عنوان الموضوع : أبناء يعذبون آباءهم اسرة و مجتمع
كاتب الموضوع : amira
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن



بسم الله الرحمن الرحيم



المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...


فقد قال الله تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ [الإسراء: 23، 24].


يطالب كثير من الناس اليوم بحقوق المرأة... من المرأة التي يطالبون بحقوقها؟... إنها المرأة الشابة الصغيرة التي تريد الخروج والعمل بجانب الرجال... يطالبون بحريتها في اللباس والسلوك وسائر شؤونها... ولهم في ذلك مقاصد يعلمها من سبر أغوارهم واطلع على أخلاقهم وطرقهم في الحياة.


ولكن... لا نجد أحدًا من هؤلاء يطالب بحقوق الأمهات... حقوق ربات البيوت اللواتي تفرغن لرعاية أبنائهم... فكان جزاؤهن العقوق ونكران الجميل... فأين حقوق هؤلاء الأمهات؟... أين حقوق الآباء؟... ألا يدافع أحد عن هؤلاء؟ ألا يمسح أحد دموعهم؟ أليس هؤلاء أحق بمناقشة قضاياهم؟ أليست هؤلاء الأمهات نساء يتعرضن للتحقير والجحود من قبل أبنائهن؟ أليس عقوق الوالدين من الإفساد في الأرض؟ أم أن ثقافة العولمة في محاربتها لمفهوم الأسرة المترابطة غضت الطرف عن كثير من الانتهاكات في حق الآباء والأمهات؟ }فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ{ [22، 23].


قال بعض العلماء: «لو لم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه حرمة الوالدين، ولم يوص بهما، لكان يعرف من طريق العقل أن حرمتهما واجبة، وكان الواجب على العاقل أن يعرف حقهما... فكيف وقد ذكر الله سبحانه في جميع كتبه حقهما، وأوحى إلى جميع أنبيائه ورسله، وأوصاهم بحرمتهما ومعرفة حقهما، وجعل رضاه في رضاهما، وسخطه في سخطهما، واستجاب دعاءهما في الولد؛ لعظم حرمتهما وحقهما عليه.


فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن] حتى لو كان الولد طائعًا لله وهو عاصٍ لهما، عوقب بعصيانه لهما.



ولو كان في صلاة تطوع وناداه أحد والديه، وجب عليه قطع صلاته وإجابتهما مسرعًا خشية من سخطهما عليه»([1]).



تحذير السنة النبوية من العقوق

والأحاديث في ذم عقوق الوالدين كثيرة منها:



- حديث أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» وكان متكئًا فجلس فقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. [متفق عليه].


- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة» [رواه مسلم].


- وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: «آمين، آمين، آمين» قال: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! من أدرك أحد أبويه، فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين...» الحديث [رواه الطبراني وصححه الألباني لغيره].


- وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات» [رواه البخاري].


- وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه» [رواه النسائي وقال الألباني حسن صحيح].


- وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث، الذي يقر الخبث في أهله» [رواه أحمد وحسنه الألباني لغيره].


- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفًا ولا عدلاً: عاق، ومنان، ومكذب بالقدر» [رواه ابن أبي عاصم وحسنه الألباني].


- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه» قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه» [متفق عليه].


- وعن عمرو بن مرة الجهني -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الخمس وأديت زكاة مالي، وصمت رمضان؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا» - ونصب أصبعيه -. [رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني].


- وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات، قال: «لا تشرك بالله شيئًا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك» الحديث [رواه أحمد وصححه الألباني].


- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ملعون من عق والديه» [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني لغيره].


- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله من سب والديه» [رواه ابن حبان وصححه الألباني].




آثار السلف



- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: ما من مؤمن له أبوان، فيصبح وهو محسن إليهما، إلا فتح الله له بابين إلى الجنة. ولا يسخط عليه واحد منهما، فيرضى الله عنه حتى يرضى. قيل: وإن كان ظالمًا؟ قال: وإن كان ظالمًا.


وعن وهب بن منبه قال: إن الله تعالى قال: يا موسى! وقر والديك، فإنه من وقر والديه؛ مددت له في عمره عمرًا، ووهبت له ولدًا يبره. ومن عق والديه؛ قصرت عمره، ووهبت له ولدًا يعقه.


وقال كعب: والذي نفسي بيده! إن الله ليعجل حين العبد([2]) إذا كان عاقًا لوالديه؛ ليعجل له العذاب.


وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان بارًا بوالديه؛ ليزيده برًا وخيرًا.


- وقال أبو بكر بن أبي مريم: قرأت في التوراة: من يضرب أباه يقتل.


- وقال وهب: في التوراة: على من صَكَّ والديه الرجم.



حادثة عجيبة

- عن العوام بن حوشب قال: نزلت مرة حيًا، وإلى جانب ذلك الحي مقبرة، فلما كان بعد العصر، انشق فيها قبر، فخرج رجل رأسه رأس الحمار، وجسده جسد إنسان، فنهق ثلاث نهقات، ثم انطبق عليه القبر. فإذا عجوز تغزل شعرًا أو صوفًا. فقالت امرأة: ترى تلك العجوز؟ قلت: ما لها؟ قالت: تلك أم هذا.


قلت: وما كان قصته؟
قال: كان يشرب الخمر، فإذا راح تقول له أمه: يا بني! اتق الله... إلى متى تشرب هذه الخمر؟
فيقول لها: إنما أنت تنهقين كما ينهق الحمار.


قالت: فمات بعد العصر... فهو ينشق عنه القبر بعد العصر... فينهق ثلاث نهقات... ثم ينطبق عليه القبر([3]).


عجيبة أخرى

ذكر ابن الجوزي في تذكرة أولي البصائر، عن محمد بن عابد قال: بينما أنا أمشي في بعض ضواحي البصرة، إذ مر بي شاب فمضى غير بعيد؛ إذ سمعته يقول: أُخذت والله! فنظرت، فإذا به قد ابتلعته الأرض، وبقي مزود كان معه، فقعدت مستعجبًا، مفكرًا في أمره، وإذا شيخ قد أقبل معصوب العين، فسلم عليَّ وقال: هل مر بك هاهنا شاب ومعه مزود؟
قلت: نعم، وأخبرته بما رأيت من أمره، وأنه ابتلعته الأرض!
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون... ثم قال: ذلك – والله – ولدي! جادلني في شيء، ولطم عيني!
فقلت: لا أخرجك الله من أقطار البصرة، أو يخسف بك، ثم أخذ المزود وانصرف([4]).

قصص في العقوق وعواقبه

ونظرًا لأهمية القصة في التعليم والتوجيه والتأثير على المشاعر جمعت في هذا الكتاب كثيرًا من القصص التي انتقيتها من بطون الكتب، وقد حملت كثيرًا من الإشارات التي رغبت في تثبيتها في ذهن القارئ منها:



- أن العقوق مرض خطير يدمر الأسر والمجتمعات والأمم.
- أن العاق ليس إنسانًا سويًا؛ بل هو إنسان ذو شخصية عدوانية مذبذبة ميالة إلى الحقد والكراهية وحب الانتقام.
- أن عواقب العقوق وخيمة، وأن ذنبه يعجله الله لصاحبه في الدنيا إلا أن يتوب منه.


- أن باب التوبة مفتوح، فقد ذكرت بعض القصص التي تاب فيها من كانوا عاقين لآبائهم وأمهاتهم، وصلحت أحوالهم.


- إن للعقوق أسبابًا منها: التدليل الزائد، والقسوة الزائدة، والإدمان، والصحبة الفاسدة، والانبهار بالأفكار والمفاهيم والحضارة الغربية وغير ذلك.


- إن العاق ربما وصل به الحال إلى قتل أبيه وأمه والعياذ بالله.
- أن الجزاء من جنس العمل، فمن عق والديه؛ جعل الله له من أبنائه من يعقه ويذيقه ألوان العذاب.


هذه بعض الفوائد التي يمكن للقارئ تلمسها من خلال قراءته وتأمله في هذه القصص، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

قلوب من فولاذ

كان يعيش مع أمه في بيت واحد ليس معهما إلا خادمة ترعى شؤون أمه وتخدمها، إلا أنه كان قاسي الطبع سيئ المعاملة حتى مع أمه التي فقدت البصر وأصيبت بالشلل، فبدل أن يشفق عليها ويعاملها بعطف وحنان كان يسمعها بذيء الكلام يؤلمها ويجرح نفسيتها.



كان هذا الولد العاق يذهب مع أمه إلى (البنك) كي تتسلم راتبها الشهري فكان يجلسها على الكرسي المتحرك ويدفعها، وأثناء ذهابه بها إلى (البنك) كان يتذمر ويتكلم بكلام جارح فكانت تسمعه وهو يقول لها: «أنت عمية ومشلولة وأنا ابتليت فيك» وكانت تتألم ولكنها لا تتفوه بكلمة.


وتبكي من كلامه، وهو يزيد من كلامه المسموم فيقول: «والله لولا هذا المعاش كنت رميتك في دار العجزة» يقول هذا الكلام وهو ينفخ بحسرة وألم، والأم المسكينة يتقطع قلبها ألمًا عند سماعها كلام ولدها العاق، ثم يعود بأمه إلى البيت ويأخذ راتبها الذي قبضته من (البنك) ويتركها مع الخادمة, ثم يذهب يلهو ويلعب مع أصدقائه في الديوانيات والسفر والرحلات ولا يهتم بأمه ولا يسأل عنها ولا يبالي بما يجري لها؛ بل إنه كان يمنع أي أحد من أقرباء أمه أن يزورها أو يسأل عنها وإذا رأى أحدًا منهم طرده وأسمعه الكلام الفاحش وهدده وتوعده، وهكذا كانت هذه الأم البائسة تعاني الويل من هذا الولد العاق، ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئًا.



وفي يوم من الأيام سافر الولد مع مجموعة من أصدقائه إلى إحدى البلدان المجاورة وكان سفرهم بالسيارة، وبعد أن قضوا أجازتهم عادوا إلى البلاد وهم في طريق العودة انقلبت بهم السيارة وكانت إصابتهم طفيفة إلا الولد العاق فقد أدخل غرفة الإنعاش؛ وظل في المستشفى حوالي شهر ثم خرج من المستشفى على كرسي متحرك مشلولاً لا يستطيع الحراك، وتكررت صورة ذهابه إلى (البنك) ولكن بدل أن يذهب مع أمه وهو يدفعها وهي على الكرسي المتحرك لتسلم راتبها كان هو يجلس على الكرسي وتدفعه الخادمة كي يتسلم راتبه.


إن الأم محبة وحنان لا يشعر بهذه النعمة إلا من فقدها، ولكن بعض الأبناء قد قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة والله عز وجل عزيز ذو انتقام، وعقوبة عقوق الوالدين معجلة في الدنيا.


وها نحن بعد أن قرأنا هذه القصة قد عرفنا عاقبة العقوق فمن كانت أمه حية؛ فليحمد الله وليقبل رأسها ويديها وقدميها فالله عز وجل يكرم المرء بدعاء والديه، ومن فقد والديه؛ فليدع لهما ويستغفر لهما؛ لعل الله يجمعهم في مستقر رحمته إنه سميع عليم([5]).

بعد فوات الأوان

يقول م. ن.: كنت الابن الوحيد بين شقيقات ثلاثة، فأحاطتني والدتي بنصيب الأسد من الرعاية والحنان منذ صغري؛ لتعوضني عن وفاة والدي، التي حدثت بعد ولادتي بسنوات قليلة، وكانت والدتي لم يتجاوز عمرها الخامسة والعشرين، وقت وفاته، ترفض كل من يتقدم للزواج بها حتى تتفرغ لرعايتي وأخواتي الثلاث، وتعتذر لجميع أقاربها بأنها وهبت حياتها لتربية أطفالها فقط, ولا تريد خوض تجربة زواج ثانية حتى لا تتسبب في شقائنا.


وكانت تعتمد في الإنفاق علينا من معاش والدي المحدود إلى جانب مساعدات صغيرة كانت تتلقاها من أهلها، ورغم ذلك فقد حرصت على حسن تدبير المصروفات بشكل لا يجعلنا محرومين من أي شيء مقارنة بغيرنا من الأطفال.


وتزوجت شقيقاتي الثلاث لأبقى وحدي في المنزل مع والدتي لتحيطني بكل حنانها وعنايتها، وعندما أصبحت شابًا يافعًا طلبت مني والدتي أن أتزوج حتى ترى أبنائي الصغار، ويفرح قلبها بتربيتهم كحال الأم دائمًا، وكنت أرفض في بداية الأمر خشية أن تنشغل حياتي بإنسانة أخرى، قد تأخذ جزءًا من اهتماماتي الموجهة بالكامل لرعايتها، ولكن تحت إلحاحها، وافقت على مضض وطالبتها بأن تبحث لي عن العروس المناسبة، التي ترتاح إليها وتقبل العيش معها حتى لا أفارقها أبدًا وخلال ذلك فوجئت بشقيقتي الكبرى تحضر إلى المنزل لتقيم مع والدتي بصحبة أطفالها الثلاث بعد أن طلقها زوجها؛ وبذلك زادت الأعباء المادية على والدتي، رغم ما كنت أقدمه لها من راتبي المتواضع لتنفق على مصاريف المنزل، فظننت أنها سوف تصرف النظر عن موضوع زواجي حتى تتحسن أحوالنا المادية، لكن رغم ذلك كله، فقد تشبثت والدتي بضرورة زواجي حتى تتحقق لي السعادة، وقالت: إنها ستعرف كيف تدبر أمر تلك المصاريف غير المتوقعة لأولاد أختي الثلاثة كما كانت تفعل معنا سابقًا بمعاش والدي المحدود، وفعلاً قامت باختيار إحدى قريباتي لتكون زوجة لي، وأعجبت باختيارها لأتمم موضوع الزواج مشترطًا على أهلها أن تقيم زوجتي في منزل أمي.


وبعد شهور قليلة من الزواج، حدثت مشاحنات صغيرة بين زوجتي وأختي الكبرى، وكنت بحكم صلتي العاطفية بزوجتي في صفها دائمًا بالطريقة التي لا تجرح مشاعر أختي، ثم فوجئت بأن زوجتي تشاجرت مع والدتي أيضًا بعد مرور حوالي عام من زواجنا وبأسلوب ملتو نجحت في إقناع كلتيهما أنهما مخطئتان، وهكذا مرَّت المشكلة دون أية رواسب في النفوس.


وبعد ثلاث سنوات أنجبت خلالها زوجتي ولدين بدأت المشاكل تتعمق داخل الأسرة بسبب رغبة زوجتي في الحصول على نصيب الأسد من منزل أمي، وهو الأمر الذي أثار حفيظة أمي وأختي الكبرى وأطفالها أيضًا، وكان سببًا لمشاحنات مستمرة بتأجير مسكن مستقل لها. وفعلاً، بعد تردد طويل وافقت على تأجير مسكن خاص لنا مما أثار غضب والدتي الشديد لدرجة أنها لم تكف عن البكاء طوال اليومين السابقين لرحيلي، ولم يجفف دموعها سوى أنني أخبرتها بعزمي على القيام بزيارة أسبوعية لها واستمرار المساعدة المالية التي كنت أسهم بها في مصاريف الأسرة.


وفعلاً وفيت بهذا الوعد طوال الأشهر الأربعة الأولى لرحيلي ثم بدأت زياراتي تقل بسبب مشاغل الحياة، واستكثار زوجتي لهذه الزيارات، فما كان مني سوى جعل زيارتي لأمي شهرية حتى أغلق باب أية خلافات جديدة في محيط الأسرة, ثم حدث نتيجة إلحاح زوجتي المستمر أيضًا أن جددت أثاث منزلي بطريقة التقسيط الشهري مما أدى إلى تقليص مرتبي بشكل بدأ يؤثر على مساعدتي الشهرية التي أعطيها لوالدتي، فكنت أزورها مرة واحدة كل شهرين لأعطيها مبلغًا يقل عن ذلك المبلغ الذي كنت أقدمه لها في السابق بصفة شهرية.


وكانت أمي لا تتكلم في هذا الأمر بل تأخذ ما أعطيه لها مكتفية بالدعاء لي، وخلال فترة بقائي البسيطة معها كنت ألاحظ سوء أحوالها المادية خاصة بعد أن كبر أبناء شقيقتي وزادت متطلباتهم اليومية، وكلما حاولت مناقشة زوجتي في تدبير مصروفات منزلنا لإعادة المساعدة الشهرية لوالدتي تغضب بحدة وتتهمني بالجحود لها ولأولادي، وتبدأ في استحداث وسائل جديدة للإنفاق مثل دراجات أو تجديد ديكورات المنزل.


ولم تمض أشهر قليلة على هذا الحال حتى أصبح راتبي الشهري لا يكفي إلا لتغطية مصاريف منزلي وبصعوبة، فامتنعت عن زيارة والدتي عدة أشهر لعدم وجود أية مبالغ مالية معي يمكنني مساعدتي بها كما كنت أفعل في السابق، ولإحساسي بالحرج نتيجة ذلك، فما كان من والدتي سوى الحضور بنفسها إلى منزلي للاطمئنان على صحتي، وهنا أحسست بمدى الرفاهية التي يعيش فيها أبنائي وزوجتي في الوقت الذي تعجز فيه عن الوفاء بمتطلبات أحفادها من أختي الكبرى، فكانت نتيجة ذلك وقوعها فريسة للمرض بعد عودتها إلى منزلها مباشرة.


ورغم أن أختي الكبرى اتصلت هاتفيًا لكي أزورها، إلا أن زوجتي كانت تشير عليَّ بعدم الذهاب، بحجة أن أمي تتمارض طمعًا في المزيد من الأموال، التي يجب علي أن أنفقها في منزلي فقط، وهكذا مرت عدة أسابيع دون أن أذهب لزيارة والدتي المريضة.


وفي أحد الأيام فوجئت بشقيقتي الكبرى تحدثني في الهاتف وهي مجهشة بالبكاء لتخبرني بأن والدتي وافاها الأجل وكانت آخر أمنياتها أن تراني، ومنذ ذلك الحين، وأنا ألازم منزلي استرجع فيه شريط ذكريات الماضي؛ لأبكي بحرقة على ما فرطت فيه تجاه والدتي الحنونة التي لم تحرمني طوال حياتي من شيء، فكان هذا الجحود والنكران من جانبي، وكلما أتذكر أمنيتها الأخيرة بأن تراني تتساقط الدموع الغزيرة من عيني على ما فرطت في حقها، وذلك العقوق الذي أبديته تجاهها.
ولكن هل يجدي الندم شيئًا بعد فوات الأوان؟!([6]).


([1]) تذكرة أولي البصائر لابن الجوزي ص(84)

([2]) حين العبد: أجله.

([3]) ذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» وقال: رواه الأصبهاني وغيره. وقال الأصبهاني: حدث به أبو العباس الأصم إملاء بنيسابور بمشهد من الحفاظ فلم ينكروه. قلت: وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.

([4]) تذكرة أولي البصائر ص(85-86).


([5]) كما تدين تدان، سيد الرفاعي ص(276، 277).

([6]) جريدة عكاظ تاريخ 20/2/1412هـ نقلاً عن: عاقبة عقوق الوالدين، إبراهيم الحازمي ص(134-138).



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©