عنوان الموضوع : محطات من تاريخ الجزائر - من التاريخ
كاتب الموضوع : kamiliya
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

أبدأ هَذِا المقال بأبيات لشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء يقول فيها:

وأوقفت ركب الزمان طويــــــلا أسائله عن ثـــمـود وعـــاد
وعن قصة المجد من عهد نوح وهل إرم.. هي ذات الــعمــاد ؟
فأقسم هذا الزمان يمينــــا قـال: الجزائر دون عنـاد

تاريخ الجزائر تاريخ يضرب بجذوره فِي عمق الحضارة الإنسانية، إذ يعود إِلَى حدود خمسة ملايين سنة فِي الماضي السحيق، أي إِلَى الزمن الجيولوجي الرابع.
إِنَّ فترة ما قبل التاريخ فِي الجزائر تحتوي عَلَى أقدم مواقع ما قبل التاريخ فِي حوض البحر الأبيض المتوسط، وترتبط الجزائر بخط الآدميات خط تنزانيا وأثيوبيا فِي القارة الأفريقية.
فموقع عين الحنش بولاية سطيف الذي يعود تاريخه إِلَى فترة ما بين 2.5 إِلَى 1.8 مليون سنة يبرز أنواعا من الفؤوس اليدوية وغيرها من الأدوات الحجرية البدائية التي استعملها الإنسان الأَوَّل، كما عثر فِي مواقع أخرى عَلَى عظام البشر والوحوش كالغزلان والوعول والفيلة.

وفي العصور التاريخية المبكرة عصر المماليك النوميدية، حفظت الخريطة الأثرية عَلَى العديد من المعالم، مثل: مقابر الدولمن والبازيناص (بنوارة) أقدم نماذج الدفن، واستمرت تلك المقابر فِي أشكال أكثر تطورا من الناحية المعمارية، مثل: المدراسن (الأوراس) (ق4 ق.م) والجدار فِي تيارت.
من المعروف أَنَّ الفينيقيين أموا بلاد الجزائر والمغرب بعامة فِي الألف الثانية (ق.م) واشتهروا بالتجارة، أسسوا قرطاج فِي تونس، إِلاَّ أَنَّ الجزائر استقلت بنفسها فِيما يعرف بالدولة البونية، وكان التنافس كبيرا بين الفينيقيين والبونيين، إِلاَّ أَنَّ الجزائر استفادت من تجارة الفينقيين ومن صناعتهم الحديدية، كما قيل: إِنَّ سكان الدولة البونيقية البربر أخذوا عن الإيجيين فِي الألف الثالثة ق.م زراعة التين والزيتون والكروم، كما أخذوا عنهم فن التصوير عَلَى الخزف.

وعلى ذكر البربر أَو الأمازيغ سكان الجزائر منذ أقدم العصور، يمكن القول بأن العلماء بالأنساب اختلفوا فِي أصولهم فقيل: إنهم ساميون بنو عمومة العرب، واستبعد الكثير هذا النسب، وقيل: هم حاميون نسبة لحام بن نوح وقيل: هم خليط من أجناس حامية سامية آرية استوطنوا شمال أفريقيا قادمين إليها من الغرب ومن الشرق ومن الشمال والجنوب، علما بأن بعض الحفريات الحديثة تؤكد أَنَّ الشمال الأفريقي كان يسكنه الزنوج قبل الجنس الأبيض المتمثل فِي البربر.
والعرب صنفوا البربر سكان شمال أفريقيا إِلَى صنفين أَو مجموعتين كبيرتين هما: البتر، والبرانس، وقالوا: إِنَّ البتر هم بدو البربر، وهم الرحل، ومنهم زناتة، القبيلة القوية في المغرب الأوسط (الجزائر). أَمَّا البرانس فهم كتامة وصنهاجة وكلتاهما من القبائل الكبرى في الجزائر خلال العصور الوسطى الإسلامية التي سنصلها في معرض حديثنا عن المحطات التاريخية للجرائر.

حاول ماسنيسا الإغليد العظيم (المللك العظيم) أن يبرز شخصية الدولة البونية المستقلة عن الفينقيين، لذلك واجههم إلَى وفاته عام 148 ق.م. وبعد ذلك بعامين، وصل الرومان إلَى إحراق قرطا وتدميرها عام 146ق.م.
كانت عاصمة ماسنيسا هي قرطا أو سرتا (قسنطينة حاليا) هَذِه المدينة الرائعة اهتم بها مِصِيبْسا خلف ماسنيسا وجعلها من أجمل العواصم في زمانه.
وفي عام 118 ق.م جاء يوغرطة الذي شعر بالهيمنة الرومانية علَى شمال أفريقيا وعلى دولة النومديين فلم يفتأ يحارب روما حتى قضت عليه. ويعتبر من أشهر فرسان البربر ومن ألد أعداء الرومان.
وفي العصر الروماني برز ملك عبقري فيما يسمى بمملكة موريطانيا الغربية وعاصمتها شرشال، ذلك هو يوبا الثاني الذي اهتم بالثقافة، فكان له من تآليفه:
- كتابان في تاريخ روما.
- كتاب في النظم الرومانية.
- كتاب في وصف جزيرة العرب وجغرافيتها.
- كتاب عن ألأشوريين واللوبيين.
- كتب عن الحشائش الطبية.

استقدم العلماء من أثينا عاصمة الحضارة الإغرقية، وكان حقا علَى اليونان أن يكافئوه علَى صنيعه فاقاموا له تمثالا بأثينا إكراما له.
العصر الروماني بالجزائر، وبلاد شمال أفريقيا دام حوالي ستة قرون أي من عام 148 ق.م حتى عام 429 م في هذا العصر، كما تلاحظون بُعث المسيح عيسى u، ومن المعروف أَنَّ ديانته حوربت وقتل أتباعه من بعده، فالأباطرة الرومان كانوا يعتبرون أنفسهم بمثابة الآلهة، فكانوا وثنيين رافضين لكل فكرة الوحدانية، ومع ذلك عمل الحواريون علَى نشر النصرانية في أصقاع الإمبراطورية الرومانية، ووصلوا إلَى الجزائر فاعتنقها البربر، رغم اضطهاد روما لهم، وذلك تعبيرا عن استقلاليتهم، ولَـمَّا أصبحت النصرانية بعد ثلاثة قرون من الاضطهاد، الديانة الرسمية للدولة عام 330م، علَى يد الإمبراطور قسطنطين، مال البربر إِلَى الدوناتية وهو مذهب فِي المسيحية وتركوا الكاثوليكية، وكل ذلك تطلعا إلَى الاستقلال عن روما.
ومن الآثار العميقة التي تركتها الحضارة الرومانية في الجزائر تلك المباني الضخمة مثل: تيمقاد وشرشال وتبسة وغيرها من المواقع العمرانية الرائعة في بلاد الجزائر.
وإذا كانت روما قد خلفت تلك الآثار العمرانية فِي الجزائر، فإن الجزائر كانت هي خزان روما من القمح Le Grenier de Rome، وكان المغرب القديم (شمال أفريقيا) القلب النابض في الحضارة الرومانية، فبقدر ما انتشرت تلك الحضارة بعمرانها وثقافتها ولغتها بقدر ما تميزت بلاد الشمال الأفريقي بخصوصيتها الثقافية، وهذا ما يتجلى في:
- فن العمارة والفسيفساء.
- الديانة الدوناطية.
- مقاومة الرومنة بالاحتفاظ علَى القبيلة وعلى اللسان البربري الأمازيغي.
ثُمَّ مرت علَى بلاد الجزائر محطة الوندال التي لم يستفد سكان الجزائر والشمال الأفريقي منها سوى الاضطهاد والدمار، ويعتبرون الحلقة ما بين عهد الرومان وخلفهم البيزنطيين.

استطاع البزنطيون من خلال عاصمتهم القسطنطينية أن يزيلوا حكم الوندال عن شمال أفريقيا والجزائر عام 534م، واستقروا في بلاد المغرب الوسيط أكثر من قرن من الزمان، اتخذوا لهم قواعد في الجزائر، وكانت عاصمتهم في سبيطلة مدينة بالقرب من القيروان حاليا.
البيزنطيون خلف للرومان، حاولوا إعادة مجد الرومان وربط شمال أفريقيا بهيمنتهم إِلاَّ أن بزوغ فجر الإسلام لم يسمح لبيزنطة من البقاء في الجزائر وغيرها من بلدان هذا المغرب الكبير.
فمن المعروف أَنَّ بيزنطة كانت تسيطر علَى بلاد الشام كله، وعلى مصر كلها، وعلى بلاد الشمال الأفريقي كله، ولَـمَّا خرج المسلمون من الجزيرة العربية فاتحين زحزحوا بيزنطة عن الشام في معركة اليرموك عام 15هـ، ثُمَّ زحزحوهم عن مصر عام 21هـ في معركة، وحصار الإسكندرية، ثُمَّ تقدموا نحو المغرب الكبير.
في هَذِه الفترة كان البربر يتطلعون إلَى الاستقلال عن البيزنطيين وكانوا يحاربونهم بقوة، وأنشؤوا ممالك لهم مثل كسيلة والكاهنة وغيرهما من ملوك البربر في هَذِه الفترة.

فما هو الخيار الذي سيختاره البربر؟ البقاء تحت نفوذ بيزنطة النصرانية، أم الوقوف إلَى جانب العرب واعتناق الإسلام؟
هَذِه محطة كبيرة في تاريخ الجزائر والشمال الأفريقي. في البداية وقفوا إلَى جانب بيزنطة العدو القديم، حتى إذا ما أدركوا حقيقة الإسلام انقلبوا علَى البيزنطيين وحالفوا إخوانهم المسلمين إِلاَّ أَنَّ الأمر لم يتمّ بسرعة، فلقد قاوم البربر العرب الفاتحين لمدة تزيد عن ستين عاما، فأول حملة كانت بقيادة عمرو بن العاص عام 23هـ مع عقبة بن نافع، ثُمَّ توالت الحملات والقيادات:
- عبد الله بن سعد بن أبي السرح: سقوط سبيطلة عاصمة البيزنطيين.
- عقبة بن نافع: بناء القيروان: أوَّل مدينة عربية إسلامية فِي الشمال الأفريقي.
- أبو المهاجر دينار: اتخاذ ميلة عاصمة للمغرب كله.
- عقبة بن نافع ثانية: ومقتله واستشهاده علَى يد كسيلة.
- معاوية بن حديج: يقتل كسيلة ويقتله البيزنطيون مباشرة بعد ذَلِكَ.
- حسان بن النعمان يحارب الكاهنة وتهزمه ثُمَّ يهزمها: يضع الأسس الأولى للإدارة في بلاد المغرب.
- موسى بن نصير: طارق بن زياد: استكمال فتح المغرب، ثُمَّ التوجه نحو الأندلس وفتحها.
ومِـمَّا يدل علَى اعتناق البربر للإسلام وإخلاصهم له خروجهم في حملة طارق بن زياد عام 92هـ لفتح الأندلس وشكلوا أغلبية الجيش، وربما كانوا من القبائل الجزائرية بالذات.

الفترة الإسلامية للجزائر تبدأ من عام 92هـ/ 714م، بل تبدأ ربما قبل ذلك لَـمَّا اتخذت ميلة عاصمة بلاد المغرب في حدود عام 55هـ/677م، وإلى يومنا هذا بطبيعة الحال، إِلاَّ أَنَّنا في التاريخ نقسم هَذِه المدة الطويلة إلَى ثلاثة أقسام ومحطات كبيرة هي:
القسم الأوَّل: الجزائر في العصر الوسيط الإسلامي: 55هـ -964هـ/ 677م -1556م، أي أكثر من تسعة قرون.
القسم الثاني: الجزائر في العصر العثماني: 1518م-1830م، أَي حوالي ثلاثة قرون.
القسم الثالث: الجزائر في التاريخ المعاصر: 1830 إلَى اليوم ويشمل عهد الاستعمار الفرنسي وعهد الاستقلال.

1- في القسم الأوَّل من التاريخ الإسلامي للجزائر يمكن إبراز المحطات التالية:
* بعد الفتح الإسلامي للجزائر وتبعية الجزائر للخلافة في المشرق يأتي:
- عهد الدولة الرستمية: 160هـ - 296هـ/ 777م-909م، أول دولة مستقلة في الجزائر.
- عهد الخلافة الفاطمية: 297هـ- 362هـ/ 910م-975م.
- عهد الحماديين والزيريين: 362هـ-547هـ. بنو حماد بالقلعة عام 408هـ.
- عهد الموحدين: 547هـ - 633هـ.
- عهد الزيانيين: 633هـ - 964هـ، وهيمنات الحفصيين والمرينيين.
في هذا القسم الأوَّل، ومن خلال المحطات المذكورة نسجل:
- تحسن إسلام سكان الجزائر وبلاد المغرب الإسلامي بعامة.
- بروز الثقافة العربية الإسلامية: الأدب والشعر والفقه والعلوم الأخرى.
- بروز التفوق الإقتصادي، وهو ما شهد به الجغرافيون وأصحاب الرحلات.
- بروز العديد من المدن فِي الجزائر كميلة وتيهرت والقلعة وبجاية والمسيلة والمدية.
- ظهور المذاهب الإسلامية وتنوعها، وبروز المذهب المالكي عَلَى غيره من المذاهب، وخلود المذهب الإباضي فِي الجزائر جنبا لجنب مع المالكية..
- بروز الطالعة الأخيرة من العرب، هَذِه الدفعة التي ستحاول صبغ الجزائر بالصبغة العربية الخالصة، وهذه العملية مستمرة إلَى اليوم.
فإن كان لقبائل بني هلال وزغبة ورياح آثار سلبية اقتصاديا فدورهم عظيم فِي تثبيت أركان العروبة بتعريب البربر، وربط الجزائر بالوطن العربي.

2- في القسم الثاني من التاريخ الإسلامي للجزائر: العهد العثماني 1518م-1830م يمكن إبراز ما يأتي:
- الأتراك العثمانيون وقوتهم وفتحهم للقسطنطينية (أسطانبول حاليا).
- سقوط الأندلس 1492م، وهروب المسلمين إلَى الجزائر وباقي الشمال الأفريقي.
- ملاحقة الإسبان للمسلمين واحتلالهم لبعض الحصون البحرية في الجزائر.
- بابا عروج وخير الدين: الإخوة بربروسا وإنقاذ الجزائر عام 1518م.
الجهاد البحري: سكان ا الجزائر ومجاهدو البحر – الأسطول الجزائري كان صاحب النفوذ في البحر الأبيض المتوسط.
- كل من يمر علَى هذا البحر يجب أن يدفع الغرامة (الإتاوة)، فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، البرتغال، أمريكا.
- لم يهتم العثمانيون بالثقافة كثيرا تركوها للسكان.
- تقسيم البلاد إلَى بايليكات: بايلك الشرق، بايلك الغرب، بايلك التيطري.
- تحطيم الأسطول الجزائري في معركة نافارين عام 1827م.

3- وجاء الاحتلال الفرنسي 1830- 1962م:
وجاءت فرنسا وكنـا كراما وكنا الألى يطعمون الطعاما
فأبطرهم قمحنا الذهبـي وكم تبطر الصدقات اللئاما
- احتلال الجزائر في 5 جويلية عام 1830م.
- سياسة فرنسا الصليبية: الحرق – القتل – الفتك، ودفاع الجزائريين عن وطنهم فِي ثلاث محطات:
- محطة المقاومة 1830م – 1919م.
- محطة الحركة الوطنية: 1919م – 1954م: الأحزاب والحركات والجمعيات، ورفع المطالب سياسيا...
- محطة الثورة التحريرية: 1954م – 1962م. واستشهاد أكثر من مليون ونصف شهيد، وربما ضعفه من المجاهدين والمعطوبين، وانطلقت شرارة الثورة من ألأوراس الأشم ليلة أوَّل نوفمبر 1954م.
نوفمبر جل جلالك فــيــــنــــــا ألست الذي بث فينا الـيـقـيـنا
- المحطة الأخيرة: الاستقلال: 1962م – 2015م: عصر البناء والتشييد، عصر الحريات، عصر الإنجازات الكبرى الذي ينعم بها الجزائريون فِي مختلف مناحي الحياة.



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©