عنوان الموضوع : اعملي بعلمك تغنمي وإلا تندمي- في الدين الاسلامي
كاتب الموضوع : mira
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

لو تأملت كل أخت منا مقدار ما تعلمته، وكم المواعظ والدروس العلمية التي استمعت إليها، وكم من آيات القرآن تمر عليها وقد حقَّ للجبال أن تتصدع من الخشية عند سماع تلك الآيــــات .. ومع ذلك لم تتأثر ولم يجل قلبها .. ومازالت تُقصِر في الكثير من الواجبات والمستحبـــات، بل وتقع في المخالفات التي تستوجب غضب ربِّ العبـــاد .. والأغلب إلا ما رحم ربي قد اكتفت بالتغيير الظاهري فقط، ولم تجاهد نفسها لإصلاح باطنها ..

فأين يــــا أختـــاه تأثير هذا العلم على قلبك وأثره في تغيير حياتك؟!

إننا بحاجة لوقفة مع النفس، حتى لا نكون قد أقمنا الحُجة على أنفسنا بعدم تطبيقنا لهذا العلم ..


فما هي الأسبــــاب التي تجعلنا لا نعمل بما نعلم؟!

1) ضعف الإيمان بالله تعالى ..

فلا مصيبة أعظم من الجهل بالله، وقد توعد الله عزَّ وجلَّ الجاهلين بثلاثة أنواع من العذاب .. وهي:
قسوة القلب وموته .. بسبب الذنوب والمعاصي التي اكتسبها، قال تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] .. فيُحدث وحشة بين العبد وربِّه، مما يجعل القلب لا يخشع والعين لا تبكي من خشية الله.
ويُحجب عن ربِّه في الدنيــا والآخرة .. {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]
ثمَّ العذاب الأكبر .. {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: 16]
قال بعض السلف "لو تفكَّر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه، كفى بخشية الله علمًا وكفى بالإغترار بالله جهلاً" [لطائف المعارف (1:364)].
فلو تعرفتي على ربِّك بصفات جلاله .. وأنه الجليل الكبير المتعال العزيز الجبـــار سبحــــــانه، سيدفعك هذا إلى العمل وتنشطين لطاعة الله؛ خشيةً منه سبحانه وتعالى ..
ولو تعرفتي على صفات جماله .. وأنه الجميل الطيب العفو الرحيم الرحمن، لأحببتيه من كل قلبك واشتقتي إليه، ولما قويتي بأي حال على عدم الاستجابة لربِّك الودود سبحانه وتعالى.

فلو أن قلبك يرى ربك، لكنتِ أشد له تسبيحًا وأشد له تمجيدًا وأشد له عبادة وطاعة،،



2) ضعف الإيمان باليـــوم الآخر ..
إن استشعارك بأن الموت يأتي بغتة، يجعلك تعُدين العُدة ليوم الرحيـــل .. ولو صارت الآخرة يقينًا في قلبك، لعملتي بحق بما تعلمتي ولما فرطتي في أورادك وطاعاتك .. لو صار عندكِ يقين بالجنة، لكنتِ أشدَّ عليها حرصًا وأشدَّ لها طلبًا وأعظم فيها رغبة .. ولو امتلأ قلبِك خوفًا من النار وعذابها، لكنتِ أشدَّ منها فرارًا وهربًا ..
يقول الله عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33]

فيوم القيامة لن ينفعك أبناءك أو أهلك أو مالك، فلا تنشغلي بهم عن طاعة ربِّك ..



3) فســـاد النيــــة ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من تعلم علما مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" . يعني: ريحها. [رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه وصححه الألباني]
إن أوَّل من تُسعَّر بهم النار قبل الكفار والمنافقين، هم الذين تعلموا العلم للتفاخر به .. عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه .." فذكر منهم ".. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟، قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .." [صحيح مسلم]
فلتجددي النية وابتغي وجه الله وحده في طلبك للعلم .. بأن تجعلي غايتك من العلم هي: التقرب من الله عزَّ وجلَّ، لا أن تكوني متميزة بين الناس؛ فإنهم لن يغنوا عنكِ من الله شيئًا .. وتلك الرغبة في التباهي أمام الناس، هي التي تدفعك لطلب العلم من كل مكان دون أن تعملي بما تعلمتي .. فيجب أن تتبعي منهج علمي صحيح؛ بأن تنتهي من الفروض الواجبة عليكِ في العلم ثمَّ تتعلمين فروض الكفاية.
وليكن هدفك من العلم هو العمل به .. فإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يكونوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء، إلا ليعملوا وينفذوا كل ما علموا .. ولم يكونوا يتجاوزون العشر آيات، حتى يعملوا بما فيهن؛ ولهذا صاروا من صفوة خلق الله في الأرض .. قال الله تعالى {.. وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}[النساء: 66].


4) عدم معرفة فضائل الأعمــال ..
فقد رغبنا الله سبحانه وتعالى ورسوله بذكر الفضائل العظيمة التي تكون للأعمال؛ لكي يكون القلب مُتعلقًا بثمرة تلك الأعمال التي توصله إلى الثمرة الأعظم وهي الجنة ورضـــا الله سبحانه وتعالى.
فمعرفتك بفضائل الأعمال، بمثابة المُنشطات في الطريق .. التي تدفعك وتُحفزك للعمل.
5) فســـاد في المفاهيم والتصورات .. ومن تلك المفاهيم:
أ) تلقي العلم للعلم .. فقد تربينا على أن نتلقى العلم في المدارس والجامعات، لكي ننجح ونصير من ذوي الشهادات .. والآن تجد من يتلقى العلم الشرعي ويعمل في الدعوة إلى الله، ومع ذلك لا يعمل بما يُعلِم الناس وأحواله مع الله تعالى مُزرية ..
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله "رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من النار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟، قال: الخطباء من أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" [رواه ابن حبان وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2327)]
ولقد رُفع العلم من بيننا يوم أن صار بضع معلومات نتعلمها ولا نعمل بها .. وعلى الرغم من توفر جميع الإمكانيات التي تُعين على طلب العلم في عصرنا الحالي، والتي لم تكن متوافرة عند الصحابة والسلف الصالح، إلا إننا لم نُحصِّل مثل علمهم !
عن عوف بن مالك الأشجعي: أن رسول الله نظر إلى السماء يومًا، فقال: "هذا أوان يرفع العلم" . فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد: يا رسول الله، يرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب ؟!، فقال له رسول الله : إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة، ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله.[صححه الألباني، اقتضاء العلم العمل (58)] .. فضلالة اليهود كانت في عدم عملهم بما معهم من علم، فاستوجبوا غضب الله تعالى عليهم .. وضلالة النصارى أنهم عملوا بغير علم، فصاروا من الضالين .. وهذا هو حال أمتنا الآن، نسأل الله أن يردنا إلى دينه مردًا جميلاً.

فاحذري من التشبه باليهود بطلبك العلم لمجرد العلم ..

كان أبو الدرداء يقول: لن تكون عالمًا حتى تكون متعلمًا، ولا تكون متعلمًا حتى تكون بما علمت عاملاً، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت؟!. [سير أعلام النبلاء (3:304)].
ب) الاستخفـــاف بالمُستحبـــات .. فقد صرنا نُهمل سُنَّة النبي محمد ، فلا نعمل بالمُستحبــات بحجة أن تاركها ليس عليه عقاب .. والأصل أن من لا يعمل بالسُنَّة يُلام، ولقد قام العلماء بتقسيم الأعمال إلى واجبات ومُستحبات؛ لمعرفة الفاضل منها والمفضول .. لا لكي نترك سُنَّة نبينا بالكلية ولا نحرص عليها ..

فهل هان علينا نبينا لتلك الدرجة، فلا نتمسك بسُنته؟!!

كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ" [صحيح البخاري (2862)].








©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©