عنوان الموضوع : ذكريات أيام الصبى ادب عربي
كاتب الموضوع : salima
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن


سأحاول بقدر المستطاع أن أصف لكم جزء مما أتذكره من ذاكرة الطفولة
وسأنقلكم الى تلك الأجواء الممتعة
وآسف من أسلوبي
فأنا لست بأدبي
لكن من لديه القدرة لإعادة
وتصحيح النص فليفعل
وأكون له شاكر
تعالوا معي لنغوص في أعماق ذاكرتي
عبر لقطات من هنا وهناك

ليست متناسقة زمنيا أو تسلسليا ولكنها مشاهد حقيقية
أسترجع بها ذكرياتي مثل شريط أو مقاطع فيديو متقطعة


فلنبدأ على بركة الله














إن أجمل الأيام تشويقا
كانت هي تلك مع إقتراب العطلة الصيفية

كم كنا نحسب الأيام المعدودة المتبقية من العام الدراسي
خاصة عندما يحل الشهر الأخير وموعد الإمتحانات الأخيرة
نكون عندها مع نهاية فصل الربيع وإقتراب فصل الصيف


كان كل تلميذ يخبرنا عن برنامجه المسطر مع عائلته
وكيف سيقضي عطلته الصيفية

واحد يقول أنه سيتجه شرقا و الآخر غربا و الثالث جنوبا
واحد يقول أنه سيقضي عطلته في الشواطئ و الآخر في قرية جبلية
وهكذا كل واحد وضروفه و إمكانياته


أما أنا وعائلتي فغالبا ما كنا نسافر جنوبا
الى قرية أجدادي وعمومي


كم كنت أفرح عندما يأتي سائق السيارة
لنسافر جميعا الى القرية

فكان ينادي وأحيانا يطلق بوق سيارته
فتسرع الأم وتعطي لكل واحد منا شيء نحمله من أمتعة وأفرشة
و حتى مأكولات خفيفة وماء وغير ذلك من الأمتعة

فيبدأ السائق بوضع ذلك في سقف السيارة
فكانت أحيانا تمتلئ عن آخرها فيضطر بوضع ما تبقى بين أرجلنا

كنا نتنافس من سيأخذ الكرسي الذي بجانب النافذة
لنشم الهواء وكذلك لرؤية المناظر الجميلة
على حافة الطريق
من خلال رؤية الأشجار أو الجبال الشاهقة
أو التلال ومن ثم تبدأ الرمال
نحو بوابة الصحراء



كانت المسافة بعيدة
تدوم أكثر من ست الى سبع ساعات
كانت هناك عدة محطات للتوقف أولها محطة البنزين
ثم في منطقة بأعالي الجبال أين توجد عين يخرج منها ماء بارد
نغسل فيها وجوهنا ثم نشرب ونرتوي

أما المحطة الموالية فكانت على حافة أبواب مدينة
بجانب قهوة ينزل فيها السائق لشرب القهوة
واضح أنها محطة للسائقين يلتقون فيها يتبادلون الأخبار

أحيانا كنت أنام ولا أستيقظ إلا عند مشارف المدينة
أو حتى بجانب شارع منزل جدتي

فكنت مباشرة عند وصولنا
أسرع راكظا لأدق الباب الخشبي الكبير
لأكون أول من يخبر جدتي بقدومنا

فكانت جدتي تنادي
مين أو بلهجتها منهو

فأقول لها
أنا جدتي
فتقول من أنت
فأرد قائلا إبن فلانه أي بإسم أمي
فتفتح لنا الباب

فنسلم عليها
ثم ندخل مسرعين نتجول أطراف بهو البيت
نطلع سلالم السطوح والجدة المسكينة تصرخ وتنادي
إنزلوا ، حذاري من الوقوع
هناك بعض الحشرات الضارة
كانت تخوفنا خصوصا بالعقارب

ونحن لا نستمع إليها
بل نقفز من على سطوح الجيران لنرى الأسقف و المباني
وأحيانا نطل على الجارة تلك العجوز
فلا يعجبها ذلك فتصرخ وتنادينا بالإبتعاد
فننزل ثم نتفقد بعدها كل الغرف


أحيانا نجد الأشياء لم تتغير كما هي
مثلما تركناها في العام الماضي في نفس المكان
نفس الرائحة

كان لديها النيص أو بما يسمى القنفود

لا يظهر كثيرا كانت تقول أنها هو من يحرص البيت
ويقتل الحشرات الضارة بواسطة أشواكه الحادة



مع مغيب الشمس تطلع جدتي لسطح المنزل
وتحظر لنا الفراش


أغلبيتنا كنا ننام في سرير واحد كبير
كم كان السمر و السهر جميل
خصوصا عندما نشاهد النجوم
والجدة تعرفنا على البعض منها
وتشرح لنا كيفية الإستدلال بها
بطريقتها الخاصة

خسارة لم أكن أعرف أو أستوعب ما كانت تقوله
وغالبا ما أغوص في سابع نومة وهي تواصل حديثها

لكني ما زلت أتذكر الشهب التي كنت ألاحظها بين التارة و الأخرى
وعندما نسألها
كانت تقول إنها رجوم للشياطين
فهناك من الجن من يسترق السمع فيضرب بتلك الشهاب

نادرا ما كانت تمر طائرة
إنه منظر رائع وكأنك تسبح في أطراف السماء الدنيا
آه، أتذكر أنها كانت تقول أن هناك ثرية
تظهر في السماء لمدة عشر دقائق فقط قبيل الفجر
ثم تختفي
إنها عبارة عن مجموعة من النجوم متكتلة في بقعة واحدة


فكانت كلما تريد أن تنقضني لرؤيتها
أرفظ وأخلد للنوم

وبعد تكرار عدة ليالي قمت مرة واحدة لرؤيتها
وفعلا كان المنظر رائع

كنت ألاحظ جدتي تقوم دائما تصلي ركعات قبيل الفجر
ثم تحظر القهوة وأحيانا ترجع لفراشها
أو تقوم ببعض الأشغال


كانت هناك غرفة جانبية
معلق على جدرانها قارورات من زيت الزيتون
وسوائل أخرى لا أعرفها
مر زمن وسنوات وأنا أشاهدها في مكانها

إظافة لطاحونة كانت تطحن بها القمح


إلى جانب ثوم وبعض النباتات و الأعشاب
وكأنها صيدلية القرون السالفة

عندما يمرض أحد تحضر له عشبة
أو سائل مر فيشفى بإذن الله في ليلتها
كانت تعرف كل مرض وما يناسبه من أعشاب

أتذكر فيه مرة تعارك إبن أخي الصغير
الذي لم يتجاوز سن الثالثة وأحد الجيران
فرما هذا الأخير الرمل في وجهه

يا لهول الموقف
لم يستطع فتح عينيه
فكان يصرخ ويبكي ولا يدري في أي إتجاه يسير

فأسرعت جدتي وأمسكته
ثم أدخلت لسانها في عينه ونظفتها بلعابها
وفجأة سكت وقام يلعب وكأن شيء لم يحدث

تخيل لو في زماننا الآن ماذا نفعل ؟
مستشفى و أدوية ودوشة

لكن بحنكتها وخبرتها وهدوئها
عالجت ذلك الموقف في ضرف دقائق

كما أتذكر أن الناس كانوا يستدعونها في الحالات الحرجة للولادة
مثل وضعية رأس الجنين قبل الولادة
فقد كانت تعرف كيف تحرك البطن وكيف توجهه
بحركات خاصة باليد و الرجل فتمر فترة الولادة على ما يرام
خسارة لم يكن هناك من تعلم منها
أو إكتسب ولو جزء بسيط مما كانت تعرفه


في بستانها الصغير
كانت هناك معز تحلب منها الحليب
في كل صباح تعطيني
كأس لأشرب منه


إنه حليب مغذي
في الأول كنت أرفظ ذلك
لكن مع الجوع و العطش والتأقلم
أصبحت أتذوقه خصوصا وأنه كان طبيعي ساخن نوعا ما

كانت دائما تلح وتقول هذا نافع للصحة
إظافة أنها كانت تصنع منه الجبن و العلك

ما زلت أتذكر وأتعجب من تلك المعزتين
بحيث في كل صباح تفتح لهم الباب
فيخرجان مسرعان
كنت أتعجب كيف تطلق صراحهما ؟
سيضيعان ويتوهان لا محالة


لكن جدتي وبكل هدوء وإطمئنان تقول لي
لا تخف هما يعرفان الطريق جيدا
سيتجهان الى الساحة الكبيرة للقرية
أين سيلتقي المعز و الجديان و الخرفان

فهناك راعي الغنم سيأخذهم جميعا
ويتوجه بهم خارج القرية للسرح و الرعي
ثم في المساء قبيل العصر يرجع بهم

أنا الشيء الذي ما زال يحيرني
ولحد الساعة هو رجوعهم للمنزل

بل الأعجب من هذا أنني كنت أسمع طرقات في الباب
فأقول مين ؟
فتبتسم جدتي وتقول هذه دقدقة المعز
روح إفتح لهم الباب

وفعلا لما أفتح لهم الباب
أجدهم مباشرة يتوجهان وبسرعة
للموضع المخصص لهم
فتغلق لهم الجدة الباب

صراحة شيء مدهش
وكأنهم أطفال يذهبون ويعودون الى المدرسة

كنت أشهاد عندما كنت ألعب خارج البيت
كل معزة تتجه صوب منزل محدد
كل واحدة تعرف طريقها سبحان الله


ما زلت أتذكر ذلك الديك القوي
ما إن تقترب منه إلا ويسكك بأنفه
كان مخيف
يصيح عقب كل فجر لينقض النائمين الى الصلاة
ومنها تتعالى عند الجيران أصوات الحمير

إنها نغمة أو سنفونية من تلحين تلك الحيوانات الأليفة
يتخللها صوت الحمام
ما أجمل تلك الأصوات
تجعلك تستيقظ بكل أريحية ونشاط وهمة

في الصباح
كنت أنزعج من الذباب المتوجد بكثرة
فهو يضل يحوم ويحوم على وجهي
فأضطر أغطي كل جسدي
لكن أحس بالإغماء وقلت الهواء
وصعوبة في التنفس

فأجعل فتحة صغيرة ليدخل منها الهواء
فيغتنم الذباب ذلك فيدخل

لا فائدة
مسر على إيقاضي

فأنهض من فراشي بعدما تكون الشمس قد طلعت
تكون الساعة عندها حوالي السادسة صباحا أو قبل ذلك


المرحاض
لا أدري هل أقول عنه هل هو مرحاض أو شيء آخر


إنه أسوء مكان أكرهه
فلا يوجد باب
ولا قناة لصرف المياه
ولا عين ولا شيء
ولا حتى باب

أتذكر أنني أصعد الدرج
بعدها أجد نفسي في غرفة صغيرة
بها ثقب في الوسط
كل شيء ينزل هناك
فتتراكم كل ما يخرج منا لشهور مكونة كومة كبيرة
كنت أسئل جدتي
أين تذهب كل تلك الأوساخ ؟
وهل ستظل هكذا ؟

فكانت تقول لي أنها عندما تمتلئ
يأتي شخص بعربته يجرها داب فيحملها
بعدما تكون قد جفت بفعل تعرضها للشمس المحرقة

قد تستعمل للزراعة لا أدري

أما فيما يخص الماء
فكان يوضع في الشكوة أو القربة
وهي عبارة عن جلد معز كنت بصعوبة أشرب منه
نظرا لوجود وبكثافة شعر المعز
فقد كنت أفضل الإناء أو الكأس العادي
أو القنونة المصنوعة من الحلفة الممزوجة بالقطران


لم تكن هناك لا ثلاجة ولا حتى عين نشرب منها ولا كهرباء
بل كان في كل منزل بئر
في وسطه جرارة بها حبل ودلو
كانت جدتي تغطيه بصحن كبير
يشبه البرميل وهذا مخافة أن نسقط فيه


مازلت أتذكر منزل جدي أيظا
عندما كان يجر حمار ذهابا وإيابا
في كل مرة يصعد الدلو مملوء بالماء
فيدفقه عبر قناة خاصة
مباشرة نحو بستان المنزل
ثم يعاود الكرة مجددا
فكانت طريقة شاقة لسيقي النخيل و الأشجار
فقد كان منزله كبير


مع مرور الوقت تبدأ الحركة تدب في كل مكان
فيقوم أحد الجيران أو أحد المحلات القريبة غالبا قهوة الحي
بتشغيل المذياع أو بما يسمى أنذاك بالتيساف
لنسمع الأخبار وبعض الموسيقى غالبا ما تكون هي نفسها


ما زلت تذكر صوت أم كلثوم وأغنية
يا صباح الخير ياللى معانا

http://nas.mbc.net/viewVideo.php?fileID=467671
أو قصيدة الأخشبين
http://www.youtube.com/watch?v=VAg9gRcgyJY
إظافة لأغاني تونسية وجزائرية
أو حصة الأطفال وأغاني أخرى
إظافة لمسلسل لا أتذكر إسمه
لكنه إن لم تخني الذاكرة فهو يتعلق
بفارس بنو هلال
أو فارس بنوا عياد
بطولته كان صوت ممثل
هو نفسه من قام ببطولة خالد إبن الوليد في فيلم الرسالة
وعلمت مؤخرا أنه كان هذا المسلسل
هو أول ظهور له في المذياع

ما زلت أتذكر نغمات ذلك المسلسل
ياله من مسلسل
لم أكن أستوعب ما يقال
لكن في بيت عمي كان الكل يستمع وينصت على المذياع
لحلقات هذا المسلسل


ما زلت أتذكر بائع الفول
وهو يمر عبر الأحياء ينادي
فكنا نسرع للحارة حاملين معنا إناء وبعض النقود
فكان يجر بواسطة جرارة إناء ضخم
فيه حساء ساخن ممزوج بالفول
كم كان طعمه لذيذ

ما زلت أتذكر أيظا عندما كانت إمرأة
تأتي بنسيج وكبب من القطن
فكانت جدتي مباشرة تفتح صندوقها
ثم تأتي بمشط شوكية مربعة الشكل ومغزل وأشياء أخرى

ثم تبدأ هي وأمي و بعض الجيران يفككون القطن
ثم يحكونه بواسطة تلك المشط
لغاية ما يصبح هش



ثم يبدأ يلوونه ويدورونه بواسطة قضيب خاص
لغاية ما يصبح خيط
يجعدونه ويطولونه بين التارة و الأخرى


وهذا بين اليد وأصابع الرجل
ثم يجمعونه ويرصونه في كبب ملتوية


ومع مرور الوقت و الأيام يجمعون كم هائل من الكبب
أحيانا يقومون بتلوين البعض منها بواسطة صباغة خاصة
ثم يتركونها تجف

عندها يأتي الأب ماسكا بعض القطع الخشبية و الحديدية
ثم يعمل ثقب في الجدار

غالبا ما تكون تلك الثقوب موجودة من قبل
فيركب المنسج مع أعمدة خشبية طويلة توضع عموديا


وتبدأ الجدة بوضع تلك الخيوط معتمدة على خيوط مثبتة بالتوازي
وهذا وفق قطع صغيرة بحركة ملتوية عبر الخطوط المتوازية
فلا أدري سر تشكل تلك الأشكال الهندسية المضبوطة
وكيف يستطيعون فعل ذلك ؟



وهكذا ومع مرور الوقت
يبدأ الرداء أو الزربية أو الغطاء الشتوي في التشكل
لغاية ما ينتهون من صنعه وهذا طيلة أيام
ثم يفرش وينظف وتقطع كل الخيوط الزائدة

يالها من حرفة لكن خسارة بدأت بالإنقراض

كان يمر النهار وكأنه يومين مقارنة بالمدينة
هدوء وراحة وإطمئنان وراحة بال

وعند القيلولة مباشرة بعد صلاة الظهر
الكل يستقيل لقيلولة
لغاية قرب العصر فلا تسمع إلا صوت الذباب

أحيانا كنت مجبر للنوم مع الكل
وأحيانا يأتي أحد الجيران لأذهب معه لقضاء القيلولة
في البساتين المجاورة
كانوا يسمونها الجنة

هي منطقة خضراء
كل فلاح لديه قطعة أرض متراسه الواحدة بجانب الأخرى
وهي على قرب و على حافة ممر الوادي

غالبا ما كنت أرى فقط مساك الوادي
ولكن بدون أن يجري فيه الماء

جاف
ولكن قيل لي أنه يُحمل مرتين أو ثلاث في العام وأن موعده قد قرب
وفعلا عندما يأتي لا توجد صفرات إنذار
فيحمل ويجر كل ما يجده في الطريق

أحيانا يكون فيه ضحايا بشرية تغرق في وسط التيار الضخم
عندما يحاولون عبوره

فهو لا يرحم
وبعد ساعات تمتلئ تلك القنوات التي تمر عبر أزقة الشوارع

فنخرج نحن الأطفال نعوم ونسبح
وأحيانا نجد أشياء وأمتعة جرتها تلك التيارات

لكنني ما زلت أتذكر
وأنا أغمس وأحفر على حافة الوادي بيداي ذلك الطين المبلل
فتظهر لي بعض الأحجار
ومنها ما يسمى بوردة الصحراء
شكلها جميل خاصة عندما تغسل وتنظف
فتوضع كتحفة في المنازل



ما زلت أتذكر تلك الطرق الضيقة
يتخللها أشجار تضلل الطريق
كل بستان يحده جدار صغير ليس عالي
وأحيانا لا يوجد ولا جدار ولا حدود
كل فلاح وإمكانياته


كنا نتخطى مسالك ومجاري المياه الصغيرة
كان الجار ينزع من تلك الأشجار حبات رمان وعنب وتين
نأكل منها ما طاب

ونحن في الطريق نسمع أصوات المحركات
تشتغل بالمازوت بحيث تضخ المياه الجوفية
فيخرج ماء بارد يمر عبر مسبح صغير
ومنها عبر قنوات لسقي البساتين الشاسعة

لهذا كان تواكب وتوافد الشباب والأطفال
ليستبردو ويسبحو في تلك المسابح الصغيرة
الصراحة الماء كان بارد جدا

من الصعوبة الدخول في ذلك المسبح من الوهلة الأولى
فكنت أضع قدمي أولا
ثم أرمي بيداي الماء على جسدي
وهكذا لغاية ما أشعر بالتأقلم مع درجة حرارة الماء
بعدها أغطس جسدي كليا فأحس بإنتعاش وحيوية



فيمر الوقت بسرعة
ونحن في الطريق نأخذ معنا البعض من الرمان
وأحيانا نأخذ بعضها الى المنزل


في المساء قبيل المغرب تحظر لنا الجدة وجبة عشاء
نأكل الجميع سويا في صحن كبير
ثم بعدها نتوجه الى منزل عمي
أو أحد الجيران

لم تكن المسافة بعيدة كثيرا
قدر عشرة أو ربع ساعة بالكثير



فكنت أحمل معي مصباح لأنير به الطريق
خصوصا عند عودتنا بعد السهرة
فلم تكن هناك كهرباء في الحي

كان العم يحظر قنديل من زجاج
يضع فيه بنزين
ثم يحاول عدة مرات ومحاولات لتشغيله
وفجأة ينير المصباح
ثم يضعه في إحدى أسلاك البهو
لينير قدر ما يستطيع إنارته من مساحة

ثم يأتون بأباريق مملؤة بالشاي الأخضر بها أوراق من النعناع
وبعض الصحون فيها الكاكاو المملح و العادي
وبعض الحلويات والبسكويتات
فكنا نجلس جماعات جماعات
الرجال لوحديهم و النساء كذلك

أما نحن الصغار فكنا مجتمعين سويا نحكي حكايات
غالبا ما يكون أكبرنا سنا
هو من يقص لنا قصص وخرافات من وحي الخيال
كانت سهرات حلوة وممتعة
لا راديو ولا مذياع ولا تلفزيون

كان الوقت فيه البركة
وبعد تعب السهر نرجع لمنزل جدتي
وأحيانا أنام أنا ووأحد من أفراد الأسرة في بيت عمي

في الليل لا تسمع سوى نباح الكلاب و أصوات الزرازير
جو هادئ نقي



تمنيت عودة تلك الأيام
لكن خسارة المدينة تحظرت
فكثرت المنازل و الطرقات المعبدة
و أعمدة الأسلاك الكهربائية
فحجبت رؤية تلك النجوم التي كنت أراها في طفولتي


كثر البشر وتغيرت ملامح المدينة
حتى تلك المباني القديمة
المبنية بالطين و الطوب
هدمت وهجرت وأصبحت عبارة عن أطلال
وسوف تنزع نهائيا في كل الأحياء القديمة
فقد غزى الإسمنت كل مكان

مكيفات في كل منزل
بل أحيانا في كل غرفة
أطباق الصحون لمشاهدت القنوات الفضاية مركبة في كل السطوح

تلفزيونات في كل غرفة
حواسيب وأنترنت غزت المنطقة

فأين أقضي عطلتي ؟
أين هم ذلك الجيل
الذي كان يرتدي ملابس تقليدية من صنع محلي ؟


أين تلك الحوانيت التي كانت تبيع كل شيء ؟
أين هو ذلك الحداد؟
الذي كنت أراه دائما يضرب بمعوله الحديد
فيركب قطع حديدية و النار تتطاير في كل الإتجاهات

أين هو ذلك الميكانيكي ؟
الذي كان يفكك السيارة قطعة بقطعة
يصلح و ينظف

أين هو بائع الأعشاب ؟
أين هو ذلك الرجل الذي كان يمشي ويتكلم بأشعار من الشعر الملحون
أين هو بائع القطن ؟
أين أنت يا بائع الفول أي أنت ؟








©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©