عنوان الموضوع : إنصاف الإسلام للمرأة وعلو مكانتها (5) تأصيل معنى -حقوق المرأة- في فقه الاسلام
كاتب الموضوع : chichaki
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

إنصاف الإسلام للمرأة وعلو مكانتها (5)

تأصيل معنى -حقوق المرأة-



ويحسُن قبل البَدْء في بيان -حقوق المرأة- التنبيهُ على تأصيل معنَى الحق وتقْسيماته، والتنوُّع في الحقوقِ والواجبات بيْن الرِّجال والنِّساء.

تعريف الحق:
الحق لغة: ضد الباطِل، ومنه الحديث: ((مَن رآني فقدْ رأى الحق))، وقد وردتْ كلمة الحق في اللغة لعدَّة معان، منها الثبوت، والوجوب، والصِّدق، واليقين، والأمر المقضِي، والعدل، والصحيح، والمستقيم والواجب، والعمل الذي يحدُث حتمًا.

وعرَّف الجرجاني الحق بأنَّه: الثابت الذي لا يسوغ إنكارُه[1].

وفي الاصطلاح وكلام الفقهاء والأصوليِّين لا يخرُج عن المعنى اللُّغوي، وله عندَهم معنيان:
1- ما كان مِنَ الحُكم مطابقًا للواقع، فنقول: هذا الدِّين حق، وهذا كلام حق، وعكسُه باطِل.
2- ما كان بمعنى الواجِب الثابت، فنقول: هذا حقُّ الله، وهذا حقُّ العباد[2].

المبحث الأول: تقسيمات الحق:
يقسم الأصوليُّون الحق تقسيماتٍ متعدِّدة، مدارها على قسمين:
الأول: تقسيم الحق باعتبار صاحبه.
الثاني: تقسيم الحقِّ باعتبار محله.

وينقسم الحقُّ باعتبار صاحبِه أربعةَ أقسام:
الأول: حقُّ الله - عزَّ وجلَّ - الخالص، وذلك كحقِّه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.

الثاني: حقُّ العباد الخالِص: وهو ما كان نفعه مختصًّا بشيء معيَّن، كحقِّ الإنسان في ملكِه الخاص.

الثالث: ما اجتمعَ فيه الحقَّان، وحقُّ الله فيه غالب: كحدِّ القاذف، ورفْع الأمر إلى الحاكم.

الرابع: ما اجتمع فيه الحقَّانِ، وحق العبدِ فيه غالب: كحقِّ الزوجة في العدْل في القَسْم؛ إذ هو ثابتٌ لها بإيجابِ الشَّرْع.

الثاني: تقسيم الحق باعتبار محله إلى قسمين:
القسم الأول:حق مالي.
القسم الثاني: حق غير مالي.

وينقسم الحق المالي باعتبارِ ما يتعلَّق به قِسمَيْن:
الأول: حقٌّ مالي يتعلَّق بالأموال، ويمكن الاستعاضة عنه بمالٍ، كالأعيان المالية؛ إذ لا يمكن بيعُها والاستعاضة عنها.

الثاني: حقٌّ مالي لا يتعلَّق بالأموال كحقِّ الزَّوْجة في المهرِ والنَّفَقة، فكلاهما حقٌّ مالي لا يتعلَّق بالنَّفَقة.


والقسم الثاني: حقٌّ غير مالي، وهو ما كان الحق فيه متعلِّقًا بغير المال، كتعلُّق الإنسان بالعِزَّة والكرامة، والسَّيْر في البرِّ والبَحْر، وكتعلُّق الزَّوْجة بالمعاشَرة بالحُسْنَى.

- وممَّا تقدَّم يتبيَّن أنَّ الله - سبحانه وتعالى - هو منشئُ الحقوق ومانحها للإنسان، ولولا ذلك ما ثبَت للإنسان حق.

قال الشاطبي - رحمه الله -: -لأنَّ ما هو حقٌّ للعبد إنما ثبت كونه حقًّا له بإثبات الشَّرْع ذلك له، لا مستحقًّا لذلك بِحُكْم الأَصْل-[3].

المبحث الثاني: التنوُّع في الحقوق والواجبات بين الرِّجال والنِّساء:
لا بدَّ أن نعي تمامًا أنَّ هناك فوارقَ بين الرجل والمرأة، ونؤمن بذلك إيمانًا راسخًا، والفوارق بيْن الرجل والمرأة أنواع، منها الجسَديَّة، والمعنوية، والشرعيَّة، وهذه الفوارق، ثابتةٌ قدرًا وشرعًا، وحسًّا وعقلاً.

بيان ذلك: أنَّ الله - سبحانه وتعالى - خلَق الرجل والمرأة شطرَيْن للنوع الإنساني، يَشتركانِ في عمارة الكون كلٌّ فيما يخصُّه، ويشتركان في عمارتِه بالعبودية لله - سبحانه وتعالى - بلا فرْق بيْن الرِّجال والنساء في عمومِ الدِّين في التوحيد والاعتقاد، وحقائقِ الإيمان، وإسلام الوجْه لله - سبحانه وتعالى - وفي الثوابِ والعِقاب، ولكن لَمَّا قدَّر الله وقضى أنَّ الذَّكَر ليس كالأُنثى في صِفة الخِلقة، والهيئة، والتكوين، ففي الذُّكورة كمالٌ خِلقي، وقوَّة طبيعيَّة، والأنثى أنقصُ منه خِلْقةً وجِبلَّة وطبيعة، لما يعتريها من الحيض، والمخاض، فهي جزءٌ من الرجل، تابِع له، والرجل مؤتمَن على القيام بشؤونها وحِفْظها والإنفاق عليها - كان مِن آثار هذا الاختلاف في الخِلقة: الاختلافُ بينهما في القُوى، والقُدرات الجَسَديَّة، والعقليَّة، والفِكريَّة، إضافةً إلى ما توصَّل إليه علماءُ الطب الحديث مِن عجائبِ الآثار من تفاوُت الخَلْق بيْن الجنسين.

يقول الدكتور محمَّد علي البار: -إنَّ الفروقَ الفسيولوجيَّة والتشريحيَّة بين الذَّكَر والأُنثى أكثر مِن أن تُحصَى، فهي تبتدئ بالفروق على مستوى الصبغيات (الجسيمات الملوَّنة أو الكروموسومات)، التي تتحكَّم في الوراثة، والتي تدقُّ وتدقُّ حتى أن ثخانَتها بالأنجستروم (واحد على بليون من المليمتر)، وترتفع إلى مستوى الخلايا، وكل خلية في جِسم الإنسان توضِّحُ لك تلك الحقيقة الفاصِلة بيْن الذكورة والأنوثة-[4]؛ ا. هـ.

وقد يكون الاختلافُ في التمتُّع بحقٍّ معيَّن، لِكَوْن أحدِهما أقدرَ مِن الآخَر على القيام به، كإعطاءِ المرأة حقّ الحضانة، والرَّجُل حقّ الجهاد، وقد يكون الاختلافُ مَرَدّه توزيع الواجبات ممَّا يلائم طبيعةَ كلٍّ منهما، ويحقِّق العدالة، والمصلحة لهما، ومِن أمثلة ذلك وجوب النَّفَقة على الرجل لزوجتِه، ووجوب رِعاية البيْت على المرأة.

المبحث الثالث: دحْض بدعة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة:
تُثَار في المؤتمرات العالميَّة، والمنظَّمات الدوليَّة قضيةُ -المساواة بين الجِنسين-، وفي تقريرِ المؤتمر العالمي لحقوقِ الإنسان (1413 هـ - 1993م)، جاء ما نصُّه: -تشكل حقوق الإنسان للمرأة وللطفل جزءًا من حقوقِ الإنسان العالميَّة، لا ينفصل ولا يقبل التصرُّفَ ولا التجزئة، وإنَّ مشاركة المرأة مشاركةً كاملةً، وعلى قدَم المساواة في الحياة السياسيَّة، والمدنيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والثقافيًّة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، والقضاء على جميعِ أشكال التمييز على أساس الجِنس، هما مِن أهداف المجتمع الدولي ذات الأولويَّة...-[5].

والسؤال الذي يطْرَح نفسَه: في أيِّ شيء يُريد القوم مساواةَ المرأة بالرجل؟ في الخَلْق والتكوين، أم ماذا؟!

والمساواة التي تُنادي بإلْغاء كلِّ الفوارق بيْن الرجل والمرأة غيرُ مقبولة علميًّا، وعمليًّا، وفوق ذلك بِدْعٌ مِن القول لَم يقل بها أحدٌ مِن العلماء الراسخين في القديم ولا في الحديث.

ويقول الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: -إنَّ هذه المطالبَ المنحَرِفة، تساق باسمِ -تحرير المرأة- في إطار نظريتين، هما: -حرية المرأة-، و-المساواة بيْن الرجل والمرأة-، وهما نظريتان غربيتانِ باطلتانِ شرعًا وعقلاً، لا عهدَ للمسلمين بهما، وهما استجرارٌ لجادَّة الأخسرين عملاً، الذين بغَوْا من قبل في أقطار العالَم الإسلامي الأُخرى، فسعوا تحت إطارِهما في فتنة المؤمنات في دِينهنَّ، وإشاعة الفاحِشة بينهنَّ...-[6].

ولقوَّة الفوارق الكونيَّة القَدريَّة والشرعيَّة بين الذَّكر والأنثى، صحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه لعَن المتشبه من النوعيْن بالآخَر، ولا شكَّ أنَّ سبب هذا اللعْن هو محاولة مَن أراد التشبُّهَ منهم بالآخر لتحطيمِ هذه الفوارق التي لا يُمكن أن تتحطَّم، لماذا؟ لأنَّ الشريعة الإسلامية في أحكامها تجْري وَفقًا لقانون التساوي والاخْتِلاف، فتساوي في الأحكام بيْن المتماثلين في مناطِها، وتخالِف في الأحكام بين المختلفين في مناطِ هذا الحُكم، وهذا النَّهْج القويم هو الذي يُحقِّق المساواة الحقيقيَّة بين المكلَّفين، وهو مقتضَى العدْل، وسُنَّة الله في التشريع، كما هي سُنَّته في الثواب والعِقاب.

المبحث الرابع: مُقتضى الفِطْرة في أعمال الزَّوجَين:
الإسلامُ دِين الفِطرة، وما قررتْه الشريعة من اقتسام أعمالِ الزوجيَّة بين الرجل والمرأة هو مقتضَى هذه الفِطرة، فقد فضَّل الله الرَّجل في خِلقْته بقوَّة في الجِسْم والعَقْل، كان بها أقدرَ على الكَسْب والحماية، والدِّفاع الخاصِّ بالأُسرة، والعام للأُمَّة والدولة، ومِن ثَمَّ فرض عليه النَّفَقة، وبهذا كان الرِّجال قوَّامين على النِّساء، يتولَّوْن الرِّياسة العامَّة والخاصَّة، فعليه جميع الأعمال الخارجية في أصْل الفِطرة، ومِن مقتضى الفِطرة أيضًا اختصاصُ النساء بالحمْل والرَّضاع وحضانة الأطفال، وتدبير شؤون المنزِل، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((كلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأةُ في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها))[7]، فتأمَّل كيف حصَر - صلَّى الله عليه وسلَّم - وظيفتَها في بيْت زوجها.

ولا ينازع في تفضيلِ الله الرجالَ على المرأة في نظام الفِطرة إلا جاهلٌ أو كافر، بل مَن استقرأ طباعَ النساء السليمات الفِطرة من جناية سوء التربية وفسادِ النظام يرَ أنَّ هذه الأفضلية ثابتة عندهنَّ، ولا أدلَّ على ذلك مِن أنَّ السواد الأعظم منهنَّ يفضلنَ أن يكون مولودهنَّ ذَكرًا، ويَتفاخرْنَ بذلك.

المبحث الخامس: قوامة الرَّجل تنظيميَّة لا استبداديَّة:
عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ نفْس من بني آدم سيِّد، فالرجلُ سيِّدُ أهْله، والمرأةُ سيِّدة بيتها))[8].

إنَّ قوامة الرجل على المرأة قاعدةٌ تنظيميَّة تستلزمها هندسةُ المجتمع، واستقراءُ الأوضاع في الحياة الدنيا، ولا تَسلم الحياةُ في مجموعها إلا بالتزامِها، فهي تُشبِه قوامة الرؤساء وأُولي الأمر، فإنَّها ضرورةٌ يستلزمها المجتمعُ الإسلامي والبشري، ويأثَم المسلمُ بالخُروج عليها مهما يكن مِن فضله على الخليفة المسلِم في العِلم أو في الدِّين، إلا أنَّ طبيعة الرجل تُؤهِّله لأنْ يَكون هو القَيِّم، فالرجل أقْوَى مِنَ المرأة وأجْلَد منها في خوْض معركةِ الحياة، وتحمُّل مسؤولياتها.

هذا، وإنَّ النِّطاق الذي تشمَلُه قوامةُ الرجل، لا يمسُّ حُرْمة كيان المرأة، ولا كرامتها، وهذا هو السِّرُّ العظيم في أنَّ القرآن الكريم لم يقل: -الرجال سادة على النساء-، وإنما اختارَ هذا اللفظ الدقيق ﴿ قَوَّامُونَ ﴾؛ ليُفيد معنى ساميًا بنَّاءً، يُفيد أنهم يصلحون ويعدلون، لا أنهم يستبدُّون ويتسلطون، فنِطاق القوامة محصورٌ في مصْلحة البيتِ إذًا، والاستقامة على أمْرِ الله.

وقد عالَجَ موضوعَ قوامة الرجل وحلَّله تحليلاً نفسيًّا واجتماعيًّا الباحثُ الدكتور -أوجست فوريل- تحت عنوان -سيادة المرأة-، كما نقل عنه ذلك الدكتور نورُ الدِّين عتر في كتابه -ماذا عن المرأة؟-، قال:
-يُؤثِّر شعور المرأة بأنها في حاجةٍ إلى حمايةِ زوْجها على العواطف المشعَّة من الحبِّ فيها تأثيرًا كبيرًا، ولا يمكن للمرأةِ أن تعرف السعادةَ إلا إذا شعرت باحترام زوْجها، وإلا إذا عاملتْه بشيء مِن التمجيد والإكرام، ويجب أيضًا أن ترَى فيه مَثَلَها الأعلى في ناحيةٍ من النواحي، إمَّا في القوَّة البدَنية، أو في الشجاعة، أو في التضحية وإنْكار الذات، أو في التفَوُّق الذِّهني، أو في أيِّ صفة طيِّبة أخرى، وإلا فإنَّه سرعانَ ما يسقط تحتَ حُكْمها وسيطرتها، أو يفْصل بينهما شعورٌ من النفور والبرود وعدم الاكتراث، ما لم يُصَبِ الزوجُ بسوء أو مرَض يُثير عطفَها، ويجعل منها ممرضةً تقوم على تمريضه والعناية به، ولا يمكن أن تُؤدِّي سيادةُ المرأة إلى السعادة المنزلية؛ لأنَّ ذلك مخالفةٌ للحالة الطبيعيَّة التي تقضي بأنْ يسودَ الرجل المرأة بعقلِه وذكائه وإرادته؛ لتسودَه هي بقلبِها وعاطفتها-[9].

[1] ينظر المفردات (125)، النهاية (1/413)، لسان العرب (10/49)، التعريفات (89).

[2] إرشاد الفحول (1/439)، نقلاً من حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية (ص: 63، 64).

[3] حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية (ص: 64- 67)، الموافقات للشاطبي (2/277).

[4] عَمَل المرأة في الميزان ص 77 ، وحِراسَة الفضيلة د/ بكر أبو زيد ص 13.

[5] قضايا المرأة في المؤتمرات الدوليَّة دراسة نقدية في ضوء الإسلام، للدكتور فؤاد العبد الكريم، وانظر نقولات أخرى عن التوصيات الصادرة عن المؤتمرات العالمية المعنية بالمرأة 200 - 213.

[6] حراسة الفضيلة ص122 ط : مكتبة السنة.

[7] متفق عليه من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما.

[8] رواه ابن السُّنِّي في عمل اليوم والليلة (2/2389، رقم (387)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/838)، رقم (4565).

[9] - ماذا عن المرأة؟ ص 140،141 ط: مكتبة اليمامة . بيروت





رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/27804/#ixzz278govb8o



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©