عنوان الموضوع : الطبيب و السارقة -قصة-
كاتب الموضوع : hanan
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

- أغلق من خلفه الباب و خرج في خطوات متأنية ناظرا بعين متطلعة الى المستقبل ،و خلف الباب وقفت أمه الحنون ، داعية له بكل الخير من قلب لم يفتر يوما عن الحب:
- ربي يسهل يا وليدي، قدامك خضرة و موراك خضرة .
و الأم لو أوتي لها لفرشت لولدها البساط الأحمر ، و لرشت خلف كل خطوة يخطوها حليبا و لبنا ،و لزوجته من سيدة العذارى و لأعطته روحها فداء لروحه...... و في المساء عاد متأخرا ، و كانت تنتظره بلهف عند الباب ، و عندما ترامى الى مسمعها وقع أقدامه استبشرت و فتحت الباب عن وجهه الباسم :
- عبد الرحمن .... تأخرت اليوم في غير عادة يا ولدي !
فقال عبد الرحمن :
- هموم الدراسة يا أمي.... عما قريب سأنهي مذكرتي و سأغدو طبيبا كالدنيا... و بي ستفرحين.
- آمين...آمين...
و جلس عقب العشاء يدخن سيجارة و كانت في الغرفة الأخرى تصلي و تدعو له بالنجاح ، أخذته الذاكرة بسيلها العارم ،و تذكر نصائحها الذهبية و هي تقول له : يا بني كن خالص المعدن مثل المرحوم والدك ، و اجعل الخير يركع عند أقدامك و ازهد في الدنيا ..... و قريبا سيصبح الشاب طبيبا و قطع على نفسه عهدا بأن يساعد كل فقير و محتاج. و ينذر نفسه و وقته لهم . فان عاش، عاش عيشة هنية و ان مات كانت موتته رضية ثم استرجع وعيه فسمع أمه تسلم على يمينها اتماما للصلاة و هتف متفائلا :
- لقد نفعك الدواء كثيرا هذه المرة !!
قالت في لهجة حامدة :
- الفضل كله لله..... و الطبيب كان بارعا في وصف الدواء لي حقا .
فنهض من مقامه و نظر اليها بعين تلمع بوهج الأمل :
- قريبا سأعالجك بيدي...... و إن عجزت سأرسلك الى أقصى الأرض طمعا في الشفاء.
فنزعت عن رأسها خمارها الأبيض و كانت تبتسم !!
و سرعان ما تضحك له الدنيا... و من طبيب مبتدئ الى طبيب مشهور ، و من المئزر الأبيض الى البدلة المكوية بعناية ، فتدهورت أخلاقه كالسرطان ،جلس ذات يوم يحدث نفسه:
الى متى العناد و قد ترى نفسك في ضياع ؟ و هذا الكبر ما باله ؟ أنت ابن الأكرمين ها أنت لا تبالي بالمستقبل و بالأمس فقط كنت تعمل لهذا المصطلح ألف حساب،و الفتاة التي ضيعت مستقبلها، بأي ضمير فعلت فعلتك ؟! ... قل بأن قلبك صار من حجر،و يعود مساء للبيت و الأم تنتظر فقط أن يتناهى إليها وقع أقدامه حتى تفوز بسكينة تظمن لها النوم :
- بني ؟!
- أمي...... مرحبا........... تصبحين على خير.
و يحز في نفس الوالدة هذا التغيير المفاجئ و تسأل :
- ماذا حدث ؟
يقول في لهجة مفرغة من كل عاطفة :
- سأهجر البيت. !
ستهجرها و رغم فسوقك لا زالت تحبك و لا زال فمها نديا بدعوات الخير،كم ثمن دمعها لو تعلم ؟ كم ثمن بسمتها لو تدري؟ ويحك و ويح كل ليلة في حياتك ستمضيها بعيدا عنها، و فجأة رن الهاتف ففتح سماعته و تكلم بهدوء ماكرفي لهجة متخنثة :
- عمري ؟....لا تقلقي أنا في بيت أمي..سآتيك بعد قليل !!
هذه واحدة من مشققات الملابس،خاطفة الرجال و القلوب، مكياج على الوجه و ألوان زاهية و قلب من ورق !! و لكن تلك أمك فهل للموعضة من سبيل ؟!
و في مسكنه الجديد انتهى من توضيب آخر قطعة من الأثاث ، استخدم المسطرة و المنقلة لتثبيت المقتنيات في أماكنها، و علق أصص الورد في كل مكان، و صدحت الموسيقى من قلب السكون و الوحشة. و انتظر مجيئ سارقة القلوب ، حان موعد قدومها و هي إن تأخرت دقيقة بعد فسيفقد عقله !... و عندما رن جرس المسكن شعر بسعادة حطت قلبه في أقدامه !!
و انتهى الليل و صرخت تضاعيف الظلام بالفضيحة ، لا زالت أعقاب السجائر مشتعلة ، و الأسنان صفراء و روائح الأفواه نتنة كالطبيب و السارقة !و بعد تلك الليلة العنيفة الفاسقة جاء النهار ليكشف عن فوضى الأثاث في المسكن ،و قالت في مكر :
- ألن تذهب اليوم لعيادتك ؟
- من يترك الجنة و يذهب الى النار ؟
فسرت السارقة في تحامق و قالت :
- يا لك من طبيب.
و كانت الأم في معزل ، و أنيسها البكاء و عزاؤها الرجاء و في الغد حان موعد زيارتها للطبيب ،فقصدت عيادة ولدها ،فوجدتها مهجورة كالمقبرة ، و حتى رائحة الدواء لم تشمم ،
و تساءلت في ذعر :
- أين أنت يا ولدي ؟!
جاء متأخرا و وجدها في انتظاره . هبت لعناقه فطلب منها الجلوس و الانتظار !
دخل مكتبه و خرج بسرعة :
- هل اشتريت حقنة ؟
- و لكنني أمك !!
- إذن
- حسبت مصاريف العلاج على حسابك !
- حقا.
- و وعدك ؟!
- ليس اليوم كالأمس !
- ارتددت ؟!
- تفطنت
- و لكنني أمك .
- لا بأس و لكن اشتري الحقنة من الصيدلية ثم دعينا نكمل العلاج !
- ماذا حدث ...... أنت قاس كالصخر !...... لعلها السارقة .
و مال إليها و قال في حدة :
- دعينا نكمل العلاج .
تعجبت الأم و شعرت بالانكسار و ارتدت خائبة و قالت رغم حنقة شديدة :
قدامك خضرة و مراك خضرة يا وليدي !
التفتت إليه بوجه حزين و عينين غائمتين و قالت :
سأنتحر !
و عندما حاول منعها ، استيقض في فزع ، و أطل من النافذة فوجد أمه في حديقة البيت تسقي الورد،ابتسم و قال :
- صباح الورد يا أمي !
ثم استغفر و تنهد في عمق و أدرك :
يا له من حلم !




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©