عنوان الموضوع : ايام مغترب
كاتب الموضوع : imilla
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

ألمٌ وعذابٌ , أرقٌ واكتِئابٌ , حُزنٌ وبكاءٌ , تعبٌ وشقاء!!
هذا هو حال المُغتربِ عن أهلِهِ ووطنِهِ , عن أحبابِهِ وأرضِهِ .
ذكرياتٌ تتدفَّقُ نحوَ خاطِرِهِ صباحَ مساءَ , يَنتابُه الألمُ فيضيقُ صدرُه , وتسرعُ دقّاتُ قلبُه فتبادرُ دموعُه بالبكاءِ علَّها ترسمُ طيفَ الغربةِ على لوحَةٍ؛ هي الوجهُ! وبريشةٍ؛ هي الدموعُ!
باختصارٍ – ومن غيرِ أن أُرهقكم – هي حالةٌ لا يعرِفها إلا من ذاقَها.
على رِسلكَ أيُّها القارِئُ , انتظِر فنسيتُ أن أخبِركَ أنَّ للغربَةِ أنواعاً, أنواع!!! نعم أنواعٌ لا تستوي كما لا يستوي الأعمى والبصيرُ,
هناكَ من يغتَرب عن وطنِه وقد تركَ وطنَه ناعماً سالماً قريرَ العينِ مرتاحَ البالِ فلا هو يخشَى الرَّدى على أهلِه ولا يشعُرُ بخطَرٍ على ذَويهِ,
وهناك من تركَ وطنَه تَطحَنُه الشَّدائدُ وتعصُرهُ الآلامُ حتَّى باتَ مُمزَّقاً هشيماً تذروهُ الرّياحُ , فكيفَ ينامُ وأهلُه تحتَ المدافِعِ ؟؟ وكيفَ يهنئُ وابنُ بلدِهِ تحتَ الحِصارِ جَائعٌ ؟؟



image002استيقظَ الشَّبابُ في هذا المغتربِ على أزيزِ الرّصاصِ , فذهبَ يُكمِلُ مسيرةَ العلمِ مؤمناً أنَّ دواءَ الأزَماتِ هو العِلمُ والمَعرفةُ والثّقافةُ , غادرَ بلدَه قصداً لِلعلمِ , ولكنَّ بلدَه لم يُفارِقُه , ظلَّ في وُجدانِه وعقلِه وتفكيرِهِ ينامُ ويحلُمُ بالرُّجوعِ , وما هي أسابيعٌ قليلةٌ علَى فرَاقِهِ حتّى رجَعَ ثانيةً , ولكنْ لماذا كانَ الرُّجوعُ؟!

رجعَ لِيكحّلَ عينَيه بنظرَةٍ أخيرةٍ على شقيقِهِ ومُهجَةِ روحهِ ورفيقِ ذِكرياتِهِ , استَسلمَ لفاجِعَةِ الخبرِ وآمنَ بالقدَرِ , ولكنَّ مقلتَيهِ لم تُكفكِف دموعَهَا وفؤادَه الرقيقَ لم يتوقَّفَ عن النّزيفِ .

ونزفَ البلدُ ونزفَ الأهلُ ونزفَ الشجرُ وحتى الحجرُ ولكن لم ينزِف الضّميرُ فمَا عادَ فيه دمٌ .
تابعَ المغترِبُ طريقَهُ نحوَ العِلمِ وعادَ أخرى للاستِئنافِ , وما هي إلا أسابيعٌ قليلةٌ حتّى عادَ إلى وطنِهِ الأوّلِ ليشَمَّ عبيقَه ويشربَ من عُذوبةِ مائِه ويتنفّسَ طِيبَ هوائِه فمَهما ابتَعدَ الإنسانُ عن وطنِه ستظلُّ الذّكرى تُحرِقُه وستظلُّ الغُربةُ تُوجعُه .
غادرَ وعادَ ثمَّ غادرَ وعادَ , حتّى آنَ الفِراقُ الذي كتبَت له الأيامُ طولَ العُمرِ .
خرجَ للسَّنةِ الثّانيةِ مع نهايةِ 2015 وهو يقولُ : هل هُناك لُقيا؟؟

image003

ماتَت دميتُه وماتَ حِلمُه ماتَت طُفولتُه حتّى ماتَت مدرستُه ماتَ الطّريقُ وماتَ الملعبُ ولكنَّ المقبرَةَ لم تمُت فهي تأكلُ وتتغذَّى أكثرَ من البشرِ أنفسِهم .
كلُّ هذا حصَلَ بعدَ أن أسندَ ظهرَه على حائِطِ الغُربةِ, الذي لم يرَ الرّاحةَ فيه ولا حتّى لحظةً واحدةً .
الفَقرُ كفرٌ , لا يستطيعُ الدّراسَةَ والعيشَ من غيرِ عمَلٍ يُؤمّنُ له حياتَه ويحفَظُ عليه كرامتَه ,
فهيَّأ اللهُ له عملاً شريفاً -بل أراه أشَرفَ الأعمالِ لأنَّه يُلقي العلمَ على الجَاهلِ ليتبَصَّرَ ويُربّي الصَّغيرَ ليَكبُرَ وينضُجَ على محامِدِ الأخلاقِ- إنَّها مِهنةُ المُعلّمِ , ما أعظمَها وما أجمَلها وما أروعَها .
يُعلّمُ اللغَةَ العربيّةَ لِلسانِ الأعجمِيّ يشعرُ بِصعوبَةٍ لكنَّ حلاوةَ الموقِفِ تذهبُ بمرارَةِ الصُّعوبَةِ .
رزَقهُ اللهُ بِطلابٍ بل بِإخوةٍ يُخفّفونَ عليه من وَطأةِ الغُربةِ , يملؤُهم حنانٌ واسعٌ وفِطرةٌ سليمةٌ ومَحبّةٌ عارِمةٌ .
ابتسامتُهم دواءٌ وكلامُهم بلسمٌ, وصُحبتُهم ومجالستُهم راحةٌ واطمئِنانٌ .

kids

هم من فَرنسَا, عَشِقوا العربيّةَ وأرادوا ذَوقَها, فجمعَ اللهُ بينِي وبينَهم ليَنهلوا من معينِ هذه اللّغةِ الأصيلَةِ .
هنَا في مِصرَ يتَّضِحُ معنَى الغُربةِ جليّاً , وتذوقُ قساوتَه بُكرةً وعشيّاً .
اغتِرابْ. جامعةْ. عملْ… معَانٍ تُزهِقُ الروحَ بِضراوتِها, مع انشِغالِ الفِكرِ بالأهلِ والأحبابِ والأصدِقاءِ الذين تركنَاهُم تحتَ سِنديانِ المَخاطِرِ وبينَ أنيابِ التّنينِ .
رأفَت العائِلةُ الفرنسيّةُ بهذَا المُغتربِ, وتقدَّمت له بِطلبِ الصُّحبَة لها إلى فَرنسا, دَعوَةٌ بِعنوان: (نحنُ عائِلتُك الثّانيَةُ) كلِماتٌ مُسعِدةٌ مُحزِنةٌ, تَبُثُّ الأملَ في دَاخلِكَ وتَحرِقُ قلبَك لذكرى أهلِكَ ووطنِكَ .
تَجهَّزنا للسَّفرِ, ولكن لم يشَأ القدرُ, ورفضَت السِّفارةُ هذَا الأمرَ بِحجَجٍ واهيَةٍ .
فذهبَ طَيفي معَهم إلى [Chateau-Chinon , شَاتُو شِينُونْ] , تلكَ القَريةُ التي مسَحت عليها الطّبيعةُ مسحَةً أودَعت فيها أسراراً من الجَمالِ, وآياتٍ من الرّوعَةِ وحُسنَ المَنظَرِ .

image005

تَملّكتهُمُ الحَسرةُ حينَما حَكمَ القَدرُ بِابتعادِنا, وآلمَهم هذَا الحَالُ, فقد قطَّعَ الفِراقُ أوصَالَ التّلاقِ .
فاستَجابوا لِشوقِهم وأوفَوا بِعهدِهم, وعَادوا ثانيَةً لِنلتَقي مِن جديدٍ لِنقضِيَ الأوقاتَ صُحبَةً, تُرافِقُها السّعادةُ ويطفُو عليها السَّلامُ .
ذلك السَّلامُ الذي باتَ مُستحيلاً في بلدِي الجريحِ
أغُصُّ عندَ ذِكراه وعندَ رسمِ صُوَرِه في مُخيّلتي
فلقَد طالَ الفِراقُ وحانَ العِناقُ ولا بُدَّ من الرّجوعِ
نعم فلا بُدَّ لليَّلِ أن ينجَلي ولا بُدَّ للقَيدِ أن ينكَسِر ……..
***—***



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©