عنوان الموضوع : مقامات النموشي ** من العربية
كاتب الموضوع : khouloud
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

المقــامــة الموسويــة

حدثنا عباس النموشي قال : تجاذبت أطراف الكلام ، مع أحد الزملاء الكرام ، عن الأدب و محاسنه ، و الشعر و مفاتنه ، و النثر و معادنه ، و المقام و مصانعه ، و قد أجزل لي في التوضيح ، و التعليل و التشريح ، و جاء على ذكر نوابغ عصرنا في رجال شمائلهم تصرنا ، فشرع يعدد أسمائهم ، ويطنب في قص أنبائهم و أخبارهم و أشياعهم ، و مللهم و نحلهم ، و حلهم و ترحالهم ، حتى وصل به القول ، إلى رجل يشهد له بالصول ، في هذا الميدان ، و قد أفحم به كل الخلان يكنى بأبي عبد الرحمان الموسوي ، و راح يشكر حديثه ، و طريقة تدبيره ، و طيب سريرته ، و حسن خلقه ، و نقاوة طبعه ، و صفاء قلبه ، و حسبه و نسبه كما أردف أيضا أن المولى أعطاه بسطة في الجسم ، و سرعة الحسم ، في أمور شتى ، من دون لعل أو حتى ، و سمّى لي كل كتبه ، و رسالاته و نظمه ، و مقالاته و قصائده ، التي ملأت الدنيا شهرة ، كما أن له من كل بستان زهرة ، ضالعا في علوم كثيرة ، و ليست عليه بعسيرة ، نابغة في أمور الدين ، و لديه الخبر اليقين في أخبار الأمم البائدة ، التي كانت على الأرض سائدة ، و في علم التاريخ ، و علم الطالع و التنجيم في الأرض و في المريخ ، و الجداول و الأوفاق ، والأبراج و تطلع الآفاق ، و الفلك و ما حوى ، و الجان و ما وعى ، عارفا بالأعشاب و فوائدها و السموم و عوائدها ، كما أنه متمرس في الرياضة ، و الرشح و الفياضة ، وله معرفة كبيرة بعلميْ الجغرافيا و السيمياء ، و علم الحيل و الخيمياء ، و الطب و الأنثروبولوجيا ، و اللغات و الجيولوجيا ، و هلم جر ، في البر والبحر و حتى الجو . فو الله قد شوقني إلى رؤيته ، و الانتفاع من عمله ، فسألته عن موطنه و مسكنه و مضربه ، حتى دلني عليه ، و قالي لي : إن كنت من أهل الفراسة سوف تعرفه ، و تجده و تعقله ، و بتّ ليلي أفكر كيف السبيل للوصول إليه و الوقوف بين يديه ، و مع بزوغ الفجر ، نهضت طالبا للأجر ، و بقيت أسبح حتى طلوع الشمس ، متذكرا يوم الأمس ، و قد عزمت أمري السفر إلى أرض النمامشة الأحرار ، من بطن الجلامدة الأبرار ، في عرش بني موسى الأخيار ، و على الله توكلت ، فلما وصلت ، سرت من حي إلى حي و أنا أسأل ، و من شارع إلى شارع تجدني لرؤيته آمل ، ما تركت رجلا و لا صبيا ، و لا عجوزا و لا بنيا . و في طريقي بأحد الأزقة الواسعة ، و المناهج الشاسعة ، وجدت رجلا تظهر عليه علامات الوقار ، يلتحف عمامة ذات غمار ، و يلبس جلابية بيضاء لها أزرار جالسا أمام محل للبقالة و الخضار ، و في يده كتاب ، يقرأ في خشوع وإيهاب و كان مربوع القامة ، مرفوع الهامة ، قوي البنية مفتول العضلات ، على وجهه اثر السجود من الصلوات ، أحمر الوجه ، يأخذ مني الشبه ، كث شعر اللحية كبير الرأس ، تبدو عليه القوة و البأس ، فبادرت بالسلام ، و رد علي بأفضل كلام فكلمته بالسؤال عن مقصدي ، و مجيئي و موردي ، فقال لي :
مـا بـالك فـي الســؤل تتـــردد ****** أ بــك شــــك أخـــــي أم ريـــب
كأنــي بك و الله مــن جلــدتي ****** و هــل فـــي هــذا يوجــد عجب
صلة دم تســري فــي عروقك ****** أنـــت منّــا بـــل و نحــن أقـرب
إسأل ما شئت و لا تخجل منـا ****** فعنــدنــا تجــــد الـــود و الأدب
لعلك تلقــى فينــــا مـــا تبغــي ****** و لا فخــر في هذا فنحن الأرب
عندها راودني الشك في من أكلم ، و تبادر إلى ذهني كلمٌ ، أنّ الذي أمامي هو مرادي ، و وجهتي و ملاذي :
فقلت :
أ يا واقــف ببـاب الدكان ****** سأحكي أمري و ما كان
قد انهي إلى علمي شان ****** عــن رجل علامـــة أبان
له من كـل روضـة بيان ****** في العلم و الحجة برهان
وصفـه لي أحــد الخلان ****** و هو يشــار إليـه بالبنان
وددت له أنـي معه الآن ****** لأنهـل من علمـه بالتبيان
فقال :
لا يعرف المرء السمح إلا ****** بـأدب أو بعلــم جــام كثير
و دين و خلـق كذلك أخــي ****** و صبر علـى ما هو عسير
ذي خصـال لو فيك توفرت ****** فــاقنع و لـو بالنزر اليسير
و لا يغرنـك في الدنيـا أبدا ****** بريقها و لا حكم كل الوزير
إن هي إلا محطـة للمـــارة ****** أو كظل شجرة تحتها تسير
فقلت :
قد حصحص الجـِد يا أخي ****** و قــد عرفنا أنك المقصد
فأنت و الله للعيــان ظـاهر ****** يعــرف الحمل من المربد
أيامــا و نحــن لك نترقب ****** أو كمن هـو للهلال يرصد
إن كنت بـواد نزلنــا إليك ****** و إن كنت بطود لك نصعد
مرحــى برجل إليـه أتوق ****** و بشـرى لي بعلـم لا ينفد
و رحت أسأل و هو يجيب ، و أزيد و هو يزيد ، و أتوقف و هو يريد ، و غـُصت معه في شتى العلوم ، و خبر الأولين و متى ، و من أين بدأ و من أين أتى ، فوجدته و الله كالقاموس المحيط ، في بصيرة الشيخ البوني أو شيخ مجريط ، فخلت حالي مع الخضر ، يوم التقاه النبي موسى في مجمع البحر . فقلت : يا سيدي و مولاي لما لا تستثمر علمك في الرزق ، وإني أراك تقف في هذا الحانوت الضيق ، الذي لا أمل من جناءه ، و رجاءا من وراءه ، فقال : أي بني ، إني رجل طلقت الدنيا و الفيء ، ولم يعد يهمني لا الحسن و لا السيء ، فأنا راض عن معيشتي ، و هذه هي طريقتي ، و قد وهبت حالي للعلم ، و صرت كجسد لا يضره الألم ، حامدا للمولى و جل ، و مكتفيا بما قل و ذل ، فقلت له : أأتبعك على أن تنفعني بما أتاك الله ، لعلي أنال بما أذكر المجد و الجاه ، فقال لي : و هل تستطيع معي صبرا ؟ فقلت : بالله عليك لا تعد معي قصة موسى و الخضر ، فقهقه عاليا و قال إذن أنت تصبر ، و على تجاربي تقدر ؟ سوف أجربك بتجربة ، في شكل مسألة مجربة ، هل لك أن تفصل بين جسدك و روحك ، فإن أنت أجبتني عن مسألتي ، فقد جازتك صحبتي ، و لك أن تبيت في داري مع أهلي و عيالي ، فأنت على كل حال ضيفي ، ولن أتركك تذهب من بيتي ، فما و جدت و الله إلا كريما ، و بأهله رحبا رحيما ، يلاعب ولده عبد الرحمان و يكثر من قراءة القرآن ، و لما تعشيت و لفرائضي أديت ، و ضعت رأسي على الوسادة و ما نمت ، لأن المسألة شغلت بالي ، و أرهقت حالي ، و رحت أضرب الأخماس في الأسداس ، كيف لإنسان أن يتجرد من الإحساس ، و يفصل الروح عن الجسد و الرأس ، لكنني و عند الثلث الثاني من الليل ، إنتابتني عديد الأفكار و الحيل ، و رحت أبحث في قوانين الديانات السماوية ، و حتى الطاوية و البوذية و الهندوسية و المجوسية ، و عن رياضة اليوغا العجيبة ، و الماهيانا و الساريانا الغريبة ، و عند مراجعة طريقة الصوفية ، و كتب ابن عربي الغنية ، و كذا مقالات السهروردي الفتية ، و رسالات التوحيدي الجدية ، عرفت أن الأمر يتعلق بالزهد حين يسمو الإنسان بالروح على حساب الجسد ، و حمدت المولى بعد كل هذا الجهد إذ وصلت إلى الحل ، و نمت حتى بزوغ الفجر الأول ، و بعد الصلاة ، أجبته عن المسألة و ما فيها من هفوات ، فقال لي : أصبت يا عرّيف ، فمن اليوم أنا لك كالحريف ، إن أردت مجالستي فلك ذلك ، في كل وقت يحلو لك ، فخرجت من داره باكرا ، ولله حامدا شاكرا ، على تيسيره لي معرفة أحد أحبائه ، و رجاله ذوي العهد و أوليائه ، لكنه بادرني بكلام ، بقي عندي مبهما أياما و أيام ، بأن يمكنك أن تراني في مواضع عديدة ، و أماكن عتيقة و جديدة ، و لا تعجب لأمري ، من كثرة ضربي في الأرض و عملي ، فتمنيت أن لا ألقاه إلا في ساعة الخير ، من غير كدر و لا ضير .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شمائلهم : صفاتهم الحميدة .
ضالعا : ملمّا .
السيمياء : الفيزياء .
الخيمياء : الكيمياء .
الأنثروبولوجيا : علم دراسة الحضارات القديمة .
النمامشة : من أكبر قبائل الأمازيغ في العالم .
الجلامدة : فرقة من قبيلة النمامشة .
حصحص : ظهر و بان .
طود : جبل كبير .
الشيخ البوني : عالم جزائري مشهور من مدينة بونة ( عنابة الحالية ) من أهم مؤلفاته كتاب شمس المعارف الكبرى .
شيخ مجريط : من علماء الأندلس قديما ، من أهم مؤلفاته كتاب غاية الحكيم .
الطاوية : الديانة السائدة في الصين .
الماهيانا و الساريانا : طريقتان روحيتان معروفتان لدى كهنة الطاوية و البوذية .
السهروردي : من أقطاب الصوفية .
عرّيف : كثير العلم و المعرفة .




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©