عنوان الموضوع : قصة انا لست جميلة - المرأة
كاتب الموضوع : kamiliya
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

وقفت أمام مرآتي..فأخفيت وجهي بين كفي، أحسست بقطع المرآة تتهشم لتمزق شرايين قلبي، أدرت وجهي عن مرآتي، كثيراً ما كنت أهرب من الوقوف أمامها، فهي عدوتي الأولى التي تذكرني بدمامة شكلي، أتفحص ملامحي في صفحتها، لم يكن لي نصيب من جمال.
أراني اليوم أعود من المكتبة بلوحة ورقية و صمغ،أخفيت بهما مرآتي، فأحسست بعدها بنشوة انتصار.

سبقتني أختي التي تصغرني بعامين إلى قلب جدتي فهي جميلة و كثيراً ما كانت تقربها في حضرتي و تملأ وجنتيها بالقبلات الحارة و تضمها إلى صدرها دونما اعتبار لي، شأنها شأن الكثيرات من عائلتنا، كثيراً ما تقدم هي لأؤخر أنا، أجدني في آخر المجلس و الغبار قد غطى جلستي.

أمل: أمي لن آتي إلى منزل عمي الليلة.( قلتها و أنا أبتلع أشواك همي).
أمي: لا يا أمل ستأتين.
أمل: أمي أنا غير.... فصمتت
أمي: أنتِ ماذا يا حبيبتي.
أمل: لا شيء يا أمي الحبيبة، سآتي كما ترغبين.

تذكرت أمي المسكينة وهي تصارع أحزانها من داخلها لأجلي، أرى الدموع في عينيها لكنها تخفيهم عني مراعاة لمشاعري، أرى في حزن نظراتها سهاما تطلقها دونما قصد لتدمي بهم قلبي، ألا يكفيني ما ألم بي من أسى لأحمل على كاهلي اكتراث أمي لحالي.

ارتديت ملابسي و كأنني أرتدي لباسا من شظايا زجاج لترسم الدماء على جسدي و تنقش خرائط جروحي على روحي.
عندما أوصلتنا السيارة إلى منزل عمي، استقبلتنا زوجة عمي قائلة: تفضلوا.
ملأت وجه الجميع بقبلاتها و أهدت لي قبلة في الهواء.
قلت حينها في نفسي: سأتحمل ... لأجلكِ فقط يا أمي.
جلسنا و تبادلوا أطراف الحديث، و لم أحظى بنظرة أو كلمة، هممت بالخروج لكن تحاملت على نفسي و ألصقت رجليّ بالأرض.

عندما عدنا إلى المنزل، بحثت عن حضن أرمي به آهاتي و زفراتي، فلم أجد غير سجادتي أبللها بالدموع.
- " إلهي إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس..أنت ربي و رب المستضعفين".
أحسست بعدها بطمأنينة غريبة سرت في كياني.

********

في ليلة حالكة أتتني أمي و لم تستطع أن تخفي فرحة قلبها و جذالة روحها.
-أمل.
-نعم أمي.
-لقد أتاكِ خاطب يا ابنتي، و سيأتي غداً مع والدته لزيارتنا و لرؤيتكِ.
-لرؤيتي يا أمي.. ما الذي سيراه يا أمي؟
أحسست بها و هي ترمقني بنظرة شفقة. "ليتني لم أقلها"، ابتلعت غصتها و قالت:
-سيأتون غداً بإذن الله فارتدي أجمل رداء لديكِ.

و مضت أمي تاركة لي صفعة ذكرياتي المريرة.
سنوات عديدة مضت و لم يطرق بابي أحد، و لم يتقدم لخطبتي أحد، نعم كيف سيرضى أحد ما بإنسانة دميمة بأن تكون زوجته.
رأيت زهرات عائلتنا يكبرن أمامي و يتزوجن الواحدة تلو الأخرى، و أنا أرقبهن من بعيد و أحملق في وجهي تارة أخرى.
و ها هي أختي الصغرى قد انعقد قرانها على أحد أقربائنا منذ سنة، بعد جيش من الخطاب كانوا قد تقدموا لخطبتها،و أنا ما زلت أصارع همومي..
- هل أقابله؟ أم أرفضه من الآن..؟

مسكينة أمي ابتليت بابنة مثلي، زدتها أعواماً على أعوام عمرها، و زدت ظهرها اعوجاجاً و شعرها ابيضاضا،و رسمَت لها همومي في وجهها الصافي من تجاعيد الزمن، حملت همي منذ ولادتي، تحاول أن تزيحه عن كاهلها لكنه يزيد ثباتا في كل مرة.

شريط آهاتي لا ينتهي، فكرت أن أسلم نفسي للنوم علني أرى غداً مشرقاً، وضعت رأسي على مخدتي فأحسست بسكاكين تشق طريقها إلى رأسي، لم أستطع أن أسلم من مخدتي أيضا، نهضت من الفراش لأرقب الليل فهو موحش كقلبي، ألف خاطر و خاطر مر على قلبي حتى أذن الصبح بالانبلاج.

*****

في عصر ذلك اليوم
-أمل يا حبيبة استعدي سيأتون قريباً.
-أمي...
-نعم يا ابنتي
" ترددت كثيراً في إخبارها عن حقيقة مشاعري"
-لا شيء.. سأجهز قريبا ( قلتها و أنا و أنا أغوص في بحر من سهام من لظى)

و عندما أتى الضيوف،
أمي: هيا يا أمل انزلي
لم يشعروا بي و أوصالي ترتعد.
أدخلتني أمي عليهم، سلمت و جلست صامتة، و لم ينبس الخاطب ببنت شفة، فأحسست بمطرقة تهوي على هامتي، و شعرت بالغرفة و كأنها تضيق على قلبي لتتفجر مأساته.
ثم خرج بعدها الخاطب و لم يعد.

و ارتميت أنا في أحضان غرفتي أشكو لوعاتي و لظى آلامي.

عندما عاد أخي من الخارج بعد أن أتم درسته،شعر بنار الوحدة تكويني، خاصة بعد زواج أختي الصغرى، و أحس بما أكابده من آلام الحسرة و الأسى، أحسست به و هو يرقبني من بعيد، يرسل نظراته و كأنه يدرك حالي و ما آلت إليه حياتي.

و في ليلة قمرية جرته خطاه إلى غرفتي
-أمل
-نعم يا أخي
-خذي..هذه هديتي لكِ.. أرجو أن تحافظي عليها
-شكراً لك.. شكراً لك يا أخي
أخذتها منه و ملامح الدهشة قد خطت على وجهي، ثم تركني و ولى خارجا، فما لبثت أن فتحت الهدية بشغف، فوجدتها كتاباً نورانياً ينطق بالحق، أحرفه من ذهب، تلوت آيات كنت أحفظها منذ صغري، أحسست و كأنني أنتشل روحي من الضياع لتبحر في سماء الطهر، شعرت بقلبي ينقى من شوائبه، أخذته و ضممته إلى صدري، رفعته عالياً بكلتا يدي فأحسست بنور مشع يتسلل منه إلى طرقات قلبي.

سعدت بهديتي كثيراً، أصبحت شغلي الشاغل، أتلو آيات الرحمن، أبحث عن معانيها، حتى وجدت نفسي أحفظ بعض الآيات من شدة تكراري لها، أكررها لجمالها و لأثر لها في النفس، كنت كالظمآنة في الصحاري القاحلة تحت الشمس الحارقة ترتوي من كلام الله، فلامست المعاني شغاف قلبي.

و في لحظات ضغطت على أحرف في لوحة المفاتيح و رسمت بالفأرة هرماً و وضعت هدفي في أعلاه و طبعت الورقة، و نصبتها على باب غرفتي لأراها دوما.
بدأت أحفظ كتاب الله و بدأت أتذوق طعم السعادة في الحياة، كلما ارتفعت في الهرم زدت همة و إصراراً، نسيت همومي بل دفنتها في قيعان بحر شوقي لحياة يظللها كتاب الله، و لمحت حياة جديدة ترتسم في وجه أمي، بعد أن رأتني سعيدة و كأنها استعادت ربيع عمرها.
*******
- سأسهر هذه الليلة لأختم حفظي فلم يتبقى لي إلا القليل، لم أستطع أن أقاوم سيل دموعي و أنا أقترب من أواخر السور...
سورة الضحى...القدر.. الإخلاص.. الفلق.. الناس...
انتهيت و لله الحمد، مشيت مسرعة إلى سجادتي أتعثر في خطواتي بسبب غشاوة من الدموع حجبت عني الرؤية، رفعت أكف الضراعة بأن يتقبل الله مني عملي و أن يثبت حفظي و حمدته حمدا كثيرا.

لم أستطع أن أنم في تلك الليلة، جلست أرقب النجوم و هي تتلألئ في السماء و كأن بريقها قد نقش في أعماق فؤادي.
مع بزوغ الفجر.. ذهبت كطائر يرفرف بجناحي السعادة باتجاه غرفة أخي، و دموعي تسبق عباراتي
-أخي.. أخي الحبيب.. لقد حفظت كتاب الله
-مبارك... مبارك يا حبيبة.
ارتسمت البسمة على وجهه، و لمحت بريق دمعة في عينه، فطبعت على جبينه قبلة وفاء و عرفان.
ومضيت مسرعة إلى أمي الحبيبة فوجدتها على سجادتها تلهج بالدعاء، و لم تستطع أن تخفي ملامح الاستغراب عن وجهها بسبب تواجدي في هذا الوقت في مصلاها، فلم أدع لها مجالا للاستغراق في التفكير،
-أمي الحبيبة
-نعم يا ابنتي
-لقد أتممت حفظ كتاب الله يا أمي
لم تتمالك أمي نفسها من الفرحة فغمرتني بقبلاتها الممزوجة بدموعها.

******

في عصر ذلك اليوم أخذني أخي إلى مركز لتحفيظ القرآن لتثبيت حفظي و تعلم التجويد، فسجلت اسمي، و انشغلت بدوام المركز، و نسيت الدنيا بأسرها، و كأنني دخلت عالماً آخراً، عالماً تحيط به هالات من النور و الضياء، تحف به رياحين الهدى و تتشابك به سعادة الروح مع رغبات النفس، و في مدة قصيرة أتقنت الحفظ و أحكام التجويد.
فوجدت نفسي و كأنني على بساط السعادة ينقلني من بهجة لأخرى، أقطف زهور الأمل من كل بستان.
ثم عينت بعدها من قبل المركز كمحفظة لكتاب الله، تذكرت حينها قول رسولنا الحبيب عليه الصلاة و السلام " خيركم من تعلم القرآن و علمه"، بدأت أتحسس ملامح وجهي بكفي، و علمت أن سعادتي تسكن في قلبي و ليس في ملامح شكلي.

لم أسمح لنفسي بأن أفكر في بيت هانئ أسكنه مع زوج و طفل أحمله بين أحضاني، فلم يعد هذا الأمر يشغلني، فقد نذرت نفسي لله و لخدمة كتابه، فوجدت السعادة تطرق بابي و بشدة، و أحسست بالطمأنينة تسري فيني مسرى الدم بعد أن ملأ الرضا فؤادي، و بعد أن فككت عني قيود الآلام و حطمت سلاسل الأسى عن كياني.

******

عدت من المركز ذات ليلة و قلبي يتراقص فرحاً، فقد أتمت إحدى تلميذاتي حفظ كتاب الله، و لجت إلى غرفتي و وقفت أمام مرآتي و بدأت بإزالة اللوحة الورقية المختبئة وراءها المرآة، نزعت اللوحة و مزقتها، و بصرت نفسي في المرآة و لم ألقي بالا لدمامة وجهي..
فقد انتصرت اليوم ... نعم انتصرت على نفسي.





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©