عنوان الموضوع : ماكدونالد والاصمعي ادب عربي
كاتب الموضوع : kamiliya
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

السلام عليكم.
اعتدنا ان نختار اطايب الاشعار ....لكن اليوم انتقلت العدوى الى الفن النثري .....
المقال الذي احضرته اليوم ....يعد من اروع ما قرأت .



للامانة ...المقال من منتديات الساخر...للكاتب -الى آخره -
.....
....................
.............................

"صوت صفير البلبل ، هيّج قلبي الثملِ "
ركب الأصمعي يوما ناقته ، وجر إزاره ، وأقفل هاتفه النقال ، ليبتعد عن كل مشغل لاه ..
وعزم على أن يدور المدينة من أولها إلى أطرف أطرافها ، ليستقصي خبرا ، وينشد أثرا ، ويلمح عبرا ..
وانطلقت الناقة مسرعة صوب طريق المدينة الطويل ، لا تأبه بالمسارات والأزقة ..ولا لوحات التنبيه ..ولا خطوط الطريق المتعرج ..بيضاءها وصفراءها
والأصمعي فوق ذلك ، فاغر الفم ، راجف القلب ، مضطرب النظرات ، لا يدري أين هو ، أفي البرزخ يختال .. أم بالقبر لا زال ..؟
أما الدنيا فهي أقل من أن تكون هكذا .. هكذا كان يحدث نفسه ..جر ناقته من خطامها حتى كادت تسقط ، ووقف مبهوتا ، يسترجع الشعر والعربية و النحو ..
ولكن .. لا نحوه ، ولا شعره ، ولا عربيته أغنت عنه شيئا

توقف ساعة من دهر ، يتهجأ "ماك دونالد" ويتعتع ، ويخطئ ويستعجب ،إذ يعلم أنه ماهر بالقراءة ..
حتى إذا لم يتبينها ، ورأى بداخلها هؤلاء الوالجين والخارجين يحملون كؤوسا حمراء كقنينات الخمر .. حوقل واسترجع ، وهبّ من لحظته ، وحلف ليلجنّ دار الخلافة الساعة ليؤدي النصيحة إلى الخليفة مشافهة بلا ترجمان : أي فجور هذا ، وأي اشهار للمنكر هذا .. ؟
أن يعلن علج من علوج الروم أو زمول من زماميلهم عن نفسه وسط المدينة ، والناس والجون عليه خارجون بأمتعتهم ، وزاد ، وبهجة ، بل وبشراب أسود اللون والرائحة والمخبر .. إن هذا لأمر يراد

وما أن سار حتى استوقفته "ماك دونالد" ، فككها ، حللها ، سماعية هي أم قياسية ، على وزن فعلالي ، أم على وزن الشيطان أم ما الأمر يا اصمعي ..؟؟هكذا كان يحدث المسكين نفسه ، وعقد العزم فشدد في عقده ، واعتلى ظهر راحلته وانطلق مسرعا لا يلوي على شيء ، يبتغي وسط المدينة ، حيث دار الإمارة وامير المؤمنين ،ولن يخيب فيه رجاه وأمله ..

رمى الآفاق قبل القريب من الارض ببصره ، كلُ شيء غريب وذا ينفذ صبره ، حتى الشمس ، اخت يوشع قد تنكرت له ، إذ تحملق قرصها فيه شزر ، ما عهد الشمس هكذا ، أتراها اصيبت بشيء يقال له الإحتباس الحراري أم هو الشيء الآخر المسمى بـ ثقب الأوزون، ألم يوقعوا بعد على معاهدة "كيوتو" ؟
التفت يسارا فوجد كلاما يعقله ، وعربية يعرفها ، قرأ فرحا جذلا: (النادي الأدبي )!!
كبّر وافتر مبسمه عن ضواحك ، وترنم ترنم الصادي ، خلع نعليه وظن أنه بالوادي ، وبعد أن ولج ببعيره ردهة النادي ، استقبله قيِّمه "حارس الأمن" بغلظة وجفاء :
- وين يا أخ ..؟
- إلى أين .. أتراني والجا دار أبيك .. أم يممت خدر اختك..؟؟
- الأخ "سعودي"؟
- أنا الأصمعي يا أحمق!
- أقول الأخ سعودي ؟؟ ولا تكثر هرج
- أي عربية هذه التي تنطق ، أم هي رطانة العجم ..
وعلا صوته بعد أن اشطاط غضباً
فخرج مدير النادي يستقصي مصدر الجلبة ، خشية أن تتحول إلى عراك يدوي وحلبة ، ولحسن الحظ أنه قد زار النادي في ذلك اليوم ، وكان من شأنه أنه كثير الغياب والنوم ، وحينا يكون في المزادات يروم منخفض الصفق والسوم ..
ولما رأى الراحلة والعمامة ، والأعرابي الذي رأسه كالثغامة ، ارتدى وجهه عريض الإبتسامة ، نص في الفرجة دونما مسارعة، قال قبل أن يبدي ملامة:
- " من أنت ..؟ لا يكون .."
- الأصمعي ..

أمعن في حيلته ، وأراد أن يحاكيه في مسرحيته ، وعلى الفور قال في ساعته:
- "أي أصمعي يا رجل ..؟"
- وكم أصمعيا تعرف ..؟
- " هل تصدق يا أخ ، أنني أبتهج لمرأى مثلك ، ممن يحبون التراث ، ويتزيون بزيه وسحنته، ويكرهون بهارج هذه الحضارة المجنونة ، سـوف أحاول أن أطرح عليهم في الإجتماع القادم ، مسألةَ ضمك لمقتنيات التراث بنادينا .. تفضل ، تفضل ..قلّط ، قلّط "

لم يفقه الأصمعي شيئا مما قال الرجل ، ولاذ بالصمت فما نطق ولا استهل ، لكنه استجاب لإشارة يده ، وولج النادي بعده ، وسأل ..
- ماذا عندكم بناديكم هذا؟
- " عندنا ـ طال عمرك ـ الشعر والنثر ، وما تناثر بينهما.."
- أنشدني إذن ..
- "هل تريد لمحمود درويش أم حجازي ؟؟"
- أتتخذني هزوءاً !! من هؤلاء النكرات الهوالك يا أخا العرب؟؟
- " أقول اركد وانا اخوك .. ترى هذولا أشعر اهل هذا الزمان !!"
- قاتل الله الغفلة ، وأين جرير ، وأين الكميت ، .. ، والأخطل والأعشى ، وهل نسيت العباس بن الأحنف حتى تأتي إلى موالي القوم ، ثم تصمني بأنّ هؤلاء أشعر شعراء يمكن أن أسمع لهم ..
- " أسمع يا أخ .. أحسّ بالرجعية تجتاحك من كل مكان ..في لهجتك .. وزيك .. وأخيرا شعراءك هؤلاء ، الذين لا يفرقون ما بين المدرسة الكلاسيكية ، ولا رمزية المهجر ، وأظنني"..
- ثكلتك أمك اللحظة .. هل تشتمني وتتشمت بي ؟؟
- "عن الغلط لو سمحت ، إلا الوالدة ، أنا قلت لك .."
- والله لبطن الأرض خير من ظهرها .. أوَ قُدِّرَ لي أن أحيا حتى ينمو إلى أسماعي شتائم من أمثالك ، يا لكع بن لكع ؟

وخرج الأصمعي وهو من الغضب في مزيد ، يهز رأسه أسفا وحنقاً من جديد، ولاعنا كل الأسماء التي وجدها بالداخل ، يحدث نفسه : أقول له انشدني عن أشعرهم ، فيقول هل سمعت بفاطمة ناعوت .. نعته الله وإياها بكل سوء .. واستنشده عن شعر يني يعرب ، فيقول لي أسمعك الساعة مقطعا لأليوت ، قطع الله إليته وإلية من عرّفه عليه .. ثم شخص ببصره إلى الارض وانشد : ولكن الفتى العربي فيها ،،، غريب اليد والفم واللسان ...وحلف ليمضين صوب دار الخليفة يستنجده ، ويطلبه المدد في أن يخرج الروم وأذنابهم من البلد ، بعد كل هذا الرطن الذي وجده ، والكبد الذي ألمّه وكبَّده ..فمضت به الراحلة ، تسلك السكك الممهدة القاحلة ، ولا يجل في عينه إلا ضياع اللغة وبوار الشعر والقافية ،حتى وصل لسور عظيم ..قد ارتص الجند وقوفا به محيطين ، عن اليمين واليسار مهطعين عِزين ..وتراصوا على عمدان مزروعة ، واسلحة بإيديهم مشهورة ليس بينها سيف ولا رمح ..والناس لا تمر من أمامهم إلا منجفلين سراعا ، فكاد لفرط غضبه أن يلج ، غير أنه تهيب ، وتريث ، وود لو سأل أحدهم: إن كان الخليفة بها أم بالحج أم أنّ هذا العام عام الغزو ؟؟

وما برح حتى مر بجانبه فتى ، قد لبس قمصيا عليه تصاوير زاهية ، وسروالا يستره ويصفه ، فأنكر ملبسه وهيئته ، لكن عمامته شفعت له عند الإمام الأصمعي ، فصاح به:
- يا رجل ..
- "إسفيه"
- من هو السفيه ، لاحول ولاقوة إلا بالله ، أهذه دار الخليفة ..؟
- " أيس كلام إنته"
- قلت لك أهذه مثوى رحل الخليفة التي يصدر منها فرمانه ..؟
- "إنت مزنون .. هذا سفارة أمريكية .. يالله يمسي من هنا ، حكومة بعدين سيل انته"
- ماذا تقول ـ لحاك الله ـ ألا تحسن كلمة ولا تفقه قولاً بلا لحن وعجمة ؟؟
وحلف بأغلظ الايمان هذه المرة ليمضينّ غير آبه بكل كوامن اسئلته ، حتى يطرحها بين يدي حامي حمى المسلمين ، خليفة الدنيا وحارس الدين ، وصادف اقتحامه ببعيره ، خروجَ القنصل الأمريكي ، والذي افتر باسما يقول للجنود بانجليزية:أنه منذ زمن وهو يتمنى أن يرى مفاجأة من هذا النوع في جدة ، إنه حتى الساعة لم يتمتع بركوب أحدها .. فهرع إليه الأصمعي ، وهو يرى الجنود يحيطون به من كل جانب ، وذاكم الأمرد الاملص من بينهم يضحك له ويوميء له بعينيه ، وتعابير وجهه ، أنْ تعال !
- لعائن الله عليكم تترى ، أبيَ مسّ من الجن أم تخطف الشياطين عقلي؟
أفسحوا الطريق ، لألقى الخليفة ، أبغيه في شأن جلل ، .. ، وهز راحلته يحثها على الولوج ، التمعت عينا السفير الزرقاوين ، ولمح الأصمعي .. تدور في عينه ملامح الشر ، ولم يدر الأحمق ما الأمر ، ولا الأصمعي كذلك درى ، فخرجت الأوامر بقصف البعير ومن عليه ..


فاعتلت الصحف من صبيحة اليوم التالي عناوين مثيرة ، تشد المواطنين:
" رجعيٌ تقليديٌ مفخخ ، يحاول اقتحام السفارة الأمريكية ببعيره ، والسلطات الأمنية تتصدى له بكل بسالة ، وتحبط مخططاته .. "

وفي ثنايا الخبر:
" القبض على عشرة آخرين معه ، وجد بحوزتهم مبالغ مالية طائلة ، وكمية من الكلانشكوف والديناميت الكافي لتكرار كارثة تشرنوبل ، واخيراً الإعلان عن عشرين مطلوبا أمنيا لاذوا بعد مداهمة أخر أوكارهم بالفرار"

الصحف الأخرى ، تحدثت عن بسالة رجال الأمن ، وعن عدد الأسلحة التي صودرت من قبل الجاني أو الجناة كما يقول تقرير وزارة الداخلية ، ..

العربية ، بثت شريطا مصورا للحادثة ..
وأكدت على جرم هؤلاء الرجعيين ، وخطورة أمرهم ، واستضافة ، الهمام النحرير ، مساري الذايدي ، الذي أبدى في تحليله السياسي الأروع ، أن هؤلاء الرجعيين ـ وحسب ما يعرفه عنهم وعن أحوالهم ـ يرون بحرمة امتطاء السيارات ، وكل مستلزمات الحضارة الجديدة والمعاصرة ، وتوقع عمليات مثيلة متقاربة في الآونة القادمة ، حاثا السلطات الأمنية على التصدي لكل "بعارين" طريق الرياض -القصيم ، واصفا إيها بأنها الأخطر نوعا ورجعية ، وكذلك راكبوها .. حسبما قال فض الله فاه ..

وكذلك فعل المحلل المخلخل الآخر :فارس بن حزام ..والذي أشار للقناة أن توقع وقوع مثل هذه الحالة ، من قبل ، وأنه ذكر ذلك في أحد تصريحاته الخاصه جدا جدا لاحداهنّ ، في برنامج الساعة الواحدة ليلا .. لكن حِلْمَ أمير المواطنين ورأفته ، منعت السلطات من أن تستبق الحدث الآثم وتمنع وقوعه ، واخذ الضالين بالظن ..!
وهكذا مات الأصمعي ، وهو بعد يتجرع متهجيا وقائع المحنة "ماك دونالد" ..

سيناريو : رماد انسان
تنفيذ واخراج : إلى آخره!



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©