عنوان الموضوع : أنا والقلم ثقافة عربية
كاتب الموضوع : khouloud
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

أنا والقلم

أصبت منذ سنتين أو يزيد قليلا بعسر هضم فكريّ ..فهجرت الكتب إلا لماما، وجفوت القراءة إلا مكرها ، وأنا مع ذلك لا أدري سبب هذه الدّاهية التي ألمّت بي ولا أعرف منها مخرجا..
وكلّ ما نشرته في هذه المدّة هو من قديم ما كتبت ..ومن باقي ما طويته داخل أوراقي مستمهلا به الزمن أن ينضج خلاله ويستوي على سوقه.. وأنا الآن استميح الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله – عذرا لأنّي استعرت منه عنوان مقالتي هذه ؛ لأقصّ عليكم حكايتي مع القلم...
كنت أنا والقلم توأمين لا يفترقان وخدينين لا يتهاجران فأكتب مرّة ما يروقه ، ويكتب مرّة ما يروقني فأقول عمّا كتب هذا لي .. ملكي.. ويقول عمّا كتبته هذا لي ملكي...
ألفت القلم وألفني كما عشقت الكتاب وصار جزءا لا يكاد ينفصل عن حياتي ، وصرت أجد بين صفحات الكتاب وفي ملمس القلم الذي يتقلّب في دلال بين أناملي ؛ سلوتي التي أواجه بها قسوة الأيّام وتباريح الزمن..
وتنازعتني رغبتان ..رغبة جارفة في القراءة والاستزادة من التحصيل ..ورغبة أخرى مثلها تغريني بالكتابة وبث مكنونات ذاتي للقرّاء..ولم أستطع يوما الموزانة بين الرّغبتين، فكنت أحيانا أقرأ حتى تكلّ عيناي فأجد في القلم مستراحا يجدّد لي نشاط الذهن ويشحن الرّوح ويوقد الفكر..
وكنت أحيانا أخرى أكتب وأكتب ثمّ أكتب ( كما يقول طه حسين ) حتى أشعر أنّ مدّخراتي من الألفاظ والمعاني قد نفدت ، وصرت أراوح مكاني فألقي بالقلم جانبا وأقبل على الكتب ؛ أجد فيها كنزي الذي لا ينفد ..ومعيني الذي لا ينضب.
وضللت كذلك ما يقارب العشرين سنة أو يربو عليها قليلا ، إلى أن دهت الدّاهية وألمّ الخطب وكانت المصيبة العظمى التي فدحت..
وبدأت أجفو الكتب أو على الأصحّ بدأت هي تجفوني ...وهجرني القلم ولم يعد خديني.. فقلت أيّام فتور وتنقضي .. وفترة كسل وتزول ..ولكنّ الأمر قد طال ، ومضت سنة وأخرى ، ودخلت الثالثة وأنا أبتعد شيئا فشيئا عن عالمي الأثير وجنّتي السّاحرة التي مضّيت فيها زهرة شبابي وعنفوان فتوّتي...
ولو كان سهما واحدا لاتقيته ولكنّـه سهم وثان وثالث
وعندما اقتنيت جهاز حاسوب لأوّل مرّة ، وكنت قبله أعاني من صعوبة تبييض ما أكتب؛ قلت في نفسي: هان الأمر الآن وزال نصف المشقة ، فسأكتب وأفيض وأنشر كلّ ما يعنّ بذهني أو تجود به قريحتي ، أو يمور خواطر في نفسي ، ولن ألق مشقة في التبييض والتسويد وإعادة الكتابة بعد المحو أو الشطب ، وإنّما هي أزرار خفيفة الملمس سريعة الاستجابة ، طوع البنان...تكسو الكلام أبهى حلّة ، وتخرجه إلى النّاس في أفضل صورة...
ولكنّني ازددت فتورا ..ومن القراءة صرت أكثر نفورا ، حتى ما عدت أصبر على قراءة بضع صفحات في اليوم ، بعدما كنت أقلّ ما أقرأ في اليوم الواحد لا ينقص عن مئة صفحة من القطع الكبير ، غير عادّ شيئا من أعمدة الجرائد اليوميّة والمجلات ..وكنت إذا لم أقرأ كتابين في الأسبوع أشعر بالحسرة والندم..
وكدت أنسى كلّ شيء واستسلمت للراحة والدّعة ، كأن لم أكن شيئا في الكتابة ولا خدينا مخلصا للكتب والمكتبات ، وذكرني الصّديق الكريم أيمن عبد الله بعتابه اللطيف، ومقاله الظريف ( لا تكن مثقفا بخيلا ) وأقررت بهذا النّعت الذي نعتني به ، وسلّمت له الوصف الذي به رماني ورمى أمثالي ممن جبلوا على امتشاق القلم وحبّ الكتابة.
وكأنّما عدت من غيبة أو أفقت من غيبوبة ، وقلت ويحك أيعجزك أن تقرأ كلّ يوم من الصفحات ثلاثين ، وتسوّد من الأوراق واحدة ...؟
وقرّرت في نفسي أمرا وعزمت شيئا لعلّ الله يوفق إليه ، فيكون للنّاس فيه نفع ولصاحب هذا القلم – على ضعفه وقلّة حيلته – أجر يجده ذخرا عند الله يوم القيامة...
أبو تقي الدّين
بسكرة في 22 / 01 / 2015




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©