عنوان الموضوع : قراءة في قصيدة إيليا أبو ماضي " المساء " تحضير بكالوريا
كاتب الموضوع : kamiliya
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن





color=#008000]

قراءة في قصيدة إيليا أبو ماضي

المساء

أ. فراس حج محمد

و هي قراءة مهمة نقلتها لكم لتعرفوا كيفية التعامل
مع قصائد مماثلة للشاعر إيليا خاصة
و مع قصائد أخرى عامة
و بالله التوفيق


[/color]

".............سأقف عند هذه القصيدة لأبين من خلال هذه القراءة ما يلي:
1. أفكار القصيدة وكيفية تعبير الشاعر عن هذه الأفكار.
2. التصوير الفني.
3. اللغة والأسلوب.
4. العاطفة.
5. الموسيقى والشكل الفني.

أولاً- أفكار القصيدة وكيفية تعبير الشاعر عن هذه الأفكار:
تقوم القصيدة أساسا على فكرة واحدة ، وهي بذلك تحمل أهم سمة من سمات الشعر الحديث ، وهو الوحدة الموضوعية ، التي أفرغت بقالب أدبي يجعلها بالوحدة العضوية ؛ فقد قسم الشاعر القصيدة إلى عشرة مقاطع، كل مقطع وكأنه يشكل فقرة في مقال يفضي إلى الذي يليه بسلاسة وسهولة، وترابط منطقي يستند إلى فكرة الكاتب الأصلية التي تشكل روح القصيدة/ المقال.
فقد بدأت القصيدة بأجواء من التشاؤم ؛ ليضع القارئ في جو من ترف فيه المشاعر الإنسانية ؛ ليدخل القارئ مع الشاعر في منظومة الفكرة التي يتغيا الكاتب مشاركة القارئ فيها بالإحساس الأولي من وراء تصوير الطبيعة بهذه الصورة القاتمة التي توحي بكل ما هو مأساوي ويائس:
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفينْ
والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبينْ
والبحر ساجٍ صامت فيه خشوع الزاهدينْ
لكنما عيناك باهتتان في الأفق البعيد.
سلمى بماذا تفْكُرين؟
سلمى بماذا تحلمينْ؟
وهكذا يصل الشاعر في نهاية المقطع إلى نقطة تعد خاتمة لما قبلها ، وبداية لما بعدها ليتابع الشاعر قراءة ما في نفس سلمى وما يدور في ذهنها ، وما يعتمل في مرجل أحلامها من حيرة وقلق لما أصابها؛ ليسألها عن حالتها التي هي عليها، فيأتي تفسير الشاعر أو محاولة التفسير في المقطع الذي يليه؛ فيرى سلمى وكأنها واقفة على مفترق طرق بين طفولتها وشيخوختها، وقد أحست بذلك، فغمرها ذلك الإحساس بالتشاؤم، الذي بدا وضوحه في المقطع الأول ، ولعل الشاعر قد أدرك سر هذا الأمر، فأخذ يخاطبها قائلاً:
أرأيت أحلام الطفولة تختفي خلف التخومْ؟
أم أبصرت عيناك أشباح الكهولة في الغيومْ؟
أم خفت أن يأتي الدجى الجاني ولا تأتي النجومْ؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنما
أظلالها في ناظريكِ
تنمُّ يا سلمى عليكِ.
إنه يحاول في هاتيك الأسئلة التي يقذف بها في وجه سلمى أن يجعلها تدرك وحدها أن ما تعانيه من ألم القلق على المستقبل الآتي ، إنما هي مشكلة في داخلها، وهي من صنعت تلك الأوهام، وهي التي تصورتها ، وبالتالي فهي ليست حقيقة واقعة ؛ وليثبت الشاعر ذلك يتابع في المقطع الثالث تأكيد ذلك بأسلوب الخبر مبتعدا هذه المرة عن الأسلوب الإنشائي ، فيقول مؤكداً:
إني أراك كسائح في القفر ضل عن الطريقْ
يرجو صديقا في الفلاة ، وأين في القفر الصديقْ؟
يهوى البروق وضوءها، ويخاف تخدعه البروقْ
بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتامْ
لا يستطيع الانتصارْ
ولا يطيق الانكسارْ
إنه ربط عظيم الدلالة بين شخصية سلمى ، وهذا الفارس الذي خاض عباب معركة قد تورط فيها ، لا يستطيع الانتصار، ومع ذلك لا يطيق الهزيمة، إنهما توحدا في حيرة تجاه معركة المصير ؛ سلمى ومعركة الحياة ، والفارس ومعركة الحرب، ومع كل هذا يرد الشاعر مرة أخرى ما في نفس سلمى من حيرة وقلق المصير إلى نفسها ، ولكن هذه المرة بواقعية شفافة ووضوح ، وذلك في قوله:
هذي الهواجس لم تكن مرسومة في مقلتيكِ
فلقد رأيتك في الضحى ورأيته في وجنتيكِ
لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديكِ
مثل اكتئاب العاشقينْ
سلمى بماذا تفكرينْ؟
وبعد كل هذا ، لا بد أن يقنع الشاعر سلمى بخطأ موقفها من الحياة في نظرتها المتشائمة، فيعرض في المقاطع اللاحقة (5-8) مشاهد من الطبيعة ، تتجاور فيها عناصر السعادة وعناصر الشقاء ولكنه يساوي بينها؛ فكأن هذه العناصر المتناقضة في الطبيعة تريد تقديم رسالة لكل ذي لبٍّ؛ فتجاورهما معا لا يؤثر في بهجة الحياة وروعة الطبيعة؛ فترى الشاعر يساوي بين القصر والكوخ المكين، والشوك في نظره كزهر الياسمين، ليبن لسلمى أن دواعي السعادة والشقاء ليست بأسباب خارجية وإنما هي تنبع من الداخل ، ليصرح بذلك عند تساؤله المر المشبع بالأسى على حالتها عندما يخاطبها:
ولكن لماذا تجزعين على النهار، وللدجى
أحلامه ورغائبه
وسماؤه وكواكبهْ
بل عليها أن تتمتع " بالشهب في الأفلاك ما دامت تلوحْ" ، ولتكن حياتها كلها أملا يفوح بالسعادة والتفاؤل، وليملأ الحب قلبها، وتدع التفكير في الحياة وشقائها، ولتسترجع مرح الطفولة ، لتتمتع بهذا المرح في كهولتها وشيخوختها:
فيه البشاشة والبهاءْ
ليكن كذلك في المساءْ
وبعد، فإن الدارس لهذه القصيدة ليدركُ أنها لوحة فنية مرسومة بعناية، لتعبر عن فكرة واحدة ، يصعب – وإن حاولنا- اختصار مضمونها. إنها الوحدة العضوية والموضوعية التي تعبر بكل بساطة عن موضوع إنساني عام، لا يخص سلمى وحدها بل يعم الناس جميعا بغض النظر عن أديانهم ومواطن عيشهم، إنها قطعة فنية من الأدب الإنساني الخالد.

ثانياً- التصوير الفني:

يمثل التصوير الفني ملمحا خاصا من ملامح الفن عموما ، والشعر خصوصاً ، فلا يحبذ أصحاب الصنعة الفنية التقرير والمباشرة ، فهمل يمثلان الفجاجة في طرح الأفكار والتعبير عنها ، وكأنهم بذلك ينتصرون للنوحي الشكلية واللفظية والجمالية ، حاسمين صراعا تأجج قديما في معركة اللفظ والمعنى وحديثا جدال الشكل والمضمون، فلا بد إذن من عرض الأفكار بشكل فني يُظْهر أن صاحب الفكرة والموضوع ذو أدوات فنية يتمثلها ويوظفها بشكل يدخله عالم الفن الخالص.
ومن هنا جاءت أهمية الصورة في الشعر، ولكن اختلف مفهومها ، وتباينت عناصرها عبر العصور، وإن ظلت الصورة القديمة الجزئية هي محور أساسي للإبداع، ولكن الأدباء والشعراء نقلوها نقلات نوعية لتكون أعمق وأشمل، فاختلاف الصورة الشعرية في الشعر الجاهلي عن الصورة في الشعر الحديث ممكن ومقبول، إن لم يكن لا بد منه ؛ لتكتمل دائرة الإبداع والفن ، ولتعبر الصورة عن بعض ظلال المعاني المتطورة حسب الظروف والأحوال.
فلا يجوز إذن والحالة هذه أن نحاكم النص الجديد الذي صيغ بطريقة فنية جديدة بقوانين الصورة الشعرية القديمة، القائمة على التشبيه والاستعارة والكنايات والمجازات المرسلة والعقلية، ولابد من النظر إلى شيء ميّز النص الجديد غير هذه الصور، غير نافين وجود الصورة الشعرية القديمة في النص الجديد.
وعلى الرغم من أن قصيدة المساء تغص بالكثير من الصور الأدبية الجزئية، إلا أن الصورة الكلية التي عبرت عنها القصيدة هي المقصودة في ذاتها، وسأتحدث عن ملامح هذه الصورة كما بدت في هذه القصيدة.
1- إيجابية الطبيعة وأنسنتها:
تعتمد الصورة الأدبية في قصيدة المساء على الطبيعة بشكل واضح، سواء في تصوير تشاؤم سلمى، أم في تصوير تفاؤل الشاعر، ودعوته للتفاؤل، وعرض أدلته من الطبيعة على ذلك، وتعدى ذلك إلى جعل الطبيعة إنسانا يشارك الشاعر مشاعره ، ويحمل عنه ما اعتمل في داخله من تموجات عاطفية ؛ فظهرت الطبيعة كعنصر متحرك حساس، وليس مجرد ذكرٍ لعناصر خاوية.
2- الرمز:
وتقوم الصورة كذلك على ملمح الرمز الشفاف الذي حمل كثيرا من أفكار الكاتب، فغدت رموز الشاعر عاملا فنيا ، أظهر براعة الشاعر في التعبير عن المعنى ، فأخذت الألفاظ أبعادا معرفية غير أبعادها المعجمية، كالمساء ، والضحى ، والنجوم ، والدجى الجاني ، فكل لفظ من هذه الألفاظ رمز الشعر إلى مرموز لا يتعدى هذا النص أو بعبارة نقدية أدق ، أصبح للدوال مدلولات نصية أكثر ارتباطاً بالمعنى المنتج.
3- الصورة المشهدية:
وتم ذلك من خلال رسم الأفكار في عشرة من المقاطع يشكل مقطع مشهدا في قصة ؛ تبدأ بعرض متئد ، لينتهيَ وقد أثقل بالمعاني والمشاعر ، لينقلنا إلى المقطع التالي، تم إلى الذي يليه، حتى إذا انتهت القصيدة، استكملت المشاهد ، واستكملت القصة ، وامتلأت أفئدتنا بالفكرة المرسومة عبر تلك المشاهد.

ثالثاً- اللغة والأسلوب:

أشرت سابقا في الحديث إلى شيء من اللغة ، عندما تحدثت عن التصوير الفني ؛ إذ أنه يصعب الحديث عن الصورة الشعرية، دون أن يتداخل مع الحديث عن اللغة ؛ فاللغة هي الأداة لرسم الصورة ، وللتعبير عن المعنى، فكلاهما طرفا العمل الأدبي يتشابك الحديث فيهما.
ومهما يكن من أمر ذلك ، فقد بدت في لغة الشاعر البساطة والألفاظ السلسة التي اعتمدت على المعاني السياقية أكثر من اعتمادها على المعنى المعجمي، وقد شكلت القصيدة عبر نسيج لغتها معجما لفظيا خاصا في دوائر ثلاث:
1. ألفاظ الطبيعة: فقد زخرت القصيدة بالكثير منها مثل: السحب ، البحر ، النجوم ، التخوم ، بسهولها ، بوعورها ، الكوخ، الياسمين ، الشوك... وغيرها
2. ألفاظ التشاؤم: وتحمل هذه الألفاظ أبعاد نفسية سوداوية تنذر بالمأساة وتدل عليها ، من مثل: الخائفين ، تركض ، الغيوم، الكهولة ، الجاني ، حيرة ، القتام ، الانكسار....
3. ألفاظ التفاؤل: وبهذه الألفاظ يسجل الشاعر معجما مضادا ليساعده على رسم الفكرتين معاً ، للتنفير من التشاؤم ، والحث على التفاؤل، ومن هذه الألفاظ: عروش النور ، ابتسامات الطروب ، أحلامه ، رغائبه ، النسائم،......
أما أسلوب الشاعر فإنني سأكتفي بالحديث عن الإشارات الجديدة في هذا الأسلوب ، والمتمثل في استخدام القصة وسيلة للتعبير؛ فقد شكلت القصيدة- كما ألمحت سابقا في باب التصوير الفني- قصة لها بداية وعرض وخاتمة، أو إن شئت فقل: إنها قصة لها كل عناصر القصة القصيرة؛ بدأً من الفكرة التي يشترط فيها أن تكون في القصة القصيرة تعبيرا عن مشهد ما ، أو تصويرا لحالة ما ، وهذا ما تجده في القصيدة ؛ التي رسمت لحظة تأمل و شرود عند سلمى ، تفكر في مصيرها بعد أن أحست بقرب شيخوختها، التي رأتها في بوادر كهولتها.
أما الشخصيات ، فالقصيدة تقوم على شخصيتين رئيسيتين ؛ سلمى التي تمثل التشاؤم وأهله ، والشاعر الذي يمثل التفاؤل ويدعو له، وتأتي الطبيعة – كما ألمحت آنفاً – كشخصية ثالثة يتجسد فيها البؤس والشقاء إلى جانب السعادة والهناءة، وبين هذا الثالوث تقدم الفكرة على لسان الشاعر مخاطبا سلمى، فيقدم الشاعر الشخصية الثالثة ( الطبيعة) دليلا على ما يريد ، وإن بدا الحوار من جانب واحد، فقد بدت سلمى صامتة لا ترغب في الحديث ، وهذا مشهد نألفه كثيرا في الدراما الحديثة ؛ وهنا قد يكون لصمت سلمى وعدم مشاركتها في الحديث دلالة كبرى على مدى تأثرها ، فهي في حالة من الوجد والتشاؤم الشديد منعاها من الكلام، وعقدا لسانها عن الحديث.
وتتدرج القصة بتداعياتها حتى تتلاشى سلمى في لحظة ما ، لتتوحد مع الطبيعة في تلك المشاهد التي أخذ الشاعر يعرضها أمام سلمى، فيظهر التركيز القصصي على العبرة والحل الذي يصل إلى نهاية القصة/ القصيدة، فبخلص الشاعر إلى نصيحة سلمى ، وكأنني أراها وقد سمعته يقول:
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهللا
فيه البشاشة والبهاء
ليكن كذلك في المساء
قد ضحكت وتهلل وجهها ، وأيقنت مراد الشاعر وأسدلت القصة مشاهدها ، وقد أقبلت سلمى على الحياة بنفس هادئة مطمئنة!!

رابعاً - العاطفة:

يفترض أن يثير كل نص أدبي عاطفة المتلقي ، فإن أفلح المبدع في نقل عواطفه إلى القارئ، فقد تناغما ،وأدى الإبداع مهمته ، وكان ذلك عنصر نجاح في المبدع ، وعنصر حياة للمنتَج الإبداعي، فهل يا ترى أفلح إيليا أبو ماضي في نقل مشاعره إلى المتلقي؟
لعلك ترى معي أيها القارئ أنك قد تفاعلت مع القصيدة وما تبثه من مشاعر القلق والخوف لدى المتشائمين، وأوشكت أن تغرق في مثل هذا الإحساس عند قراءتك للمقطع الأول ، فتلبدت حولك غيوم النفس ، وأوشكت أن تواقع التشاؤم فتقع في حماه ، ولكنْ سرعان ما أخرجك الشاعر منه ؛ ليقول لك لا تكن مثل سلمى ، تستسلم لمشاعر اليأس وألم القلق والخوف ، انتشلك بخيال الخائف عليك والمشفق من أن تكون مثلها، فالدنيا مازلت تغص بمعاني الفرح والانشراح والسعادة ، وأخذ يعرض عليك تفاؤله عبر موجات من النغم الشجي الذي صور لك كل منظر طبيعي بحب وألفة ، حتى أصبح الشاعر متماهيا مع الطبيعة واحدا من عناصرها ، يدور في فلكها ، ويشعران معا شعورا واحدا، حتى إذا أنهى القصيدة فإذا بسلمى – هكذا يبدو لي- أنها أدركت التفاؤل وأهميته وعظمته.
وبهذا عزيزي القارئ تلحظ أن القصيدة قائمة على عاطفتين متناقضتين؛ التفاؤل والتشاؤم، وكما " وبضدها تتميز الأشياء"، عندها لن ينقل لك إلا التفاؤل، وتشمئز من التشاؤم الذي يؤكد نقيضه قصائد أخرى، وخاصة قصيدته "ابتسم" الذي يخاطب المتشائمين أيضا قائلاً:
قال السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
إلى أن يقول:
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم ؛ ولذا نحب الأنجما
قلت : ابتسم مادام بينك والردى شبر فإنك بعد لن تتبسما

خامساً- الموسيقى والشكل والفني:

هذه الأفكار التي حملتها القصيدة ، وما يبدو فيها من تأثر كبير بأسلوب الحياة المعاصرة ، تلك الحياة التي جلبت الكثير من المصائب ، يتلقاها الشاعر بنَفَس شعري جديد، وكأنه نوع من المقاومة الخفية ، تدل على حسن تأتٍ ، وتصالح مع هذه الحياة ، لذا يريد الشاعر أن يقاوم موته وهو حي، يريد أن يقول إنني مازلت أسير في حياتي إلى الأمام ، أواصل المسير نحو أفاق فنية ؛لأقهر الحياة وعناصر الموات، ومن هنا شكل الفن صورة من صور التمرد على الحياة، وزاد من هذا التمرد هذا التجديد الذي خرج فيه على أصول العمود الشعري القديم، فلم يلزم قافية واحدة، بل نوع في القوافي ، ولم يعتمد على عدد واحد من التفاعيل في كل سطر شعري ، وغير هذا وذاك ما كنا قد دللنا عليه بقوة في بداية هذا الحديث أن القصيدة تتحلى بالتماسك عبر وحدة عضوية موضوعية تخالف ما تعارف عليه من وحدة البيت في القصيدة القديمة ، كل ذلك جاء بنمط شعري عذب وبنغم موسيقي هادئ ، يتسلل إلى النفس دون جعجعة وخواء وصخب، فقد همس الشاعر همساً يرهف الإحساس ، وكأني أراه واقفا مع سلمى في شرفة بيت عند المساء يحدثها عن هذه الحياة بكل هدوء أعصاب وروية، أو إن شئت فقل: إن هذه القصيدة تشكل مثلا جيدا لما عرف عند الناقد محمد مندور من الشعر المهموس ، يشيع في النفس السكينة والهدوء والطمأنينة.
وكل ذلك جاء بوزن رائق هو الكامل ، هذا البحر الغنائي العذب ، الذي يتشكل من ترداد تفعيلة" متَفاعلنْ" ، أو صورها الفرعية، ولكن كما ترى فقد جاءت الأسطر الشعرية غير موحدة ، وهذا نابع من إحساس الشاعر وتدفق المعاني حسب هذه المشاعر ؛ فطالت الأسطر وقصرت تبعا لذلك.
ولا يخفى كذلك ما في الألفاظ من عذوبة ساهمت هي الأخرى برفع مستوى الإحساس العام بموسيقية القصيدة عبر تآلف بين الجِرْس الصوتي لهذه الألفاظ والمعنى المراد منها، وتوافق كل ذلك مع الموسيقى العامة التي تؤلف منها القصيدة.
وبعد؛
هذه هي قصيدة المساء التي شكلت مثالا متكاملا لشعر إيليا أبو ماضي في كل ملامحه الفنية من حيث:
1. الوحدة العضوية والموضوعية.
2. اعتماد الشاعر اللغة السهلة البسيطة في أداء المعنى موظفا بعض الرموز الواضحة البسيطة.
3. الموسيقى العذبة التي تعبر عن المعنى عبر همس محبوب يتسلل إلى عمق النفس، فيشعرها بعظمة الفن والإبداع.
4. التعبير عن المذهب الرومانسي الوجداني الإنساني ، في تجسيده آلام الإنسان ، وتقديمها بثوب إنساني إيجابي بعيدا عن آلام الرومانسيين وشكواهم المريرة القاتمة ، وهو بذلك متفوق على الرومانسية التي بدت بمنظار حزين ومتشائم.






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©