عنوان الموضوع : حكاية مولود.............. بقلمي
كاتب الموضوع : chahinez
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

وُلد في جو كئيب، في نفس الغرفة التي ولد فيها والده و عمته زهره و عمه المختار و أخته الكبرى فتيحة و ابنة عمه المهدية و ابن أخته المطلقة و بنت أخته الأرملة. ولد في غرفة العمليات الثانية في الجزء الشمالي للبيت، أما الجزء الآخر فقد ولد به ما تبقى من أفراد الأسرة الكئيبة من أعمام و عمات و إخوان و أخوات و أبناء المطلقات و الأرامل منهن.

نشأ الطفل الصغير مَوْلود في منزل يعج بالمخلوقات من كل الأنواع و الأجناس، يجمعهم عامل واحد مشترك استطاع أن يلملم شتاتهم و يوحدهم مع باقي سكان الحي إن كان فعلا حيا، ربما حي لا تعلم الحكومة بوجوده، و لا يمر من أمامه المختارون و الأخيار، و لا يوجد ضمن مخططات الأمم المتحدة و المنظمات الدولية المعنية بالرفق بالإنسان. لم يكن هذا العامل المشترك وعيا زائدا أو ثقة عمياء أو تمكنا من رياضة السباحة أو التنس، و لا معرفة كبيرة بعلوم الدين أو حفظ القرآن، بل جهلا خانقا و أمية مستعمرة و ضعت حقائبها منذ سنين و قررت الجلوس للأبد و التعشيش، بعدما اعتدت عليها الحكومة و طردتها من كل الأحياء الراقية و المقابر التي يحبها التلفزيون و يُظهرها لمشاهدين لا يرون شيئا.

لم يكن أي من أفراد الأسرة و لا في الحي كله فرد متعلم باستثناء حمودة صاحب محل البقالة - القريب من سكنى مولود الوليد- و المجنون صاحب الكحة الذهبية. فحمودة درس علما لم ينفعه و عرج على مختلف الكتاتيب دون أن يحفظ آية قرآنية. لم يحفظ لأن أستاذه و معلمه لا يحفظ إلا الأعمال الشيطانية و السحر و الشعوذة و التحرش بأمهات طلبته و أخواتهم، لم يتعلم لأن من يعلمه لا يعلم إلا طرق المعاقبة و قبض المال، لن يتعلم لأن الكتاتيب سوداء و المدارس مكتظة بالجثث و الأشباح، لم و لن يتعلم لذلك قرر العودة للأصل و التشبث بحرفة أبوه حتى لا يغلبوه و ذلك ما فعله كل ناس الحي المكهرب. أما المجنون فقد كان يتفلسف و يفكر في كل الأشياء بما فيها الوزير و العريس و الفقيه.

كان كل سكان الحي يتبعون حمودة و والده، لا أحد متمدرس من الأولاد و الرجال أما النساء فلا أحد يهتم بدراستهن باستثناء الفقيه الذي ينادي و يحتج و يطلب بتنويرهن، لكن الأزواج يرفضون و لا يقبلون إلا بعد حوار ماراطوني. فقيه مسكين يعلم ان العلم نور و الجهل عار، لكنه لا يكلف نفسه بتدريس و تنوير زوجته الغليظة و بنته النحيفة، بل كل همه تنوير أم المولود و النساء من مثيلاتها في جلسات خاصة لا علم لوزارة التعليم و الأوقاف بها و لا رخصة له عنها، ربما يكون الفقيه هو الرجل الغيور الوحيد على العلم في هذا الحي، فهو يخصص ساعات إضافية لتنوير النساء في جلسات خاصة. سبحان الله، كيف يمكن لإنسان لم يدرس أن يكون معلما كبيرا و بالأخص منورا نسائيا جميلا تحبه كل المتعلمات و تلدن أولادا و بنات يشبهنه؟ لا أحد ليجيب عن السؤال باستثناء علال المجنون الذي يتفوه بكلام غير مفهوم و يسأل كل الأشياء التي لا تتكلم و لا تجيب عن العلاقة بين العلم و النور و ولادة اولاد شبه المعلم، لا أحد ليجيبه فالكل يعتبره مجنونا بما فيهم أم مولود التي استفادت من دروس الفقيه و ولدت طفلا جميلا يشبهه إلى درجة المطابقة.

استمرت دروس الفقيه على منوالها و استمرت الأمية في استفحالها و استعمارها للحي مرفوقة بحامي حماها و والي و لاءها و ولي عهدها و زوجها و حبيبها الجهل. استمرت الأمهات في الوضع و بقي الاولاد ينمون و يكبرون مثلهم مثل مولود. كبر التعيس وسط أسرة كبيرة واسعة الأطراف يقودهم أبوه المعيطي الشحيح. لم يفرح يوم ولادته و لم يبتهج ظنا منه بأن ابنه لن يكون حالة جديدة أو استثنائية و لن يكون فخرا للأمة و الحي باكمله، بل سيكون مثل سابقيه: لا علم و لا فن و لا حياة، فقط الصراخ و الجلوس في المرحاض، و التمرغ أمام البيت في الوحل لساعات، و النوم هناك إلى ان يحمله أحد لأمه لتفتح على صدرها و تضخ له الحليب من ثديها الأيمن الكبير، لينام دون حديث و لا كلام. لكنه لم يكن كذلك بل أنجز المهمة و أصبح علما من أعلام الحي و فخرا له بسبب دراسته و تجاوزه للسنوات سنة بعد سنة، بالرغم من انه لا يحضر و لا يفكر إلا أنه ينجح، لن يجرأ أحد على قول كيف؟؟ باستثناء المجنون الذي خصص له أسبوعا كاملا طرح من خلاله عشرات الأسئلة حول الطفل مولود الذي نجح بامتياز في السنة التمهيدية دون عقل. ربما قررت الحكومة السماح له بالنجاح لمعرفتها بمخاطره و خطورته على وجودها و على كيان الدولة لأنه يعرف كيف يقرأ الحروف و يحفظ سورة الفاتحة و الإخلاص.

ازدادت اهمية مولود مع مرور الوقت و مع بقاءه على قيد الحياة بالرغم من بشاعة الحي و طول الطريق التي تاخذه للمدرسة و تعيده. أصبح والده يسأله كل مرة أسبوعيا عن دراسته و حاله، حتى و لو كان ينسى سماع الجواب لكن المهم أن يسأل. أما والدته صاحبة الثدي الذهبي فلم تسأله مرة عن شيء باستثناء طلبات ترجمة الافلام المكسيكية المعربة التي تعرض على التلفاز الأعوج يوميا. فالبرغم من أنه لا يختلف عن أمه و أخواته في الفهم و الاستيعاب إلا أنه يطأطأ رأسه و يترك لعينيه المجال ليغادرا مكانهما و يخرجهما للاستمتاع و يدعي بأنه فاهم و واع بكل ما يقوله أولئك الممثلون لتزداد المهمات يوما بعد يوم لدرجة ان مولود أصبح مترجما محلفا لأخبار الظهيرة التي تُعرض يوميا على نفس الناة المعاقة و التلفاز الأعوج. لم يكن في واقع الأمر مترجما جيدا بل كان حالما كبيرا يقلب كل الاخبار البئيسة إلى تفاؤل جميل و وعود اكبر من رأسه. دائما يتكرر خبران: خبر تراجع الأمية و استقبالها من قبل الوزراء و أعضاء الحكومة، و اكتشاف البترول في البلاد و حزم الفقر لحقائبه و رحيله للقارة الأوربية ليكتشفها و يحن قليلا على ناسها...



يتبع




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©