عنوان الموضوع : التاج المرصوع في درك علَّة الرِّبا في البيوع القرآن العظيم
كاتب الموضوع : madiha
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

أوَّلا: نصُّ الحديث:

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أخرجه أحمد ومسلمٌ(١).
وفي حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»(٢).
ثانيًا: ترجمة راوي الحديث:

هو أبو الوليد عُبادة بن الصامت بن قيسٍ الخزرجيُّ الأنصاريُّ، وأمُّه قرَّة العين بنت عبادة بن نضلة.
شهد عبادة رضي الله عنه العقبة الأولى والثانية، وهو أحد النقباء الاثني عشر، وآخى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بينه وبين أبي مرثدٍ الغنوي، وشهد بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلَّها مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو ممَّن جمع القرآنَ الكريم في زمن النبوَّة وعلَّمه لأهل الصفَّة ابتداءً، ثمَّ لأهل حمص وفلسطين بعد فتح الشام، وكان رضي الله عنه أوَّلَ من تولَّى القضاء بفلسطين، وتُوفِّي عبادة سنة أربع وثلاثين (٣٤) للهجرة بالرملة(٣) وهو ابن اثنتين وسبعين سنةً (٧٢)(٤).
ثالثًا: غريب الحديث:

ـ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ»: يجوز فيه الرفع، بمعنى بيع الذهب بالذهب فحُذف المضاف للعلم به، أو المعنى: يباع الذهب بالذهب.
ويجوز فيه النصب على تقدير: بيعوا الذهب بالذهب، والذهب يُطلق على جميع أنواعه المضروبة وغيرها، وكذا الفضَّة بالإجماع(٥).
ـ «مِثْلًا بِمِثْلٍ»: هو مصدرٌ في موضع حالٍ تقديره: الذهب يباع بالذهب موزونًا بموزونٍ، أو مصدرٌ مؤكَّدٌ بمعنى: يوزن وزنًا بوزنٍ، وجمعت رواية مسلمٍ بين المثل والوزن في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ»(٦).
ـ «مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ»: الجمع بين هذه الألفاظ لقصد التأكيد والمبالغة.
ـ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ»: وفي روايةٍ: «إِلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ»(٧)، المراد أن يصير كلُّ واحدٍ جنسًا غير جنس مقابله.
ـ «لَا تُشِفُّوا»: أي: لا تفاضلوا(٨).
ـ «الوَرِق»: الفضَّة(٩).
ـ «نَاجِزٍ»: حَاضِرٍ(١٠).
رابعًا: المعنى الإجمالي للحديث:

رغَّب الإسلام في العمل وبذل الجهد، فبقدر ما يعمل الإنسان يأخذ وبقدر ما يغرس يحظى بالثمار، أمَّا التبطُّل عن الكسب الحلال، والقعود عن السعي وراء رزق الله تعالى اعتمادًا على مجهود غيره، أو اعتدادًا بطعمةٍ باردةٍ تصل إليه من غير نَصَبٍ بعناء أخيه ومشقَّته، فهذا معارِضٌ لتعاليم شريعتنا خاصَّةً، والشرائع السماوية الأخرى عامَّةً، ولأجل ذلك أباح الله البيع وحرَّم الربا.
ومن أنواع الربا المنهيِّ عنه شرعًا ما تضمَّنه هذا الحديث، والمتمثِّل في ربا الفضل وربا النسيئة، فقد نهى عن بيع جنسٍ بمثله كالذهب بالذهب، سواءٌ كانا مضروبَيْن أو غير مضروبَيْن، أو البُرِّ بالبرِّ أو التمر بالتمر، سواءٌ كان الواحد منهما جيِّدًا والآخَر رديئًا، فيُمنع التفاضل بينهما عند البيع، بمعنى أنه يُشترط التماثل والمساواة مع حصول التقابض في مجلس العقد من غير الْتفاتٍ إلى النوعية.
في حين يجوِّز الشارع التفاضل إذا بِيع جنسٌ بغيره كبيع الذهب بالفضَّة، والبُرِّ بالشعير مع اشتراط اتِّحاد مجلس العقد.
هذا، والظاهر أنَّ كِلا النوعين لم يَرِدِ التحريم فيهما قصدًا، بل تحريمهما وسيلةٌ لسدِّ الذرائع، كما صرَّح بذلك حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه موقوفًا: «لَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ.. إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ»(١١)، أي: أنه يُفضي إلى ربا الجاهلية، وهو الربا الجليُّ المحرَّم قصدًا لضرره العظيم.
خامسًا: الفوائد والأحكام المستنبطة من الحديث:

تتمثَّل الفوائد والأحكام فيما يلي:
١ ـ فيه دليلٌ على تحريم مبادلة صنفٍ من الأصناف الستَّة المذكورة بمثله إلَّا بشرطين:
ـ الشرط الأوَّل: التماثل والمساواة.
لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ»، وهو تأكيدٌ له، وجاء في حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه مرفوعًا: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ...»(١٢)، ففيه تأكيدٌ لوجوب المساواة وتحريم ربا الفضل.
ـ الشرط الثاني: التقابض في مجلس العقد.
فلا يجوز التفرُّق قبل التقابض، بأن يعطيَ أحدُ الطرفين حالًّا والآخَرُ مؤجَّلًا، لقوله «يَدًا بِيَدٍ»، ولحديث أبي سعيدٍ رضي الله عنه المتقدِّم: «... وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»(١٣)، وفي روايةٍ: «هَاءَ وَهَاءَ»(١٤).
٢ ـ وفي الحديث دليلٌ ـ أيضًا ـ على إطلاق التفاضل عند اختلاف الجنس مع إيجاب التقابض، وذلك في قوله: «فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».
٣ ـ فيه إطلاق الأصناف الستَّة من غير تقييدٍ، فيدخل في كلِّ صنفٍ جميعُ أنواعه: الجيِّدُ والرديء، والصحيح والمكسَّر، والخالص والمغشوش، والمنقوش والمشروب والحُلِيُّ والتبر إجماعًا(١٥).
٤ ـ ظاهر الحديث يفيد أنَّ ربا الفضل لا يجري إلَّا في الجنس الواحد.
٥ ـ وقوله: «البُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ» فيه تصريحٌ بأنَّ البُرَّ والشعير جنسان، وكلُّ واحدٍ منهما صنفٌ مختلِفٌ، وهو مذهب جمهور العلماء، ورُوي عن مالكٍ والليث والأوزاعيِّ أنهما صنفٌ واحدٌ وجنسٌ واحدٌ، وإلى هذا القول ذهب جُلُّ علماء المدينة، وهو محكيٌّ عن عمر وسعدٍ وغيرهما من السلف(١٦)، وعمدةُ مذهبهم حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعًا: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ»(١٧).
والظاهر أنَّ مذهب الجمهور أقوى لحديث الباب، ولِما رواه أبو داود والنسائيُّ وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «أُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ البُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا»(١٨)، ولأنه عطف أحدهما على الآخَرِ في أحاديث متعدِّدةٍ، و«العَطْفُ يَقْتَضِي المُغَايَرَةَ»، وأمَّا إطلاق الطعام في حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه فقد ورد تقييده بقوله: «... وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ»(١٩)، فكان المقصود بالطعام المطعومَ وليس خصوصَ البُرِّ.
وأثرُ الخلاف يظهر في أنَّ مَن اعتبر البُرَّ والشعير جنسين مختلفين أجاز التفاضل بينهما، بخلاف من جعلهما جنسًا واحدًا فلم يُجِز المبادلة بينهما إلَّا مثلًا بمثلٍ.
٦ ـ فيه دليلٌ على عدم جواز النسيئة في بيع أحد الأجناس المذكورة في الحديث بغيرها إذا كانت العلَّة واحدةً، ومن بابٍ أَوْلى إذا كان جنسًا واحدًا.
٧ ـ فيه تبعية ربا النسيئة لربا الفضل، فكلُّ ما حَرُمَ فيه التفاضل حرم فيه النَّساء.
٨ ـ الحديث يقضي بتحريم ربا الفضل، وهو مذهب الجماهير من الصحابة رضي الله عنهم وأهل العلم مِن بعدهم، وخالف ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما ومن وافقه(٢٠)، ورأى أنه لا يجري الربا إلَّا إذا كان العوض الزائد متأخِّرًا مؤجَّلًا، وأمَّا تقابُض البدلين في المجلس الواحد متفاضلين فإنه ينتفي فيه الربا، واستدلَّ على مذهبه بحديث أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ»(٢١).
وحاول الجمهور التوفيقَ بين الأحاديث القاضية بتحريم ربا الفضل وحديث أسامة رضي الله عنه الدالِّ بمفهومه على إباحة التفاضل على ما يأتي:
ـ قالوا: إنَّ معنى حديثِ: «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» الربا الأغلظ الشديدُ التحريمِ، كما تقول العرب: «لا عالِمَ في البلد إلَّا فلان»، ومعناه: لا عالم أكمل إلَّا فلان، ويكون النفي نفيَ كمالٍ لا نفي الأصل(٢٢).
ـ قالوا: وعلى فرض التسليم بأنَّ مقصوده نفي الربا حقيقةً، فإنَّ حديث أسامة رضي الله عنه يفيد جواز ربا الفضل بعموم دليل الخطاب، أي: «مفهوم المخالفة»، وحديث الباب ينصُّ بمنطوقه على تحريم ربا الفضل، فتترجَّح دلالة المنطوق وتُقدَّم على المفهوم، ويُحمل على الربا الأكبر على نحو ما تقدَّم.
ـ ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ مفهوم تحريم ربا النسيئة من حديث أسامة رضي الله عنه ورد بأسلوب الحصر، والأصلُ في مفهوم الحصر قصرُه على أفراده ما لم يَرِدْ دليلٌ، وقد وردت أحاديث تحريم ربا الفضل بمنطوقها توسِّع دائرةَ حصره.
ـ وتأوَّل الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ حديث أسامة رضي الله عنه فقال: «…فيحتمل أن يكون النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم سئل عن الربا: أفي صنفين مختلفين: ذهبٍ بورِقٍ أو تمرٍ بحنطةٍ ؟ فقال: «الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ»، فحفظه فأدَّى قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يؤدِّ المسألةَ»(٢٣).
٩ ـ ظاهر الحديث يفيد عدمَ جواز بيع جنسٍ ربويٍّ بجنسٍ آخَرَ إلَّا مع التقابض، ولا يجوز مؤجَّلًا ولو اختلفا في الجنس والتقدير كالبُرِّ والشعير بالذهب والفضَّة لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»، وإلى هذا الظاهر مال بعض العلماء(٢٤).
والجمهور يذهب إلى حِلِّ هذه المعاملة عند اختلاف الجنس والتقدير، لأنَّ التقدير في الذهب والفضَّة يختلف عمَّا عليه في بقيَّة الأصناف، وعضدوا ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا»(٢٥)، وقد تُوفِّي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبقي درعه مرهونًا عند اليهوديِّ، فإنَّ هذا يخصِّص عمومَ ما أفاده حديث عبادة رضي الله عنه.
١٠ ـ الحديث اقتصر على سرد الأصناف الستَّة التي حُرِّم فيها الربا بنوعيه، وإلى هذا الرأي ذهب الظاهرية(٢٦)، ورأَوْا أنَّ الحديث يختصُّ بهذه المذكورات، وحصروا الحكم فيها عملًا بأصلهم في نفي القياس.
وتوسَّع جمهور العلماء في ذلك، ورأَوْا أنَّ الحديث لا يقتصر على هذه الأجناس الستَّة، لذلك عدَّوُا الحكمَ إلى كلِّ ما يشابهها ويشاركها في علَّة التحريم من سائر الأجناس، غيرَ أنهم اختلفوا في الأجناس الملحقة تبعًا لاختلافهم في الضابط المانع من التفاضل والنَّساء، وهو الأمر الذي نتناوله بشيءٍ من التوسُّع والتفصيل فيما يأتي:
سادسًا: مواقف العلماء من الحديث:

اتَّفق العلماء على تحريم الأصناف الستَّة المذكورة بالتفاضل والنسيئة، كما اتَّفقوا على أنَّ علَّة الذهب والفضَّة غيرُ علَّة البُرِّ والشعير والتمر والملح، وأنَّ لكلٍّ منهما علَّةً مستقلَّةً، ولكنَّهم اختلفوا في علَّة التحريم في كلٍّ منهما على أقوالٍ وآراءٍ متعدِّدةٍ، سنتناولها مقرونةً بالأدلَّة أوَّلًا، ثمَّ نبيِّن سببَ اختلاف العلماء فيها ثانيًا فيما يلي:
أ ـ مذاهب العلماء في علَّة التحريم:

ذهبت المالكية والشافعية وأحمد في روايةٍ إلى أنَّ علَّة الربا في الذهب والفضَّة هي النقدية أو الثمنية، ووافق الحنابلة ـ في الرواية المشهورة ـ مذهبَ الأحناف في جعل علَّة الربا الوزنَ والكيل مع الجنس، واتَّفق الأئمَّة ـ أيضًا ـ باستثناء الأحناف على أنَّ وحدة الجنس بمفردها لا تصلح علَّةً للربا، واختلفوا ـ بعد ذلك ـ على الأقوال التالية:
القول الأوَّل: مذهب الأحناف:
ذهب الأحناف إلى القول بأنَّ علَّة ربا الفضل لا تتحقَّق إلَّا باجتماع وصفَيْن معًا وهما: القَدْر (الكيل أوالوزن) والجنس.
وعلى هذا تكون العلَّة في الذهب والفضَّة: الوزنَ مع الجنس، وفي باقي الأشياء الأخرى: الكيل مع الجنس.
وأمَّا علَّة ربا النسيئة فتتحقَّق في اجتماع أحدهما: وحدة الجنس أو القدر، من غير تفريقٍ بين الذهب والفضَّة وبقيَّة الأصناف الأخرى(٢٧).
القول الثاني: مذهب المالكية:
ذهبت المالكية إلى القول بأنَّ علَّة تحريم ربا الفضل في الذهب والفضَّة هي النقدية (الثمنية) مع وحدة الجنس، أمَّا علَّة الأصناف الأربعة الأخرى فتختلف بين ربا الفضل وربا النسيئة.
فالعلَّة في تحريم ربا الفضل هي: الاقتيات والادِّخار (كالحبوب بأنواعها، والتمر والزبيب واللحوم والتوابل وغيرها).
والعلَّة في تحريم ربا النسيئة هي مجرَّد الطعم على غير وجه التداوي، من غير الْتفاتٍ إلى الاقتيات والادِّخار (أنواع الخضر والفواكه)(٢٨).
القول الثالث: مذهب الشافعية:
ذهبت الشافعية إلى القول بأنَّ علَّة تحريم ربا الفضل في الذهب والفضَّة هي النقدية، وأمَّا العلَّة في تحريم الأصناف الأربعة الباقية فهي الطعم(٢٩) والمطعوم على ثلاثة أقسامٍ(٣٠).
القول الرابع: مذهب الحنابلة:
ذهبت الحنابلة في الرواية المشهورة عن الإمام أحمد(٣١) إلى أنَّ علَّة الربا في الذهب والفضَّة كونُهما موزنَيْ جنسٍ (الوزن مع اتِّحاد الجنس)، وفي الأصناف الباقية كونها مكيلات جنسٍ (الكيل مع اتِّحاد الجنس) فيُلحق بهما ما شابههما في العلَّة، وبناءً على ذلك فإنَّ الربا يجري في كلِّ موزونٍ أو مكيلٍ بِيع بجنسه، سواءٌ كان مطعومًا كالحبوب أو غيرَ مطعومٍ كالنحاس والحديد.
أمَّا غير المكيل أو الموزون فلا يجري فيه الربا وإن كان مطعومًا كالفواكه المعدودة، أمَّا الرواية الثانية عنه فقد وافق فيها الشافعية، وتمثَّلت علَّة التحريم في الرواية الثالثة ـ فيما عدا الذهب والفضَّة ـ في أنها مطعومُ جنسٍ مكيلًا أو موزونًا، فلا بُدَّ من توفُّر كلٍّ من الطعم والكيل أو الوزن مع وحدة الجنس لتتحقَّق علَّة ربا الفضل، وهذه الرواية هي مذهب الشافعيِّ القديم وهي اختيار ابن تيمية(٣٢).
ب ـ أدلَّة المذاهب السابقة:

نتناول أدلَّة كلِّ مذهبٍ من المذاهب السابقة على ما يأتي:
ـ أدلَّة الأحناف:
استدلَّ الأحناف فيما ذهبوا إليه بالكتاب الكريم والسنَّة والمعقول:
• أمَّا بالكتاب الكريم:
ـ فبقوله تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ. وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الشعراء: ١٨١ ـ ١٨٣].
ـ وبقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطفِّفين: ١ ـ ٣].
وجه دلالة الآيتين: أنهما تدلَّان دلالةً واضحةً على أنَّ علَّة تحريم الربا هي الكيل والوزن، لورود الحرمة فيهما مطلقًا عن شرط الطعم(٣٣)، فلا يتمُّ النظر إلى الزيادة الحاصلة بين جنسين مختلفين أو متَّفقين إلَّا عن طريق الوزن أو الكيل، لأنهما معيارٌ دقيقٌ لمعرفة المقدار فصلح كونهما علَّةً.
• أمَّا بالسنَّة المطهَّرة: فبما يأتي:
ـ بحديث الباب حيث إنَّ ربا الفضل اختصَّ بالأموال المثلية من مكيلٍ أو موزونٍ فقط.
ـ وبما رواه البخاريُّ وغيره من حديث أبي هريرة وأبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعث أخا بني عديٍّ الأنصاريَّ فاستعمله على خيبر، فقدم بتمرٍ جنيبٍ، فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟» قال: «لا واللهِ يا رسول الله، إنَّا لنشتري الصاعَ بالصاعين من الجَمْعِ»، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ المِيزَانُ»(٣٤).
وجه دلالة الحديث متمثِّلٌ في الشاهد عند قوله: «وَكَذَلِكَ المِيزَانُ»، بمعنى الموزون كنايةً، فيكون كلُّ موزونٍ يُمنع فيه التفاضل ولو كان غيرَ مطعومٍ.
ـ وبما رواه الدارقطنيُّ وغيره من حديث عبادة وأنس بن مالكٍ رضي الله عنهما مرفوعًا: «مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إِذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ»(٣٥).
وجه دلالة الحديث: أنه أوجب التماثلَ والمساواة في كلٍّ من المتبادَلين من جنسٍ واحدٍ إذا كانا يخضعان للكيل أو الوزن، وذلك تصريحٌ ظاهرٌ بعلَّة التحريم.
ـ وبما أخرجه أحمد في مسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ»(٣٦).
ووجهه أنَّ الحديث اعتبر الصِّيعان وجعل المبادلاتِ خاضعةً لها، فمعنى ما ذكره أنَّ المساواة بين البدلين من جنسٍ واحدٍ خاضعةٌ للمعيار، وهو الكيل الذي يسوِّي بينها في الصورة.
• أمَّا بالمعقول:
ـ فلأنَّ الأصل في تحريم الربا هو عدمُ إضرار الناس بدفع الغبن عنهم، ولا يتمُّ الخلاص من الضرر المُلحق بهم وتحقيقُ المساواة والتماثل بين العوضين إلَّا باعتبار الوزن والكيل اللذين يحقِّقان معنى التساوي بشكلٍ أدقَّ وأضبطَ، ولهذا يصلحان علَّةً لتحريم الربا.
ـ ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ المعنى الزائد الذي يحمله أحد الجنسين إنما عُلم بواسطة المعيار الشرعيِّ الذي هو الوزن والكيل، وهذا المعنى الزائد هو سببٌ موجودٌ في سائر الأموال غير المطعومة فلا داعيَ للفصل بينها(٣٧).
هذا، وقد استدلَّ الحنفية على صلاحية وحدة الجنس بمفردها ـ دون انضمام وصفٍ آخَر ـ علَّةً لربا النسيئة بما يلي:
ـ بحديث الحسن عن سَمُرَة رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِيئَةً»(٣٨).
ـ وبحديث جابرٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «الحَيَوَانُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا يَصْلُحُ نَسِيئًا، وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ»(٣٩).
وجه دلالة الحديثين: أنهما يفيدان عَدَمَ جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً مطلقًا، مع تجويز الحديث الثاني التفاضلَ بشرط التقابض، ولم يكن بين العوضين سوى الجنس الذي يُعَدُّ وحده علَّةً لربا النسيئة.
ـ أدلَّة المالكية:
استدلَّ المالكية على إظهار ثمنية الذهب والفضَّة علَّةً لتحريم الربا بما يأتي:
ـ بالتتبُّع والاستقراء، وذلك من ناحية أنه لا يجوز أن يكون تحريم الربا لمعنًى يتعدَّاهما إلى غيرهما من الأموال، لأنه لو جاز هذا التعدِّي لامتنع إجراءُ السَلَم(٤٠) فيما سواهما من الأموال، وتعليل ذلك أنَّ كلَّ شيئَين جمعتهما علَّةٌ في الربا لا يجوز إسلامُ أحدهما في الآخَر: كالذهب والفضَّة، والبُرِّ والشعير، فلمَّا جاز إسلام الذهب والفضَّة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الأموال فإنَّ ذلك يدلُّ على أنَّ العلَّة فيهما لمعنًى لا يتعدَّاهما وهو من جنس الأثمان(٤١).
ـ ولأنَّ الثمنية وصفُ شرفٍ مناسبٌ، إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليلَ بها، وذلك لأنَّ الذهب والفضَّة جواهر الأثمان وهي وصفٌ مناسبٌ يقتضي شرفَه وخطره.
ـ أمَّا الأعيان الأربعة فاستدلُّوا على إظهار الادِّخار مع الاقتيات علَّةً للتحريم فيها بما يلي:
ـ بالمعقول من ناحية أنَّ العلَّة لا تخرج عن أحد الوصفين وهما: مطلق الطعم أو الطعم الموصوف بالاقتيات والادِّخار، وتمسَّك المالكية في الاستنباط بهذه العلَّة الأخيرة، ورأَوْا أنه لو كان المقصودُ الطعمَ وحده لاكتفى الحديث بالتنبيه على ذلك بالنصِّ على واحدٍ من الأعيان الأربعة السابقة، غيرَ أنه لَمَّا ذكر منها عددًا من الأصناف يجمعها كلَّها الاقتياتُ والادِّخار عُلم أنه قصد بكلِّ واحدٍ منها التنبيهَ على ما في معناه، فنبَّه بالبُرِّ والشعير على أصناف الحبوب المدَّخرة، وبالتمر على سائر الحلويَّات المدَّخرة كالسكَّر والعسل والزبيب، وبالملح على كلِّ أنواع التوابل المدَّخرة لإصلاح الطعام.
ـ لمَّا كانت حكمة التحريم هي دفْعَ الغبن عن الناس والحفاظ على أموالهم وجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات(٤٢).
ـ أدلَّة الشافعية:
استدلَّ الشافعية على إظهار الثمنية في الذهب والفضَّة علَّةً لتحريم الربا بأدلَّة المالكية نفسها، أمَّا الأصناف الأربعة الباقية فقد جعلوا العلَّةَ فيها مطلق الطعم، واستدلُّوا عليها بما يأتي:
ـ بما رواه مسلمٌ عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ»(٤٣).
وجه دلالة الحديث: أنَّ الحكم بالربا على الطعام يدلُّ على علَّته، ذلك لأنَّ الحكم إذا عُلِّق على اسمٍ مشتقٍّ كان ذلك علَّةً فيه: كالحدِّ بالزنا والقطع في السرقة ونحوهما(٤٤)، والطعام اسمٌ لكلِّ ما يُطْعَم من مأكولٍ ومشروبٍ بدليل قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: ٥]، وأراد به الذبائح، وحديث معاوية بن قُرَّة ـ رحمه الله ـ قال: قَالَ أَبِي: «لَقَدْ عَمَّرْنَا مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا الْأَسْوَدَانِ»، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا الْأَسْوَدَانِ؟» قُلْتُ: «لَا»، قَالَ: «التَّمْرُ وَالمَاءُ»(٤٥).
ـ ومن المعقول استدلُّوا بأنَّ الحَبَّ ما دام مطعومًا يحرم فيه الربا، فإذا زُرع وخرج عن أن يكون مطعومًا لم يحرم فيه الربا، فإذا انعقد الحَبُّ وصار مطعومًا حرم فيه الربا، فدلَّ على أنَّ العلَّة فيه كونُه مطعومًا، فعلى هذا يحرم الربا في كلِّ ما يُطْعَم من الأقوات والآدام والحلويَّات والفواكه(٤٦).
ـ ولأنَّ الطَّعم وصفُ شرفٍ إذ به قوام الأبدان، والثمنية وصفُ شرفٍ إذ بها قوام الأموال، فيقتضي ذلك التعليلَ بهما.
ـ أدلَّة الحنابلة:
استدلَّ الحنابلة على الرواية المشهورة عن الإمام أحمد بما استدلَّ به الأحناف عمومًا، واحتجُّوا ـ فضلًا عن ذلك ـ من حيث المعقول بأنَّ البيع مقتضاه المساواة، ولا يمكن تحقيقها إلَّا بواسطة الكيل والوزن مع الجنس، ذلك لأنَّ الوزن والكيل يسوِّي بين العوضين صورةً، وأمَّا الجنس فيسوِّي بينهما في المعنى، فكانا علَّةً لتحريم ربا الفضل، ومن جهةٍ أخرى فإنَّ الزيادة في الكيل محرَّمةٌ دون الزيادة في الطعم بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة، فيكون التساوي في الكيل جائزًا(٤٧).
ـ أمَّا مَن قال بالرواية الثانية وعضدها فقد استدلَّ بنفس الأدلَّة التي استند إليها الشافعية.
ـ وأمَّا عمدة أصحاب الرواية الثالثة فتتمثَّل فيما يلي:
ـ بما رواه الدارقطنيُّ من حديث سعيد بن المسيِّب ـ رحمه الله ـ مرفوعًا: «لَا رِبَا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَيُؤْكَلُ وَيَشْرَبُ»(٤٨).
ووجهه ظاهرٌ في إبراز علَّة التحريم، فلا يمكن تحقُّقها إلَّا مع توفُّر الجمع المكوَّن من الطعم والكيل أو الوزن مع وحدة الجنس، وأنَّ المماثلة المعتبرة في الشرع هي الكيل والوزن، وهو يدلُّ على أنه لا يحرم إلَّا في مطعومٍ يُكال أو يوزن، ولا يحرم فيما لا يُطعم بدليل حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه المتقدِّم: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ».
ـ وبموجَب الجمع بين الأحاديث الواردة بهذا الخصوص وتقييد كلٍّ منها بالآخَر، ليتمَّ مقصود الشارع بمجموعها: كنهيه صلَّى الله عليه وسلَّم عن بيع الصاع بالصاعين فينبغي تقييده بالمطعوم المنهيِّ عن التفاضل فيه، وكنهيه عن بيع الطعام بالطعام متفاضلًا إلَّا مثلًا بمثلٍ فينبغي تقييد المماثلة بالمعيار الشرعيِّ وهو الوزن والكيل، ويكون الجمع بين هذه الأحاديث والعملُ بها جميعًا أَوْلى من الترجيح بالعمل ببعضها وتركِ بعضها الآخَر، ومن الإهدار بترك العمل بها جميعِها.
ـ وبأنَّ الأصل في الأعيان والأشياء وسائر المكاسب والتجارات الحِلُّ والإباحة، ولا يصار إلى التحريم إلَّا عند قيام دليلٍ موثوقٍ به، ومجرَّدُ الطعم أو الوزن لا يقوِّي دليل الحرمة في مقابل دليل الأصل، لذلك كان الجمع بين العلَّتين أوفق وأقوى على ما تقدَّم بيانه، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: «وما وُجد فيه الطعم وحده أو الكيل أو الوزن من جنسٍ واحدٍ ففيه روايتان واختلف أهل العلم فيه، والأَوْلى إن شاء الله تعالى حِلُّه، إذ ليس في تحريمه دليلٌ موثوقٌ به ولا معنًى يقوِّي التمسُّكَ به، وهي مع ضعفها يعارض بعضها بعضًا، فوجب اطِّراحها أو الجمع بينها، والرجوع إلى أصل الحِلِّ الذي يقتضيه الكتاب والسنَّة والاعتبار»(٤٩).
ج ـ مناقشة الأدلَّة السابقة:

على ضوء ما تقدَّم يمكن مناقشة أدلَّة المذاهب السابقة على ما يأتي:
ـ الظاهر من الآيات القرآنية التي استدلَّ بها الأحناف والحنابلة في الرواية المشهورة على اعتبار الكيل والوزن علَّةَ الربا خروجُها عن محلِّ النزاع، لأنَّ غاية ما تفيده هو النهيُ عن نوعٍ من أنواع الغشِّ والخداع في البيوع المتمثِّل في الانحراف عن القسط في الكيل والوزن والجَوْر في المعاملة، بخلاف موضوع الحديث فإنه يتعلَّق بتعاقُد الجانبين على التفاضل من غير تطفيفٍ ولا غشٍّ صادرٍ من أحدهما.
ـ وأمَّا الاستشهاد بلفظة: «وَكَذَلِكَ المِيزَانُ» فهي تحتمل الوجهين التاليين:
- أن يكون معناها: وكذلك الميزان لا يجوز التفاضل فيه فيما كان ربويًّا موزونًا(٥٠)، عملًا بقاعدة: «المُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ»(٥١).
- أن يكون لفظه موقوفًا على أبي سعيدٍ رضي الله عنه(٥٢).
ولا يخفى أنَّ ورود الاحتمال على محلِّ الاستشهاد بالعبارة المتقدِّمة ممَّا يُضعف به الاستدلالَ.
ـ وأمَّا حديث عبادة وأنس بن مالكٍ رضي الله عنهما الذي رواه الدارقطنيُّ ففي إسناده الربيع بن صُبَيْحٍ: وثَّقه أبو زرعة وضعَّفه جماعةٌ، غيرَ أنه يشهد له حديث الباب وغيرُه من الأحاديث(٥٣)، ومع التسليم بصحَّته فإنَّ الموزون والمكيل ينبغي تقييدُه بالمطعوم توفيقًا بين الأحاديث السالفة.
ـ وليس المراد بالصاع في حديث ابن عمر رضي الله عنهما معناه الحقيقيُّ، بل المقصود النهي عن مبادلة صاعٍ من تمرٍ أو غيره بصاعين بدليل حديث أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الجَمْعِ ـ وَهُوَ الخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ ـ وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ»(٥٤) وفي لفظ مسلمٍ: «لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ، وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ»(٥٥)، ووصفُ الوزن والكيل غيرُ مطَّردٍ لأنه يحرم الربا في ملء الكفِّ من البُرِّ مع أنه لا يُكال، فحاصله أنَّ الصاع الوارد في الحديث قابلٌ للتقييد بالمطعوم.
ـ وحديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه صحَّحه ابن الجارود ورجالُه ثقاتٌ كما قال الحافظ في «الفتح»، غير أنَّ أهل الحديث اختلفوا في اتِّصاله وإرساله وفي سماع الحسن من سمرة رضي الله عنه(٥٦)، وحديثُ جابرٍ ـ وإن حسَّنه الترمذيُّ(٥٧) ـ إلَّا أنَّ في سنده الحجَّاج بن أرطأة وأبا الزبير وهما مدلِّسان وقد عنعن الحجَّاج، قال ابن معينٍ: ليس بالقويِّ وهو صدوقٌ يدلِّس، وقال النسائي: ليس بالقويِّ، وقال الدارقطنيُّ وغيره: لا يُحتجُّ به(٥٨).
وعلى فرض صحَّته وثبوته فهو محمولٌ على أن يكون نسيئةً من الطرفين معًا، فيكون من باب «بيع الكالئ بالكالئ» وهو لا يصحُّ عند الجميع، والحاملُ لذلك الأحاديثُ الواردة في الجواز منها:
ـ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قِلَاصِ(٥٩) الصَّدَقَةِ، فَكَانَ يَأْخُذُ البَعِيرَ بِالبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ»(٦٠).
ـ وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه اشترى راحلةً بأربعة أبْعِرَةٍ مضمونةٍ عليه يُوفيها صاحبَها بالرَّبَذَة(٦١)(٦٢).
قال الخطَّابيُّ: «هذا يبيِّن لك أنَّ النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً إنما هو أن يكون نَسَئًا في الطرفين جمعًا بين الحديثين وتوفيقًا بينهما»(٦٣).
ـ وتفتقر علَّة الثمنية إلى الدوران وهو الطرد والعكس، وهذا يعني أنه قد وُجدت العلَّة مع انعدام الحكم: كالفلوس(٦٤) مثلًا فإنه لا يجري فيها الربا عند القائلين بهذا التعليل وهي معدودةٌ من الثمنية، في حين نجد ـ من ناحيةٍ أخرى ـ وجودَ الحكم مع فقدان هذه العلَّة: كأواني الذهب والفضَّة فإنه يجري فيها الربا مع سقوط ثمنيتها لتغيُّر شكلها وصورتها، فإذن هي علَّةٌ قاصرةٌ لا تصلح للتعليل بها لعدم اطِّرادها وعكسها، فالأَوْلى التعليل بالمتعدِّية لصحَّتها وسلامتها(٦٥).
ـ أمَّا فيما يتعلَّق بإضافة صفة الادِّخار على الطعم والاقتيات ـ كما عند المالكية ـ فإنَّ هذه الإضافة غيرُ مطَّردةٍ مع جميع الأجناس، فقد وردت أجناسٌ ربويةٌ بالنصِّ: كالملح والرُّطَب مثلًا، مع ذلك لا يمكن إضفاء صفة الاقتيات على الملح ولا الادِّخارِ على الرُّطَب، وعلى هذا فلو كان الاقتيات والادِّخار هو علَّةَ الربا لَما كانت ربويةً، وهذا بقطع النظر عن أيلولة هذا الرُّطَب إلى الادِّخار أو عدم أيلولته فإنَّ الربا جارٍ فيه اتِّفاقًا، كما أنَّ مِلْء الكفِّ من الطعام يجري فيه الربا مع أنه ليس قوتًا.
ـ والقول بأنَّ ذِكْر الأصناف الأربعة إنما ورد على سبيل التنبيه بكلٍّ منها على ما فيه معناه، وكلُّها يجمعها الادِّخار والاقتيات، فإنَّ هذا الاستنباط جاء ما يعارضه ويعلِّقه على الطعام المطلق، كما صحَّ ذلك من حديث معمر بن عبد الله المتقدِّم: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ»، فعُلم أنَّ تعداد الأصناف الأربعة إنما ذُكر على سبيل التمثيل لا التنبيه، فصفة الاقتيات والادِّخار هي ـ إذن ـ من التنصيص على بعض أفراد العموم من مطلق الطعم.
ـ وأمَّا اشتراط الطعام وحده في ربا النسيئة فهو تحكُّمٌ في الفرق من غير مستندٍ، إذ إنَّ الأجناس المذكورة في النصِّ التي استُنبطت منها علَّةُ الاقتيات والادِّخار في ربا الفضل هي نفسها في ربا النسيئة، فلا موجِب للفصل بينهما.
ـ وتعليل الشافعية ربا الأصناف الأربعة بمطلق الطعم معارَضٌ بالأحاديث القاضية بعلِّيَّة الوزن والكيل مع وحدة الجنس، فضلًا عن أنَّ التحريم ثابتٌ في الذهب والفضَّة وليسا بطعامٍ.
ـ أمَّا حديث: «لَا رِبَا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَيُؤْكَلُ وَيَشْرَبُ» فلا يصحُّ رفعُه(٦٦)، بل هو من إرسال سعيد بن المسيِّب، قال الدارقطنيُّ: «هذا مرسلٌ، ووَهِمَ المبارك على مالكٍ برفعه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما هو من قول سعيد بن المسيِّب مرسلٌ»(٦٧). قال ابن القطَّان: «وليست هذه علَّتَه، وإنما علَّته أنَّ المبارك بن مجاهدٍ ضعيفٌ، ومع ضعفه فقد انفرد عن مالكٍ برفعه، والناس روَوْه عنه موقوفًا»(٦٨).
د ـ سبب اختلاف العلماء:

يرجع سبب اختلاف العلماء إلى بعض المسائل الأصولية التي نوردها على الوجه التالي:
أوَّلًا: فيما يتعلَّق بجنسَيِ الذهب والفضَّة.
يعود الخلاف إلى ما يأتي:
ـ هل يصحُّ التعليل بالعلَّة القاصرة(٦٩) ؟
ـ هل الحكم في محلِّ النصِّ يضاف إلى النصِّ أم العلَّة(٧٠) ؟
ـ هل يصلح الدوران (الطرد والعكس) مع المناسبة بين الوصف والحكم لإثبات العلَّة ؟
ثانيًا: فيما يتعلَّق بالأجناس الستَّة: يعود الخلاف إلى ما يأتي:
ـ هل حقيقة الاستثناء هو إخراج بعض الجملة عن الجملة بأدواته أم أنه لفظٌ يدخل على الكلام العامِّ فيمنعه من اقتضاء العموم والاستغراق ؟
ـ هل إدراك المناسِب في السبر والتقسيم هو هذا الوصف أو غيره ؟
ثالثًا: في علِّيَّة وحدة الجنس.
ويظهر سبب الخلاف في:
ـ هل وحدة الجنس محلُّ العلَّة أم هي أحد وصفَيِ العلَّة ؟
• فمن رأى جوازَ التعليل بالعلَّة القاصرة، لأنَّ التعليل بها يفيد المكلَّف في معرفة بناء الحكم على وجه المصلحة وَفْق الحكمة وهو تعليلٌ باعثٌ على الامتثال والطاعة، ولأنَّ اتِّصاف العلَّة بالتعدية إنما هو فرعٌ عن صحَّتها وصلاحيتها لإضافة الحكم إليها ولا يكون فرعُ الشيء شرطًا لوجوده ولا مقوِّمًا له، ولأنه إذا كانت التعدية وسيلةً إلى إثبات الحكم فالقاصرة وسيلةٌ إلى نفيه وكلاهما مقصودان: فإنَّ إثبات الحكم في محلِّ النفي محذورٌ كما أنَّ نفيه في محلِّ الإثبات محذورٌ(٧١).
ـ وجَعَل الحكمَ في محلِّ النصِّ مضافًا إلى العلَّة لا إلى النصِّ(٧٢)، واعتبر مسلكَ الدوران مع ظهور المناسبة طريقًا من طرق إثبات العلَّة، فمتى ثبتت مناسَبةُ الوصف للحكم كان علَّةً(٧٣).
ـ كما اعتبر أيضًا أنَّ حقيقة الاستثناء في حديث أبي سعيدٍ رضي الله عنه: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، ...» هو إخراج بعض الجملة عن الجملة، لأنَّ الاستثناء يوجب انعدامَ المستثنى منه في القدر المستثنى مع بقاء العموم بطريق المعارضة، إذ إنَّ الأصل في الأموال الربوية التحريمُ، والجوازُ يثبت مستثنًى من قاعدة التحريم ويُقيَّد بالمساواة والتقابض في المجلس مع اتِّحاد الجنس، وبشرط الحلول والتقابض عند اختلاف الجنس(٧٤).
ـ ثمَّ نظَر إلى اتِّحاد الجنس واعتبرها محلَّ علَّة تحريم ربا الفضل، والمحلُّ بانفراده لا يؤثِّر(٧٥).
ـ واستعمل في إدراك المناسب مسلكَ السبر والتقسيم.
فقد انتهى إلى النتائج التالية:
ـ أنَّ علَّة التحريم في الذهب والفضَّة هي النقدية (الثمنية).
ـ أنَّ علَّة التحريم في الأصناف الأربعة المنصوص عليها هي الطعم وحده، أو هي الطعم والادِّخار حملًا للتعداد المذكور على التأسيس لا التأكيد، لأنَّ كلَّ واحدٍ من الأربعة نوعٌ خاصٌّ من أنواع المدخَّرات فلا تكرار في ذكرها.
ـ وأنَّ الجنس بانفراده لا يحرِّم النَّساء.
• ومن رأى أنَّ من شروط العلَّة القياسية أن تكون متعدِّيةً لا قاصرةً، لأنَّ القياس يقوم على المساواة في العلَّة بين الأصل والفرع، فلو كانت العلَّة قاصرةً على الأصل لانعدم القياس لانتفاء العلَّة المشتركة بينهما(٧٦).
ـ وجَعَل الحكم في محلِّ النصِّ مضافًا إلى النصِّ لا إلى العلَّة.
ـ وأنَّ الدوران مع المناسبة بين الوصف والحكم لا يكفي لإثبات العلَّة وإظهارها.
ـ وأنَّ الاستثناء يدخل على الكلام العامِّ فيمنعه من اقتضاء العموم والاستغراق(٧٧).
ـ ورأى أنَّ العلَّة في الكيل تَبَعُ وحدة الجنس واعتبرَها أحد وصفَيِ العلَّة، واستعمل في إدراك المناسب مسلكَ السبر والتقسيم.
فقد انتهى إلى النتائج التالية:
ـ أنَّ علَّة ربا الفضل لا تتحقَّق إلَّا باجتماع وصفين معًا وهما: القدر والجنس.
ـ أنَّ علَّة التحريم في الذهب والفضَّة: الوزن مع الجنس.
ـ أنَّ علَّة التحريم في الأصناف الأخرى: الكيل مع الجنس.
ـ أنَّ علَّة ربا النسيئة تتحقَّق في اجتماع أحدهما: وحدة الجنس أو القدر من غير تفريقٍ بين الذهب والفضَّة والأصناف الأخرى.
ﻫ ـ الترجيح:

هذا، والمتأمِّل في حُجَجِ كلِّ فريقٍ وما اعتمد عليه من المسائل الأصولية ـ التي يرجع إلى قسمٍ كبيرٍ منها سببُ الخلاف ـ يدرك أنَّ علَّة التحريم في الذهب والفضَّة هي الثمنية التي استقرَّ عليها مذهب المالكية والشافعية وروايةٌ عن أحمد، وهي المعنى البارز الذي ينبغي الوقوف عنده، ذلك لأنَّ التعليل بالوزن طردٌ محضٌ ليس فيه مناسبةٌ بخلاف التعليل بالثمنية، ولأنَّ الثمن هو المعيار الضابط الذي يُعرف به تقويم المبيعات فلا يخضع للارتفاع والانخفاض على عكس السلع، فإذن لا يوجد معنًى أخطر من الثمنية في الذهب والفضَّة إذ بها حياة الأموال وحاجة الناس إليها ضروريةٌ وعامَّة، ولأنها غير مقصودةٍ لذاتها بل للتوصُّل بها إلى السلع، وهذا المعنى معقولٌ يختصُّ بالنقود، فلا يتعدَّى سائر الموزونات(٧٨)، ولأنَّ الربا لا يجري في الفلوس ـ وإن اعتُبرت أثمانًا ـ لعدم اتِّصافها بجوهرية الأثمان وذلك لاختصاص النقدين بها، بخلاف أواني الذهب والفضَّة فإنها ـ وإن كانت لا تُعتبر أثمانًا لتغيُّر شكلها وصورتها ـ إلَّا أنَّ الربا جارٍ فيها لكون جوهرية الأثمان لاصقةً بها، لذلك حَرُم استعمالها والتزيُّن بها.
وأمَّا الأشياء الأربعة الأخرى فإنَّ العلَّة التي تجتمع عليها كافَّة الأدلَّة لا تتحقَّق إلَّا مع توفُّر الجمع المكوَّن من الطعم والقدْر (الكيل أو الوزن) مع وحدة الجنس، كما أنَّ مطلق الطعم أو القدر لا يقوِّي دليلَ الحرمة في مقابل دليل الإباحة، لذلك فالعمل بجميع أدلَّة المذاهب المساقة وتقييدُ كلٍّ منها بالآخَر أَوْلى من العمل ببعضها، والرجوعُ إلى أصل الحِلِّ الذي يقتضيه الكتاب والسنَّة والاعتبار ليتمَّ مقصود الشارع بمجموعها. والله أعلم.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليما كثيرًا.

(١) «مسند أحمد» (٥/ ٣٢٠)، «صحيح مسلم» (١٥٨٧).

(٢) سيأتي تخريجه، انظر: (هامش ١٢).

(٣) الرملة: مدينةٌ من أكبر مدن فلسطين وأقدمها في التاريخ، تبعد عن بيت المقدس ﺑ ٣٨ كلم، كانت رباطًا للمسلمين، وسُمِّيت بالرملة نسبةً إلى الرمال المحيطة بها.
انظر: «معجم البلدان» لياقوت (٣/ ٦٩)، «أحسن التقاسيم» للمقدسي (١٥١)، «مراصد الاطِّلاع» للبغدادي (٣/ ٦٣٣)، «الروض المعطار» للحميري (٢٦٨).

(٤) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٣/ ٦٢١)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٣/ ١٠٦)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٥/ ١١١ ـ ١١٢)، «الرياض المستطابة» للعامري (٢٠٧ ـ ٢٠٨).

(٥) انظر: «شرح النووي» (٦/ ١٠).

(٦) «صحيح مسلم» (١٥٨٨).

(٧) «صحيح مسلم» (١٥٨٨).

(٨) «النهاية» لابن الأثير (٢/ ٤٨٦).

(٩) «المصدر السابق» (٥/ ١٧٥).

(١٠) «المصدر السابق» (٥/ ٢١).

(١١) «الموطَّأ» لمالك (٢/ ١٣٦)، وصحَّحه الأرناؤوط في تحقيق «جامع الأصول» (١/ ٥٦١).

(١٢) «صحيح البخاري» (٢١٧٧)، «صحيح مسلم» (١٥٨٤).

(١٣) سبق تخريجه في الهامش قبله.

(١٤) «صحيح البخاري» (٢١٧٤)، «صحيح مسلم» (١٥٨٦) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.

(١٥) انظر: «شرح النووي لصحيح مسلم» (٦/ ١٠)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٧٨).


(١٦) انظر: «المنتقى» للباجي (٥/ ١٠٢)، «القوانين الفقهية» لابن جُزيٍّ (٢٤٥)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٧٩)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٤١).

(١٧) «صحيح مسلم» (١٥٩٢).

(١٨) «سنن أبي داود» (٣٣٤٩)، «سنن النسائي» (٤٥٦٠)، «سنن ابن ماجه» (٢٢٥٤)، واللفظ لابن ماجه.

(١٩) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٨٨).

(٢٠) ووافقه على ذلك أسامة بن زيدٍ، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، واختُلف في رجوع ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن فتواه. [انظر: «المغني» (٤/ ٣)، «شرح عمدة الأحكام» (٣/ ١٨٤)].

(٢١) «صحيح البخاري» (٢١٧٨)، «صحيح مسلم» (١٥٩٦).

(٢٢) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٨٢)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٤٢).

(٢٣) «الأمُّ» للشافعي (مختصر المزني) (٧٦).

(٢٤) انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٤٤ ـ ٣٤٥).

(٢٥) «صحيح البخاري» (٢٥٠٩)، «صحيح مسلم» (١٦٠٣)، «سنن النسائي» (٤٦٥٠) واللفظ له.

(٢٦) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٨/ ٤٦٨).

(٢٧) انظر: «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (٢/ ٣١ ـ ٣٢)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٥/ ١٨٣).

(٢٨) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ١٣٠)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ(٢٤٦)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (٤/ ٣٤٥).

(٢٩) انظر: «الأمَّ» للشافعي (٣/ ١٥ ـ ١٦)، «المهذَّب» للشيرازي (١/ ٢٧٧).

(٣٠) وهذه الأقسام هي: ما كان للطعم والقوت أوَّلًا كالبرِّ والشعير، ويُلحق بهما ما كان في معناهما، وما كان للتفكُّه كالتمر، ويُلحق به ما كان في معناه، وما كان للتداوي كالملح، فيُلحق به كلُّ العقاقير المتجانسة التي تفيد هذا المعنى، [انظر: «نهاية المحتاج» للرملي (٣/ ٤٣٠)].

(٣١) وبهذا قال النخعيُّ والزهريُّ والثوريُّ وإسحاق، [انظر: «المغني» لابن قدامة (٤/ ٥ ـ ٩)، «العدَّة» للبهاء المقدسي (٢٢٠ ـ ٢٢١)، «المحرَّر في الفقه الحنبلي» للمجد أبي البركات (٣١٨)، «الكافي» لابن قدامة (٢/ ٥٣ ـ ٥٤)].

(٣٢) انظر: «الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية» للبعلي (١٢٧).

(٣٣) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٥/ ١٨٤).

(٣٤) «صحيح البخاري» (٧٣٥٠)، «صحيح مسلم» (١٥٩٣).

(٣٥) «سنن الدارقطني» (٢٨٥٣)، «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٤/ ٦٦).

(٣٦) «الفتح الربَّاني» للبنَّا (١٥/ ٧٣ ـ ٧٤).

(٣٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٥/ ١٨٤)، «أحكام القرآن» للجصَّاص (١/ ٥٥٥).

(٣٨) «سنن أبي داود» (٣٣٥٦)، «سنن الترمذي» (١٢٣٧)، «سنن النسائي» (٤٦٢٠)، «سنن ابن ماجه» (٢٢٧٠)، والحديث صحَّحه الألباني في «المشكاة» رقم: (٢٨٢٢).

(٣٩) «سنن الترمذي» (١٢٣٨)، «سنن ابن ماجه» (٢٢٧١)، وأحمد في «مسنده» (٣/ ٣١٠، ٣٨٠، ٣٨٢)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٢٤١٦).

(٤٠) السَّلَم: هو بيع شيءٍ موصوفٍ في الذمَّة يعطى له مالٌ على أن تأخذ المبيع في مدَّةٍ معيَّنةٍ، لكن إذا جمعت بين الشيئين علَّةٌ واحدةٌ لم يصحَّ، لأنَّ الشرع يقضي بأن يكون يدًا بيدٍ، فما كانت علَّتهما واحدةً لا يصحُّ إجراء السَّلَم فيهما، وقد علمنا أنَّ الذهب والفضَّة علَّتهما الوزن، فكان إسلام الذهب والفضَّة في بقيَّة الموزونات والمكيلات صحيحًا لمعنًى غيرِ الوزن لامتناع السَّلَم فيهما.

(٤١) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٣١٠)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (٤/ ٣٤٦).

(٤٢) انظر المرجعين السابقين.

(٤٣) سبق تخريجه، انظر (الهامش ١٧).

(٤٤) انظر: «المهذَّب» للشيرازي (١/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨)، «نهاية المحتاج» للرملي (٣/ ٤٢٨).

(٤٥) «مسند أحمد» (١٦٢٤٤) وصحَّح إسنادَه المحقِّق.

(٤٦) انظر: «المهذَّب» للشيرازي (١/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨).

(٤٧) انظر: «المغني» لابن قدامة (٤/ ٦).

(٤٨) «سنن الدارقطني» (٢٨٣٤)، قال ابن حجر في «الدراية» (٢/ ١٥٦): «رواه الدارقطني من مرسل ابن المسيِّب، وهو في «الموطَّإ» من قول سعيد بن المسيِّب، وهو أشبه».

(٤٩) المرجع الفقهي السابق.

(٥٠) انظر: «شرح مسلم» للنووي (٦/ ٢٢)، «المحلَّى» لابن حزم (٨/ ٤٨١).

(٥١) انظر: «المستصفى» للغزَّالي (٢/ ٥١)، «إحكام الأحكام» للآمدي (٢/ ٩٣)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (١٣١).

(٥٢) انظر: «سنن البيهقي» (٥/ ٢٨٥).

(٥٣) انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٤٤)، «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٧).

(٥٤) «صحيح البخاري» (٢٠٨٠).

(٥٥) «صحيح مسلم» (١٥٩٥).

(٥٦) انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٨/ ٧٥)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤١٩)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٥٩).

(٥٧) «سنن الترمذي» (٥/ ٢٤٧).
فائدة: الإمام الترمذي حين يقول في حديثٍ ما «حديثٌ حسنٌ» فإنه يقصد بأنه حسنٌ لغيره لا لذاته. [انظر: «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (٥/ ٥٣٩)].

(٥٨) انظر: «الجرح والتعديل» للرازي (٣/ ١٥٤ ـ ١٥٦)، «ميزان الاعتدال» للذهبي (٢/ ٤٦٠).

(٥٩) القِلَاص أو القلائص وهي النوق الشابَّة. [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٤/ ١٠٠)، «لسان العرب» (٣/ ١٥٠)].

(٦٠) «سنن أبي داود» (٣٣٥٧)، قال الخطَّابي: «وفي إسناده مقالٌ» [«معالم السنن بهامش سنن أبي داود» (٣/ ٦٥٣)]، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢/ ٥٧٥٦)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (٥/ ٢٨٧ ـ ٢٨٨)، وصحَّحه من طريق عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه، وأشار إليه الحافظ في «الفتح» (٤/ ٣٤٧).

(٦١) الرَّبَذَةُ: مدينةٌ بالجزيرة العربية تقع على ٢٠٠ كلم شرقيَّ المدينة النبوية، وتُجمع المصادر أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان أوَّلَ من جعل الرَّبَذَةَ حمى إبل الصدقة وخيل المسلمين، كما أنَّ اسم الرَّبَذَة ارتبط بالصحابيِّ الجليل أبي ذرٍّ الغفاريِّ رضي الله عنه، ثمَّ زاد من مكانتها أنها أصبحت محطَّةً رئيسةً على طريق الحجِّ الكوفيِّ لقربها من ذات عرقٍ.
انظر: «معجم البلدان» لياقوت (٣/ ٢٤)، «الروض المعطار» للحميري (٢٦٦)، «مراصد الاطِّلاع» للبغدادي (٢/ ٦٠١)، «معجم ما استعجم» للبكري (٢/ ٦٣٣).

(٦٢) أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقًا بصيغة الجزم (٤/ ٤١٩)، ووصله مالكٌ في «الموطَّإ» (٢/ ١٤٨ ـ ١٤٩)، والشافعيُّ في «مسنده» (١٤١)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط.

(٦٣) «معالم السنن» للخطَّابي (٣/ ٦٥٣).

(٦٤) الفلوس: هي عملةٌ مضروبةٌ يُتعامل بها غير الذهب والفضَّة تُقَدَّر بسُدُس درهمٍ، وعليه فإنها تحتوي على ثمنيةٍ وإن لم تكن ذهبًا ولا فضَّةً [انظر: «المعجم الوسيط» (٢/ ٧٠٠)].

(٦٥) انظر: «محاضراتٌ في الفقه المقارن» للبوطي (٥٢).

(٦٦) قال الألباني ـ رحمه الله ـ في «إرواء الغليل» (٥/ ١٩٣): «ضعيفٌ مرفوعًا».

(٦٧) «سنن الدارقطني» (٣/ ١٤) عند الحديث (٢٨٣٤).

(٦٨) «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٣٧).

(٦٩) العلَّة القاصرة: هي تلك التي لم تتعدَّ الأصلَ إلى الفرع، ويعبِّر عنها بعض الأصوليِّين بالعلَّة الواقفة، ومحلُّ الخلاف في جواز التعليل بها إذا كانت مستنبطةً، أمَّا الثابتة بنصٍّ أو إجماعٍ فقد أطبق العلماء على جواز التعليل بها، إلَّا ما نقله القاضي عبد الوهَّاب عن قومٍ أنه لا يصحُّ التعليل بها، وتعقَّبه صاحب «الإبهاج» بقوله: «ولم أرَ هذا القول في شيءٍ ممَّا وقفتُ عليه في كتب الأصول سوى هذا».
انظر: «الإحكام» للآمدي (٣/ ٢٩)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (٤٠٩)، «الإبهاج» للسبكي وابنه (٣/ ١٤٣)، ونقله عنه الزركشي في «البحر» (٥/ ١٢٠).

(٧٠) أمَّا حكم الفرع فمضافٌ إلى العلَّة باتِّفاقٍ. [انظر: «سلاسل الذهب» للزركشي (٣٧٧)].

(٧١) انظر: «المستصفى» للغزَّالي (٢/ ٣٤٥ ـ ٣٤٦)، «الإحكام» للآمدي (٣/ ٢٩)، «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ٣١٥)، «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني (٤٧).

(٧٢) يترتَّب على هذا الخلاف أنَّ الحكم في محلِّ النصِّ إن ثبت بالعلَّة فإنه يصحُّ جعلُ القاصر علَّةً لإضافة الحكم إليها، وهو مذهب الشافعية، بخلاف ما لو ثبت بالنصِّ فلا فائدة لها ولا يصحُّ ـ بالتالي ـ التعليلُ بها، لأنَّ النصَّ أقوى لكونه مقطوعًا به، وهو مذهب الأحناف [انظر: «سلاسل الذهب» للزركشي (٣٧٧)].
هذا ما لو اعتُبر الحكم الثابت بالعلَّة أنها معرِّفةٌ لحكم الأصل ومثبتةٌ له، وظاهر الأمر ليس كذلك، لأنَّ مراد الشافعية أنَّ العلَّة باعثةٌ على الحكم أي: من أجلها أثبت الشارع الحكمَ في الأصل، والأحناف مقرُّون بذلك، وإنما إنكارهم واردٌ في العلَّة المعرِّفة للحكم في الأصل والمثبتة له، والشافعية منكرون لهذا، فتبيَّن أنَّ الخلاف في العبارة دون المعنى.
انظر: «الإحكام» للآمدي (٣/ ٣٥٨)، «تيسير التحرير» لبادشاه (٥/ ٢٩٥).

(٧٣) انظر: «فواتح الرحموت» للأنصاري (٢/ ٣٠٢)، «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ٢٦٧)، «التخريج» للزنجاني (٤٨)، «المستصفى» للغزَّالي (٤/ ٣٤٦).

(٧٤) انظر: «التخريج» للزنجاني (١٥٢)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (١/ ٣١٧).

(٧٥) والفرق بين العلَّة ومحلِّ العلَّة هو أنَّ العلَّة هي وصفٌ في الأصل بُني عليه حكمه، ويُعرف به وجود هذا الحكم في الفرع، أمَّا محلُّ العلَّة فهو ما له تأثيرٌ في نفس العلَّة ويظهر أثرها فيه كالإحصان في الزنا، فإنَّ العلَّة الموجِبة للرجم هي الزنا بذاته، غيرَ أنه يحتاج إلى محلٍّ عند اقتضاء الرجم وهو الإحصان، وهذا الأخير ليس أحد وصفَيْ علَّة الرجم لكونه عبارةً عن خصالٍ محمودةٍ ومناقبَ، والكمالُ لا يناسب العقوبة.

(٧٦) انظر المراجع السابقة؛ «أصول الفقه» للخضري (٣٢٠)، «أصول الفقه» للشلبي (٢٤٧).

(٧٧) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ١٧٤)، «التخريج» للزنجاني (١٥٣).

(٧٨) انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٢/ ١٥٦).


موقع الشيخ فركوس حفظه الله


©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©