عنوان الموضوع : بداية الحكم العثماني في الجزائر ج2 من التاريخ الجزائري
كاتب الموضوع : chahinez
مقدم من طرف منتديات ايمازيغن

mile1:معركة تلمسان واستشهاد عروج 1518مmile1:


بعد أن تمكن عروج من تلمسان منع أهلها من التعامل مع الإسبان وتقديم المدد لهم ، فضاقت أحوالهم ، فاستغل أبو حمو الثالث الفرصة وراسل الإسبان كما سبق الذكر ،ولما بلغ الأمر الإسبان ردوا عليه قائلين : « أنتم لم تطلب منا مددا ولو كنت فعلت لنصرناك ووجهنا لك ما تريد و الآن قد أنعمنا عليك بما تريد فتوجه لعدوك ونحن معك . ».
وراسلهم مرة أخرى فقل لهم: « مدوني بحملة وافرة من المال و الرجال لأنفقه في سبيل غايتي ، واستخلص به المدينة من يد الأتراك ،وحين ترجع العمالة إلى يدي ترجعون إلى ما كنتم عليه من إمدادكم بالزرع والأنعام وسائر ما تحتاجون إليه . ».
وما زاد في تأزم الوضع هو انضمام أبو زيان المسعود الثالث إلى صف عمه أبي حمو ، لذلك لم يجد عروج بداً من إيقاف هذه المشاغبات ، فقتل أبا زيان وكل المناوئين له ، واغتنم الإسبان هذه المرحلة المضطربة ، فاخذ حاكم وهران يستعد لمهاجمة قلعة بني راشد ، و في نفس الوقت انتبه عروج لهذه العملية من جانب الإسبان فوجه أحد قواده من القرصان إلى حيث أخيه إسحاق.
وإقليم بني راشد هذا يمتد على طول نحو خمسين ميلاً من الشرق إلى الغرب ،وعلى عرض يقرب من خمس وعشرين ميلا ، جهته الواقعة جنوبا كلها سهول و الواقعة شمالا كلها مرتفعات ، لكن أراضيها معاً صالحة للزراعة ، وينقسم سكانها إلى قسمين فأهل المرتفعات يسكنون دوراً لائقة جداً مبنية بجدران ويزرعون الحقول و الكروم ، ويشتغلون بسائر ضروريات الحياة .
وقد أمد النصارى أبا حمو بسبعة آلاف دينار ذهبا واخذوا منهم رهنا على هذا بأخذ ستين من أبناء أشياخ عربه ، فاجتمع له الخيل نحو الخمسة عشر ألف ، وخرج النصارى ممدين له بخمسة عشر مائة ، فلما سمع خير الدين بذلك ،وجه جيشا إلى قلعة بني راشد وأمّر عليهم أخاه إسحاق ، وتقاتل الفريقان وكان النصر لطائفة الإسلام ، فقتلوا منهم سبع مائة ،وأسر ثلاث مائة ودخل المسلمون القلعة ، أما الإسبان فقاموا بتنصيب المدافع في حين يخرج المسلمون يرمونهم بها ، فاستشهد الكثير منهم ، ورجع الباقون إلى القلعة ،وبقوا في الحصار نحو ستة أشهر ، فقام النصارى بحفر الخنادق و الأنفاق وملؤوها بالبارود مما أدى بانفجارات داخل القلعة ، هذا ما جعل المحاصرين يعقدون اتفاقا مع العدو .
وجاء في مضمون هذا الاتفاق أن يرد الإسبان الأسرى لجيش المسلمين ، وخروج المحاصرين بجملة أمتعتهم ، وأن يكون بيد المحاصرين الإسبان 16 رجل من المحاصرين المسلمين ، وعندما شرع المسلمون في الخروج خرق الإسبان الاتفاق وشرعوا في اخذ متاع المسلمين واستذلالهم وهذا ما أدى إلى اندلاع الحرب من جديد .
وزادت إسبانيا إمداداتها إلى حمو الذي قدمت إليه قوة مقدرة بـ ثلاث مائة رجل بقيادة القائد مارتان درغوط ، وفي 15 من نفس الشهر، خرج الجنود الأتراك من القلعة بقيادة إسحاق ليهاجموا معسكر أبي حمو و الإسبان ليلاً ، غير أن الطرف الثاني تمكنوا من ردهم بعد أن قتلوا وجرحوا عددا منهم ، ولم يفقد النصارى إلا قتيلين وبعض الجرحى ، لقد تمكن العدو من إسحاق وقائد قواته، بعد أن استسلم ، وقد اختلف في أمر إسحاق ابن يعقوب ، فهناك رواية تذكر أنه قتل من طرف سكان القلعة الذين انقلبوا عليه ، وهناك رواية أخرى تذكر أنه قتل من طرف إتباع أبي حمو ، وفي نهاية الأمر استولى سلطان تلمسان على القلعة ، ثم ذهب هو ومن معه إلى تلمسان وحاصرها لمدة ستة وعشرين يوماً .
رغم هذه البطولة التي قام بها النصارى وعملاؤهم من بلاد المغرب ، إلا أنهم أدركوا أنهم لا قبل لهم بمهاجمة عروج رغم افتكاكهم القلعة ، فذهب حاكم وهران دوكماريوس الماركي إلى إسبانيا لمقابلة الملك العظيم شارلكان ، فأطلعه على الخطر المحدق بالمستعمرات وقوة عروج البحرية والحربية ، فاستحسن هذا الأخير تدبير حاكم وهران وأرسل جيشا عرمرم نزل بوهران عام 1518 م .
لم يتمكن عروج على إثر القتال الذي جرى بالقرب من القلعة ،ولم يحتمل مقتل أخيه إسحاق ومن معه فاتجه صوب قلعة المشور ينتظر إمدادات من قبل سلطان فاس المريني تنفيذا للوعود التي كانت بينهما ، وقيل بأن الملك المغربي بعث المدد عبر طريق مليلة فطال به الطريق ولم يصل في الوقت المناسب ، ضاق على إثرها الحصار على عروج ولم يبق منهم سوى 500 رجل ، لكن الخديعة تنجح أحيانا ، فيما لا ينجح السلاح ، فعند مجيء عيد الفطر تقدمت جماعة من المسلمين وطلبت من حراس المعقل السماح لهم بإقامة صلاة العيد في مسجد المشور فأذن لهم بذلك ،وما كادت هذه الجماعة تدخل المسجد حتى أخرجت السلاح وشرعت في قتال الأتراك فتصدت لها جماعة عروج، فقرر هذا الأخر الخروج من المشور نحو بلاد الساحل وكان الإسبان يترصدونه ، وجرت بينهم معركة عنيفة .
استشهد بعد هذه المعركة كل رجال عروج وبقي يدافع عن نفسه لوحده ضد القائد كارسيا الإسباني إلى أن تمكن منه النصارى، فقاموا بنزع رأسه وساروا به نحو وهران ثم أرسل في كيس إلى إسبانيا ثم انتشر إلى معظم دول أوربا ، وكانت نهاية رأسه هذا أن وضع في دير القديس سان جيروم .

وفرحاً بهذا النصر أخذت ملابسه إلى إسبانيا واخذوا يطوفون بها في الشوارع و الأنهج تطمينا لأفئدة السكان المملوءة غيضا وحقدا على المسلمين ، ويروى أن جثمانه قدم به إلى العاصمة فدفن بجوار ضريح سيدي رمضان ، وقبره من يمين الداخل للضريح متميلا بجدران المسجد .
وأعاد الإسبان أبا حمو الثالث المحتضر على أن يكون حليفهم ضد الأتراك ،ويدفع لهم سنويا عشر ألف دوكة أو بياسطر، و12 فرصا و 6 صقور رمزا لخضوعه واستخذانه للإسبان ،وفي هذه السنة جدد خير الدين سور مدينة الجزائر، الذي أنشأه بلكين ملك صنهاجة من قبل .
أما موقف خير الدين من مقتل عروج فقد استسلم لأمر الله تعالى ، وكان قد أدركه فصل الشتاء ، فلم يقدر على الحركة فيه ، فلما انصرم الفصل ودخل فصل الربيع خرج على حملة كبيرة احتوت على سبع مائة مقاتل من الجيش وعشرين ألف فارس ، وبقي يحرس العمالة خوفا عليها من سلطان تلمسان ، وقد كان تخوفه من الناحية الغربية ، فبعث إليهم قائلا : - إن قدم إليكم فأعطوه يدي الطاعة ظاهرا أو صانعوه بهدايا تموهون عليه بها لئلا يلحقكم ضرر من ناحيته - ، فلما دخل السلطان إلى عمالة خير الدين فما يليه من ناحية الغرب أطاعه أهلها كما رسم لهم بطلهم خير الدين .
وما قيل عن عروج بعد وفاه ، أن سبب قتله أن الجزائريين راسلوا حاكم البرج الإسباني سريا واتفقوا معه بأن يقتل جميع الأتراك،وأن يضعوا أنفسهم تحت حماية النصارى أفضل من العنصر التركي الذي لم يعرف كيف يتحكم في البلاد ،ويذكر أحد المؤرخين أن عروج قتل على بعد 92 كلم من تلمسان بينما كان فارا متجها إلى يزناسن ،وذكر شارل آندري جوليان ، وهكذا انتهت في سن الأربعين عاما هذه الحياة المجيدة في ميدان المغامرة ، إنه الرجل الذي أنشأ القوة العظيمة لمدينة الجزائر و البلاد البربرية ، أدرك مدى ما تستطيع أقلية عاملة تحقيقه في وسط مليء بالمنافسات ، أن يؤسس دولة إسلامية قوية .
هكذا مات عروج مأسوفا عنه كل الأسف من قبل جميع الذين كانوا تحت رايته وعملوا تحت لوائه ، هذا هو الشهيد عروج بن يوسف التركي ، وهذه هي أعماله بالجزائر خلال ستة سنوات .
ووصف هايدوا ببر مدينة الجزائر عروج بأنه محبوب من طرف رجالاته ، لقد كان يعمل وحده تقريبا ، لا يثق في أحد ، ومع ذلك وبالرغم، منكل ما قيل عنه إلا أنه ظل يهمل حتى سيطرت على دولة امتدت من المتيجة و الجزائر إلى وادي الشلف ، و الظهرة والونشريس وتلمسان .


©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©