقضمع نفسه بالتوافق مع مبادئ العقل ( مبدأ الهوية ،مبدأ عدم التناقض ، مبدأ السببالكافي) وكل قواعد المنطق الصوري ( قواعد التعريف ، قواعد الاستدلال بالتقابل ،الاستدلال بالعكس ، قواعد الاستغراق ، قواعد القياس الحملي وقواعد القياس الشرطيالتي اكتشفها أرسطو وغيره من المناطقة .)
فـــــــند: النفي ، الدحض ، الرفع ،الإبطال
ب – التحليل المنطقي :
السؤال عبارة عن أطروحة " المنطق الصوريالضامن الوحيد لسلامة و صحة التفكير "
المطلوب : هو دحض و إبطال هذه الأطروحةفالمشكلة هي : كيف نرفض ونكذب هذه الأطروحة ؟
الطريقة : استقصاء بالرفع
طرحالإشكالية : إن التفكير المنطقي أو السليم قديم لدى الإنسان قدم " الإنسان المفكر" l’homo-sapiens فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك شعوبا عرفت المنطق في كثير منتفاصيله كالصينيين والهنود ... إلا أن صياغة شروط صحته تم وضعها وتحديدها بكيفيةتقترب من التمام على يد صانعها الأول أرسطو Aristote الذي أرسى القواعد الأساسيةللمنطق الصوري ؛ ونظرا للدور الهام الذي أصبحت تلعبه هذه النظرية طيلة العصورالقديمة والعصور الوسطى بتأثيراتها على المعرفة الإنسانية بشكل عام وهي تؤسس لهاالمقياس الصحيح وتمنعها من التناقض مع نفسها فغدت بذلك أسمى أسلوب لضمان اتفاقالعقول وانسجامها وتوحيد حكمها غير أن هذه النظرة التي تجعل من المنطق الصوري أكملما أنتجه العقل البشري ، فيها الكثير من المبالغة والخطأ ، وهذا النقص حاول أنيظهره خصوم المنطق الأرسطي من قبل فلاسفة غربيين وإسلاميين في الفترة ذاتها وفيبدايات العصر الحديث الذين وجهوا له الكثير من الانتقادات والاعتراضات وهذا مايدفعنا إلى الشك في صدق الأطروحة القائلة " المنطق الصوري هو الضامن الوحيد لسلامةالتفكير " فكيف يمكن أن نرفض هذه الأطروحة ؟ أو بعبارة أخرى إلى أي حد يمكن تفنيدالرأي القائل بتأسيس التفكير السليم على المنطق الصوري ؟
محاولة حل الإشكالية :
1.
عرض منطق الأطروحة : يعتبر علم المنطق في طليعة العلوم العقلية التيأفرزتها الحضارة الإغريقية، منذ زمن بعيد ( 3000 سنة تقريبا) ، ومن ذلك الوقت و هذاالعلم بقواعده ومبادئه ومباحثه يعمل على حماية الفكر البشري من الوقوع في التناقضمع نفسه وهذا ما أكد عليه مجموعة من المناطقة من العصر القديم إلى العصر الوسيطواستمرارا مع بدايات العصر الحديث ؛على رأسهم المؤسس الأول أرسطو- الذي أولىاهتماما خاصا بهذا العلم واعتبره أشرف علم وهو يقول عنه « علم السير الصحيح أو علمقوانين الفكر الذي يميز بين الصحيح والفاسد من أفعال العقل » وقال عنه بأنه آلةالعلم وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه أو صورة العلم . وقد اعتمد على المسلمةالقائلة بأنه ما دام التفكير الإنساني معرّض بطبيعته للخطأ و الصواب، ولأجل أن يكونالتفكير سليماً و تكون نتائجه صحيحة، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيئ لهمجال التفكير الصحيح وهذا سبب رئيس أن تكتشف كل تلك القواعد من قبل أرسطو أو غيره . وهذه المصادرة تأخذنا للبحث عن مجمل الحجج التي أسست هته الأطروحة نبدأها بالحجةالقائلة بأن المنطق الصوري يمتلك تلك الوظيفة لأن الإنسان كان في حاجة أن يلتفتللذاته العارفة ويتعرف عليها جيدا لا سيما أن يمحص النظر في بنية تفكيره ذاتهاكتصورات ومفاهيم وأساليب ومناهج حيث كان الإنسان - قبل أرسطو وغيره - يعيش بها فيحياته لا يعرف مسمياتها ولا يحسن استخدامها فهاهي مبادئ العقل( مبدأ الهوية، مبدأعدم التناقض ، مبدأ الثالث المرفوع ، مبدأ السبب الكافي ، مبدأ الحتمية ، مبدأالغائية) مثلا ساهم كشفها إلى تعزيز دورها التأليفي للبنية المنطقية للعقل ناهيكعلى أنها شرط للحوار والضامن للتوافق الممكن بين كل العقول باختلاف أعمار أصحابهاوأجناسهم وسلالاتهم وثقافاتهم وهي تحدد الممكن والمستحيل في حياة الإنسان السببالذي جعل ليبنتز يتمسك بهته الأهمية حين يقول: «إن مبادئ العقل هي روح الاستدلالوعصبه وأساس روابطه وهي ضرورية له كضرورة العضلات والأوتار العصبية للمشي». أماالحجة الثانية فتكمن في دور تلك القواعد على إدارة المعرفة الإنسانية التي ينتجهاالفكر الإنساني وإقامة العلوم ( الحسية ، والعقلية )عليها . فهاهي مثلا قواعدالتعريف التي تنتمي إلى مبحث التصورات والحدود ساعدت كثيرا الباحثين على ضبطمصطلحات ومفاهيم علمهم بفاعلية ووضوح وموضوعية أكبر وتزداد هذه العملية ضبطا وأهميةخاصة إذا تعلق الأمر بالتصورات الخاصة بمجال الأخلاق والسياسة و الحقوق والواجبات ... كذلك أن استخدام مبحث الاستدلالات : الاستدلال المباشر( بالتقابل وبالعكس) والاستدلال الغير مباشر خاصة إذا تعلق الأمر بالقياس الحملي و القياس الشرطي لديهفائدة كبيرة في تحقيق الإنتاج السليم للعقل من خلال تحديد الضروب المنتجة من الضروبالغير منتجة وهذا يؤدي بنا إلى الكشف السريع عن الأغاليط في شتى المعارف باختلافمشاربها . كما أن قواعد المنطق اعتبرت من طرف العلماء الأصوليين كفرض كفاية علىالمسلمين للثمار العظيمة المقتطفة من روحها لأنها تسببت في نجاحات على مستوىالاجتهادات الفقهية والاجتهادات اللغوية. ومن نتائج تطبيق المنطق الصوري: تصدياليونانيين للمغلطات التي أفرزها الفكر السفسطائي بانتشار التفكير الصحيح الدقيق فيأرجاء المجتمع الثقافي اليوناني طيلة العصر القديم بعد أرسطو وهذا ما أدى أيضا إلىتربعه على عرش المعارف خاصة في العصور الوسطى ، بل تم تدريسه إجباريا من طرفالمدارس المسيحية في هذه الفترة .
2.
نقد أنصار الأطروحة :
أ - موقفالمناصرين : إن الأطروحة السابقة لها مناصرين ، ؛ فلو بحثنا عنهم في العصور القديمةنجدهم كثر أمثال الرواقيون الذين أبدعوا و أضافوا في المنطق الأرسطي مباحث (مثلنظرية القياس الشرطي ) وغيرهم مثل فرفوريوس الذي شرح الكليات الخمس بشجرتهالمعروفة. أما لو فتشنا عنهم في العصور الوسطى : نلقى الكثير منهم سواء من أتباعأرسطو في الشرق الإسلامي على يد فلاسفة و مناطقة كبار الذين تأثروا بهذا العلم جراءاتصالهم واحتكاكهم بالحضارة اليونانية ، أبرزهم وبجدارة المعلم الثاني أبو نصرالفارابي الذي اعتبره رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها أو بقوله عنه : « فصناعة المنطقتعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تقوم العقل وتسدد الإنسان نحو طريق الصوابونحو الحق ...» ، أما الشيخ الرئيس ابن سينا فكان يصفه بخادم العلوم وهو يقول عنه «المنطق هو الصناعة النظرية التي تعرفنا من أي الصور والمواد يكون الحد الصحيح الذييسمى بالحقيقة حدا، والقياس الصحيح الذي يسمى برهانا» وبلغت قيمة المنطق ذروتها حتىمع العلماء الأصوليين بل و اعتبروه فرض كفاية على المسلمين وهذا على درب أبو حامدالغزالي الذي قال « إن من لا يحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا » وظل يحظى بهذهالقيمة حتى مع الغرب المسيحي فهاهو القديس توماس الإكويني الذي كان يعتبره « الفنالذي يقودنا بنظام وسهولة وبدون خطأ في عمليات العقل الاستدلالية» .
ب – نقدأنصار الأطروحة :
حقيقة إن المنطق بإمكانه أن يقوم الفكر ويوجهه توجيها صحيحاولكنه ليس أساس كل معرفة إنسانية بل حسب البعض قام بتعطيل الفكر العلمي لقرون ( خاصة في العصور الوسطى الغربية ) طويلة ، حيث لم يظهر العلم إلا بعدما تخلص منهيمنة المنطق الصوري . و هذا من دو شك يأخذنا للبحث عن جملة الانتقادات التي وجهتلمناصري الأطروحة لأنها تنطوي على عدة نقائص أهمها :
-
هو منطق شكلي يدرسالتفكير دون البحث عن طبيعة الموضوعات التي ينصب عليها بحسب الواقع
-
إن قواعدهثابتة لا تقبل التطور مهما كانت المضامين
-
إنه منطق عقيم لا يصل إلى نتائججديدة وفي هذا يقول الفيلسوف ديكارت « أما عن المنطق فإن أقيسته ومعظم صوره الأخرىإنما تستخدم بالأحرى لكي تشرح للآخرين الأشياء التي يعلمونها إنها كفن Lulle نتكلممن دون حكم لأولئك الذين يجهلونها » و منه فالقياس عنده لا يسمح لنا بالاكتشاف ،أما بوانكاريه فإنه يشارك فإنه يشارك أيضا في هذه الوجهة من النظر يقول « لا يمكنأن يعلمنا القياس شيئا جوهريا جديدا ...» ، أما جوبلو فمع اعترافه بقيمة القياس ،فإنه حاول أن يحدد إلى حد ما مجال تطبيقه فهو حسبه يصلح طريقا للعرض ومراقبة عملياتالاستدلال الرياضي .وقد أطلق الفقهاء المسلمين من قبلهم هذه الاعتراضات فهاهو "ابنصلاح الشهروردي" يقول:"فأبي بكر وفلان و فلان وصلوا لإلى غاية من اليقين ولم يكنأحد منهم يعرف المنطق" وفي قوله أيضا:" إن المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر" وهناكأيضا شيخ الإسلام ابن تميمة الذي عارض المنطق الأرسطي بأنه عقيم دون جدوى فهو منطقخاص بالتربية اليونانية،فالقواعد الخاصة بالفكر الإنساني كامنة في هوى الإنساني دونأن يؤسس لهذه القواعد لأنها موجودة، ولقد أعطى ابن تميمة منطقا جديدا وهو المنطقالإسلامي البديل للمنطق الأرسطي.
-
إنه منطق ضيق جزئي ، لا يعبر إلا عن بعضالعلاقات المنطقية ، ولا يتجاوز في أبلغ صورة علاقة التعدي.
-
إنه منطق لغوييقوم على الألفاظ وما فيها من التباس ، وغموض ، وتعدد المعاني فيؤدي إلى عدم اتفاق، بل والخطأ في النتائج أحيانا . وهذا ما يؤكده ثابت الفندي :« ما دام المنطقيتعامل بالألفاظ لا الرموز فإنه يبقى مثار جدل حول المفاهيم و التصورات المستعملة »


إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلى البحث عن حجج و أدلة جديدةلتفنيد وابطال هذه الأطروحة و هي :
-
إن المنطق الأرسطي يهتم بصورة الفكر دونمادته ( الواقع ) . أي أن الفكر قد ينطبق مع نفسه من الناحية الصورية المجردة ولكنه لا ينطبق مع الواقع ، فالمنطق يتصف بالثبات و السكون قائم على مبدأ الهوية ( الذاتية ) أ هو أ و عدم التناقض أ لا يمكن أن يكون أ و لا أ في نفس الوقت بينماالواقع يتصف بالتجدد و التغيير .
لهذا فالمنطق الصوري يصلح للبحث عن الحقيقة واكتشافها ظهر للرد على السفسطائيين و جل مغالطتهم العقلية لهذا كان الغرض منه اقحامالخصم لا إكتشاف الحقيقة الموضوعية ، فهو فلسفة للنحو من حيث أنه يعني بلغة البرهنةوالتفنيد لكسب قضية لا يهتم بمضمونها بقدر ما يهتم بصورتها حتى وإن كانت كاذبة .
-
و هذا أيضا ما يجعل المنطق لا يصلح لاكتشاف الحقيقة الموضوعية لأنه لايتناسب وطبيعة الدراسات العلمية الجديدة ؛ فمعيار المعرفة عند جون ستيوارت مل هوالتجربة وليس مطابقة الفكر لنفسه ، فهو غير كاف في توجيه العلوم الطبيعية ، وعلىهذا الأساس تأسس المنطق الاستقرائي الذي غير من البحث المنطقي إلى ميدان التجريبالحسي . بالإضافة إلى ظهور المنطق الرمزي ( الرياضي ) الذي عوض اللغة العاديةبالرموز الرياضية بالثبات في اعتمادها كلغة دقيقة مختصرة ، يبني بها أنساقهالمنطقية المختلفة ، وهذا يجعل المنطق في هذه الحالة دون غيرها أداة يتم بناؤهاتبعا لتقدم الثقافة وحركة العلوم و هذا هو المعنى الذي ينطلق منه جون ديوي فيتأسيسه للمنطق الأداتي أ الذي يؤمن بأنه كلما تغيرت الظروف ، يتحتم كذلك أن تتغيرالصور المنطقية . كما أن المنطق أصبحح متعددا للقيم متجاوزا ثانئية ( الصدق والكذب ) و هذا يفسر لنا وجود أكثر من احتمال قد تجمع بين الاثنين ( الصدق و الكذب ) ،كتعبير عن حركة الأشياء وليس سكونهاوهذا ما عبر عنه المنطق الجدلي الذي يقوم علىالنظر إلى العالم الطبيعي على أنه محكوم بمبدأ التناقض و التغاير ، الذي يعبر عنالحركة والنشاط و إظهار صيرورة الحياة التي ينتقل فيها الفكر من الشيء غلى غيرهطلبا للمعرفة مما يعني أن الفكر يعتمد على هوية الأشياء ، وعلى تناقضها ن غير أنالتناقض أهم لأنه مجال للصراع و الحيوية والاستمرار وهذا ما عبر عنه الفيلسوف هيجلفي جدليته المشهورة ( الأطروحة ، نقيض الأطروحة ، التركيب .... إلى أطروحة أخرىفهكذا .
-
وإلى جانب كل هذا يعترض التفكير الإنساني وهو محتم من الأخطاء بالتحصنبقواعد المنطق مجموعة من الحتميات أهمها تأثير الحتمية النفسية والاجتماعية التيتعطي للإنسان المفكر منحى أخر قد يغير مجرى حياته لأنه نفس الفرد الذي يجب أن يرتبطبمعايير مجتمعه ، وحقائق عصره ، وأحكامه العلمية ، ومن الصعب أن يتجرد منها أويرفضها و إلا عد شاذا ومتمردا عن الجماعة وهذا ما وقع ل " سقراط " و " غاليلي " وماتعرضا له . كما لا يمكننا أن ننسى دور الفكر الفلسفي في التأثير على الأحكامالمنطقية لأن المنطق برغم تطور دراساته ، إلا أنه لا يزال شديد الارتباط بالفلسفة ،واتجاهاتها ، ومذاهبها . ومن هنا يصير المنطق وآلياته المختلفة وسيلة للتعبير عنفلسفة دون أخرى ، أو لنصرة مذهب ضد أخر وكل يدافع عن منطق يناسبه ، ويعده هو الصواب . وكل هذا يؤدي إلى الأخطاء و شيوع المغالطات ، على حساب الإطار المنطقي الصحيح .

حل الإشكالية :
إذن نستنتج أن الأطروحة القائلة بضمان المنطق الصوريلصحة وسلامة التفكير الإنساني غير صحيحة ، يمكننا إبطالها ورفضها وعدم قابلية الأخذبها ، و هذا بالنظر إلى تاريخ العلم وتطور المنطق الذي بقي حبيس منهجه التقليديالقديم على غرار باقي العلوم الأخرى التي تطورت وأحرزت مرتبة مرموقة كما هو حالالرياضيات والفيزياء والكيمياء و غيرها من العلوم الدقيقة .و لذلك لا يمكن الأخدبرأي مناصري الأطروحة وهي مدحوضة بحجج قوية.



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©