عنوان الموضوع : تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المخطئين
كاتب الموضوع : kouka
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين
وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد..

**المخطئ له حق على مجتمعه، يتمثل في نصحه وتقويم اعوجاجه بأفضل الطرق وأقومها،
وهو ما لم يفرط به صلى الله عليه وسلم ، بل كان سيد الناصحين، وأستاذ الموجهين،







وأول وسائله صلى الله عليه وسلم في التربية ومعالجة الخطأ؛ التربية بالابتسامة، الابتسامة الحانية

يعاتب فيها صلى الله عليه وسلم المخطئ ويوجهه ويقوِّم سلوكه،

فحين تخلف كعب بن مالك الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك من غير عذر دخل عليه ،

وقد فاته الخير العظيم، بل رتع في الإثم الكبير الذي يوجب تأنيبه وتهذيبه،

فالتخلف عن تلك الغزوة بلا سبب من كبائر الذنوب والآثام.

ولنصغ إلى كعب وهو يصف لنا لقاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم حين رجوعه من تبوك:

"فجئته فلما سلمت عليه؛ تبسَّم تبسُّم المغضب" أخرجه البخاري ح (4156) من حديث كعب بن مالك.

عقاب فريد لا يكاد يتذكره عباقرة التربية، عاقبه بابتسامة قرأ كعب من خلالها الحب الممزوج بالعتاب والتهذيب؟!

من غير سباب ولا صراخ، لم لا نحاول اليوم تعلم هذا الفن من فنون التربية؟


إن ابتسامة المغضب تتناسب مع عظم الجرم، لكنها ليست النوع الوحيد من ضروب التربية بالابتسام،

ففي أحيان أخرى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابل الخطأ بابتسامة من نوع آخر،

ابتسامة الحنان والحب الدافق، كما صنع مع خادمه أنس بنِ مالك رضى الله عنه لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم

أن يذهب في بعض حوائجه، فانشغل عنها بلعب الصبيان كعادة أطفالنا اليوم وغداً وفي كل حين.

فقد خرج أنس رضي الله عنه لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأى الصبيان يلعبون في السوق،

فانشغل عن حاجة النبي صلى الله عليه وسلم باللعب معهم، كما ينشغل كثير من غلماننا اليوم،

فاستبطأه النبي صلى الله عليه وسلم وخرج يبحث عنه، فوجده يلعب مع الصبيان،

فلله دره ما أحلمه صلى الله عليه وسلم ، مَن من الآباء أو المربين يطيق صبره على مثل هذا الغلام؟

ما صرخ صلى الله عليه وسلم ولا ضرب ولا سب؟ حاشاه فهو أسوة المسلمين الذي رباه رب العالمين.

لنصغ إلى أنس وهو يقص علينا خبره مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة،

فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسـي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم .

فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله قد قبض بقفاي من ورائي،

فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يا أُنيس، أذهبتَ حيث أمرتك؟»

فقلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله " أخرجه مسلم ح (2310).

لقد ضحك صلى الله عليه وسلم ، وأدرك أن خادمه طفل يعرض له ما يعرض لأمثاله من حب اللعب والتشاغل به ،

فنبهه على تقصيره بيد حانية أمسكتْ بقفاه، وشفعها بابتسامة حانية، تجدد الحب وتلتمس المعاذير.

وأما صيغة النداء مع هذا الصبي المتشاغل باللعب، المتلكئ عن المبادرة والمسارعة لتنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم ،

فهي درس آخر من دروس التربية والتوجيه، فقد قال له صلى الله عليه وسلم متحبباً: « يا أُنيس»،

وتصغير الاسم ضرب من ضروب التحبب والتألف والتودد، وهو خير من قواميس الكلمات النابية التي ننشرها

في وجوه أبنائنا وخدمنا وغيرهم ممن يخطئون علينا أو يتلكؤون في تنفيذ أوامرنا التي نظن أنها لا تقبل التلكؤ والتأخير.


وذات يوم دخل شاب على نبي الطهر والفضيلة صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أمر جلل

فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا!

أمر عجب، يستأذن أطهر البشر في صنع أرذل الخطايا، أما يستحي! أما يرعوي!

لقد ناله من الصحابة رضوان الله عليهم ما يتوقع لمثله من التقريع والتأنيب،

يقول أبو أمامة: فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه.

وأما النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أدرك أن مشكلة الشاب وانحرافه لن يقوَّم بالزجر والوعيد والتقريع،

فقال صلى الله عليه وسلم له: «ادنه» فدنا منه الشاب قريباً

فقال له صلى الله عليه وسلم : «أتحبه لأمك؟»

فانتفض الشاب غَيرة على أمه وقال: لا، والله جعلني الله فداءك.

فقال له صلى الله عليه وسلم : «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم».

ومضى النبي صلى الله عليه وسلم يستثير كوامن الغيرة الممدوحة في صدر الشاب:

«أفتحبه لابنتك؟» فأجاب الشاب: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك.

فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بمنطقية المربي: «ولا الناس يحبونه لبناتهم».

ثم جعل رسول الله يستل بحكمته ومنطقه دخن قلبه، ويطفئ نار شهوته بتعداد محارمه،

«أتحبه لأختك؟ .. أتحبه لعمتك؟ .. أتحبه لخالتك؟»

هل تحب أن تراهُنَّ وقد تعرضن لمثل ما تريده من محارم الآخرين؟!

فالناس يكرهون هذه الفعلة في محارمهم، كما كرهها هو في أهله .

فلما استبشع الشاب فِعلة الزنا؛ طلب صلى الله عليه وسلم له سبباً آخر من أسباب الهداية يغفل عنه الآباء والمربون،


ألا وهو دعاء الله الذي يملك أزِمّة القلوب ومفاتيحها، فقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه».

واستجاب الله له، يقول أبو أمامة رضي الله عنه: فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء. أخرجه أحمد ح (21708). .

قصة بليغة تضمنت دروساً متعددة في التعامل مع المخطئ، ليس أولها الدعاء له والحنو عليه،

والسماح له بالتعبير عن كوامنه، واستجاشة الخير الذي لا يخلو منه قلب خاطئ أبداً،

وفيها دعوة لنا لنراجع أنفسنا، ونغير من طريقتنا في التعبير عن ضجرنا من أخطاء أبنائنا وأصدقائنا،

فالسب والشتم الذي نكيله للمخطئين لن يكون سبباً في إصلاحهم وتهذيب سلوكهم وتعريفهم بأخطائهم.



قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً:





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©