عنوان الموضوع : المقامة المخزنيّة من العربية
كاتب الموضوع : admin
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

* المقامة المخزنيّة. بقلم: البشير بوكثير / رأس الوادي. حدّثنا هبنّقة الأحمق ،في وليمة أقامها الشّمقمق قال:" بعدما غادرتُ الأغواط ، وحللتُ بالرّباط ، مدينةِ العلم والتّصوّف والرّباط، وجدتُ حاشيةَ البلاط، يفترشون الدّمقس الوثير ، ويلتحفون الحرير ويتزيّنون بالحليّ والأقراط ،ويتوسّطون مائدة عليها سِماط، فسألتُ صديقي"أبا قِراط" عن هؤلاء الأرهاط ، فأخبرني أنّ اليومَ عيدُ العرش الذي تتقطّع دونه النّياط ، ويجتمع فيه كلّ منافقٍ و خلاّط، مُدمنٍ للرّكوع والخنوع لعبدٍ ضرّاط، حاد عن النّهج والسّراط .
بعدها يا ناس، توجّهتُ إلى مكناس، مدينة الذّهب والماس، فوجدتُ بعض الأنجاس، قد حوّلوها قبلةً للدّخلاء من شتّى الأجناس، ولاعجب يا أخي عبّاس ، فالخيانة تسري في العروق ومع الأنفاس، ولنا في مشكاة النبوّة الحكمة والنّبراس : "فإنّ العرق دسّاس" .
وبعد عودتنا إلى الرّباط، قام الشمقمق خطيبا في همّة ونشاط ، وكأنّه بالفسطاط، دون علمٍ من حاشية البلاط:" بئس القوم أنتم يا مُعتلفي الرّوازن، لقد نهب القومُ المخازن ، وزجّوا بالأحرار الأطهار في الزّنازن، وكفروا بأرومة قحطان وهوازن".
ليت شعري ... لقد زرعوا الحشيش والخشخاش،في كلّ المداشر والأحراش، وجعلوا الأشراف مع الأوباش، وقرّبوا من مجلسهم كلّ سارق حشّاش. إيه لو يعود زمن الموسطاش ...!
هم من أوهموا الرّعيّة بأنّهم سلالة ُ الفاتحين، وأصهارُ الغرّ المحجّلين ، والأمناءُ على العرش العلوي الحصين، فخدعوهم بلقب أمير المؤمنين، وفعلوا باسم الدّين ، مالم تفعله الشّياطين...
هم من نهبوا الثّروة ورهنوا الطّين، وباعوا فلسطين، وادّعوا زورا أنّهم سدنتُها في كلّ حين،وجعلوا القرآن عضين، و أعلنوا الحرب على المسلمين الصّحراويين، وهاهي السّاقية الحمراء ووادي الذهب تنزف بالحيف والأنين . بينما فتحوا مَهلكتهم –عفوا مملكتهم- للغزاة الإسبان المعتدين، وتلك قواعدهم وشواهدهم ناطقة بالحجّة واليقين.
لقد خنعوا خنوع المستكين، وتنكّروا لتاريخ أجدادهم الفاتحين ، وطمسوا من ذاكرتهم معارك بدرٍ وحطّين، ولبسوا عباءة الذّلّ و"الطْحين"،وداستهم حوافر الإسبان فجعلتهم مثل الطّحين.

لقد صاحَبوا الإسبان، وباعوا "سبتة " و"مليلية" بأبخس الأثمان، وداسوا على حقوق الإنسان ، في صحراء النّشامى الشّجعان.لقد استأسد الحَمل ، واستنوق الجمل، وبان رأس الثّعبان، ينفث سُّمّه ويتحرّش حتىّ بالجيران.لكن هيهات وشتّان...
وهنا تأوّه هبنّقة ،بعد لوعة وحرقة ، ممّا سمع عن هذه الخِرقة وقال: مارأيت في حياتي منظرا هزّ كياني، وأخرس لساني ، مثل مشهد مريع ، في هذا الرّبيع : رأيتُ القوم ساجدين كأنهم صرعى، بل هم مثل الأغنام ترعى ، رأيتُ طفلا غرّا لم يبلغ عشر سنين ، يقود أشباه آدميين، يقبلون اليد ويتمسّحون بخفيّ –حذاء-حُنين ....
رأيتُ أكابر القوم يلعقون الحذاء، ويتمسّحون بالرّداء، ويُقبّلون اليد الحمراء ، ويقدّسون العقول الخرقاء،ويركعون لبشرٍ هو والصّنم سواء ، فموتهم خير لهم من البقاء ، في زمن الجاهلية الجهلاء.
فكيف لنصف غلام ، تنحني له الرّؤوس والهام ، وتُضرَب له الأنصاب والأزلام، فهل هؤلاء حقّا أولو الحجى والأفهام؟ بل هم أضلّ من الأنعام .
لقد عادوا إلى الجاهليّة ، وتقلّبوا -كما قال جدّي الإبراهيمي- " في أرحام حنظليّة، وأصلاب باهليّة".
هم من أعطوا العهود لليهود، وتنكّروا لشِرعة محمّد وموسى وهود، وهاهي أفعالهم عليهم شهود.
ماللشّعب المغربي العتيد ، يرضى بالذلّ المبيد، ويهنأ بعيشة العبيد ؟
لقد طفتُ جميع البلدان، فما رأيتُ في هذا الزّمان مثل هذا الهوان، الذي أزرى بالإنسان ، فجعله عبدا لعدوّه الإنسان .
من يهن يسهل الهوان عليه * مالجرح بميت إيلام.
بعدها غادرتُ الرّباط، ويمّمتُ شطر الفسطاط وأنا مغتاظ حزين ، ممّا رأيتُ في مملكة أمير المؤمنين، فاستعذتُ بالله تعالى من كلّ شيطان إنسيّ لعين، استعبد شعبه المسكين ، واغتصب أرض المسلمين ، وكتَم أنفاس المعارضين ، بل أذاب أجسادهم في حمض "الأسيد" و بخار "الهيروين"، وسلْ عن "أولفقير" و"ابن بركة" يأتيك الخبر اليقين.
بعدها تنحنح الشّمقمق في المجلس ، وشقَّ جيبه كالثكلى أوكالمفلس وقال: إنّ مغرب الشّعوب المأمول ، لن يحقّقه شعبٌ مشلول، يؤمن بالغولة والغول ، في زمن البرابول .
لكنّ دوام الحال من المحال، وهاهي إرهاصات الصّيحة والزّلزال، تنذر بدكّ عروش الأنذال .




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©