عنوان الموضوع : عبارات عامية تفرض نفسها على القاموس الشعبي : في تاريخ الجزائر
كاتب الموضوع : salima
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن




عبارات عامية تفرض نفسها على القاموس الشعبي :
ألفاظ يهودية وأخرى من زمن الاستعمار وتنالناها عن جهل.


في الوقت الذي تشهده فيه اللغة العربية الفصيحة اضمحلالا على كل الأصعدة، صارت اللهجة العامية تصنع الحدث في مجتمع أبدع شبابه في ابتكار ألفاظ شكّلت خليطا من لغات مختلفة عبر العالم، ورث البعض منها من الاستعمار الفرنسي وارتأى البعض التنابز بألقاب أخرى تسيء للأنبياء وأهل الذكر، وبالخصوص طبقة الشباب الذين ذاع صيتهم في براعة خلق كلمات جديدة على الدوام، ترقى من التعامل الضيق إلى التعامل الواسع، حيث تعبر عما يخالجهم عبر لغة مشفرة يخاطبون من خلالها المسؤول والذات والنفس.
الملفت للانتباه في الآونة الأخيرة الانتشار السريع لهذه المصطلحات والألفاظ التي وصفت من قبل علماء الاجتماع بالهجينة والدخيلة على ثقافة مجتمعنا، إلا أنها تعدّت لغة الشارع لتصبح أسلوبا للتخاطب في البيت الجزائري، حيث لقيت رواجا واستعمالا في كل الأعمار، دون معرفة مسبقة لخلفياتها وحتى معانيها وبينها التي تسيء للخالق والأنبياء وأهل الذكر الحكيم. فقد يستعملها البعض تقليدا للآخر وبعضهم يرون فيها البديل خاصة وأنهم لا يتحكمون في لغة الضاد، ولا حتى لغة أجنبية أخرى، فالحل كان في العامية أو كما يسميها البعض -الدارجة- التي تحمل في طياتها مصطلحات غريبة تعكس ثقافة الشعب التي باتت في انحطاط دائم وبعد كلي عن القيم الجزائرية الأصيلة، فقد أصبح جيل الغد يستورد ويستهلك ثقافة الآخر دون دراية مسبقة بالنتائج الوخيمة المترتبة عن ذلك، رغم وجود مصطلحات وألفاظ من الشارع إلا أنها وجدت لتكون رسالة قوية تتعدى الرموز المشفرة إلى رسالة هادفة للتعبير بأسلوب حضاري عن الامتعاض من وضع اجتماعي سائد يمقته الشباب بقوة. ولأن هذه الألفاظ على غرار -يا لمباسي-، -يالمكحوس-، -الشبرق- -عيشا راجل- و-الأنوش-..الخ، مفردات ألفنا التنابز بها حتى أصبحت لصيقة بألسنتنا وانتشرت كالنار في الهشيم متغلغلة في جذور لغتنا العامية، حيث يجهل الكثيرون مصدرها خاصة وأن بنيتها الداخلية تشهد تفككا صرفيا، نحويا ومعجميا بحكم كثرة أصول المداخلات اللغوية التي اكتسحت اللهجة -الدارجة- الأمر الذي جعلنا نفتح الملف ونبحث عن أصل تلك الألفاظ ودلالتها فكان لنا هذا التحقيق:
عبارات شائعة في وسط الشباب يختلف معناها ومصدرها
-راني قوسطوالمورال ديالي- -أنوش- تعد من الألفاظ التي لقت رواجا في المجتمع الجزائري خاصة عند الشباب، اقتربنا من أخصائيين ومختصين في المجال للبحث عن معانيها وأصلها.راني قوسطو هي من العبارت المستعملة كثيرا من قبل الشباب العاصمي، حيث أنها تعبّر لدى البعض عن الراحة والسكينة والمزاج الهادئ، ولدى البعض الآخر خاصة فئة المدمنين عن حالة من الحالات التي تعتريهم عند التدخين أو تناول المخدرات من حشيش وأقراص وغيرها. وحسب المختص الاجتماعي -عباد خالد- فإن أول ظهور لهذه الكلمة كان بين فئة المدخنين من الشباب، وقد استنبطت كلمة -راني- من العربية وأصلها -أراني-، وهي كلمة شائعة كثيرة من قبل العرب منذ العصور الجاهلية، وتقال في اللغة العربية حين التيقن بوقوع أمر ما، في وقت تستعمل لدى الشباب الجزائري بإضافة كلمة -قوسطو- للتعبير عن حالة ظرفية دائمة أو تعبيرا عن فعل مستقبلي، أما كلمة -قوسطو- فهي من أصل فرنسي تعني المزاج تم توظيفها من قبل الشباب حسب الحاجة والبيئة دون تغيير في سياقها الأصلي .المورال ديالي هو الآخر من المصطلحات الكثيرة الاستعمال في الشارع، فأما كلمة -المورال- فهي كلمة فرنسية الأصل بالمعنى المعنوي أو الروحي تستعمل عند الشباب للتعبير عن معنوياتهم المرتفعة أو العكس، أما لفظ -ديالي- فهو من أصول عربية ويعني -ذا لي - أي ملكي وحوزتي . وتعبير الشباب باستعمال لفظ -المورال ديالي- ما هو في حقيقة الأمر حسب المختصة الاجتماعية -زواد نادية- إلا وصف للحالة النفسية والمعنوية التي هم عليها، والتي قد تكون سلبية أو إيجابية كأن يقال -المورال ديالي راهو أنتيك- أو راهو في -الزيرو- وقد أكدت لنا الأخصائية النفسانية -لوتيس كريمة - أن معظم الشباب الذي يستعملون هذا النوع من المصطلحات لا يدركون أصولها إنما أصبحت عادة ولّدت ألفاظ يفهمها الجميع دون إدراك لمصادرها فبمجرد النطق بها تختصر حالة الشاب أو صاحبها دون حاجة لتعليق أو شرح دلالتها، ربما هو الأمر الذي جعل الاهتمام بأصلها غير ضروري مادام الجميع يدرك المقصود منها.
... ولكن منها من تمس بالدين والعقيدة
كثيرة هي تلك الألفاظ التي نسمع عنها يوميا وقد يتلفظ بها بلا إدراك، في الحقيقة ما هي إلا مصطلحات تمس بالدين والأنبياء وبسيرة الشرفاء، فقد يقول البعض عن ذاك الشخص باللغة العامية -مالايكاتو ثقال- للتعبير عن ضجره أو ملله منه في وقت أصل الكلمة حسب الإمام طيب ما هو إلا سب لأطهر المخلوقات وهي الملائكة، وأحيانا أخرى عند الاسترسال في الحديث نسمع مصطلح غريب يقال في حالة الشك -جابلي ربي- فهل يعقل- يؤكد إمام مسجد المنار الدكتور -طيب-- أن ينزل عليه الوحي ليتلفظ بهذا المصطلح الخطير بإضافة إلى كلمات أخرى كالقول مثلا -والله والوا- فكأن قائلها على حد تفسير أهل الفقه يقول أن الله لا شيء، والأمر خطير لقوله تعالى -هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم-. الأمر لم يتوقف هنا فكثير من الشباب ينعت الفتاة التي تسلم كثيرا على غيرها بمصطلح -عيشة البواسة- دون علم منهم أن ذلك إساءة لأمنا عائشة رضي الله عنها .
ألفاظ تحمل رسالة للشباب
كثيرا ما نسمع لدى تخاطب شبابنا أحدهم يقول للآخر -بوجي تاكل الروجي- هي عبارة من أصل كلمتين فرنسيتين الأولى هي -بوجي - وبمعنى يتحرك، أما لفظ -الروجي- فهو مصطلح يعبر عن نوع من الأسماك الباهظة الثمن ويدعى باللغة العربية الأصيلة -بسمك سلطان إبراهيم- ، فهذه الجملة -بوجي تاكل الروجي- هي مزيج بين اللهجة العامية واللغة الفرنسية ويستعملها الشباب اليوم للتعبير عن العمل وحسن التدبير في كسب المال، وتجد هذه الكلمة رواجا خاصة وسط القاطنين في الساحل للتعبير عن صعوبة التحرك وإيجاد عمل يكسب من ورائه المال الوفير، فكلمة -الروجي- على حد قول الأخصائية الاجتماعية -نادية زواد- ما هي إلا تعبير عن العمل والاجتهاد في إيجاد منصب ليس بالأمر الهين، لأن أكل سمك -الروجي- ليس في متناول الجميع، فالذي يحصل على هذا النوع من السمك بالتأكيد يجب أن يتعب ويتحرّك في كل الاتجاهات لكسب المال. أما بعض الشباب الذين تعوّدوا على التلفظ بهذا المصطلح أكدوا أن هذه العبارة تستخدم للدلالة على صعوبة الظفر بمنصب عمل مرموق لأن هذا النوع من السمك الرفيع لا يتناوله الجميع نظرا لسعره، والتشبيه هنا له وقع على الواقع الذي يتطلب العمل بجد لكسب المال فسمك -الروجي- ما هو في حقيقة الأمر إلا إيحاء، فلا يمكن لبطال أن يأكل ما طاب ولذ إن لم يعمل بجد ويكسب مالا وفيرا.
دول تبدع في الاختراعات والجزائريون يتفنّون في التسميات
ربما حين نسمع للوهلة الأولى بالمصطلحات التالية الكسكيطة، الشيطانة، المبلقة وكليو ذبانة، قد يعتقد أنها ألقاب للتنابز فقط لكنها في حقيقة الأمر تسميات يطلقها الشباب الجزائري على سيارات فاخرة على أساس شكلها فقط، حيث أبدعوا في جزأرة كل ما يحيط بهم حتى تلك التي ليست من صنع جزائري لكن شاركوا المخترع في التسمية . وقد أطلق شبابنا على نوع من السيارات سماها مخترعوها أسماء مثل المرسيدس والتي تعني الجميلة و-فولسفاغن- بمعنى سيارة الشعب و-ميتسوبيشي- أي الجواهر الثلاثة لفظ -كليوا ذبانة - انطلاقا من شكل أضوائها الكاشفة والتي تشبه عيون الذباب، بالإضافة إلى الشيطانة نظرا لشكل أضوائها الأمامية وأطلقوا على المرسيدس لقب -المبلقة- لأن أضوائها تشبه إلى حد تعبيرهم الأعين الخارجة عن نطاقها، وقد أكد لنا بعض سكان المناطق الحدودية بأن تلك الأسماء أخذت منعرجا آخر، حيث أن سيارة -الميغ- أو -السيس- الرباعية الدفع مثلا سميت على هذا الأساس نظرا لتشبيهها بطائرة الميغ في سرعتها واستعمالها في عمليات التهريب.
المختصة في علم الاجتماع الثقافي آمال شبوط : الوصف تعبيرا عن رغبتهم في الظفر بسيارات جزائرية
أكدت المختصة الاجتماعية في علم الاجتماع الثقافي آمال شبوط، أن لجوء الجزائري إلى وصف السيارات ذات الصنع الأجنبي بالعامية الجزائرية، ما هو إلا دليل عن الرغبة العميقة المتجذرة في المجتمع، إلى الإنتاج الصناعي للسيارات في الجزائر، ومع انعدام تجسيد هذه الرغبة في الواقع، تم وصفها بهذه الصفات لجعلها جزائرية في مخيلة الشباب، إضافة إلى أن هناك احتمال وجود صراع الهوية في هذا الشأن إذا ما اقتصرت هذه الظاهرة على الجزائر، باعتبار أن الجزائري يتكلم لغة هجينة بين الأمازيغية، العربية والفرنسية، وعندما يقوم الشاب مثلا بإطلاق جملة -كليو دبزة-، فإنه شبع هذا الميول في خلط الفرنسية بالعامية الجزائرية .
ألفاظ تحمل رسالة للمسؤولين بتعبير شبابي جزائري
-أنتيك يا خو- هي كلمة متداولة وسط الشباب العصامي وهي من أصل فرنسي بمعنىAntique أي القديم والعتيق، واستعمله الشباب على الخصوص كرمز بينهم منذ سنوات للتعبير عن حالة يريد الشباب من خلالها القول -إن كل شيء على ما يرام-، وظهر هذا المصطلح حسب المختص الاجتماعي -مصطفى عباد- في السنوات الماضية، حيث كانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تشهد حالة من الانسداد، بسبب انعدام العمل وغياب العامل الترفيهي مع انعدام كل سبل الحياة التي يطمح لها الشباب، وقد خلق ذلك نوعا من اليأس لدى هذه الطبقة مما جعلهم يصفون الوضعية التي هم عليها بمصطلح يرمز للشيء العتيق بالقول -أنتيك- أي أنهم كالشيء القديم المركون جانبا لكنه غال الثمن. ويراد أيضا من استعمال مصطلح -أنتيك يا خو- التعبير عن العزلة وعدم مشاركة تلك الفئة في تطور المجتمع، ومن ثم تطور البلاد، ويضيف المختص الاجتماعي أن المصطلح تراوح ما بين التعبير عن الشيء القديم المنسي والمسلوب للإدارة وبين الشيء المطلوب كثيرا والغالي الثمن، والمقاربة في استعمال الشباب لهذا الرمز المشفر تكمن في القول -لا بأس عليهم وأن كل شيء جيد، وكل شيء على ما يرام-، وهنا يؤكد أعمر تومي، أستاذ في اللغة الفرنسية من أن المقاربة تكمن بين المصطلح الفرنسي -الأنتيك- والرمز المشفر عند الشباب، يتمحور حول هذا القديم المنسي في الزوايا للتعبير عن حالة سائدة ملّها الشباب، لكن في الوقت نفسه الشيء الموجود بها ثمين وغال، وجيد، رغم النسيان الذي يعتريه.
مصطلحات تعدّت الإقليم الجغرافي واكتحست حتى المجال الاقتصادي
وخير مثال على ذلك كلمة -شريكي - والتي لقيت رواجا كبيرا لدى الشباب في الشوارع، وأصبحت متداولة بشكل واسع وسريع من قبل المغاربة وحتى الجالية الجزائرية في المهجر خاصة أوروبا، وتعتبر كلمة -شريكي- من المصطلحات التي فرضها اقتصاد السوق نظرا للوضع الاقتصادي المتسارع الذي حتّم هذا النوع من المفاهيم والمصطلحات.
التطور التاريخي للفظ -شريكي-
لو حاولنا تتبع مسار وتطور هذه الكلمة حسب علماء الاجتماع فإنه يمكن القول بأنها انتقلت من صيغة -الصحوبية - في الثمانينات لتتحول بعدها في بداية التسعينات وأثناء بروز الحركة الإسلامية إلى الصيغة الأخوية، لما كان يقتضيه الوضع آنذاك. لكن هذا المصطلح لم يعمّر طويلا وسرعان ما تلاشى، خاصة بعد التطورات التي عرفتها الجزائر على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، وأصبحت الصيغة المتداولة عند الشباب هي صيغة الشراكة، وبما أن الشارع الجزائري أصبح يواكب حركية جديدة هي حركية السوق، وقد اعتمد الشارع مصطلح -شريكي- خصوصا عند الذكور، كقول -شريكي استناني-، -شريكي عاوني في الخدمة ونطلع هادي لدار- .. للتعبير عن الشراكة في المال والأعمال على الخصوص، بالإضافة إلى بقية الجوانب الحياتية. وتطور المفهوم أكثر من ذلك عند الشباب، تعبيرا منهم عن الانتقال من وضعية الصحبة التي تتقيّد بشروط إلى الشراكة التي تعنى بالمفهوم الاقتصادي والمالي، ولكنها تتعدى الحدود والشروط المتعارف عليها، في مصطلح الشراكة الاقتصادية، فتصبح شراكة في الأكل والملبس وشراكة في السيارة وفي التنكيت. أي الشراكة في الحياة اليومية بأدق تفاصيلها، فالشباب من الجنسين عايش الواقع الاقتصادي الجديد وبالموازاة الواقع الرسمي، الأمر الذي دفعه لخلق رمز مشفر هو -شريكي-، يتجاوز مفهوم الصداقة لينتقل إلى مفهوم أعمق رغم استعماله لدى الجنس اللطيف على أساس الخصوصيات الحميمة.
الزدك، الشيكور، المنداتي ألفاظ من عمق السجون تغزو لهجتنا ...
من جانب آخر، نبّه الأستاذ سعيد عيادي، المختص والباحث الاجتماعي على خطورة بعض الألقاب المتداولة بكثرة خاصة في المدن الكبرى تنحدر من السجون، وهي تعتبر الأقوى انتشارا فأغلب الألقاب التي يحملها معتادو الإجرام حملوها في السجون على غرار لقب -الزدك- والتي تعني المارد لكنها مستخلصة من اسم الجهاز الأمني السري الفرنسي في الجزائر أثناء فترة الاحتلال، إلى جانب كل من-البريفو-، -الشيكور- والتي تعني استخدام القوة داخل السجن، -المنداتي- والمقصود بها الشخص كثير الدخول والخروج إلى السجن، وهي ألفاظ أصبحت تقال من العامي والمثقف في البيوت والشوارع دون أي إدراك لمعناها وخطورتها، بل للأسف أصبح المعلم والأب يُلقبان -بالشيكور- تقديرا لهما وكأنهم لا يدركون خطورة الموقف.
الأمر تعدى الألفاظ لتصنع الألقاب المفرنسة الحدث وخلفيات الظاهرة تعود للاستعمار الفرنسي : أصول الألقاب المستعملة في الجزائر خليط من ثقافات هجينة
لقد أصبح من الضروري البحث في التركيبات اللغوية للعامية بصفتها مصطلحات كثيرة التداول وتشكل خطرا على الثقافة، نظرا لكثرة الألفاظ الهجينة التي لا تمت بصلة للثقافة الأمازيغية والعربية والإسلامية التي كانت ولا تزال من أسس الدولة الجزائرية. وقد أكد أساتذة ومختصون في علم الاجتماع أن إطلاق تسميات وألقاب من قبل الفئات الشبانية على وجه الخصوص على بعضهم البعض، ما هو إلا انعكاس لعوامل التوافق مع المزاج العام لثقافة المجتمع الجزائري، حيث أنه من الناحية التاريخية نجد ميل تلك الفئة إلى اتخاذ ألقاب معينة تفاديا لإظهار الهوية الحقيقية لهم، وفيما سبق الاستعمار الفرنسي خوف المجاهدين من معرفته لهويتهم الحقيقية جرّهم لاتخاذ تلك الألقاب المزيفة والمستعارة، عكس ما نجده اليوم سواء على الشبكة العنكبوتية، حيث يطلق الشباب ألقابا مختلفة على أنفسهم هروبا من البروز وأحيانا كثيرة من أجل إيصال رسائل بقناع مزيف، في وقت أصبح البعض الآخر يتنابز مع غيره بألفاظ غريبة وخطيرة على ثقافتنا. إلى جانب ذلك، فإن المصادر الابتيمولوجية للألقاب المستعملة من قبل الجزائريين هي عصارة من الثقافة التي وجدت في الجزائر منذ قرون طويلة سواء كانت ذات ارتباط مباشر للأصول العربية والأمازيغية أو التركية وحتى اليهودية وغيرها ما يدل في النهاية على بقاء هذه الأشكال الثقافية من خلال تداول هذه الألقاب وسط الشباب لليوم.
عينة من ألقاب تُطلق لعوامل عدة ولكنها خطر يُهدد ثقافتنا
من جهة أخرى عدّد الأستاذ مصطفى دكون، بعض العوامل النفسية والاجتماعية المقترنة بالانتشار المتزايد لمثل هذه الألقاب خاصة ما تعلّق منها بالمدن الكبرى على اعتبار أن اغلب الألقاب المتداولة تعكس خاصية أو أكثر من الخصائص الخلقية بالكثرة والسلوكية والطبيعية للشخص من بينها لفظة -مجونس- التي نطلقها على شخص يطارده سوء الطالع، والأصل أنها مشتقة من اسم النبي يونس عليه السلام. إضافة إلى ألقاب متعلقة بالطفرة الحياتية للأشخاص فالشخص قد تحدث له حوادث ما في مسار حياته تنقلب عليه إلى حالة من الثبوت من خلال استمرار اللقب معه إلى كبره. أما الألقاب المرتبطة بالواقع الأسري للشخص فهي منتشرة كثيرا، كأن تكون متعلقة بالعرق أو تكون مرتبطة بالوضع الاجتماعي للأسرة، فإذا كانت غنية شاع لقب -مركانتي- أو -بوخالفي- وإذا كانت الحالة الاجتماعية للأسرة سيئة تعطى ألقابا على شاكلة -المشرار-، -الكلوفي- التي هي في الأصل تعبّر عن الشخص المتسول. ويؤكد الباحث أن الألقاب المتعلقة بالقدرات العقلية للشخص متداولة بكثرة، مثال ذلك أن الشخص الذكي ينادى غالبا -بوتي تاكا- وهذه تختلف بطبيعة الحال عن الألقاب الخلقية -موح لامان دور- وهو السارق المتمرس أو الماهر. إلى جانب-الكافي- الكثيرة التداول والتي تطلق على الأشخاص الذين يقطنون خارج العاصمة، أما معناها الحقيقي فيشير إلى نوع من أنواع البقوليات التي تنمو تحت سطح الأرض ذات الشكل القبيح، وهذا وجه الدلالة أن سكان الولايات الأخرى سيئو المظهر.
الألقاب الجزائرية الهجينة جريمة ثقافية نفّذها الاستعمار الفرنسي ولا تزال تبعاتها إلى يومنا
كشف البروفيسور سعيد عيادي، الأستاذ وباحث في علم الاجتماع والانثروبولوجيا في أحد تعاليقه على أن رغبة المستعمر الفرنسي في طمس الهوية العربية والإسلامية وتعويضها بهوية هجينة، دفعته لإلصاق ألقاب غريبة مهينة ونابية لا يمكن التلفظ بها، وهي في معظمها نسبة إلى أعضاء الجسم والعيوب الخلقية فيه، إلى جانب أدوات الفلاحة والحشرات والحيوانات والنباتات، وهي مأساة يعيشها آلاف الجزائريين حتى اليوم. وحسب المتحدث، فإن الهدف الأساسي للمستعمر يكمن في استبدال الألقاب الجزائرية العربية الإسلامية لألقاب مشينة لا ترتبط بالنسب لعزل الجزائريين عن العالم الخارجي والقضاء على الشخصية الإسلامية وتطبيق النمط الفرنسي في التعاملات اليومية، -على سبيل المثال كلمة -الشبرق- وهي نبات ينمو على حواف السكك الحديدية والطرق السريعة وهي عبارة عن نبتة ذات أوراق خضراء براقة طويلة وفي أسفلها تنتج حبة بصل بحوالي أربعة أضعاف البصل العادي الذي نعرفه وهذا النبات لا يأكله أي حيوان ولا يحتاجه البشر وليست فيه أية فائدة وهو ما عمد الاستعمار على نشره وإلصاقه بالجزائريين.
اللغة العبرية تنخر كيان اللغة العامية وتلقي بظلالها على الشخصية الجزائرية
ومن الناحية التاريخية وصف البروفيسورسعيد عيادي، اللهجة العامية بتلك المركبة من عدة عناصر ثقافية وتاريخية، رغم أنها كانت تتميز بمتانة وقوة إلى غاية القرن الثامن عشر، ويرجع ذلك -حسب المتحدث- إلى كون الوجود الديني في صورة المؤسسات الصوفية قد ساهم في ذلك بقوة، خاصة وأنها كانت معادية للوجود التركي في الجزائر، وساهم اليهود في انحلال اللغة -العامية- حيث لا تزال أثارها لحد اليوم. والدليل الاستخدام الشائع للفظة -الكعبة- والتي تعبر عن الشخص الغريب عن العاصمة أو المدن الكبرى، أما من الناحية التاريخية فقد كان يطلقها اليهود على المسلمين وكلمة -عيشة راجل- لاتهام السيدة عائشة أم المؤمنين بأنها سيدة سيئة الخلق وكان اليهود وراء إشاعة لفظة -ماكالاه- أي ليس هناك داعي والتي هي في الأصل كانت تنطق -مكان إلاه- وكان استعمالها كثيرا في الأسواق فكان المسلم يقسم بالله عند البيع واليهودي يقول لله -ماكان إلاه- في السوق حتى وصلت إلى صيغة -ماكالاه -، كما توجد صيغة-اتهلا- والتي تعرف عند اليهود بـ-أنت الله-. أما -الربي- باللغة اليهودية فتعني الشخص الحكيم عند اليهود أو الإنسان الغير متزوج أو من فاته قطار الزواج، للذكر والأنثى على السواء، ومن جهتها كلمة -المكحوس- هي آخر حوافر الدواب أي الكحس-، وتنشر في الغرب الجزائري، وتعتبر لفظة -التشيتشوان- التي تطلق على كثرة الأطفال في مكان واحد لغة عبرية. أما في الفترة التي كانت الوثنية منتشرة في بلادنا فكان القسم في الأصل- يا زحل- وبمرور الوقت ومع مجيء دين التوحيد صار الناس يقولون يا -الله- أو يا - ربي - ولكن بقوا يستعملون القسم السابق بعد أن أزالوا حرف اللام مناداة للإله زحل، وفي السياق ذاته، أشار سعيد عيادي، أن الدكتور سيدي محمد بن يوسف السنوسي المتوفى سنة 1490 أشار إلى هذا الأصل ونبّه الناس أن لا يستعملوه ولكن بقي مستمرا إلى يومنا هذا بسبب التراكم اليهودي الذي بقيت أثاره واضحة في الاستعمالات اللفظية الجزائرية.
ثقافة الاحتكاك جعلت الجزائريين يرفضون أسماءهم والاختصار الحل المؤقت والدائم
يقوم أغلب الجزائريين باختصار أسماءهم، الأمر الذي يظهر جليا على عدم الرضا بالاسم الحقيقي مثل اسم -موح- للدلالة على -محمد- وعبدو- للدلالة على -عبد الوهاب أو عبد الرحمن ....-. وبالتالي يقوم الكثيرون بتصحيفه أو قبول تصحيف الآخرين لأسمائهم من أجل مسايرة أسلوب الاستعمال اليومي الذي يقتضي الاختصار، الأمر الذي نجده منتشرا عند شعوب البحر الأبيض المتوسط، بفعل ثقافة الاحتكاك وأولوية استعمال ألقاب القاموس الشعبي على حساب قاموس الأسماء الرسمية سواء كان دينيا أو اجتماعيا مثل كلمة -مراد- التركية المنتشرة بكثرة، وبالمقابل الأسماء الرسمية قليلة الاستعمال مثل -فاروق- و-طارق- يضاف إليه التهرب من الألقاب الحقيقية التي ألحقت بالشخص عند ولادته. وفي الأخير يمكن القول أن هذه الثلة من الأفكار التي شكّلت عند الشباب منظومة قد لا تتفق أبعادها ومعانيها من شخص لآخر، ولكنها في حقيقة الأمر استطاعت أن تساهم في البوح المفتوح لما خالج شبابنا في مختلف المواقف الحياتية دون أي قيود موروثة أو عادات وتقاليد، إلا أن خطورتها تكمن في بعض معانيها التي قد تسيء للدين والعقيدة، بالإضافة إلى أصولها التي لا يدرك مستعملوها أنها كثيرا ما تكون يهودية أو موروثة من قبل مستعمر غاشم، ولا يختلف اثنان في خطورة الموقف رغم أنها تترجم واقعا يتعدى حدود ما تعنيه الكلمة فتساير بذلك الوضع المعيشي مواكبة التطور الحاصل في كل الميادين.
إعداد// آسيا موساوي






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©