عنوان الموضوع : محاولة لكتابة مقال.
كاتب الموضوع : hamida
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

أنهيت اليوم امتحاناتي،انتهت معها كآبة و مرارة ..تلاشى معها الهم و القلق،و كأنني كنت في سجن ..و كأنني كنت جنديا مرغما على خوض حرب يحرر بها بلد أعدائه.
لم أجد شماعة أعلق عليها سبب تهربي من الدراسة إلا أنني لا أحب هذا التخصص،لم أكن أعطي الوقت الكافي لنفسي من أجل إيجاد السبب الحقيقي الذي يجعل روحي تنفر مني كلما اقتربت من دروسي..لطالما ادّعيت أنني أجيد فهم نفسي و محاورتها،أنني أعرف أين و من أكون،أدرك من أين أتيت و إلى أين سيستقر بي المقام..بل و كنت أجاوز ذلك لأوهم الآخرين أنني أعرفهم و أستطيع قراءة أفكارهم فقط من نظراتهم...كم كنت مدّعية و كم تائهة هي أفكاري عن الواقع.
أدركت الآن وبعد فوات قطار الحقيقة و نفاد تذاكر الرحلة الملحقة،أدركت الآن و كان جدير بي ألا أفعل و ألا أسمح لأفكاري أن تشتغل بعد أن نامت طوال هاته الأوقات، أدركت و علمت الحقيقة التي كتبتها يوما على ورقة أغفلت نظري عنها لبضع لحظات فاختطفها النسيم و أغراها لكي تذهب معه بعيدا عني لأني سأسجنها بين دفاتري حتى لا ترى النور إلا بعد موتي..حين يتقاسمون تركتي..
وكم أنا غبية لأعتقد أن لي ما يطمع فيه الآخرون أو يكلفوا أنفسهم عناء التفكير فيه و الاجتماع لتقاسمه،مفلسة أنا على كل الأصعدة..فقد راهنت بعزّتي على نجاح لم أكلف نفسي يوما أن أتعب لتحقيقه،راهنت بأخلاقي على تحد لم أتحمل عناء الوصول إليه..ثم غرني ما تبقى لديّ من رأس مال فدخلت بيت القمار و أودعته جيوب الكسل و سراديب التقاعس ،و الغريب أنني لم أعترف يوما أنني غبية أو كسولة.
اتصل أبي متسائلا عن حال ابنته التي لم تعد للبيت منذ مدة طويلة ،لم لا تأتين ؟كيف تصبرين؟أحقا لا تشتاقين أم أنك على نفسكي تتحاملين و تطلبين العلم لنيل المعالي و لأجل ذلك قلبكي تدوسين؟..لدي امتحان أبي..الأساتذة مضربون،لا أستطيع المجيء..ففي أي لحظة عن إضرابهم قد يتراجعون،وإلى الامتحان الطلبة يستدعون،وأنت تعرف بعد المسافة عني فكيف سأتصرف لو حدث كل ذلك؟ لا بأس ابنتي..سآتي إليك،أبدا ..لا تتعب نفسك..أنا بخير و أجيد الاعتناء بنفسي.
كلمات أيقظتني من سبات عميق..دفعت الضباب الذي اكتنف أفكاري و مهازلي عند باب المدرسة،كان الناس يدخلون بتواضع و لا يلبثون يخرجون أيضا بتواضع،لكن بأكتاف مثقلة بحمل خفيف من علم و أدب و ثقافة،و كنت كالنصب التذكاري أثرثر على الجميع،فاعتقدني الداخلون عالمة أو أديبة وقفت لاستقبالهم،لذلك كانوا يمرون عليّ علّهم يجدون نصحا و توجيها..،كما أن الخارجين كانوا قد تجاوزوا المستوى الذي يجعلهم يسخرون مني،قد اكتفوا بالاعتقاد أنني مجنونة في سبيل العلم و جعلتهم الشفقة يقفون لحظات أخرى لاستماع ثرثرتي،كانوا يرددون *الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك و فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا*
و بين هذا و ذاك كنت أحسبهم يحسدونني على الذي أنا فيه من و من ومن...،بل أني لم أنتبه أصلا لكوني لم أدخل المدرسة يوما في حياتي..أنني اكتفيت أن أكون أحد معالم الخرافة الراسخة على ذهن النسيان..
انتهى ذلك الذي لا يمكنني تمييزه أحلما كان أم كابوسا،انتهى بكلمات أبي الذي لطالما كان رمز القوة و الصبر و الجلد..يريد أن يأتي إلي؟هل اشتاق إلي؟لماذا لا أشتاق أنا إذا؟
لم أسمح لنفسي أن تشتاق..لم أسمح لها أن تخبرني عن حقيقة آلامها،لم تصارحني عن سبب توجعها كل ليلة و أمام كل درس جديد..كانت مشتاقة و تعرف أنني لا أسمح لها بأن تشتاق، بأنني أمنعها أن تنحني لعواطف المرأة و مطالب القلب،بأنني أحرّم المشاعر العذبة و أصفها بالضعف..لم تكن صريحة معي،و لم أهتم لأمرها أو أتحرى سبب حزنها..فضيعتها و ضيعتني،و اكتشفت اليوم أن سبب الفتور عن الدراسة و الركون للأحلام و الأماني كان بسبب حرماني من حنانهم،ليس لي غير أهلي فلماذا أحرم نفسي منهم و هم موجودون؟كيف سأفعل لو حدث أمر ما و لم أعد أملك عائلة؟غبية..غبية..حقا قد كنت غبية.


22 جوان 2015



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©