عنوان الموضوع : المقامة التعارفية
كاتب الموضوع : inzou07
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

حدثنا عبادة في يوم الإبادة، قائلا: "في طريقنا إلى المدينة، عثرت البغلة البدينة، ونزلت والشيخ ابن زعفان إلى قرية بني ورشان (1)، وبتنا ليلةً بغابة المرجة (2)، صعبة فيها الفرجة، ودخلنا المدينة مع الصبح، فوجدناها متلألئة ضاوية، بدورتين وزاوية، ذات جبال وسهول وهاوية.
قال عثمان: مدينتك ما أجملها، وما أتركها وأهملها.. والآن إلى بيتك نصب غداءً، أو إلى السوق نبتاع شواءً (3)، فقلت: لست أبا زيد، وفك عنك كل لثام وقيد، فضحكنا وربطت معه علاقة ود، بهزل وجد، حتى وصلنا الكرطي (4) الذي فيه أقطن، وكنت أتصبب عرقا وأقطر.
نزلنا بيتي، وناديت ربة البيت، وبنا رحّبت، والأكل حطّت، فأكل وأكلت، ولا نبس ولا نبست، وبعدئذ أتت لنا ببراد (5) شـاي ملقم (6)، بالنعناع ملغم، فشربنا وتعارفنا جيدا، فوجدته غلام المعارف بل سيدا؛ فيه من العلم شيء، ومن الأدب شيء، ومن الفـقه شيء، ومن كل فلسفة وسفسطة (7) فيه شيء.. فاتفقنا على أن نحتال، وكبنات آوى نختال، فالعروبية (8) أكلونا، وأمهاتنا ثكلونا.
خرجنا بعد الظهر نتسكع، نتدنصر (9) ونتثعلب ونتسبع، وأخذنا طاولة في الملهى الجامعي، واستغرب الإمام لتسميته مقهى الشافعي، فقلت: كل شيء ممكن في الدشرة، هذا ما قيل في النشرة، يوم أمس على الثامنة وعشرة .... فضحك مضطراً.
عرفته على معارفي وأصدقائي، فمنهم من قلت له أنه طبيب وقائي، وقلت لآخرين أنه من الدرك، ولآخرين أنه من أنشط الحرك (10)، وللبعض أنه كاهن بابل، وللنساء أنه ولاّد قابل، وللمصلين أنه زاهد، وللشباب أن له ابنة ناهد، وللعاملين عليها أنه قريب أمير المؤمنين، وللفساق أنه متعاطي الممنوع ومن المدمنين، وللسواد أن له خبرة في الزراعة، ولأصحاب الحرف أنه مخترع آلات الصناعة، ولجمهور الأدب أنه شاعر، وفي الغزل والتشبيب شاطر، وللمرعوبين أنه إمام الإنس والجانّ والأرض القديمة، وسائر الكواكب البعيدة العديمة، وأن له خاتم سليمان وقدرة آصف (11)، يجعل –بإذن الله- هذا الصيف عاصف، (........)، فاحتار القوم، وضاهت عيونهم البوم.
فقالوا فيه: المهدي المنتظر (12)، وحفيد الإمام المنتصر (13)، وابن سيدي خليفة (14)، أو من نسل سيدي قادة (15) ولد لطيفة، وأنه مبعوث أفغاني، وأنه ماجن فاسق علماني (16)، وأنه فقيه عليم، شيعي أو متصوف بالسذاج حليم، محنك (17) خبير، وسياسي خطير، وقالوا إنه من آل البيت (18)، وأضافوا كيتاً وكيت (19).. حتى اندهش لما سمع، ومن الفرحة دمع. فنصبوه بدل الإمام الإباضي (20) بالمسجد العتيق، المعلم الأثري العريق. وخطب في القوم، فأثنى الله وحمده، فتضاحك الإباضي وحسده، فقال عثمان الإمام، تاني عطفه للأنام:
(وللحِلم أوقاتٌ، وللجهـــل مثلها،
ولكــنّ أوقاتي إلى الحِلم أقربُ.
يصول (21) علي الجاهلون وأعتلـي
ويُعْــجِمُ فيّ القائلــون وأُعرِبُ.
يرون احتمالـي غصّةً، ويزيدهــم
لواعج ضغن (22) أنني لست أغضب.
ولا أعرف الفحشاءَ إلا بوصفــها
ولا أنطق العوراءَ (23) والقلب مُغضب.
ولست براضٍ أن تمسّ عزائمــي فضلات ما يعطي الزمان ويسـلـب)."(24).





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©