عنوان الموضوع : حكايا المملكة البيضاء - الفصل الثاني- ادب عربي
كاتب الموضوع : chahinez
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

فرسان المدينة البيضاء

في واجهة أحدى المباني الكبيرة التي تتوسط أحد الشوارع الراقية...لافتة ضخمة تحمل اسم شركة عالمية..العديد من الناس يأتون و يغدون على المكان بمحافظهم الكبيرة و حواسيبهم المحمولة..كان المكان يشبه خلية النحل: الموظفون منشغلون في أداء مهامهم و المتعاملون ينهون ملفاتهم أو يستفسرون عن معلومات معينة...و الكل هناك يقدم صورة الاحترافية و التفاني في تقديم الخدمة و إرضاء الزبائن. كانت خطواته رزينة موزونة و هو يعبر قاعة الاستقبال الكبيرة في الطابق الأرضي..يحي الجمع بابتسامة لطيفة و هو يتجه إلى أحد المصاعد الزجاجية في المبنى..يلتحق به موظف آخر، هندامه الأنيق و نظاراته ذات الإطار المذهب تنبئ عن شخصية شديدة الحرص:

- صباح الخير سيد سامي...هذا التقرير الذي أوصيتني بتقديمه قبل الاجتماع...على فكرة، سيعقد اجتماع اللجان المشتركة بعد حوالي نصف ساعة. و يمده بملف كبير بينما يقول الآخر:

- أشكرك...سأكون هناك في الموعد....

يتوقف المصعد عند احد الطوابق، يخرج سامي منه بينما يواصل الآخر صعوده..يدخل سامي غرفة في الرواق المبلط بالرخام و ذو الجدران الزجاجية...مكتب تتكوم فوقه الملفات شاشتا حاسوب تقتسمان جانبية بينما تتوسطه سيدة ذات ملامح لطيفة. مع دخول الرجل تأخذ بين يديها دفترا كبيرا و تتبعه إلى داخل قاعة المكتب الفسيحة ذات الأثاث العصري على آخر طراز.

- صباح الخير سيد سامي....لقد اتصل ممثلا شركتي التموين اللتين تعاقدنا معهما و أمدانا بالجداول التي طلبناها..مدير فرعنا في الجنوب بعث بالتقرير الأسبوعي...و هنا ستجد مواعيد اليوم.

- - شكرا لك سيدة سلمى...أنت تبذلين مجهودا طيبا في العمل و الكل يثني عليك...

فتقول السيدة في ابتسامة خجلة..

- هذا بفضلك سيدي...والله لقد أنقذتني و عائلتي من ورطة كبيرة....

- الحمد لله أنه أمكننا فعل شيء...آه على فكرة كيف يشعر زوجك في وظيفته...

- الحمد لله...هو مرتاح كثيرا و هذا بفضلك...لا أدري كيف نرد لك الجميل...

- معاذ الله...لم أفعل شيئا يستحق الذكر....المهم...سأحضر اجتماع اللجان بعد نصف ساعة...حضري كل الأوراق المتعلقة بذلك..و...أرجو أن تطلبي لي قهوة...

- حاضر سيدي...شيء آخر...

- أخطري أمانة الرئيس أني أود مقابلته....

- حاضر...

و يمر ذلك اليوم على الموظفين كسائر الأيام في العمل الدؤوب، فهي شركة ضخمة متعددة الجنسيات و العمل فيها مزية كبرى لا تصح لأي كان..كانت السيدة سلمى تشعر بالامتنان الشديد لمديرها..لقد وظف زوجها بعد طرده من الشركة التي كان يعمل فيها و اتخذها هي كأمينة سر له لمهارتها في التحدث بعدة لغات أجنبية....لقد كان المنقذ لعائلتها من الضياع و هاهم الآن قد استطاعوا أن يقترضوا لشراء بيت جميل....لن تخشى شيئا بعد الآن.

و بينما كانت هي في سعادتها الغامرة، كان مديرها، و الذي لم يجاوز العقد الثالث من عمره، يتفقد بريده الالكتروني عندما ورده اتصال عبر الخط المباشر...

- ما الأخبار....يقول مباشرة دون مقدمات..

- لقد عينا موقعا آخر....سنبدأ بإجراءات النقل حالما ننتهي من عملية الرصف....

- حسنا...سأخبر الرئيس بذلك...التفريغ في المكان المعهود..

يقفل السماعة و يعود لتأمل شاشة حاسوبه....أصابعه على الملامس تنقر " كل الأوراق قانونية و تمت المصادقة عليها....ستبدأ عملية النقل حسب الموعد المتفق عليه....أرجو أن ترسلوا وصل استلام بمجرد وصول البضاعة."

*********************************************

عقد رياض العزم على تقفي آثار الحقيقة و اكتشاف السر وراء اختفاء المعالم الأثرية. كان كل ليلة يطالع صفحات الانترنت حول المواقع الأثرية في مدينته..أراد أن يحفظها جميعا ليحدد معالمها الزمكانية بدقة و بالتالي يمكنه اكتشاف أي خلل في التسلسلات بسهولة...." لابد أن عملية الاختفاء تخلف وراءها نفقا زمنيا...ماذا لو؟؟" كانت تلك الفكرة و رغم علمه بخطورتها تراوده كل يوم بل و تلح عليه في التفكير جديا فيها....خصوصا و أن اختفاء المعالم يولد نوعا من فقدان الذاكرة عند الناس...فتراهم لا يأبهون لما يحصل و يظنون أن الأمر طبيعي...."على هذه الوتيرة...ستختفي ذاكرة الناس...و هكذا...لن يعلموا أبدا من هم...لا..لا..لا..مستحيل..". اضطراب أفكاره تلك الآونة جعله عصبيا لا يطيق شيئا. هذه المرة...زيارة إلى المتحف قد تفيده...يرتدي ملابسه بسرعة و يخرج. يمر على قاعة الجلوس حيث يجد والده و شقيقه الأكبر الذي يبادره:

- أين تذهب الآن؟؟.....أمازلت تلعب و تهمل دروسك...هل نسيت ما حدث تلك..؟

- أنا ذاهب إلى المتحف....لدي واجب في التاريخ علي القيام به..

- حسنا، يقول والده، مادامت تتعلق بالدراسة...لكن لا تتأخر...

- أجل...السلام عليكم..

- و عليكم السلام...

في طريقه إلى المتحف، يمعن رياض النظر في كل معلم يصادفه في طريقه. و كأنه يتأكد من عدم تغير الهالة التي تحيط به و من حين لآخر..يلقي نظرة على المعالم في رأسه...بدا كل شيء على ما يرام . فجأة يلمح سيدة في ثياب تقليدية جميلة و حلي ذهبية قيمة جدا تقف قبالته و تنظر إليه، فيقول في نفسه "...يا لها من ثياب ..أمازالت النساء يرتدين هذا في عصرنا؟؟....ألا تخاف و هي تلبس كل هذه الحلي....لابد أنها ذاهبة لـ....." وهنا يتوقف رياض تماما و يرمق السيدة بنظرة قلقة.." لا يمكن....إنها ليست من عالمنا....معالمها مختلفة تماما...و الهالة التي تحيط بها....كيف؟؟..." أراد أن يذهب ناحيتها و لكنها اختفت...حاول البحث عنها....و لكنه لم يلمح أثرا...." كيف وصلت إلى هنا...من هي؟؟...و لكن...أين ذهبت...لا...لابد أني توهمت الأمر....".و عاد أدراجه إلى المتحف. هناك أخذ يجول بين أجنحته و يتأكد من أن كل المعالم الزمنية الخاصة بالقطع المعروضة صحيحة...كان يتوقف عند كل قطعة و يقرأ المعلومات الخاصة بها بعناية...كان يخزن كل شيء في ذاكرته ليتمكن من العودة متى ما أحس بأي اختلال.

في جناح الحقبة الإسلامية، لم يسع رياض سوى الاندهاش للكم الهائل من الآثار الموجودة هناك..أقواس و أعمدة...أبواب و جداريات فسيفسائية....كتب و قطع نقدية و أواني فخارية و برونزية....و ...ما لم يستطع إحصاءه...أحس برهبة شديدة و هو يتنقل بينها و يلمح البريق المتلألئ الصادر عنها...و هناك، وجد السيدة التي رآها قبلا واقفة قبالته تنظر مباشرة في عينيه و كأنها تعرفه ..."هاهي...تلك السيدة مجددا". نظر من حوله فرأى أحدا كان يبدوا عليه انه أجنبي ينتقل بين معروضات القاعة و لكن لم يبدو عليه انه لمح السيدة أو رآها. عاد رياض لينظر إليها...إنها ترمقه هو بتلك النظرة القلقة...و دون ان يشعر وجد نفسه يقترب منها عندئذ قالت السيدة:

- على عتبات الزمن...وقف من نادته المملكة البيضاء....مترددا في تلبية النداء...فهو و أصحابه سواء...ما عرفوا أن بأيديهم مفاتيح الرجاء.....

و تحركت السيدة باتجاه احد الأبواب الأثرية المثبتة على الحائط، يعود لأحد المساجد و عليه نقش رائع لأشكال هندسية...وقفت هناك هنيهة و استدارت نحو رياض الذي ألجمته الدهشة....فتحت البوابة الكبيرة و اختفت. فما وجد رياض نفسه إلا و هو يتبعها و يدخل هناك...فيغمره ضوء مشع لينقشع عن حديقة غناء. تحفها أشجار اللوز و الكرز المزهرة و تتوسطها بركة جميلة تناثرت على سطحها بتلات الزهر...كان منظرا رائعا ذكر رياض بتلك القصور الأندلسية القديمة و التي طالما رآها في البرامج الوثائقية...." يا سلام...ما هذا المكان؟؟" ينظر إلى جانبه...فيجد تلك السيدة واقفة هناك و تحييه:

- أهلا بك في المملكة البيضاء......سيصل أصحابك عما قريب...تفضل...

و دون أن يدري، وجد نفسه يتبعها و هو يقول في نفسه " المملكة البيضاء.....أصحابي.....أين انا؟؟"
to be continued

jang-mi







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©