عنوان الموضوع : الجزء الثاني من قصتي
كاتب الموضوع : chichaki
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

كان فبيان ينزل درج الأرصفة الغارقة بمياه قنوات الأرخبيل ليداعب مدها و جزرها بقاربه و الذي ورثه عن أبوه و قد كان السيد آليان نجارا بارعا, ذاع صيته على طول سواحل البحر الادرياتيكي الخاصة بالمدينة, بصنعة هيكلة وبناء قوارب الأرخبيل حيث كانت قواربه لا تهاب البحر و أمواجه ذات قواعد حادة ولكنها صلبة أمام تكدر المياه حين تعصف الرياح تميل لملاينها وتستقر لاستقرارها.


يتفنن برسم النقوش الذهبية على جوانبها وعلى جوانب أسطحها التي تحمل عليها مقاعد كالكراسي تنحت بنفس الخشب الذي يصنع به القارب و هو من الجوز الأسود اللامع ليظهر بلونه نقاء الذهب الذي يغطي نصف الجندول ثم يلبسه سجادا احمرا يكسوا ما كشف منه من بلاد فارس والذي كانت سوق المدينة تتزود به من خلال تجارتها بالقوافل البحرية وأسطول سفنها الفاخرة والتي كانت تسمى بالقصور المتحركة من ضخامتها وشدة رونقها.
ثم يزين ذيل الجندول بمشط مسنن فضي اللون يلمع بعتمة الليل وكأنه منارة وضعت لقائده





فقد كانت كل قوارب الجندول الخاصة بالأثرياء و الوجهاء و النبلاء أو التي تصنع لترسل هاديا للملوك و الأمراء أو تمنح هبة للسلاطين الزائرة للجزيرة لا تصدر إلا عن ورشة والد فبيان والتي كانت تصنع بيده وليس على عينه.


كان آليان يسر بانفراده لصناعته وخاصيته في نقشه فطلب من دوق المدينة أن يسمح له بطبع اسمه على
مشط كل جندول يصنعه.
انه الدوق يا آليان, هل تعلم ذلك.
ما الذي سيفيدك بطلبك هذا
أتريد أن تحطم نجاحك و أن تشمع ورشتك ألا تريد أن تستمر في النجاح الذي انتظرناه طويلا؟
ألا تتذكر كيف قتل أبوك بسبب غيرة من حسدوه لصنعته التي ورثتها عنه؟


قد كان بسبب طموحه الزائد عن الحاجة و طمعه بان يسكن بلاط الدوق و يساوي رأسه برؤوس مقربيه و خاصته وغروا به من كادوا له والى أين انتهى؟ الم يغدروا به الم يترك عائلته للفقر و اليتم.
كفى , كفي عن الأسئلة لقد سئمتها وسئمت كلامك وتكرارك لهما, الم اقل لكي أنني لا أريد أن اسمعها مجددا؟ أم انك تردين أن ارحل لمكان بعيد و أتركك قبل أن أفارقك بالموت.


هل هذا هو خطئي؟ لأنني أخاف عليك وعلى عائلتي من إبهام الغيب والذي اجهل زوابعه وأعاصيره التي تحل كومضة البرق وتأخذ ما تريد بطرفة عين دون أن تمهلنا و دون أن نستطيع إدراكها.
نظر آليان لزوجته الين نظرة اخذ قسط منها الغضب و قبضت السخرية على قسطها الباقي ثم قال أليس من الممكن أن تكونين أنت من اللذين يريدون تثبيطي و يبغضون توفيقي.
أنسيت انك كنت تكرهين عملي و تلوميني على صبري عليه و حبي له ومثابرتي به وكنتي دائما تطلبين تغيري لحرفتي وحرمت ابننا من تعلمها و الحفاظ على ارث أجداده.





الين امرأة هادئة الطبع لا يشتعل فتيلها بسرعة فمرت على كلماته الجارحة كالسكين مرور النسيم حين يهز أجنحة الفراشات ليحملها بين الأزهار دون أن يكسرها. فهي دائما توصل ما يقطعه بأفعاله وأقواله و غروره المبرر و المتوارث فقاطعته قائلة أنت تعلم جيدا لماذا كنت افعل ذلك فلا داعي للجدل عقم من كثرة تعاطيه.


كانت كلماتها هذه دائما ردا على اتهاماته والتي لم يقتنع بها كما هو الحال بكل مرة .
التفتا إلى الباب بعد سماعهما لقرع الطالب لفتحه أسرع آليان لتلبية نداءه فهو على عجلة لمعرفة كل أخبار توابع طلبه للدوق. انه حلمه الذي عجز عنه كل من طلبه حتى أباه وجده اللذان استحقا وسامه إنها لحظة لقاءه وما إن التحم الباب بالحائط حتى صار فبيان بصدر البيت ثم وقف لوهلة و أدار عينه كمن يتملكه الخوف إلى أن نظر إلى ابتسامة أمه لتطمئنه ثم قال ما هذا السكون؟ ما الذي حدث؟


أنت دائما تكثر الأسئلة مثل أمك, لماذا لم تفتح الباب بمفاتيحك ألا تعلم أنني انتظر ضيفا رسولا؟ أجابه بهدوء أمه فلقد منحته كل صفاتها إلا جماله الذي اقتطع من كل فرد من شجرة سلالته ذروة حسنه فاجتمعت محاسنهم بصورة وجهه وبمعالم بدنه فاكتسى جلده ببياض عمه, و امتلاءت وتقوت عضلات جسده بطول جده, وأرخى شعره لكحلة و نعومة رمش أخته, واتسعت عيناه كقلب أمه وغلبت الزرقة بياض مقلته, فكان احورا كعين جدته, وخط حاجبه طول عينه كطول الشاطئ على بحر جزيرته, وانف وشفتان توسط حجمهما توسطها أبعاد وجهه, وصوت رخيم كعذب المياه كحنجرة أباه التي أفاق على نبراتها وهي تكرر توبيخه.


الست تكره الأسئلة و لا تحب من يرد عليها؟
و لأني اكره الأسئلة لا تجبني بسؤال



لقد نسيتها اليوم بغرفتي فلقد طلبتني مريم بموضوع طارئ
إلى متى ستظل دائما تعصي أمري ثم نظر لزوجته وأكمل حواره لابنه لها لا أريد أن أرى هذه الفتاة في بيتي مجددا و الآن سأذهب للورشة ولن أعود إلا بصباح الغد.
مريم فتاة ذكية متهورة شقية لا تخاف المجهول مبهورة بمدينتها لا تتطلع لان تتركها و تبحث عن ما


وراء بحرها رافقت فبيان من أول لقاء لهما حين مرت على احد الجسور التي لقنته معانيها وسحرها فشدها له إحساسه وتعلقه بها. مرحبا ماذا تفعل هنا؟
أتامل الجسر
هل أنت غريب؟
ضحك ضحكة عالية ورد متبسما بعد أن فرغ من الضحك أنا ابن النجار آليان, لكن لما هذا السؤال؟


حقا .قالت ولقد طغت علامات الاستغراب وجهها, حسنا ولما وقوفك هنا تحت الجسر وأنت تشاهده وكأن نظرك يقع عليه لأول مرة.
لن أجيبك لأنك لن تفهمي.


ثم رفع نظره من عليها ووجهه لبناية كانت قابلته بمعمارها الشامخ تساوت أطوال أساسها بقائمها ,كسي هرم سقفها بالطوب الأحمر و توضعت على زواياه الأربعة مدخنات على شكل منارات يندفع منها دخان الأفران والمدافئ كخروج بتلات النوى من قمع أوراق أزهارها, ووضعت شبابيك رخامية بهندسة عربية على طوابقها يتوسط الشباك عمود يرفع أقواسها المتماثلة الأحجام تشذ بعضها عن الشكل الهلالي لمعظمها لتأخذ قالب وردة البنفسج و التي كان يطلق عليها باسم طائر علاء الدين. اقتحم هذا الاسم مدينة الجزر اقتحاما لأنها كانت شديدة الحرص على انتماء و انحدار فئات شعبها لأعراق البادوا.



حيث كان حكامها لا يثقون بغيرها من الأجناس و ذلك لما تحكمه السلطة بالبلاد
والتي تقضي بالسيطرة على الشعب الذي يشترط أن لا يكون هجين الأفكار و الاعتقادات فتتوحد لديه الخيارات و الرغبات و الطموحات و النجاحات ليظل مطيعا خاضعا لبلاط الدوق و الذي كان قائدا لأسطوله الحربي المسيطر و المهيمن على البحر الادرياتكي. ضم الأسطول أكثر من خمسة آلاف سفينة وباخرة مجهزة بكل المعدات البحرية و الحربية تقبع على نقاط من اليم بعناية خبث و دهاء ماركوس دي مورنو.


كان أسطولا عظيما لا يخترق حصنه إلا قوافل التجار البحرية والتي كانت تمر من مضيق خوانا بولو لتعبر مملكة ادرياتيكا فكان أول ميناء ترسى له بعد عناء أشهر طويلة من الإبحار هو ميناء مدينة غريتسيا اليونانية وكان مضيق خوانا من إماراتها, فلا ترسى السفن و القوارب إلا بعلم و أمر حاكمها و الذي كان يفرض على التجار و أصحاب السفن اقتطاع جزء من أموالهم مقابل عبور المضيق و لتحديد إقامة سفنهم على شاطئ اليونان, وقد عرف حاكم غريستيا بعدائه الشديد للمملكة الأرخبيل بسبب رفض


هؤلاء التجار القادمون من كل بلاد العالم التعامل مع أسواق بلدته فقد اشتهرت الجزيرة الادرياتيكية بجودة سلعها و مهارة صانعيها و ذكاء تجارها وسخاء معاملاتها ودقة انتقاءها لما يصدر لأسوقها وبثرائها و ميسرة عملائها وسكانها فلا يقطنها الفقراء إلا قليلا منهم لسد حجات الخدمات.


كانت هذه القوافل تعبر البحر بعد انفصالها عن مرفأ غريستسيا لتصل لشواطئ مدينة الجزر في خمسة أيام وكانت تلقي حبالها على مرسى مورتو الذي يقرب سوق المدينة اقتطاع جسر واحد لإغراء كل من يبيع وكل من يشري, وكانت القوافل العربية أهم عملائها ولكنهم كانوا الأكثر جدلا بأمور الجزية وغلائها فكانت هي أول خلافاتهم قبل نزول مراكبهم.





دخل المندوب المكلف بمعاملات الجزية إلى حجرة الوزير ماركوس و قبل أن يبادره المندوب بالكلام رد مقاطعا تحيته, ما هي حجة الأعراب هذه المرة؟
يجب أن يعلموا أننا لن نتفاوض معهم بهذا الشأن مجددا وان لوائحنا لن تتغير وهي سارية على الكل.
هذا هو سوقنا وهذه هي معاملاتنا. الم تخبرهم بذلك؟
بلى يا سيدي الكونت.


إذن لما وقوفك أمامي الآن وفي هذه الساعة؟
إنهم يرفضون الدفع و يريدون مقابلة رفعة الدوق المعظم لمناقشة الأمر.
هجم الغضب على وجه الوزير ولكن سرعان ما رسم ابتسامة لتنعش سيطرته على لسانه فقد كان من اللذين لا يسبق القول عندهم أفعالهم و هو ما كان يميز حنكته و حكمته.
أجاب بصوت مضطرب
انصرف الآن واخبرهم أنني سأعد لهم مقاعد بغرفة مجلسي ظهرا لنرى و نسمع ماذا يريدون


لم يكن ماركوس يحبذ هذا التوقيت للبدء المشاكل مع عرب الأندلس و الشام لأن ما يشغل فكره و منذ فترة هو التصدي لحاكم غريتسيا ونيته بدق حربا تكون بدايتها معركة سد مضيق خوانا بولو لسيطرة على تجارة وإيرادات المدينة ثم السيطرة عليها كليا لتكسب اليونان إمارة من أجمل وأثرى
و أعظم الأقطار على وجه الأرض انه الرسم لشبك يوقع الأسد بالأسر. انه صيد يملكه الدنيا بما فيها فان امتلك زئير الأسد أرهب به الأصوات كلها و قاد صداها لما يهوى.



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©