عنوان الموضوع : مشكلة السيد ضوء... ثقف نفسك
كاتب الموضوع : kouka
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

عُني عالم الطبيعة (إسحاق نيوتن) سنين عديدة بظاهرة السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الثقالة الأرضية, إنها ظاهرة بسيطة ومعقدة في آن واحد.

كيف تتخذ الأجسام في سقوطها الحر طريقاً يتجه إلى مركز الأرض كيفما قذفت, وأينما كانت؟ هل هناك رسالة يتلقاها الجسم ليهوي في اتجاه المركز, و ما هي هذه الرسالة, بل ما هو الوسط الذي تنتقل خلاله؟ هذا ما لم يستطع نيوتن الإجابة عليه.

مضت بعد ذلك ثلاثمائة سنة حتى جاء (ألبرت اينشتاين) ليتعامل مع هذا اللغز البسيط المحيِّر ثانية. لقد بينت التجارب أن الهواء ليس الوسط الناقل للجاذبية, فالأجسام بسقوطها الحر, تخضع للقوانين نفسها سواء على الأرض, أو القمر, أو في الفضاء الخارجي.

يبدو أن أجزاء الكون تتماسك مع بعضها تماسكاً تاماً لا صدع فيه عبر قوى هائلة غير مرئية نسميها قوى الجاذبية و بذلك يبدو الكون كصرح عظيم أحكم بنيانه و ارتص ببعضه بالرغم من أن أجزاءه تخضع لحركات منتظمة محسوبة بدقة، بل لعلنا استوحينا دقة الحساب من حركة الشمس و القمر و غيرهما من أجرام السماء.

لقد رأى (آينشتاين) كما يرى العلم الحديث الكون منظومة واحدة متحركة ومتماسكة في الوقت نفسه: الكواكب السيارة تدور حول الشمس, والشمس تجري حول محور مجرتنا (درب التبانة) متمة دورتها كل (200) مليون سنة, و المجرة بملايين نجومها تسبح أيضاً في الفضاء مبتعدة عن باقي المجرات, كل ذلك بانتظام رائع, يخضع لقانون الجاذبية التي لا نراها, والتي بقيت لغزاً محيراً حتى يومنا هذا.

الفضاء الخارجي بين الأجرام السماوية كما نعلم اليوم يكاد يكون خلاء مطلقاً, فهو لا يحوي أكثر من ذرة هيدروجين في كل (16) سنتيمتر مكعب منه تقريباً, فكيف يمكن للجاذبية أن تنتقل في فراغ يكاد يكون مطلقاً؟

إن الإجابة على هذا السؤال تعني الكثير من الناحية العلمية, وقد يتوقف مستقبل الإنسان في الكون عليها، إن الارتحال في أعماق الكون سيعتمد أساساً على دراسة طبيعة الفضاء, والتعامل معها حتى يتسنى لإنسان المستقبل أن يجتاز مسافات الكون السحيقة في زمن معقول نسيباً.

لقد أصبح بوسع المدنية المعاصرة صنع مركبات الفضاء متطورة دون أن يُشغل المهندسون أنفسهم بالإجابة على لغز الجاذبية المحيِّر, لكن أكثر هذه المركبات تطوراً لن تبلغ أقرب نجم إلى الشمس إلا بعد ملايين السنين, والأهم من ذلك أن مركبة الفضاء مهما طُوّرت, ومهما ابتدعنا من وسائل حديثة للسفر الكوني, فإن سقف السرعة الطبيعي الذي لا يمكن لأي جسم مادي أن يتجاوزه – وفق ما جاء به آينشتاين- هو سرعة الضوء, التي تبلغ (300) ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

لقد قلب (آينشتاين) بنظريته النسبية الخاصة, كل المفاهيم التي كانت سائدة في وصف الكون قبله, ولعل أغرب ما جاءت به هذه النظرية التي نشرت عام (1905) هو تمدد الزمن. لقد دحضت نسبية آينشتاين نتائج أبحاث نيوتن في أن الزمن يجري بمعدل ثابت في كل بقاع الكون, وبينت أن الزمن يتباطأ بالنسبة للأجسام التي تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء, في الوقت الذي تتقلص فيه أبعاد هذه الأجسام في اتجاه حركتها, وعندما يبلغ الجسم أو المنظومة سرعة الضوء, يتوقف الزمن بالنسبة لها, وتنكمش أبعادها لتصبح صفراً, إلا أن الوصول إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء, يتطلب بذل طاقة عظيمة لا حد لها. هذا ليس وهماً أو حالة نفسية شاذة, بل وقائع يمكن التحقق منها بالقياس، إن سفينة الفضاء التي تنطلق بسرعة تبلغ 99% من سرعة الضوء تتباطأ عقارب ساعاتها الزمنية سبع مرات نسبة إلى الزمن الذي يجري على الأرض, أما طولها فيتقلص سبع مرات عن طولها الحقيقي بالنسبة لمن يراقبها من الأرض أيضاً. تبذل محركات السفينة سبعة أضعاف طاقتها الاعتيادية في هذه الحالة لدفع السفينة إلى الأمام.

لو قيض لركاب مثل هذه السفينة مراقبة الأحداث على الأرض, لوجدوا أن كل الأحداث قد تباطأت سبع مرات. يمكن تفسير ذلك بأن عمر ركاب السفينة قد امتد سبعة أضعاف عمرهم الحقيقي.

إذا سُرِّعت السفينة أكثر ولنقل لتبلغ سرعتها 99.9999% من سرعة الضوء, فإن الحوادث ستبدو للمراقب من السفينة وقد تباطأت ملايين المرات. أما إذا بلغت المركبة سرعة الضوء (بفرض أن هذا ممكن), فإن الزمن سيتوقف بالنسبة لراكبي السفينة, وبكلمات أخرى, فإن رحلتهم إلى أية بقعة من بقاع الكون ستكون آنية (بالنسبة لهم طبعاً).

ماذا لو اقترضنا أن سفينة الفضاء هذه قد تجاوزت بطريقة ما سرعة الضوء؟

في هذه الحالة (الافتراضية) سيأخذ الزمن بالتراجع, أي أن الحوادث التي تجري على الأرض في اتجاه المستقبل, ستأخذ لها طريقاً في التاريخ بالنسبة للمسافرين, وهذا ضرب من ضروب المستحيل لأنه يخالف جميع أصول المنطق التقليدية, ومبادئ العلية /السببية التي تجري الحوادث وفقها في عالمنا المادي المحسوس, إنه يوقعنا في تناقضات جوهرية كما تحكي القصة الخيالية التالية:
يُحكى أن سيداً اسمه ضوء
قد سافر يوماً بسرعة أكبر من سرعة الضوء
سافر وفي ذهنه نتائج النظرية النسبية
فعاد في الليلة السابقة ليوم السفر
مخترقاً في ذلك مبدأ العليّة
وعندما عاد
وجد نفسه, والتي ربما لا تكون نفسه, تستعد للسفر
فأبرم موعداً معها, وعقد العزم على أن يعيد النظر
وعندما عاد ثانية في الليلة السابقة لموعد السفر
وجد نفسه وقد أصبحت نُفُوساً كُثُرْ
فلم يكن أمامه إلا أن يصاب بالذّعرْ

لقد اختُرق مبدأ العليّة في جميع هذه المغامرات الخيالية, عندما افترضنا أن الرحلة قامت بسرعة أكبر من سرعة الضوء. فالمبدأ يقضي بأن يقع السبب قبل النتيجة, و إلا أمكننا افتراض وجود عددٍ لا متناه من العوالم المختلفة تجري أحداثها معاً, كما لو أنها أخيلة تنعكس آنياً على عدد لا ينتهي من المرايا, وهذا ما حدث للسيد (ضوء) في الحكاية السابقة

المهندس محمد طارق زينة



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©