عنوان الموضوع : الأموات لا يعودون من العربية
كاتب الموضوع : hamida
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

كان الوَقْتُ خريفا ، والجوُّ ليْس لطيفا.. تجمَّعتِ الأوراقُ لتمْلأَ أرْجاءَ الزُّقاقِ.. لمْلمْتُ أشْلائي المُتناثِرة ، وكفَّنْتُ قلْبي المَبْتورُ، وأرْسلْتُ في طلبِ منْ يزُفُّه إلى مَثْواه الأخير ....
جاءتْ تمْشي على استِحْياءٍ كأنّها ليْستْ في حضرة جنازة .. شفَتاها مُخضّبتانِ بالعَقيقِ الأحمرِ ، وكأنّها ارْتشفتْ من نَخْبِ قلبي .. خدَّاها مُتوَهِّجان كأن نورَ الأزهار التي وُضعتْ على نعْشِ قلبي انْعكسَ عليْهما ليَصْبَغهما بمزيجٍ من الألوان الزاهية.
بكلِّ بُرودة أعْصابِ ، امْتدّت يدها لِتُربِّت على كتفي ، وغيْثُ الكذبِ يَتهاطلُ من عيْنيها، كأوْديةٍ تنْحدِرُ من سفْح جبلٍ ..
لمْ يَرْتعش جسْمي .. مثلما كان يرْتعشُ كلما مرّ طيْفُها بخاطري .. لم تتعلَّق الكلماتُ في حلْقي مثلما كانت ،كلما قابلْتها صُدفة بإحدى المنعطفات الضيّقة .. لم تَتَوهّج وجْنَتاي مثْلما كانت عندما تُقابلُ عيناها عيْنايَ.. فالأمواتُ لا يُبْعثون إلى الحياة من جديد ....
كلماتُها المَبْحوحةُ مثْلَ الدّبابيس تنغَرزُ في جسدي ، لكنها لا تؤلمني لأن جسمي تَخَشَّبَ ولم تعُد فيه روحٌ.
حَملتْني رِجْلايَ بعيدا ، وحيْثُ أَتوارى عن الأنْظار .. أسندْتُ جِسمي المُنْهك إلى جِذْع شجرةِ، وأرْسلْت ذاكرتي لتبْحث عن ماضٍ ليْس فيه أوْجاعٌ .. ربّما الأقدارُ تجْمع ..وربّما محْض الصّدفة .. كان جذْع الشجرة الذي أسندت عليه ظهري خاويًا ، تنبعثُ منه أصوات ، مثل التي تصدُر من داخلي ، لأوّل مرّة أشعُر أنَّ نَبَأ نَعْيِ قلبي المبتور قد انتشر ، وهاهي ذي الطبيعة تُرسِلُ أول وُفُود التّعزِية .
ليس ثمّة شيء أُفكّرُ فيه ، لكنّني مُسْتغرقٌ في التفكير إلى حدِّ الشّرودِ .
عُصْفورتان تقفان على غصْنٍ في الشجرة التي تنتصبُ أمامي ، تُوَشْوِشُ إحداهما الأخرى وهي تَرْمُقني بعيْن الرأفة والشّفقة ، وكأنّها تُرْثي لحالي ..
يا لَسُخْرية الأقدار .. أإلى هذا الحدِّ تسْكن الحياة في جسدي ، ويتوقف نبْضها..؟؟ أإلى هذه الدّرجة بلغتْ روائحُ احتراقي لتشتمها كل الكائنات ..؟؟ وأنا الذي طالما سخرت من الأقدار، وشَنَّفتْ ضحكاتي الأجواء..
لا بُدَّ من فعل شيْء .. لا بُدّ أن أحمل هِمَّتي وأنزع رِداء الإحباط ، وأجمع ما بقي من رَمادٍ قبل أن تذْروهُ الرياح .. وأسْتقبل أيامي برباطة جأْشٍ ..
لكن .. هيهات ..هيهات فالذي كُسِر، أحدث صدْعًا يوازي ثُقب الأوزون..




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©